من الصعب علينا أن نتوقع ما سيحدث حتى لو أردنا ذلك، لكن السؤال هنا، هل ينفرد البشر برغبة التخطيط للمستقبل ؟ تجهز العديد من أنواع الطيور في النصف الشمالي من الكرة الأرضية للسفر جنوبًا حتى قبل انخفاض درجات الحرارة خريفًا، حيث ستجد الأمان ووفرة الطعام، ما يمكنها من تخطي الشتاء. هل تفكر هذه الطيور في المستقبل وتخطط له؟
الجواب هو لا، الطيور لا تفكر في مستقبلها. تُعَد الهجرة عند الطيور سلوكًا غريزيًّا، ففي الفترة التي تسبق الهجرة، يؤدي تغير طول النهار إلى تبدلات هرمونية ترفع مستوى نشاط العديد من الطيور، وتصف الكلمة الألمانية zugunruhe هذه العملية، إذ تعني (أرق الطيور المهاجرة) أو (تململ الهجرة). يظهر أرق الطيور المهاجرة حتى عند الطيور المحبوسة في الأقفاص، إذ تُظهر ميلًا إلى اتخاذ اتجاهات طيران تتوافق مع الاتجاهات التي كانت لتأخذها في الطبيعة.
هل يعني هذا أن الحيوانات لا تقدر على التخطيط للمستقبل ؟ وهل هذه ميزة نوعية تخص البشر؟
للإجابة عن هذا السؤال، يجب أن نلقي نظرةً أقرب على مفهوم التخطيط. هل يخطط الذئب في أثناء صيده لكيفية التقاط فريسته؟ لا، على الأرجح هو فقط يريد تلبية احتياجاته المباشرة، لا أن يخطط لسيناريوهات مستقبلية في عقله. في علم النفس المقارن، نصف رحلة الزمن العقلية بأنها عملية تسمح للمرء أن يتخيل المستقبل ضمن إطار مرن من التخطيط، ونعلم أن الحيوانات لا تقدر جميعها على ذلك.
دعونا نأخذ مثالًا، إذا كان الجو باردًا ماطرًا، لكنك تخطط للخروج في رحلة إلى الجنوب الدافئ المشمس. رغم أنك ترتدي معطفًا وحذاءً مضادًا للماء، سيمكنك عقلك من تخيل احتياجاتك عند استمتاعك بأشعة الشمس في المستقبل، وستحزم قمصانًا ونظارات شمسية وواقيًّا من الشمس، لأن قدرتك على التخطيط المرن وتخيل المستقبل منفصلة عما يحدث في وقتك الحاضر.
إذن، لا تخطط الطيور المهاجرة والذئاب التي تمارس الصيد لمستقبلها، لكن النتائج الأخيرة تُظهر لنا أن بعض الحيوانات تفعل ذلك! أُنجزت إحدى أولى الدراسات التي طرحت السؤال عن قدرة الحيوانات على التخطيط في حديقة قرود في مدينة لايبزيغ في ألمانيا.
في أثناء التجربة، أُعطي البونوبو (الشمبانزي القزم) وإنسان الغابة إمكانية الحصول على حبات العنب من جهاز بمساعدة أداة خاصة. لاحقًا، رغم بقاء العنب والأداة، كان الجهاز مغلقًا. بعد ساعة من الزمن، استطاعت القرود الاقتراب من الجهاز ثانيةً، لكن الأداة كانت مفقودةً هذه المرة. لم تستطع أي من القردة حل المشكلة في محاولتها الأولى، لكن البشر أيضًا لا يقدرون على التنبؤ بالمستقبل، فهم يحتاجون إلى الخبرة لتوقع ما سيحدث.
مع تكرار التجربة، تعلمت القرود أن تخبئ الأداة لتستخدمها لاحقًا، ما يعني أنها تستخدم الخبرة لتخيل المستقبل ووضع توقعات والتخطيط لما سيحصل. أظهرت أبحاث أخرى أن القرود لا تحافظ على الأدوات التي ستحتاج إليها لاحقًأ فحسب، بل تصنعها أيضًا.
وفقًا لدراسة نُشرت سنة 2019، تتصف القدرات التخطيطية عند القرود بالمرونة الشديدة. احتاجت قرود إنسان الغاب إلى الاختيار بين الأداة (التي قد تكون مناسبة أو غير مناسبة لفتح الجهاز المحتوي على الطعام) والطعام (الذي قد يكون مما تفضله أو لا تفضله).
المثير للدهشة أن قرود إنسان الغاب رفعت نوعية واردها الغذائي عبر اتخاذ خيارات مرنة. فمثلًا اختارت القردة الحصول على الأداة بدلًا من الطعام المتاح لها حالًا، هادفةً للحصول على طعامها المفضل باستخدام هذه الأداة. اختار أغلب القرود أيضًا ألا يبذلوا جهدًا كبيرًا عندما أصبح ذلك متاحًا، فقد اختاروا الحصول على الطعام المتوافر مباشرةً بدلًا من استخدام الأداة، حال كان الطعام الموجود ضمن الجهاز لا يختلف عن الطعام خارجه.
