تأجيل انتخابات الصحافيين بمصر في ظل مخاوف من تحول النقابة إلى معقل للمعارضة
موقف الحكومة يقسّم الصحافيين بين فريق مؤيد وآخر معارض.
جدلية السلطة والقلم
القاهرة - عكس رفض وزارتي الصحة والداخلية في مصر مساء الثلاثاء السماح لنقابة الصحافيين بإجراء انتخاباتها في موعدها شكوك أبناء المهنة في وجود خلفيات سياسية خلف القرار.
ولم يقتنع الكثير من الصحافيين بالمبررات التي صاغتها الحكومة لرفض إجراء الاستحقاق في الخامس من مارس المقبل في علاقة باستمرار تفشي وباء كورونا. وظهرت تلميحات بأن الحكومة تكيل بمكيالين، حيث تمسكت بإجراء انتخابات مجلسي النواب والشيوخ في سبتمبر ونوفمبر الماضيين وتسعى الآن لتعطيل الاستحقاق الانتخابي للصحافيين.
وتسبب موقف الحكومة في انقسام الصحافيين بين فريق مؤيد لموقفها وآخر معارض له. ودافع الأول بأن إجراء الانتخابات البرلمانية كان ضرورة واستحقاق دولة وله رمزية سياسية مهمة، وليس من المنطقي أن يستمر الفراغ التشريعي في البلاد حتى لو شاركت في الانتخابات السابقة أعداد قليلة، المهم أن تضفي الشرعية المطلوبة.
ويرى أنصار هذا الفريق أن انتخابات الصحافيين تُجرى في مكان واحد داخل مقر النقابة في وسط القاهرة، ويشارك فيها نحو عشرة آلاف أو أقل خلال ساعات معدودة، بينما تعقد الانتخابات البرلمانية على مستوى الدوائر الموزعة على كل المحافظات.
وبدت شريحة ممتعضة لأسباب اقتصادية، فإجراء الانتخابات يعني زيادة البدل النقدي الذي تصرفه وزارة المالية شهريا لأعضاء النقابة ويصل إلى 130 دولارا، ومع كل استحقاق انتخابي يرفع النقيب المرشح قيمة هذا المبلغ كدعم للناخبين.
ولدى معارضي التأجيل أسباب سياسية منها أن استمرار هذا المجلس يقطع الطريق أمام ظهور معارضة حقيقية في ظل استياء قطاع من الصحافيين من أدائه العام، ما يمنح فرصة لمناوئيه لتحقيق تقدم في هذه الأجواء.
عمرو الشوبكي: أصوات تحمّل الأمر مناحي سياسية بناء على موروثات
وترتبط مخاوف بعض الدوائر الرسمية من محاولة تيارات بعينها داخل الجماعة الصحافية تأليب أبناء المهنة على النظام وافتعال أزمات مع الحكومة وتصوير الأمر على أن هناك توجهات تسعى لإدخال النقابة في نفق مظلم جديد بغرض تقزيم دورها إلى الحد الأدنى وتجريدها من المعاني السياسية.
وأعلنت جماعة الإخوان المسلمين قبل أيام عن ترشيح صحافيين ممّن يقبعون داخل السجون في مصر كمحاولة لزيادة الضغط على النظام وتسليط الأضواء على قضية هؤلاء وسط مناخ أميركي ودولي مؤات لتفجير هذا النوع من القضايا.
واعتادت الحكومة التعامل مع انتخابات الصحافيين بصورة مغايرة عن استحقاقات باقي النقابات المهنية بحكم أنها كيان أصبح وجهة للتيارات المعارضة لها، ويحتضن كل الأطياف السياسية تقريبا من يساريين وليبراليين وإسلاميين.
ورأى عمرو الشوبكي الكاتب والمحلل السياسي المصري أن الحكومة ليست في حاجة لتأجيل انتخابات الصحافيين لدواع سياسية، لأنها سوف تتعامل مع أعضاء المجلس الجديد ونقيبه حتى لو كانوا من تيارات مناوئة، وهذا عُرف ثابت في مصر.
وأكد لـ”العرب” أنه من الطبيعي في قلعة الحريات بمصر خروج أصوات تحمّل الأمر مناحي سياسية بناء على موروثات، فرمزية النقابة تضفي على كل ما يرتبط بأمورها معاني معارضة وهو ما يمنحها زخما كبيرا.
ويخشى البعض من العاملين في الصحافة المصرية من نجاح التيار المناوئ للحكومة في تصدير فكرة أن تأجيل الانتخابات ينطوي على استهداف للنقابة، لأن تكريس هذه القناعة يعني أن العلاقة بين الطرفين قد تأخذ منعطفا يضاعف من التوترات المكتومة.
