مواقع التواصل تمارس الرقابة على الإعلام في مصر
صفحات اجتماعية أجبرت الصحافيين على تحري الدقة لتجنب التشهير والسخرية.
مواقع التواصل تتصيد أي خطأ لدى الصحافة أو المسؤول
تحولت بعض صفحات مواقع التواصل الاجتماعي في مصر إلى أداة رقابية على الصحف والبرامج التلفزيونية لاكتشاف الأخطاء وإعادة نشرها مرة أخرى بطريقة صحيحة، والمفارقة أن أغلب المتابعين لمثل هذه الصفحات من الصحافيين، حتى يكونوا على مقربة مما يتم نشره من أخطاء.
القاهرة - ظهرت صفحات متخصصة على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر تهتم بكل ما تنشره وسائل الإعلام من تصريحات ومعلومات، ويتعاون معها عدد كبير من مستخدمي منصات التواصل للوقوف على مدى صحة المعلومات من عدمه، وإذا كانت خاطئة بالفعل يتم توضيح المعلومة الصحيحة والأدلة اللازمة لذلك، خاصة لو كان الأمر مرتبطا بقضية تشغل الرأي العام.
ومن أهم الصفحات الاجتماعية التي وجدت رواجا مؤخرا “صحيح مصر”، “جرائم في الدسك”، “اكتب صح” و”فالصو”، وتختلف توجهات كل منها حسب الغرض الذي أنشئت من أجله، فمثلا تعتمد “صحيح مصر” على كشف التصريحات غير الدقيقة صحافيا وتلفزيونيا وتصحيحها، فيما تصطاد صفحتا “جرائم في الدسك” و”اكتب صح” الأخطاء النحوية والإملائية، و”فالصو” متخصصة بفضح الشائعات والأخبار الكاذبة.
وعندما تقوم هذه الصفحات بتصحيح معلومة نشرت بصحيفة أو موقع أو تطرق لها أحد البرامج الشهيرة تستند على أدلة كثيرة لتأكيد موقفها، وتصل في بعض الأحيان إلى حد تكذيب مسؤولين كبار يدلون بتصريحات حول قضية بعينها، لكنهم لا يدركون أن شبكات التواصل أصبحت أقرب إلى مصيدة لأخطاء الإعلام.
صفوت العالم: الإجراء الصحيح أن تكون هناك رقابة ذاتية
وترتبط زيادة تركيز منصات التواصل على سقطات الإعلام بكثرة الأخطاء وعدم اهتمام الكثير من المنابر بفكرة التدقيق، وضعف المحتوى وغض الطرف عن التركيز في تفاصيل يراها البعض صغيرة لكنها كبيرة، مثل البيانات والأرقام والتواريخ على حساب جذب الجمهور دون الالتفات للمصداقية وتحري الدقة.
ولا ينكر الصحافي أحمد ع، وهو اسم مستعار لمحرر يعمل في أحد المواقع الإلكترونية الشهيرة، أن قيام منصات التواصل باصطياد أخطاء الإعلام والتشهير بها يمثل أداة ضغط على الصحافيين والمذيعين ويجبرهم على التدقيق في كل كلمة، لأن نشر معلومة خاطئة على موقع بعينه أصبح يؤثر على مصداقيته وسمعته.
وأضاف لـ”العرب” أن رئيس تحرير الموقع الذي يعمل فيه قرر عقوبات صارمة على أيّ محرر يخطئ في كلمة أو معلومة لتجنب ما أسماه بالفضيحة على منصات التواصل، في ظل وجود صفحات مهمتها التدقيق في كل ما يُنشر، وحينها تصعب معالجة تداعيات الخطأ، حتى لو تم تصحيحه بعد دقائق معدودة.
وما زالت أزمة الكثير من وسائل الإعلام أنها تستسهل عدم التدقيق في المعلومات والأخطاء المهنية أمام غياب الرقابة على المحتوى من جانب المسؤولين عن هذه المؤسسات، وتجاهل تدريب العاملين فيها على الاحترافية في نقل الحدث، وتعريفهم بأن التساهل مع الخطأ الصغير يمهد لخطيئة إعلامية كبرى.
ويرى خبراء إعلام أن تحول منصات التواصل إلى رقيب على الإعلام في ما يتعلق بالتقاط الأخطاء والسقطات يخدم المهنة ولا يضرها، لأنه يجبر جميع العاملين على تحري الدقة لتجنب التشهير والسخرية من جانب الجمهور المستهدف.
وما يلفت الانتباه أن أغلب المتفاعلين والمتابعين لمثل هذه الصفحات من المحررين الصحافيين والعاملين في القنوات الفضائية حتى يكونوا على مقربة مما يتم نشره من أخطاء، سواء إملائية أو معلوماتية، خشية أن يكتشف أحدهم وجود اسمه أو صحيفته أو برنامجه ضمن قائمة المشهر بهم لأي سقطة.
