الجزائر تفتح ملف بؤرة الفساد الإعلامي عبر الإعلانات
قطاع الإعلام الجزائري ممنوع من الإصلاح طيلة ثلاثة عقود.
الإعلانات شريان حياة الصحف في الجزائر
فتح المدير الجديد الوكالة الوطنية للنشر والإشهار (الإعلان) العربي ونوغي ملف فساد هذه المؤسسة التي تهيمن منذ عقود على قطاع الصحافة والإعلام في الجزائر وتتحكم بمصيره عبر توزيع الإعلانات حسب نسبة الولاء للنظام، مع بوادر حكومية لإصلاح آلية عملها.
الجزائر - بدأت الإدارة الجديدة للوكالة الوطنية للنشر والإشهار (الإعلان)، في كشف الممارسات غير القانونية بين أسوار واحدة من المؤسسات الحكومية الموصوفة بـ”بؤرة الفساد الكبير”، بعد أن كانت مجرد إشاعات يتم تناقلها في أروقة القنوات والمؤسسات غير الرسمية، حول سوء الإدارة والفساد وتوظيف المؤسسة في إدارة الخط التحريري للإعلام الجزائري.
وفتح الرئيس المدير العام للوكالة الوطنية للنشر والإشهار الحكومية المحتكرة لسوق الإعلان في الجزائر العربي ونوغي، ملف “ممارسات فساد كبيرة وسوء إدارة”، داخل المؤسسة التي ظلت تمثل دور الذراع الإعلانية التي تروض بها الخطوط التحريرية للإعلام المحلي، خاصة خلال حقبة الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.
واتهم الإعلامي المخضرم الذي أدار عدة صحف حكومية كالنصر والمساء في وقت سابق، ما أسماه بـ”القوى غير الإعلامية”، بالاستحواذ على ريع المؤسسة التي تدير نشاط الإعلان، بتواطؤ من مسؤولين كبار في نظام الرئيس السابق، الأمر الذي هوى بالرسالة الإعلامية للإعلام المحلي، وحوّله إلى مصدر للثراء الفاحش على حساب حقوق العاملين في القطاع.
وظل قطاع الإعلام والمؤسسة الوطنية للنشر والإشهار، من أبرز القطاعات المعرّضة لتغيير وجوه القائمين عليها خلال السنوات الماضية، حيث عرفت الحكومات المتعاقبة 13 وزيرا لقطاع الاتصال، كما تداول على المؤسسة المذكورة العديد من المديرين، مما يوحي بعدم استقرار الاستراتجية الإعلامية للسلطة، وإلى خضوع القطاع للأمزجة والمصالح الآنية لمسؤولي الدولة في إطار ترويض المؤسسات الإعلامية.
ورغم الخطاب المتفائل الذي يحمله المدير الجديد للمؤسسة ومن خلفه وزير الاتصال عمار بلحيمر، في إعادة ترتيب القطاع بشكل متوازن ومهني، إلا أن متابعين لشؤون الاتصال في البلاد يراهنون على المزيد من الوقت للتأكد من نوايا السلطة الجديدة في إصلاح القطاع، قياسا بالتجارب الماضية حيث كان كل وزير وكل مدير للمؤسسة يتعرض للتغيير قبل تجسيد تصوراته وأفكاره على أرض الواقع.
ويقول الإعلامي والناشط السياسي عبدالرحمن الهاشمي هنانو، إن “الوكالة الوطنية للنشر والإشهار والاتصال، لا تتصدق على الجرائد فهي زبون وسيط بين المعلنين العموميين والخواص أحيانا، وشركات نشر الصحف والمجلات والقنوات الإذاعية والتلفزيونية العمومية والخاصة”.
ولفت إلى أن “عقودا مجحفة تخصم بموجبها 30 في المئة من المبلغ الأساسي إضافة إلى الرسوم للمؤسسة المحتكرة، وهي من تحدد سعر المساحات الإعلانية في الصحف، ولذلك شاع في الجزائر وصف صحافة (ربع صفحة إشهار) للانتقاص من سمعة وقيمة الصحف لدى الرأي العام، لتكون بذلك ضحية للمنظومة المشجعة على الفساد ومسخ القطاع الإعلامي واستبعاد كل المبادرات الإعلامية الجادة والمهنية من الساحة”.