ولا ينكر متابعون تخوفات دوائر بعينها من تبعات ما ستؤول إليه انتخابات الصحافيين في ظل ترشح عدد كبير من أصحاب التوجهات المختلفة مع النظام، حيث تقود هذه النتيجة إلى منعطف ربما يقضي على ما تبقى من بريق لهذه النقابة العريقة.
ويلعب هؤلاء على وتر حماس الشباب ومغازلتهم بفكرة الحريات وانتهاز فرصة تراجع العمل السياسي لتكون تركيبة المجلس الجديد صوتا لمن عجزت الأحزاب عن التحدث بلسانهم ويصبح للنقابة ثقل في الشارع.
في المقابل يقول آخرون إن التأجيل فرصة لإعادة ترتيب المشهد الصحافي وإنقاذ النقابة من سيطرة تيارات لها مصالح ضيقة على زمام الأمور، ويمكن أن تستفيد من الانخفاض المتوقع في نسبة التصويت عن المعتاد بسبب كورونا.
وقد لا يكتمل النصاب القانوني في المرتين الأولى (50 في المئة + 1) والثانية (25 في المئة + 1)، وتلجأ اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات إلى خيار التصويت بمن حضر، وهنا تكون فرصة الاعتماد على الكتلة المعارضة أكبر، وتتحول النقابة إلى كيان يسيطر عليه أصحاب المصالح السياسية وتزداد حدة الاستقطاب داخلها.
وتتعامل الكثير من القوى السياسية مع انتخابات الصحافيين على أنها مسرح يمكن توظيفه لصالح أهدافها، بعد فشلها في إثبات نفسها من خلال العمل الحزبي في الشارع، وقد تستثمر هذا الحدث لإعادة اختبار شعبيتها، وهو ما ظهر في بعض الأسماء التي تقدمت للترشح، ومعروف أن توجهاتها بعيدة عن الحكومة.
ويعني ربط الانتخابات بكورونا تأجيلها إلى أجل غير مسمى، ووضع حملِ على عاتق النظام عند موافقته على أي استحقاق آخر يضم عددا كبيرا من الأشخاص، ويعني أيضا ترك أعضاء النقابة يتبارزون سياسيا ولا أحد يعلم الوجهة التي يمكن أن تقود إليها هذه المبارزة. فهل تزداد سخونة أم تنطفئ سريعا؟
انشرWhatsAppTwitterFacebook
أحمد حافظ
كاتب مصري
موقف الحكومة يقسّم الصحافيين بين فريق مؤيد وآخر معارض.
جدلية السلطة والقلم
القاهرة - عكس رفض وزارتي الصحة والداخلية في مصر مساء الثلاثاء السماح لنقابة الصحافيين بإجراء انتخاباتها في موعدها شكوك أبناء المهنة في وجود خلفيات سياسية خلف القرار.
ولم يقتنع الكثير من الصحافيين بالمبررات التي صاغتها الحكومة لرفض إجراء الاستحقاق في الخامس من مارس المقبل في علاقة باستمرار تفشي وباء كورونا. وظهرت تلميحات بأن الحكومة تكيل بمكيالين، حيث تمسكت بإجراء انتخابات مجلسي النواب والشيوخ في سبتمبر ونوفمبر الماضيين وتسعى الآن لتعطيل الاستحقاق الانتخابي للصحافيين.
وتسبب موقف الحكومة في انقسام الصحافيين بين فريق مؤيد لموقفها وآخر معارض له. ودافع الأول بأن إجراء الانتخابات البرلمانية كان ضرورة واستحقاق دولة وله رمزية سياسية مهمة، وليس من المنطقي أن يستمر الفراغ التشريعي في البلاد حتى لو شاركت في الانتخابات السابقة أعداد قليلة، المهم أن تضفي الشرعية المطلوبة.
ويرى أنصار هذا الفريق أن انتخابات الصحافيين تُجرى في مكان واحد داخل مقر النقابة في وسط القاهرة، ويشارك فيها نحو عشرة آلاف أو أقل خلال ساعات معدودة، بينما تعقد الانتخابات البرلمانية على مستوى الدوائر الموزعة على كل المحافظات.
وبدت شريحة ممتعضة لأسباب اقتصادية، فإجراء الانتخابات يعني زيادة البدل النقدي الذي تصرفه وزارة المالية شهريا لأعضاء النقابة ويصل إلى 130 دولارا، ومع كل استحقاق انتخابي يرفع النقيب المرشح قيمة هذا المبلغ كدعم للناخبين.
ولدى معارضي التأجيل أسباب سياسية منها أن استمرار هذا المجلس يقطع الطريق أمام ظهور معارضة حقيقية في ظل استياء قطاع من الصحافيين من أدائه العام، ما يمنح فرصة لمناوئيه لتحقيق تقدم في هذه الأجواء.