ويطال اصطياد أخطاء الكلمة أو المعلومة غير الدقيقة المسؤولين أنفسهم، حيث يتم تكذيب كلامهم بالأدلة، ما يضعهم في حرج بالغ ويظهرهم بصورة من لا يملكون المعلومة الصحيحة رغم أنهم من المعنيين بالأمر، ما يجبر بعض المسؤولين مستقبلا على التدقيق في الكلام قبل الإدلاء بأي تصريح لوسائل لإعلام.
وما يعزز مصداقية الصفحات التي تصطاد المعلومات المزيفة أو الأخطاء المهنية أنها لا تميز بين وسيلة إعلامية تابعة للحكومة أو أخرى معارضة، فمثلا “صحيح مصر” سبق وأن اتهمها المذيع محمد الباز، وهو أيضا رئيس تحرير صحيفة الدستور المحلية، بأن لها توجهات إخوانية لمجرد أنها تعرضت لكلام له وقالت إنه غير دقيق. واعتادت الصفحة نفسها التطرق إلى سقطات إعلام الإخوان وسبق لها تكذيب معلومات أذاعها الإعلامي محمد نصر على فضائية مكملين، والمذيع أحمد سمير على نفس القناة، وهما ناطقان بلسان الإخوان ويتم بثها من تركيا (قبل تقييد إعلام الإخوان الخميس)، وقام المذيعان بالهجوم على الصفحة واتهام الحكومة بالوقوف خلفها.
وآخر سقطات الإعلام الإخواني التي تلقفتها هذه الصفحات ما ساقه المذيع حمزة زوبع على قناة “مكملين” عن فشل التفريعة الجديدة لقناة السويس في دعم الاقتصاد المصري، وجرى تصحيح كلامه بمعلومات موثقة وبالأرقام عن أهميتها وكيف نجحت في تدعيم خزانة الدولة ومساندتها للاقتصاد في ما يتعلق بتوفير العملة الأجنبية.
خبراء إعلام يأكدون على أن تحول منصات التواصل إلى رقيب على الإعلام في ما يتعلق بالتقاط الأخطاء والسقطات يخدم المهنة ولا يضرها، لأنه يجبر جميع العاملين على تحري الدقة
ويفيد استقلال منصات التواصل المعنية بكشف سقطات الإعلام الحكومة بشكل غير مباشر، لأنها تقوم بالدور الذي أخفقت فيه منابرها التقليدية عند الرد على القنوات المعارضة، حيث توازن في التشهير بأكاذيب الإعلام المؤيد والمعارض بما يمنحها قدرا من المصداقية والثقة عند الجمهور.
وضاعف تحول بعض المذيعين من ناقلين للمعلومة ومحاورين للمختصين عن أيّ ملف إلى خبراء في كل المجالات من سقطاتهم المهنية وجعلهم هدفا سهلا لمصيدة منصات التواصل الاجتماعي، لأنهم يصرحون كثيرا بكلام غير دقيق لعدم درايتهم بكل الموضوعات لأن هدفهم تجميل صورة الحكومة فقط.
وأكد صفوت العالم أستاذ الإعلام السياسي بجامعة القاهرة أن إحساس الصحافي أو المذيع بوجود رقابة، حتى لو كانت عبر الشبكات الاجتماعية، يجعله يضطر لمراجعة نفسه، لأن مشكلة الكثير من العاملين بالمهنة أنهم لا يدركون خطورة الكلمة ويستسهلون النشر والتحدث في قضايا جدلية دون تحقق أو بحث في الخلفيات.
وأضاف لـ”العرب” أن اصطياد الأخطاء يفيد المهنة، لكن الإجراء الصحيح أن تكون هناك رقابة ذاتية داخل المؤسسات نفسها، وهو ما تفتقده المهنة حتى صار تكذيب الشائعات والمعلومات المغلوطة من جانب الحكومة عادة يومية، وهناك صحف وبرامج كبرى أصبحت تروج لأخبار غير دقيقة وتعرض نفسها للحرج.
وبغض النظر عن الاستفادة التي ستعود على المنابر الإعلامية جراء الرقابة الصارمة التي صارت تمارسها منصات التواصل الاجتماعي، فإن اصطياد أخطاء الصحف والبرامج بشكل شبه يومي يفرض على كل مؤسسة أن تكون لديها أقسام متخصصة في الجودة والتدقيق والمراجعة والمحاسبة وتصحيح الأخطاء قبل وصولها للجمهور، لأن تصويب المعلومة بعد الوقوع في مصيدة الشبكات الاجتماعية لن يفيد في شيء.
