العولمة السينمائية.. كبار المخرجين يلجؤون إلى اللغة الإنجليزية
في سبتمبر 15, 2016
«سينماتوغراف» ـ هنـاء العمــير
من الملفت للنظر في الآونة الأخيرة، ظهور عدد المخرجين الأوروبيين وغيرهم الذين تحولوا لصنع أفلام ناطقة باللغة الإنجليزية، وهنا نحن لا نتحدث عمن قامت هوليوود باستقطابهم لصناعة أفلام أميركية مئة بالمئة، فهذه، وإن كانت في ازدياد، لكنها موجودة منذ زمن طويل، بل ربما من بدايات السينما، وهوليوود لم تكف يوماً عن إغراء المخرجين والمخرجات الذين استطاعوا إثبات مواهبهم من خلال أعمال حائزة على جوائز وتحمل بصمة خاصة على العمل في أستوديوهاتها الكبرى. وبالطبع فنحن هنا أيضاً لا نتحدث عن الكم الهائل من الممثلين والممثلات أو الفنيين الذين توجهوا لهوليوود لأنها المكان الأفضل الذي يتيح لهم الانتشار وتحقيق طموحاتهم فنياً من خلال تنوع الأعمال ووفرتها.
Personal Shopper
لكننا نتحدث عن توجه بعض الدول الأوروبية لإنتاج أعمال باللغة الإنجليزية، لأنه من الواضح أن هذا يضمن لها أسواقاً أكبر وبالتالي عائد إيرادات تذاكر أعلى. فعلى سبيل المثال، لا الحصر، هناك أوليفيه أسايس المخرج الفرنسي المعروف والذي بدأ منذ حوالي عامين بالتوجه لإخراج أفلام ناطقة باللغة الإنجليزية: أولاً مع فيلم “clouds of sils maria” عام 2014 والذي كان إنتاجاً فرنسياً ألمانياً سويسراً مشتركاً، وثانياً مع فيلم “Personal Shopper” عام 2016 وهو الحائز مؤخراً على جائزة مهرجان “كان” لأفضل إخراج مناصفة مع فيلم “Graduation” للروماني كريستيان مونجيو. وعلى الرغم من أن فيلم أسايس الأخير هو فرنسي الإنتاج والقصة، ولكنه باللغة الإنجليزية.
youth
ومثال آخر على هذا هو الأفلام الأخيرة للمخرج الإيطالي باولو سورينتينو، فبعد فيلمه الإيطالي “الجمال العظيم-The Great Beauty” والذي حاز عام 2013 على العديد من الجوائز المهمة، من ضمنها جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي وجائزة البافتا لأفضل فيلم أجنبي وجائزة الجولدن جلوب لأفضل فيلم أجنبي، فقد أخرج بعدها فيلم “صبا-Youth” عام 2015 الناطق باللغة الإنجليزية وهو إنتاج مشترك “فرنسي، إيطالي، سويسري، بريطاني”. وهو يعيد نفس التجربة أيضاً لهذا العام في فيلمه التلفزيوني “The Young Pope” ولكن هذه المرة الإنتاج يشمل أسبانيا والولايات المتحدة بدلاً من سويسرا.
The Lobster
وكذلك هناك فيلم “The Lobster” للمخرج اليوناني يورجوس لانثيموس وهو فيلم ذو قصة أصيلة وجميلة استحق عنها جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان كان عام 2015 وجائزة الفيلم الأوروبي لأفضل سيناريو وهو إنتاج فرنسي يوناني إيرلندي هولندي بريطاني، ولكنه يحمل طابعاً بريطانياً خالصاً وإن كان يدور في عوالم ديستوبية فانتازية.
ومؤخراً هناك الفيلم الجديد “Jackie” للمخرج التشيلي بابلو لورين وقد حاز منذ عدة أيام على جائزة أفضل سيناريو من مهرجان فينيسيا، وهو إنتاج تشيلي فرنسي أميركي، ويدور حول السيدة جاكلين كينيدي “جاكي” وظروف اغتيال زوجها جون كينيدي.
Jackie
كل هذه الأفلام المذكورة، حازت على إعجاب نقدي وعلى العديد من الجوائز وشكلت خطوة فنية تحسب لمخرجيها المتميزين، ولكن الإشكالية الكبرى تكمن في أن توجها من هذا النوع إن استمر فهو على حساب قصص وأعمال تحمل بشكل أكبر سمات الدول التي ينتمي إليها هؤلاء المخرجون. كما أن معظم الممثلين العاملين في هذه الأفلام من الناطقين باللغة الإنجليزية، وبالتالي سيضطر ممثلون موهوبون من أمثال ماريون كوتيار وخافيير بارديم وغيرهم إلى التمثيل باللغة الإنجليزية أيضاً، وإذا كان هؤلاء قد نجحوا، فإن البعض الآخر، كبينولوبي كروز، لم يستطع أبداً أن يكون بنفس الحضور والأداء في الأفلام الأميركية كما هو حين يمثل بلغته الأم.
ربما تكون السينما أحد الفنون القادرة على اختراق كل الحواجز الثقافية، وخلق حالة تعايش كامل وتوحد مع شخصيات الفيلم وعالمهم. لقد عرف الكثير عن أميركا من خلال الأفلام الأميركية، وأتقن الكثير من العرب اللهجة المصرية نتيجة مشاهدة الأفلام المصرية، بل وتعرفوا على أغلب المشاكل التي يعاني منها المصريون وتعاطفوا كلياً معها. ولذلك فمشاهدة فيلم فرنسي بلغته الفرنسية وشخصياته وعالمه وأجوائه مختلف تماماً عن مشاهدة نفس القصة باللغة الإنجليزية، حتى وإن كانت العين القابعة خلف الكاميرا هي ذاتها في الحالتين.