عمرو الشوبكي: أصوات تحمّل الأمر مناحي سياسية بناء على موروثات
وترتبط مخاوف بعض الدوائر الرسمية من محاولة تيارات بعينها داخل الجماعة الصحافية تأليب أبناء المهنة على النظام وافتعال أزمات مع الحكومة وتصوير الأمر على أن هناك توجهات تسعى لإدخال النقابة في نفق مظلم جديد بغرض تقزيم دورها إلى الحد الأدنى وتجريدها من المعاني السياسية.
وأعلنت جماعة الإخوان المسلمين قبل أيام عن ترشيح صحافيين ممّن يقبعون داخل السجون في مصر كمحاولة لزيادة الضغط على النظام وتسليط الأضواء على قضية هؤلاء وسط مناخ أميركي ودولي مؤات لتفجير هذا النوع من القضايا.
واعتادت الحكومة التعامل مع انتخابات الصحافيين بصورة مغايرة عن استحقاقات باقي النقابات المهنية بحكم أنها كيان أصبح وجهة للتيارات المعارضة لها، ويحتضن كل الأطياف السياسية تقريبا من يساريين وليبراليين وإسلاميين.
ورأى عمرو الشوبكي الكاتب والمحلل السياسي المصري أن الحكومة ليست في حاجة لتأجيل انتخابات الصحافيين لدواع سياسية، لأنها سوف تتعامل مع أعضاء المجلس الجديد ونقيبه حتى لو كانوا من تيارات مناوئة، وهذا عُرف ثابت في مصر.
وأكد لـ”العرب” أنه من الطبيعي في قلعة الحريات بمصر خروج أصوات تحمّل الأمر مناحي سياسية بناء على موروثات، فرمزية النقابة تضفي على كل ما يرتبط بأمورها معاني معارضة وهو ما يمنحها زخما كبيرا.
ويخشى البعض من العاملين في الصحافة المصرية من نجاح التيار المناوئ للحكومة في تصدير فكرة أن تأجيل الانتخابات ينطوي على استهداف للنقابة، لأن تكريس هذه القناعة يعني أن العلاقة بين الطرفين قد تأخذ منعطفا يضاعف من التوترات المكتومة.
ولا ينكر متابعون تخوفات دوائر بعينها من تبعات ما ستؤول إليه انتخابات الصحافيين في ظل ترشح عدد كبير من أصحاب التوجهات المختلفة مع النظام، حيث تقود هذه النتيجة إلى منعطف ربما يقضي على ما تبقى من بريق لهذه النقابة العريقة.
ويلعب هؤلاء على وتر حماس الشباب ومغازلتهم بفكرة الحريات وانتهاز فرصة تراجع العمل السياسي لتكون تركيبة المجلس الجديد صوتا لمن عجزت الأحزاب عن التحدث بلسانهم ويصبح للنقابة ثقل في الشارع.
في المقابل يقول آخرون إن التأجيل فرصة لإعادة ترتيب المشهد الصحافي وإنقاذ النقابة من سيطرة تيارات لها مصالح ضيقة على زمام الأمور، ويمكن أن تستفيد من الانخفاض المتوقع في نسبة التصويت عن المعتاد بسبب كورونا.
وقد لا يكتمل النصاب القانوني في المرتين الأولى (50 في المئة + 1) والثانية (25 في المئة + 1)، وتلجأ اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات إلى خيار التصويت بمن حضر، وهنا تكون فرصة الاعتماد على الكتلة المعارضة أكبر، وتتحول النقابة إلى كيان يسيطر عليه أصحاب المصالح السياسية وتزداد حدة الاستقطاب داخلها.
وتتعامل الكثير من القوى السياسية مع انتخابات الصحافيين على أنها مسرح يمكن توظيفه لصالح أهدافها، بعد فشلها في إثبات نفسها من خلال العمل الحزبي في الشارع، وقد تستثمر هذا الحدث لإعادة اختبار شعبيتها، وهو ما ظهر في بعض الأسماء التي تقدمت للترشح، ومعروف أن توجهاتها بعيدة عن الحكومة.
ويعني ربط الانتخابات بكورونا تأجيلها إلى أجل غير مسمى، ووضع حملِ على عاتق النظام عند موافقته على أي استحقاق آخر يضم عددا كبيرا من الأشخاص، ويعني أيضا ترك أعضاء النقابة يتبارزون سياسيا ولا أحد يعلم الوجهة التي يمكن أن تقود إليها هذه المبارزة. فهل تزداد سخونة أم تنطفئ سريعا؟
انشرWhatsAppTwitterFacebook
أحمد حافظ
كاتب مصري