وأضاف “لقد ناضلت مع بعض الزملاء منذ سنوات طويلة تجاوزت الثلاثة عقود لتحرير قطاعي الإعلام والاتصال، ومن ضمنها مجال العمل الصحافي والإشهاري وبادرنا إلى تبادل الرسائل مع الجهات الوصية وقدمنا الاقتراحات والمشاريع وساهمنا في مناقشة قانون الإشهار كما قانون الإعلام، ولكن للأسف كانت النتيجة دائما عكس المراد وضد رغبة المهنيين وفي غير صالح القطاع”.
وتابع “أسسنا عام 1998، الجمعية الجزائرية لوكالات الاتصال والإشهار، فأجهضوها وحاصرونا بتأكيد تعليمة رئيس الحكومة الأسبق بلعيد عبدالسلام، مهندس الاحتكار وتكسير قطاع الإعلام والاتصال”.
وشدد هنانو على “أن من يهندسون الأمور اليوم على مستوى رئاسة الجمهورية والحكومة ووزارة الاتصال على عاتقهم مسؤولية كبيرة لتقديم واجب الوفاء لرسالة الشهداء لتحرير الوطن، لأن لا حرية للوطن إلا بحرية المواطن، ولا حرية للمواطن إلا بحرية إعلامه”.
سوء إدارة في توزيع الإعلانات على الصحف ووسائل الإعلام
وكان المدير الجديد للوكالة الوطنية للنشر والإشهار العربي ونوغي، قد أكد في أكثر من تصريح صحافي على “أنه يملك ورقة بيضاء من الرئيس عبدالمجيد تبون، لإصلاح المؤسسة التي تعتبر الرئة التي يتنفس بها الإعلام المحلي”، لكنه مع ذلك دعا المؤسسات الإعلامية إلى التكيف مع الوضع والاعتماد على نفسها في إيجاد بدائل تمويلية، معتبرا إياها “مؤسسات اقتصادية تملك فرص النجاح كما يمكن أن تفشل”.
وبجرأة غير مسبوقة، كشف ونوغي عن امتلاك رجال أعمال وبرلمانيين ووزراء لمؤسسات إعلامية، وعن أرقام وكيفية توزيع الإعلان الحكومي خلال السنوات الماضية، فخلال الأربع سنوات الماضية دفعت المؤسسة ما يعادل نحو 400 مليون دولار، ذهب ربعها لواحدة من الصحف التي ظلت تمثل الذراع الإعلامية لنظام الرئيس
بوتفليقة.
وذكر في تصريحاته “أسماء الصحف والمبالغ المالية التي حصلت عليها من إعلان المؤسسة”، على غرار الصحف التي كانت توصف بـ”المقربة من رئاسة الجمهورية” كالنهار والوقت الجديد.. وغيرهما، بينما أعلنت عن توقيف نشاطها مؤخرا وتركت صحافييها وموظفيها لمصير البطالة، مع أول عودة للتوازن في تسيير مؤسسة الإعلان.
وأكد على أن “الانحرافات الكبيرة التي شهدتها الصحافة الجزائرية في السنوات الماضية، كانت سببا في تدهور وضعيتها وتأخر ترتيبها في تصنيفات المهنية والاحترافية، وأن فتح الأبواب للقوى غير الإعلامية، والدوس على قانون الإعلام، كان السبب في الانحراف الإعلامي الكبير الذي شهدته الجزائر، بعدما أصبح كلّ من هب ودب يملك جريدة”.
وفيما كانت سلطة نظام بوتفليقة تتفاخر بالكم الهائل من الصحف والمطبوعات، لإيهام الرأي العام والمنظمات الدولية والشركاء الأجانب بغية طمأنتها على مجال الحريات الإعلامية في البلاد، فإن ونوغي شبهها بـ”الجمعيات الخيرية” التي تنتظر في عملها مساهمة الدولة وتبرعات المحسنين.
وأوضح أن “الجزائر تمتلك الآن أكثر من 500 مطبوعة منها أكثر من 160 صحيفة يومية وأسبوعية، وأن الأصل فيها هي مؤسسات اقتصادية بإمكانها تحقيق النجاح كما أنها عرضة للفشل”.
وفيما ينتظر الفاعلون في القطاع الكشف عن مضمون قانون جديد للإعلان، توجهت الإدارة الجديدة لمؤسسة الوكالة الوطنية للنشر والإشهار، لوضع 15 مقياسا للحصول على الإعلان من أجل ضمان ما أسماه بـ”الشفافية والعدالة والصحافة القوية”، على غرار تحديد أرقام السحب والمبيعات والمهنية الإعلامية، وعدم تسييرها من طرف دخلاء على المهنة، فضلا عن عدم الضلوع في التهرب الضريبي.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
صابر بليدي
صحافي جزائري
قطاع الإعلام الجزائري ممنوع من الإصلاح طيلة ثلاثة عقود.