يشير دليل إضافي إلى أن القرود تخطط لمستقبلها. إذ يخطط ذكر إنسان الغاب ذي الشفة Flanged male orangutans للتنقل في أثناء تحركه في أنحاء الغابات المطيرة. ترسل الذكور نداءات طويلة تستخدمها الإناث للحفاظ على ارتباطها بالذكور ضمن مجال السمع. يُنبئ الاتجاه الذي يرسل فيه الذكر نداءاته الطويلة بجهة تنقله التالية لعدة ساعات، ويشير سماع نداء جديد إلى تغير في جهة تحركه الرئيسية. لوحظ أن ذكر شمبانزي في حديقة حيوان سويدية يخبئ الأحجار ليرميها لاحقًا على الزوار، مظهرًا أن معرفة القرود لا تقتصر على التخطيط، فهم يعرفون عن التباعد الاجتماعي.
إذن، هل ينفرد البشر وأولاد عمومتهم من الرئيسيات في التخطيط للمستقبل ؟ في الحقيقة، الجواب هو لا، يجد الباحثون قدرات معرفية صادمة في المملكة الحيوانية. يخبئ نوع من الطيور الأمريكية الطعام المُحتمَل ألا يتوافر لاحقًا ليتناوله صباح اليوم التالي، مثلما تحتفظ بجزء من وجبة طعام جاهزة جانبًا لتتناولها لاحقًا.
يستطيع طائر الببغاء من فصيلة غوفين كوكاتو Goffin cockatoos أن يستغل هذه القدرة بأفضل طريقة عبر مقارنة نوعية الطعام الذي يحصل عليه مباشرةً مقابل نوعية الطعام الذي سيحصل عليه لاحقًا، والذي يتطلب استخدام أداة ليحصل عليه.
نأمل أن تُعرّفنا الأبحاث المستقبلية في مجال القدرة الإدراكية عند الحيوانات على المزيد من الكائنات التي تشاركنا في التفكير المستقبلي، وتعلمنا المزيد عن قدرتنا على التفكير ضمن هذه العملية.
وإنْ لم تكن جميع الحيوانات قادرةً على التخطيط للمستقبل ، فالكائنات البشرية تستطيع. لذا دعونا نستخدم أدمغتنا المليئة بالقدرات لتعديل سلوكنا اليومي وفقًا للظروف حولنا، والبدء بالتخطيط لمستقبل نستطيع جميعًا المشاركة فيه.
المصدر:ibelieveinsci
الجواب هو لا، الطيور لا تفكر في مستقبلها. تُعَد الهجرة عند الطيور سلوكًا غريزيًّا، ففي الفترة التي تسبق الهجرة، يؤدي تغير طول النهار إلى تبدلات هرمونية ترفع مستوى نشاط العديد من الطيور، وتصف الكلمة الألمانية zugunruhe هذه العملية، إذ تعني (أرق الطيور المهاجرة) أو (تململ الهجرة). يظهر أرق الطيور المهاجرة حتى عند الطيور المحبوسة في الأقفاص، إذ تُظهر ميلًا إلى اتخاذ اتجاهات طيران تتوافق مع الاتجاهات التي كانت لتأخذها في الطبيعة.
هل يعني هذا أن الحيوانات لا تقدر على التخطيط للمستقبل ؟ وهل هذه ميزة نوعية تخص البشر؟
للإجابة عن هذا السؤال، يجب أن نلقي نظرةً أقرب على مفهوم التخطيط. هل يخطط الذئب في أثناء صيده لكيفية التقاط فريسته؟ لا، على الأرجح هو فقط يريد تلبية احتياجاته المباشرة، لا أن يخطط لسيناريوهات مستقبلية في عقله. في علم النفس المقارن، نصف رحلة الزمن العقلية بأنها عملية تسمح للمرء أن يتخيل المستقبل ضمن إطار مرن من التخطيط، ونعلم أن الحيوانات لا تقدر جميعها على ذلك.
دعونا نأخذ مثالًا، إذا كان الجو باردًا ماطرًا، لكنك تخطط للخروج في رحلة إلى الجنوب الدافئ المشمس. رغم أنك ترتدي معطفًا وحذاءً مضادًا للماء، سيمكنك عقلك من تخيل احتياجاتك عند استمتاعك بأشعة الشمس في المستقبل، وستحزم قمصانًا ونظارات شمسية وواقيًّا من الشمس، لأن قدرتك على التخطيط المرن وتخيل المستقبل منفصلة عما يحدث في وقتك الحاضر.
