تنظيم المطابع في الجزائر: تقليص للديون أم تصفية للصحف

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تنظيم المطابع في الجزائر: تقليص للديون أم تصفية للصحف

    تنظيم المطابع في الجزائر: تقليص للديون أم تصفية للصحف


    الإغلاق يهدد الصحف الجزائرية العاجزة عن سداد ديونها المتراكمة.


    بعض الأفكار لكتابة النهاية

    تعمل السلطات الجزائرية على إعادة تنظيم المطابع العمومية وجمعها في مؤسسة واحدة، إضافة إلى تحصيل الديون المتراكمة على ناشري الصحف، في خطوة تثير إشارات استفهام حول الغاية الأساسية للحكومة من هذا التنظيم.

    الجزائر - أعلنت السلطات الجزائرية أنها بصدد إعادة تنظيم مطابع الصحف العمومية في البلاد ضمن مؤسسة واحدة، لمعالجة مشكلات العجز المالي التي تواجهها المطابع بسبب عدم تحصيلها الديون المستحقة على الصحف.

    وشرَعت السلطات في مطالبة الصحف الورقية بدفع ديونها المتراكمة منذ سنوات وهو ما أدى إلى أزمة في قطاع الإعلام الورقي.

    وقال وزير الاتصال محمد بوسليماني خلال زيارته المؤسسات الإعلامية في مدينة قسنطينة، شرقي الجزائر، إنّ “الدولة تعمل على إعادة تنظيم المطابع العمومية التي تعاني من وضعية مالية صعبة”، وأضاف بأنّه سيتم في هذا الإطار إنشاء مؤسسة وطنية للطباعة، يكون مقرها في الجزائر العاصمة، وتنشط تحت وصايتها المطابع العمومية للشرق والغرب والجنوب.

    وأكد بوسليماني أن “قرار رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون بتجميع شركات الطباعة العمومية، يندرج ضمن مخطط تسيير جديد، يهدف إلى توحيد إمكانيات المطابع والبحث عن سبل جديدة لتنويع نشاطها المطبعي وعدم اكتفائها بطباعة الصحف فقط”.

    وأوضح أن “إعادة تنظيم المطابع أصبحت ضرورة حتمية، من أجل مصلحة الصحافة الجزائرية، وأن البداية ستكون بتصفية الديون التي تراكمت منذ سنوات طويلة ومطالبة مالكي الصحف بتحمّل مسؤوليتهم حتى تتمكن المطابع العمومية من تحقيق انطلاقة جديدة”.


    محمد بوسليماني: البداية ستكون بتصفية الديون التي تراكمت منذ سنوات


    وتدرك السلطات الجزائرية الأزمة الخانقة التي تعاني منها الصحافة الورقية في البلاد، لكنها تحاول تكبيلها بالمزيد من الضغوط، بمطالبتها بتسديد ديون المطبعة خلال مهلة قصيرة جدا، وهو ما يعتبر مستحيلا للعديد من هذه الصحف ويجعلها على حافة الإفلاس والإغلاق.

    وقال بوسليماني إن “المطابع تعيش حالة اختناق قد يؤدي إلى الإفلاس بسبب تراكم الديون وعدم التزام مالكي الصحف بتسديد مستحقاتهم”. وأضاف أن “هذه المطابع مازالت تعمل وفق اتفاقية 1997 عندما كان سعر الورق يساوي 45 دينارا للكيلوغرام الواحد بينما أصبح اليوم 213 دينارا (1.54 دولار) للكيلوغرام”.

    وتابع أنه “من غير المعقول اليوم أن تواصل المطابع العمومية طبع الصحيفة بنفس السعر القديم أي بـ5.60 سنتيم بينما تتحمل هي كلفة الطباعة الحقيقة المقدرة بين 22 و25 دينارا جزائريا للصحيفة الواحدة”، مضيفا أنه في حال استمر الوضع على ماهو عليه فإن هذه المطابع ستصبح غير قادرة على تسديد ديونها للشركة الجزائرية للورق. ويذكر أن الدولار يساوي .138.5 دينار جزائري.

    وتملك الحكومة الجزائرية خمس مطابع للصحف في العاصمة وقسنطينة، ووهران غربي البلاد، وفي ورقلة وبشار جنوبي البلاد، وتطبع كلّ الصحف الجزائرية في المطابع العمومية بسبب السعر المعقول للطبع، حيث تتكفّل الدولة بتغطية ودعم سعر الورق المستورد.

    وقالت مصادر صحافية إن السلطات تستعمل مسألة طبع الصحف لدى المطابع المملوكة للدولة ورقة ضغط لإلزامها بتبني سياسة تحريرية تحت جناح الحكومة، وغالبا ما تبادر المطابع إلى توقيف طبع الصحف التي تزعج السلطات، ومطالبتها بدفع ديونها المتأخرة، على غرار ما جرى مؤخرا مع صحيفة الشروق اليومي، التي أوقف طبعها بسبب مقال عن إعادة شحنة تمور جزائرية من الخارج.