الإعلانات شريان حياة الصحف في الجزائر
فتح المدير الجديد الوكالة الوطنية للنشر والإشهار (الإعلان) العربي ونوغي ملف فساد هذه المؤسسة التي تهيمن منذ عقود على قطاع الصحافة والإعلام في الجزائر وتتحكم بمصيره عبر توزيع الإعلانات حسب نسبة الولاء للنظام، مع بوادر حكومية لإصلاح آلية عملها.
الجزائر - بدأت الإدارة الجديدة للوكالة الوطنية للنشر والإشهار (الإعلان)، في كشف الممارسات غير القانونية بين أسوار واحدة من المؤسسات الحكومية الموصوفة بـ”بؤرة الفساد الكبير”، بعد أن كانت مجرد إشاعات يتم تناقلها في أروقة القنوات والمؤسسات غير الرسمية، حول سوء الإدارة والفساد وتوظيف المؤسسة في إدارة الخط التحريري للإعلام الجزائري.
وفتح الرئيس المدير العام للوكالة الوطنية للنشر والإشهار الحكومية المحتكرة لسوق الإعلان في الجزائر العربي ونوغي، ملف “ممارسات فساد كبيرة وسوء إدارة”، داخل المؤسسة التي ظلت تمثل دور الذراع الإعلانية التي تروض بها الخطوط التحريرية للإعلام المحلي، خاصة خلال حقبة الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.
واتهم الإعلامي المخضرم الذي أدار عدة صحف حكومية كالنصر والمساء في وقت سابق، ما أسماه بـ”القوى غير الإعلامية”، بالاستحواذ على ريع المؤسسة التي تدير نشاط الإعلان، بتواطؤ من مسؤولين كبار في نظام الرئيس السابق، الأمر الذي هوى بالرسالة الإعلامية للإعلام المحلي، وحوّله إلى مصدر للثراء الفاحش على حساب حقوق العاملين في القطاع.
وظل قطاع الإعلام والمؤسسة الوطنية للنشر والإشهار، من أبرز القطاعات المعرّضة لتغيير وجوه القائمين عليها خلال السنوات الماضية، حيث عرفت الحكومات المتعاقبة 13 وزيرا لقطاع الاتصال، كما تداول على المؤسسة المذكورة العديد من المديرين، مما يوحي بعدم استقرار الاستراتجية الإعلامية للسلطة، وإلى خضوع القطاع للأمزجة والمصالح الآنية لمسؤولي الدولة في إطار ترويض المؤسسات الإعلامية.
ورغم الخطاب المتفائل الذي يحمله المدير الجديد للمؤسسة ومن خلفه وزير الاتصال عمار بلحيمر، في إعادة ترتيب القطاع بشكل متوازن ومهني، إلا أن متابعين لشؤون الاتصال في البلاد يراهنون على المزيد من الوقت للتأكد من نوايا السلطة الجديدة في إصلاح القطاع، قياسا بالتجارب الماضية حيث كان كل وزير وكل مدير للمؤسسة يتعرض للتغيير قبل تجسيد تصوراته وأفكاره على أرض الواقع.
وسائل إعلام موالية للنظام السابق أعلنت عن توقف نشاطها مع عودة التوازن في إدارة مؤسسة الإعلان
ويقول الإعلامي والناشط السياسي عبدالرحمن الهاشمي هنانو، إن “الوكالة الوطنية للنشر والإشهار والاتصال، لا تتصدق على الجرائد فهي زبون وسيط بين المعلنين العموميين والخواص أحيانا، وشركات نشر الصحف والمجلات والقنوات الإذاعية والتلفزيونية العمومية والخاصة”.
ولفت إلى أن “عقودا مجحفة تخصم بموجبها 30 في المئة من المبلغ الأساسي إضافة إلى الرسوم للمؤسسة المحتكرة، وهي من تحدد سعر المساحات الإعلانية في الصحف، ولذلك شاع في الجزائر وصف صحافة (ربع صفحة إشهار) للانتقاص من سمعة وقيمة الصحف لدى الرأي العام، لتكون بذلك ضحية للمنظومة المشجعة على الفساد ومسخ القطاع الإعلامي واستبعاد كل المبادرات الإعلامية الجادة والمهنية من الساحة”.