إذن، لا تخطط الطيور المهاجرة والذئاب التي تمارس الصيد لمستقبلها، لكن النتائج الأخيرة تُظهر لنا أن بعض الحيوانات تفعل ذلك! أُنجزت إحدى أولى الدراسات التي طرحت السؤال عن قدرة الحيوانات على التخطيط في حديقة قرود في مدينة لايبزيغ في ألمانيا.
في أثناء التجربة، أُعطي البونوبو (الشمبانزي القزم) وإنسان الغابة إمكانية الحصول على حبات العنب من جهاز بمساعدة أداة خاصة. لاحقًا، رغم بقاء العنب والأداة، كان الجهاز مغلقًا. بعد ساعة من الزمن، استطاعت القرود الاقتراب من الجهاز ثانيةً، لكن الأداة كانت مفقودةً هذه المرة. لم تستطع أي من القردة حل المشكلة في محاولتها الأولى، لكن البشر أيضًا لا يقدرون على التنبؤ بالمستقبل، فهم يحتاجون إلى الخبرة لتوقع ما سيحدث.
مع تكرار التجربة، تعلمت القرود أن تخبئ الأداة لتستخدمها لاحقًا، ما يعني أنها تستخدم الخبرة لتخيل المستقبل ووضع توقعات والتخطيط لما سيحصل. أظهرت أبحاث أخرى أن القرود لا تحافظ على الأدوات التي ستحتاج إليها لاحقًأ فحسب، بل تصنعها أيضًا.
وفقًا لدراسة نُشرت سنة 2019، تتصف القدرات التخطيطية عند القرود بالمرونة الشديدة. احتاجت قرود إنسان الغاب إلى الاختيار بين الأداة (التي قد تكون مناسبة أو غير مناسبة لفتح الجهاز المحتوي على الطعام) والطعام (الذي قد يكون مما تفضله أو لا تفضله).
المثير للدهشة أن قرود إنسان الغاب رفعت نوعية واردها الغذائي عبر اتخاذ خيارات مرنة. فمثلًا اختارت القردة الحصول على الأداة بدلًا من الطعام المتاح لها حالًا، هادفةً للحصول على طعامها المفضل باستخدام هذه الأداة. اختار أغلب القرود أيضًا ألا يبذلوا جهدًا كبيرًا عندما أصبح ذلك متاحًا، فقد اختاروا الحصول على الطعام المتوافر مباشرةً بدلًا من استخدام الأداة، حال كان الطعام الموجود ضمن الجهاز لا يختلف عن الطعام خارجه.
يشير دليل إضافي إلى أن القرود تخطط لمستقبلها. إذ يخطط ذكر إنسان الغاب ذي الشفة Flanged male orangutans للتنقل في أثناء تحركه في أنحاء الغابات المطيرة. ترسل الذكور نداءات طويلة تستخدمها الإناث للحفاظ على ارتباطها بالذكور ضمن مجال السمع. يُنبئ الاتجاه الذي يرسل فيه الذكر نداءاته الطويلة بجهة تنقله التالية لعدة ساعات، ويشير سماع نداء جديد إلى تغير في جهة تحركه الرئيسية. لوحظ أن ذكر شمبانزي في حديقة حيوان سويدية يخبئ الأحجار ليرميها لاحقًا على الزوار، مظهرًا أن معرفة القرود لا تقتصر على التخطيط، فهم يعرفون عن التباعد الاجتماعي.
إذن، هل ينفرد البشر وأولاد عمومتهم من الرئيسيات في التخطيط للمستقبل ؟ في الحقيقة، الجواب هو لا، يجد الباحثون قدرات معرفية صادمة في المملكة الحيوانية. يخبئ نوع من الطيور الأمريكية الطعام المُحتمَل ألا يتوافر لاحقًا ليتناوله صباح اليوم التالي، مثلما تحتفظ بجزء من وجبة طعام جاهزة جانبًا لتتناولها لاحقًا.
يستطيع طائر الببغاء من فصيلة غوفين كوكاتو Goffin cockatoos أن يستغل هذه القدرة بأفضل طريقة عبر مقارنة نوعية الطعام الذي يحصل عليه مباشرةً مقابل نوعية الطعام الذي سيحصل عليه لاحقًا، والذي يتطلب استخدام أداة ليحصل عليه.
نأمل أن تُعرّفنا الأبحاث المستقبلية في مجال القدرة الإدراكية عند الحيوانات على المزيد من الكائنات التي تشاركنا في التفكير المستقبلي، وتعلمنا المزيد عن قدرتنا على التفكير ضمن هذه العملية.
وإنْ لم تكن جميع الحيوانات قادرةً على التخطيط للمستقبل ، فالكائنات البشرية تستطيع. لذا دعونا نستخدم أدمغتنا المليئة بالقدرات لتعديل سلوكنا اليومي وفقًا للظروف حولنا، والبدء بالتخطيط لمستقبل نستطيع جميعًا المشاركة فيه.
المصدر:ibelieveinsci