    واضطرت مؤخرا صحف مستقلة، مثل “الخبر” و”الوطن”، والتي كانت تطبع في مطابعها الخاصة، إلى الالتحاق بباقي الصحف والطبع لدى المطابع العمومية، بسبب غلاء الورق في السوق الدولية ومشكلات التوريد.

    وسبق أن أرسلت المطبعة الحكومية إنذارات إلى ناشري الصحف، تخيرهم بين تسديد ديونهم خلال مهلة لا تتجاوز الأسبوع، أو إحالة ملفاتهم إلى القضاء لتسوية النزاع بين الطرفين، وهو ما هدد معظم ناشري الصحف الخاصة.

    ويجمع معظم الناشرين على أن الوضع يتجه نحو منحى خطير، لأن غالبية المؤسسات الإعلامية عاجزة عن الوفاء بديونها، وهو مؤشر على مأزق لا مخرج منه، لأن النزاع سيفضي من دون شك إلى توقف العشرات من الصحف.



    وفي أبريل الماضي توقفت يومية “ليبرتي” الناطقة باللغة الفرنسية عن الصدور، بقرار من مالكها رجل الأعمال يسعد ربراب، إثر صفقة مع السلطات الجزائرية. وتواجه صحيفة “الوطن” ظروفا صعبة جدا.

    كما توقفت يومية “الوطن” عن الصدور لنحو شهر نتيجة نقص الموارد المالية التي تجنيها من الإعلانات، والتي تسببت في حرمان العاملين بالمؤسسة من تلقي أجورهم لعدة أشهر.

    ولم تعد غرف الأخبار في الجزائر اليوم تحتسب عدد العناوين التي تختفي، دون أن يثير ذلك أدنى عاطفة. وتوقف نشر ست وعشرين صحيفة بين عامي 2014 و2017. وتتقلص الصحف الصادرة باللغة الفرنسية أكثر من غيرها، إذ اختفى أكثر من أربعين عنوانا منذ التسعينات.

    وبينما كانت الصحف الناطقة بالفرنسية على قدم المساواة مع الصحف الصادرة باللغة العربية، فإنها تمثل الآن ثلث العناوين الموجودة في البلاد وعددها 149 عنوانا. وانخفض تداولها بنسبة 50 إلى 60 في المئة في بضع سنوات. وتطبع أربع أو خمس صحف يومية فقط أكثر من 10000 نسخة، بينما كانت هناك 21 نسخة في عام 2016.
    160


    صحيفة يومية محلية في مختلف أنحاء البلاد، إلى جانب العشرات من الأسبوعيات والدوريات، بحسب أرقام وزارة الاتصال

    وتظهر التقارير الأخيرة احتمالات أكثر كآبة من أي وقت مضى. وقد سبق أن تم تجميع شركات الطباعة العمومية ضمن مؤسسة واحدة قبل أكثر من 20 سنة، لكنه لم يغير من الوضعية المالية للمطابع.

    كما أعطت الحكومة تعليمات صارمة إلى كافة مسؤولي شركات الطباعة من أجل توقيف طبع الصحف التي لا توزّع، إذ أن هناك ديونا كبيرة تعود لسنوات السبعينات.

    ويرى البعض أن القرار لا يستهدف وجود الصحافة الورقية برمتها، بقدر ما يستهدف الصحف غير المقروءة، وهي صحف تطبع لدى المطابع العمومية وتستفيد من الإشهار العمومي لكنها لا توزع ولا تُقرأ.

    وبحسب أرقام وزارة الاتصال، يوجد نحو 160 صحيفة يومية محلية في مختلف أنحاء البلاد، إلى جانب العشرات من الأسبوعيات والدوريات، إلا أن الرقم آخذ في الانحدار بسبب الأزمة المالية، الناجمة عن تقلص سوق الإعلانات الذي تحتكره الوكالة الوطنية للنشر والإشهار (الإعلان) وبعض الوكالات الخاصة، فضلا عن هيمنة الانتقائية والولاء في توزيع الإعلانات المتوفرة حاليا.

    وتعتمد الصحف الورقية في الجزائر بشكل شبه كلي على إيرادات الإعلان الحكومي، لتغطية نفقات الطبع ورواتب الصحافيين والموظفين، في حين يبقى الإعلان الخاص حكرا على عدد محدود من الصحف، بدعوى ضعف توزيعها وانتشارها.

    ويتطلع جل الناشرين بعين القلق لما ستسفر عنه المطالبة بالديون وإمكانية ملاحقتهم قضائيا، ما قد ينتهي إلى تشديد الإلزام بدفع الديون المتراكمة، وهي الخطوة التي قد تدفعهم إلى إغلاق جماعي لمؤسساتهم وتسريح الصحافيين والعمال.
يعمل...
X