أميرة فكري
كاتبة مصرية
صفحات اجتماعية أجبرت الصحافيين على تحري الدقة لتجنب التشهير والسخرية.
مواقع التواصل تتصيد أي خطأ لدى الصحافة أو المسؤول
تحولت بعض صفحات مواقع التواصل الاجتماعي في مصر إلى أداة رقابية على الصحف والبرامج التلفزيونية لاكتشاف الأخطاء وإعادة نشرها مرة أخرى بطريقة صحيحة، والمفارقة أن أغلب المتابعين لمثل هذه الصفحات من الصحافيين، حتى يكونوا على مقربة مما يتم نشره من أخطاء.
القاهرة - ظهرت صفحات متخصصة على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر تهتم بكل ما تنشره وسائل الإعلام من تصريحات ومعلومات، ويتعاون معها عدد كبير من مستخدمي منصات التواصل للوقوف على مدى صحة المعلومات من عدمه، وإذا كانت خاطئة بالفعل يتم توضيح المعلومة الصحيحة والأدلة اللازمة لذلك، خاصة لو كان الأمر مرتبطا بقضية تشغل الرأي العام.
ومن أهم الصفحات الاجتماعية التي وجدت رواجا مؤخرا “صحيح مصر”، “جرائم في الدسك”، “اكتب صح” و”فالصو”، وتختلف توجهات كل منها حسب الغرض الذي أنشئت من أجله، فمثلا تعتمد “صحيح مصر” على كشف التصريحات غير الدقيقة صحافيا وتلفزيونيا وتصحيحها، فيما تصطاد صفحتا “جرائم في الدسك” و”اكتب صح” الأخطاء النحوية والإملائية، و”فالصو” متخصصة بفضح الشائعات والأخبار الكاذبة.
وعندما تقوم هذه الصفحات بتصحيح معلومة نشرت بصحيفة أو موقع أو تطرق لها أحد البرامج الشهيرة تستند على أدلة كثيرة لتأكيد موقفها، وتصل في بعض الأحيان إلى حد تكذيب مسؤولين كبار يدلون بتصريحات حول قضية بعينها، لكنهم لا يدركون أن شبكات التواصل أصبحت أقرب إلى مصيدة لأخطاء الإعلام.
صفوت العالم: الإجراء الصحيح أن تكون هناك رقابة ذاتية
وترتبط زيادة تركيز منصات التواصل على سقطات الإعلام بكثرة الأخطاء وعدم اهتمام الكثير من المنابر بفكرة التدقيق، وضعف المحتوى وغض الطرف عن التركيز في تفاصيل يراها البعض صغيرة لكنها كبيرة، مثل البيانات والأرقام والتواريخ على حساب جذب الجمهور دون الالتفات للمصداقية وتحري الدقة.
ولا ينكر الصحافي أحمد ع، وهو اسم مستعار لمحرر يعمل في أحد المواقع الإلكترونية الشهيرة، أن قيام منصات التواصل باصطياد أخطاء الإعلام والتشهير بها يمثل أداة ضغط على الصحافيين والمذيعين ويجبرهم على التدقيق في كل كلمة، لأن نشر معلومة خاطئة على موقع بعينه أصبح يؤثر على مصداقيته وسمعته.
وأضاف لـ”العرب” أن رئيس تحرير الموقع الذي يعمل فيه قرر عقوبات صارمة على أيّ محرر يخطئ في كلمة أو معلومة لتجنب ما أسماه بالفضيحة على منصات التواصل، في ظل وجود صفحات مهمتها التدقيق في كل ما يُنشر، وحينها تصعب معالجة تداعيات الخطأ، حتى لو تم تصحيحه بعد دقائق معدودة.
وما زالت أزمة الكثير من وسائل الإعلام أنها تستسهل عدم التدقيق في المعلومات والأخطاء المهنية أمام غياب الرقابة على المحتوى من جانب المسؤولين عن هذه المؤسسات، وتجاهل تدريب العاملين فيها على الاحترافية في نقل الحدث، وتعريفهم بأن التساهل مع الخطأ الصغير يمهد لخطيئة إعلامية كبرى.
ويرى خبراء إعلام أن تحول منصات التواصل إلى رقيب على الإعلام في ما يتعلق بالتقاط الأخطاء والسقطات يخدم المهنة ولا يضرها، لأنه يجبر جميع العاملين على تحري الدقة لتجنب التشهير والسخرية من جانب الجمهور المستهدف.
وما يلفت الانتباه أن أغلب المتفاعلين والمتابعين لمثل هذه الصفحات من المحررين الصحافيين والعاملين في القنوات الفضائية حتى يكونوا على مقربة مما يتم نشره من أخطاء، سواء إملائية أو معلوماتية، خشية أن يكتشف أحدهم وجود اسمه أو صحيفته أو برنامجه ضمن قائمة المشهر بهم لأي سقطة.