وأضاف “لقد ناضلت مع بعض الزملاء منذ سنوات طويلة تجاوزت الثلاثة عقود لتحرير قطاعي الإعلام والاتصال، ومن ضمنها مجال العمل الصحافي والإشهاري وبادرنا إلى تبادل الرسائل مع الجهات الوصية وقدمنا الاقتراحات والمشاريع وساهمنا في مناقشة قانون الإشهار كما قانون الإعلام، ولكن للأسف كانت النتيجة دائما عكس المراد وضد رغبة المهنيين وفي غير صالح القطاع”.
وتابع “أسسنا عام 1998، الجمعية الجزائرية لوكالات الاتصال والإشهار، فأجهضوها وحاصرونا بتأكيد تعليمة رئيس الحكومة الأسبق بلعيد عبدالسلام، مهندس الاحتكار وتكسير قطاع الإعلام والاتصال”.
وشدد هنانو على “أن من يهندسون الأمور اليوم على مستوى رئاسة الجمهورية والحكومة ووزارة الاتصال على عاتقهم مسؤولية كبيرة لتقديم واجب الوفاء لرسالة الشهداء لتحرير الوطن، لأن لا حرية للوطن إلا بحرية المواطن، ولا حرية للمواطن إلا بحرية إعلامه”.
سوء إدارة في توزيع الإعلانات على الصحف ووسائل الإعلام
وكان المدير الجديد للوكالة الوطنية للنشر والإشهار العربي ونوغي، قد أكد في أكثر من تصريح صحافي على “أنه يملك ورقة بيضاء من الرئيس عبدالمجيد تبون، لإصلاح المؤسسة التي تعتبر الرئة التي يتنفس بها الإعلام المحلي”، لكنه مع ذلك دعا المؤسسات الإعلامية إلى التكيف مع الوضع والاعتماد على نفسها في إيجاد بدائل تمويلية، معتبرا إياها “مؤسسات اقتصادية تملك فرص النجاح كما يمكن أن تفشل”.
وبجرأة غير مسبوقة، كشف ونوغي عن امتلاك رجال أعمال وبرلمانيين ووزراء لمؤسسات إعلامية، وعن أرقام وكيفية توزيع الإعلان الحكومي خلال السنوات الماضية، فخلال الأربع سنوات الماضية دفعت المؤسسة ما يعادل نحو 400 مليون دولار، ذهب ربعها لواحدة من الصحف التي ظلت تمثل الذراع الإعلامية لنظام الرئيس
بوتفليقة.
وذكر في تصريحاته “أسماء الصحف والمبالغ المالية التي حصلت عليها من إعلان المؤسسة”، على غرار الصحف التي كانت توصف بـ”المقربة من رئاسة الجمهورية” كالنهار والوقت الجديد.. وغيرهما، بينما أعلنت عن توقيف نشاطها مؤخرا وتركت صحافييها وموظفيها لمصير البطالة، مع أول عودة للتوازن في تسيير مؤسسة الإعلان.
وأكد على أن “الانحرافات الكبيرة التي شهدتها الصحافة الجزائرية في السنوات الماضية، كانت سببا في تدهور وضعيتها وتأخر ترتيبها في تصنيفات المهنية والاحترافية، وأن فتح الأبواب للقوى غير الإعلامية، والدوس على قانون الإعلام، كان السبب في الانحراف الإعلامي الكبير الذي شهدته الجزائر، بعدما أصبح كلّ من هب ودب يملك جريدة”.
وفيما كانت سلطة نظام بوتفليقة تتفاخر بالكم الهائل من الصحف والمطبوعات، لإيهام الرأي العام والمنظمات الدولية والشركاء الأجانب بغية طمأنتها على مجال الحريات الإعلامية في البلاد، فإن ونوغي شبهها بـ”الجمعيات الخيرية” التي تنتظر في عملها مساهمة الدولة وتبرعات المحسنين.
وأوضح أن “الجزائر تمتلك الآن أكثر من 500 مطبوعة منها أكثر من 160 صحيفة يومية وأسبوعية، وأن الأصل فيها هي مؤسسات اقتصادية بإمكانها تحقيق النجاح كما أنها عرضة للفشل”.
وفيما ينتظر الفاعلون في القطاع الكشف عن مضمون قانون جديد للإعلان، توجهت الإدارة الجديدة لمؤسسة الوكالة الوطنية للنشر والإشهار، لوضع 15 مقياسا للحصول على الإعلان من أجل ضمان ما أسماه بـ”الشفافية والعدالة والصحافة القوية”، على غرار تحديد أرقام السحب والمبيعات والمهنية الإعلامية، وعدم تسييرها من طرف دخلاء على المهنة، فضلا عن عدم الضلوع في التهرب الضريبي.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
صابر بليدي
صحافي جزائري