لا تفسدوا علينا تجارتنا الصحفية
على الرغم من تعثر نصوص الوكالات في طريقة تقديم الخبر، إلا أن الصحف والمواقع الإخبارية تستطيع أن تلتقط الإشارات وتعيد تركيبها وتقدمها ضمن تغطيتها الإخبارية.
ماذا يترك موقع وكالة وطنية من أخبار للصحف كي تتناوله؟
أطلقت وكالة الأنباء العمانية قبل أيام موقعها الجديد. تصميم رشيق وبسيط ومباشر. وكالات الأنباء العربية غير معروفة بأن لديها حسا فنيا في تصميم المواقع. تمنحك المواقع إحساسا بأن ثمة تكدسا كبيرا في الأخبار والصور. النصوص بين اثنين؛ إما قصيرة جدا فلا تفهم ما المقصود من الخبر، أو طويلة تروي حكايات تقطع أنفاسك لحين الانتهاء من مطالعتها. الصور نفسها ممطوطة أو مقطوعة أو بنوعيات رديئة. الموقع الجديد للوكالة العمانية أفضل من غيره من الوكالات بأشواط.
ثمة سؤالان ينبغي الرد عليهما قبل أن نحكم حكما نهائيا على موقع الوكالة العمانية؛ لماذا، مثلا، في القسم الثقافي لوكالة وطنية للأنباء يتصدر خبر عن بيع لوحة للفنان الفرنسي بول سيزان؟ لماذا عندما يذهب قارئ بسيط مثلي إلى قسم الأخبار، وهو ينتظر أن يقرأ عن أخبار عمان، يجد أن الموقع يتحدث عن الحرب في أوكرانيا و”مقتل 13 عنصرا في هجوم مسلح شمال بوركينا فاسو”؟ هذه الأخبار مستلة من وكالات الأنباء العالمية وتصلح لموقع إخباري منوع أو لصحيفة. لكنها بالتأكيد لا تنتمي إلى اهتمامات وكالة وطنية مهمتها نقل الخبر العماني إلى العمانيين والعرب والعالم.
هنا الدافع إلى إثارة الموضوع ليس بريئا تماما؛ فالمؤسسات الصحفية العربية تهتم بوكالات الأنباء الرسمية للدول العربية. وعلى الرغم من تعثر نصوص الوكالات في طريقة تقديم الخبر، إلا أن الصحف والمواقع الإخبارية تستطيع أن تلتقط الإشارات وتعيد تركيبها وتقدمها ضمن تغطيتها الإخبارية. هذا محتوى مفيد لمن يتقن الصنعة وقادر على أن يحرر الأخبار كما ينبغي، ومحتوى مفيد مرة أخرى للصحف العربية الحكومية التي تسعى إلى حشو الصفحات بالخبر المحلي المترهل. بين حين وآخر، تجد أن مصور الوكالة التقط صورة خبرية، بمعنى حركية الخبر، وليست صورة المسؤولين الواقفين أمام الكاميرا كصف مدرسي وهم يبتسمون.
ثم هناك ما لنا وما لكم. إذا نشر موقع الوكالة الوطنية أخبارا عن أوكرانيا، ماذا يترك لنا كصحف كي نتناوله؟ لا يكتفون بتبديد جزء من جهد طاقمهم الصحفي بالاهتمام ببوركينا فاسو، بدلا من تحرير الخبر المحلي وصقله لغويا وخبريا وإبرازه، بل ينافسوننا وينشرون ما نريد نشره نحن كصحف ومواقع إخبارية. ألا يكفي ما فعله بنا “الصحفي المواطن” من التقاط للصور وبث الأخبار على الشبكات الاجتماعية، كي تأتي الوكالات المحلية لتأخذ منا ما تبقى من خبر وصورة؟
دكاننا الصحفي يعيش على سلسلة التوريد التي في بعض منها تعتمد على دكانكم الصحفي. عندما يتزاحمان في تقديم الخبر نفسه، وعندما لا يبادر دكانكم بتقديم المنتج المحلي المتميز الذي يفيدنا ويفيدكم، فإن كساد تجارتنا وارد. دع ما للصحف للصحف، وما لموقعكم الإخباري لموقعكم الإخباري.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
د. هيثم الزبيدي
كاتب من العراق مقيم في لندن
على الرغم من تعثر نصوص الوكالات في طريقة تقديم الخبر، إلا أن الصحف والمواقع الإخبارية تستطيع أن تلتقط الإشارات وتعيد تركيبها وتقدمها ضمن تغطيتها الإخبارية.