ويطال اصطياد أخطاء الكلمة أو المعلومة غير الدقيقة المسؤولين أنفسهم، حيث يتم تكذيب كلامهم بالأدلة، ما يضعهم في حرج بالغ ويظهرهم بصورة من لا يملكون المعلومة الصحيحة رغم أنهم من المعنيين بالأمر، ما يجبر بعض المسؤولين مستقبلا على التدقيق في الكلام قبل الإدلاء بأي تصريح لوسائل لإعلام.
وما يعزز مصداقية الصفحات التي تصطاد المعلومات المزيفة أو الأخطاء المهنية أنها لا تميز بين وسيلة إعلامية تابعة للحكومة أو أخرى معارضة، فمثلا “صحيح مصر” سبق وأن اتهمها المذيع محمد الباز، وهو أيضا رئيس تحرير صحيفة الدستور المحلية، بأن لها توجهات إخوانية لمجرد أنها تعرضت لكلام له وقالت إنه غير دقيق. واعتادت الصفحة نفسها التطرق إلى سقطات إعلام الإخوان وسبق لها تكذيب معلومات أذاعها الإعلامي محمد نصر على فضائية مكملين، والمذيع أحمد سمير على نفس القناة، وهما ناطقان بلسان الإخوان ويتم بثها من تركيا (قبل تقييد إعلام الإخوان الخميس)، وقام المذيعان بالهجوم على الصفحة واتهام الحكومة بالوقوف خلفها.
وآخر سقطات الإعلام الإخواني التي تلقفتها هذه الصفحات ما ساقه المذيع حمزة زوبع على قناة “مكملين” عن فشل التفريعة الجديدة لقناة السويس في دعم الاقتصاد المصري، وجرى تصحيح كلامه بمعلومات موثقة وبالأرقام عن أهميتها وكيف نجحت في تدعيم خزانة الدولة ومساندتها للاقتصاد في ما يتعلق بتوفير العملة الأجنبية.
خبراء إعلام يأكدون على أن تحول منصات التواصل إلى رقيب على الإعلام في ما يتعلق بالتقاط الأخطاء والسقطات يخدم المهنة ولا يضرها، لأنه يجبر جميع العاملين على تحري الدقة
ويفيد استقلال منصات التواصل المعنية بكشف سقطات الإعلام الحكومة بشكل غير مباشر، لأنها تقوم بالدور الذي أخفقت فيه منابرها التقليدية عند الرد على القنوات المعارضة، حيث توازن في التشهير بأكاذيب الإعلام المؤيد والمعارض بما يمنحها قدرا من المصداقية والثقة عند الجمهور.
وضاعف تحول بعض المذيعين من ناقلين للمعلومة ومحاورين للمختصين عن أيّ ملف إلى خبراء في كل المجالات من سقطاتهم المهنية وجعلهم هدفا سهلا لمصيدة منصات التواصل الاجتماعي، لأنهم يصرحون كثيرا بكلام غير دقيق لعدم درايتهم بكل الموضوعات لأن هدفهم تجميل صورة الحكومة فقط.
وأكد صفوت العالم أستاذ الإعلام السياسي بجامعة القاهرة أن إحساس الصحافي أو المذيع بوجود رقابة، حتى لو كانت عبر الشبكات الاجتماعية، يجعله يضطر لمراجعة نفسه، لأن مشكلة الكثير من العاملين بالمهنة أنهم لا يدركون خطورة الكلمة ويستسهلون النشر والتحدث في قضايا جدلية دون تحقق أو بحث في الخلفيات.
وأضاف لـ”العرب” أن اصطياد الأخطاء يفيد المهنة، لكن الإجراء الصحيح أن تكون هناك رقابة ذاتية داخل المؤسسات نفسها، وهو ما تفتقده المهنة حتى صار تكذيب الشائعات والمعلومات المغلوطة من جانب الحكومة عادة يومية، وهناك صحف وبرامج كبرى أصبحت تروج لأخبار غير دقيقة وتعرض نفسها للحرج.
وبغض النظر عن الاستفادة التي ستعود على المنابر الإعلامية جراء الرقابة الصارمة التي صارت تمارسها منصات التواصل الاجتماعي، فإن اصطياد أخطاء الصحف والبرامج بشكل شبه يومي يفرض على كل مؤسسة أن تكون لديها أقسام متخصصة في الجودة والتدقيق والمراجعة والمحاسبة وتصحيح الأخطاء قبل وصولها للجمهور، لأن تصويب المعلومة بعد الوقوع في مصيدة الشبكات الاجتماعية لن يفيد في شيء.
أميرة فكري
كاتبة مصرية