في سبتمبر 15, 2016
«سينماتوغراف» ـ هنـاء العمــير
من الملفت للنظر في الآونة الأخيرة، ظهور عدد المخرجين الأوروبيين وغيرهم الذين تحولوا لصنع أفلام ناطقة باللغة الإنجليزية، وهنا نحن لا نتحدث عمن قامت هوليوود باستقطابهم لصناعة أفلام أميركية مئة بالمئة، فهذه، وإن كانت في ازدياد، لكنها موجودة منذ زمن طويل، بل ربما من بدايات السينما، وهوليوود لم تكف يوماً عن إغراء المخرجين والمخرجات الذين استطاعوا إثبات مواهبهم من خلال أعمال حائزة على جوائز وتحمل بصمة خاصة على العمل في أستوديوهاتها الكبرى. وبالطبع فنحن هنا أيضاً لا نتحدث عن الكم الهائل من الممثلين والممثلات أو الفنيين الذين توجهوا لهوليوود لأنها المكان الأفضل الذي يتيح لهم الانتشار وتحقيق طموحاتهم فنياً من خلال تنوع الأعمال ووفرتها.
Personal Shopper
لكننا نتحدث عن توجه بعض الدول الأوروبية لإنتاج أعمال باللغة الإنجليزية، لأنه من الواضح أن هذا يضمن لها أسواقاً أكبر وبالتالي عائد إيرادات تذاكر أعلى. فعلى سبيل المثال، لا الحصر، هناك أوليفيه أسايس المخرج الفرنسي المعروف والذي بدأ منذ حوالي عامين بالتوجه لإخراج أفلام ناطقة باللغة الإنجليزية: أولاً مع فيلم “clouds of sils maria” عام 2014 والذي كان إنتاجاً فرنسياً ألمانياً سويسراً مشتركاً، وثانياً مع فيلم “Personal Shopper” عام 2016 وهو الحائز مؤخراً على جائزة مهرجان “كان” لأفضل إخراج مناصفة مع فيلم “Graduation” للروماني كريستيان مونجيو. وعلى الرغم من أن فيلم أسايس الأخير هو فرنسي الإنتاج والقصة، ولكنه باللغة الإنجليزية.
youth
ومثال آخر على هذا هو الأفلام الأخيرة للمخرج الإيطالي باولو سورينتينو، فبعد فيلمه الإيطالي “الجمال العظيم-The Great Beauty” والذي حاز عام 2013 على العديد من الجوائز المهمة، من ضمنها جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي وجائزة البافتا لأفضل فيلم أجنبي وجائزة الجولدن جلوب لأفضل فيلم أجنبي، فقد أخرج بعدها فيلم “صبا-Youth” عام 2015 الناطق باللغة الإنجليزية وهو إنتاج مشترك “فرنسي، إيطالي، سويسري، بريطاني”. وهو يعيد نفس التجربة أيضاً لهذا العام في فيلمه التلفزيوني “The Young Pope” ولكن هذه المرة الإنتاج يشمل أسبانيا والولايات المتحدة بدلاً من سويسرا.
The Lobster
وكذلك هناك فيلم “The Lobster” للمخرج اليوناني يورجوس لانثيموس وهو فيلم ذو قصة أصيلة وجميلة استحق عنها جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان كان عام 2015 وجائزة الفيلم الأوروبي لأفضل سيناريو وهو إنتاج فرنسي يوناني إيرلندي هولندي بريطاني، ولكنه يحمل طابعاً بريطانياً خالصاً وإن كان يدور في عوالم ديستوبية فانتازية.
ومؤخراً هناك الفيلم الجديد “Jackie” للمخرج التشيلي بابلو لورين وقد حاز منذ عدة أيام على جائزة أفضل سيناريو من مهرجان فينيسيا، وهو إنتاج تشيلي فرنسي أميركي، ويدور حول السيدة جاكلين كينيدي “جاكي” وظروف اغتيال زوجها جون كينيدي.
Jackie
كل هذه الأفلام المذكورة، حازت على إعجاب نقدي وعلى العديد من الجوائز وشكلت خطوة فنية تحسب لمخرجيها المتميزين، ولكن الإشكالية الكبرى تكمن في أن توجها من هذا النوع إن استمر فهو على حساب قصص وأعمال تحمل بشكل أكبر سمات الدول التي ينتمي إليها هؤلاء المخرجون. كما أن معظم الممثلين العاملين في هذه الأفلام من الناطقين باللغة الإنجليزية، وبالتالي سيضطر ممثلون موهوبون من أمثال ماريون كوتيار وخافيير بارديم وغيرهم إلى التمثيل باللغة الإنجليزية أيضاً، وإذا كان هؤلاء قد نجحوا، فإن البعض الآخر، كبينولوبي كروز، لم يستطع أبداً أن يكون بنفس الحضور والأداء في الأفلام الأميركية كما هو حين يمثل بلغته الأم.
ربما تكون السينما أحد الفنون القادرة على اختراق كل الحواجز الثقافية، وخلق حالة تعايش كامل وتوحد مع شخصيات الفيلم وعالمهم. لقد عرف الكثير عن أميركا من خلال الأفلام الأميركية، وأتقن الكثير من العرب اللهجة المصرية نتيجة مشاهدة الأفلام المصرية، بل وتعرفوا على أغلب المشاكل التي يعاني منها المصريون وتعاطفوا كلياً معها. ولذلك فمشاهدة فيلم فرنسي بلغته الفرنسية وشخصياته وعالمه وأجوائه مختلف تماماً عن مشاهدة نفس القصة باللغة الإنجليزية، حتى وإن كانت العين القابعة خلف الكاميرا هي ذاتها في الحالتين.