ماذا يترك موقع وكالة وطنية من أخبار للصحف كي تتناوله؟
أطلقت وكالة الأنباء العمانية قبل أيام موقعها الجديد. تصميم رشيق وبسيط ومباشر. وكالات الأنباء العربية غير معروفة بأن لديها حسا فنيا في تصميم المواقع. تمنحك المواقع إحساسا بأن ثمة تكدسا كبيرا في الأخبار والصور. النصوص بين اثنين؛ إما قصيرة جدا فلا تفهم ما المقصود من الخبر، أو طويلة تروي حكايات تقطع أنفاسك لحين الانتهاء من مطالعتها. الصور نفسها ممطوطة أو مقطوعة أو بنوعيات رديئة. الموقع الجديد للوكالة العمانية أفضل من غيره من الوكالات بأشواط.
ثمة سؤالان ينبغي الرد عليهما قبل أن نحكم حكما نهائيا على موقع الوكالة العمانية؛ لماذا، مثلا، في القسم الثقافي لوكالة وطنية للأنباء يتصدر خبر عن بيع لوحة للفنان الفرنسي بول سيزان؟ لماذا عندما يذهب قارئ بسيط مثلي إلى قسم الأخبار، وهو ينتظر أن يقرأ عن أخبار عمان، يجد أن الموقع يتحدث عن الحرب في أوكرانيا و”مقتل 13 عنصرا في هجوم مسلح شمال بوركينا فاسو”؟ هذه الأخبار مستلة من وكالات الأنباء العالمية وتصلح لموقع إخباري منوع أو لصحيفة. لكنها بالتأكيد لا تنتمي إلى اهتمامات وكالة وطنية مهمتها نقل الخبر العماني إلى العمانيين والعرب والعالم.
هنا الدافع إلى إثارة الموضوع ليس بريئا تماما؛ فالمؤسسات الصحفية العربية تهتم بوكالات الأنباء الرسمية للدول العربية. وعلى الرغم من تعثر نصوص الوكالات في طريقة تقديم الخبر، إلا أن الصحف والمواقع الإخبارية تستطيع أن تلتقط الإشارات وتعيد تركيبها وتقدمها ضمن تغطيتها الإخبارية. هذا محتوى مفيد لمن يتقن الصنعة وقادر على أن يحرر الأخبار كما ينبغي، ومحتوى مفيد مرة أخرى للصحف العربية الحكومية التي تسعى إلى حشو الصفحات بالخبر المحلي المترهل. بين حين وآخر، تجد أن مصور الوكالة التقط صورة خبرية، بمعنى حركية الخبر، وليست صورة المسؤولين الواقفين أمام الكاميرا كصف مدرسي وهم يبتسمون.
ثم هناك ما لنا وما لكم. إذا نشر موقع الوكالة الوطنية أخبارا عن أوكرانيا، ماذا يترك لنا كصحف كي نتناوله؟ لا يكتفون بتبديد جزء من جهد طاقمهم الصحفي بالاهتمام ببوركينا فاسو، بدلا من تحرير الخبر المحلي وصقله لغويا وخبريا وإبرازه، بل ينافسوننا وينشرون ما نريد نشره نحن كصحف ومواقع إخبارية. ألا يكفي ما فعله بنا “الصحفي المواطن” من التقاط للصور وبث الأخبار على الشبكات الاجتماعية، كي تأتي الوكالات المحلية لتأخذ منا ما تبقى من خبر وصورة؟
دكاننا الصحفي يعيش على سلسلة التوريد التي في بعض منها تعتمد على دكانكم الصحفي. عندما يتزاحمان في تقديم الخبر نفسه، وعندما لا يبادر دكانكم بتقديم المنتج المحلي المتميز الذي يفيدنا ويفيدكم، فإن كساد تجارتنا وارد. دع ما للصحف للصحف، وما لموقعكم الإخباري لموقعكم الإخباري.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
د. هيثم الزبيدي
كاتب من العراق مقيم في لندن