ما معنى أن يعيد صحافي مقال غيره، غير نضوب الأفكار

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ما معنى أن يعيد صحافي مقال غيره، غير نضوب الأفكار

    ما معنى أن يعيد صحافي مقال غيره، غير نضوب الأفكار


    فكرة الأسماء التي لا يُقترب من نصوصها بالنسبة إلى الصحف العربية، بغض النظر عن أهمية ما تكتبه، لم تكن صالحة بالأمس ولم تعد كذلك في عصر مفتوح على المعلومات والأفكار.
    السبت 2021/02/20
    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    الصحافة تحتاج إلى الابتكار

    إذا كانت الإجابة حاسمة على هذا التساؤل المرير، فإنها تقدم لنا درسا أكثر مرارة عن أزمة المحتوى الذي تعاني منه كبرى الصحف العربية.

    لقد ارتكب صحافي عربي “على درجة من الأهمية في بلده”! فعل استسهال شنيعا في صناعة الأفكار والتفاعل الجاد مع وعي القراء عندما أعاد نص مقال زميل له بوصفه مقالا له يحمل فكرة جديدة. ونشره مع جملتين من الإعجاب بمقال الزميل الآخر، عارضا على القراء مشاركته الإعجاب والتعليق عليه! “المفارقة تكمن في أن المقال للكاتب الأصلي نشر يوم الجمعة وأعاد نشره الكاتب المعجب به الثلاثاء على نفس الصفحة وفي نفس الصحيفة”، فهل ثمة أكثر من هذا التهاون في جوهر الكتابة؟

    زميلنا العزيز، يدرك أن المقال الذي أذهله مازال متاحا على موقع الصحيفة، ويمكن لأي قارئ العودة إليه بغض النظر عن أهميته.
    ما أهمية أن ننشر لكاتب تدرجه الثقافة السائدة في قائمة الكبار، مقالا لا يضيف شيئا لمدونة صناعة الأفكار

    كما أن إبداء إعجابه بالمقال في جملتين وإعادة نشره لا يكفي كي يقول للقراء شيئا مفيدا “إن لم يحدث ضررا في جوهر الصحافة نفسها”.

    فهل كان عاجزا في مناقشة الأفكار التي وردت في المقال، إن كانت حقا رؤيوية وباهرة وستبقى ماثلة في ذهن القراء لفترة طويلة. أشك في ذلك!

    ببساطة، ثيمة المقال موضع الإعجاب بالنسبة إلى الزميل، لم تكن أكثر من سرد معلومات غير دقيقة ومتاحة في عبث الإنترنت عن ثروات القادة الدكتاتوريين في العالم العربي، تأسيسا على القصة التي اتهم فيها المعارض الروسي أليكسي نافالني، الرئيس فلاديمير بوتين بامتلاكه قصرا تبلغ كلفته 1.3 مليار دولار، وأتبعه بعرض عن قصور وأملاك وسيارات الزعماء الذين اختارهم الكاتب بانتقائية وفق سياسة الصحيفة!

    لم تكن فكرة الأسماء التي لا يُقترب من نصوصها بالنسبة إلى الصحف العربية، بغض النظر عن أهمية ما تكتبه، صالحة بالأمس ولم تعد كذلك في عصر مفتوح على المعلومات والأفكار.

    وإذا كان زميلنا الكاتب قد عجز عن كتابة فكرة جديدة واستعان بمقال زميله وإعادة نشره في نوع الإعجاب الذي لا يهمّ القراء، فإن العجز الأكبر هو ما أصاب الصحيفة نفسها بتكرار ما نشرته قبل ثلاثة أيام وعلى نفس الصفحة!



    أزمة الصحافة الوجودية تكمن اليوم في صناعة المحتوى المتميز، وبمجرد قبول الصحف بكل ما تكتبه “الأسماء الكبيرة وفق تسمية الثقافة السائدة” بغض النظر عن أهمية ما تكتبه، يعني أن الأزمة مستمرة وستبقى كذلك.

    ما أهمية أن ننشر لكاتب تدرجه الثقافة السائدة في قائمة الكبار، مقالا لا يضيف شيئا لمدونة صناعة الأفكار؟ يمكن أن نعزو ذلك إلى وقوع الصحف تحت سطوة الأسماء بغض النظر عن أهمية ما تكتبه.

    سبق وأن عرض الروائي المصري يوسف القعيد مقالا عده نتاج أفكاره!، بينما في حقيقة الأمر لم يقم بغير نقل مادة منشورة لكاتب آخر ووضع لها مقدمة هزيلة مليئة بالأمثال الشعبية وباللهجة الدارجة!

    نقل القعيد الذي تضعه الصحافة العربية ضمن الأسماء التي لا تمسّ مقالاتها..!، مادة عن الروائية البريطانية هيلاري مانتل من مجلة “نزوى” العمانية وكتب مقدمة مكررة لها في مقال يتكون من 945 كلمة لم يكتب منها سوى 117 كلمة!

    نشر مقال القعيد المنقول من مجلة نزوى في صحيفة الرأي الكويتية باحتفاء مبالغ فيه، مع أنه في حقيقة الأمر لم يكن غير محض مخاتلة في نقل مقال لكاتب آخر!

    هل المشكلة تكمن بطريقة تفكير القعيد الذي يجسد بامتياز مقولة “الأدباء صحافيون فاشلون” عن كيفية صناعة المحتوى، أم تقع المسؤولية على الصحيفة التي احتفت باسم الكاتب لسد مساحة بالحشو قبل أي اعتبار لأهميته؟

    يمكنني الاستعادة بما كتبته الصحافية البريطانية لوسي كيلاوي للإجابة على هذا السؤال، وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال، أنني أجعل صحيفة فايننشيال تايمز التي تنشر مقالات كيلاوي المتميزة، في موضع مقارنة مع الصحيفتين العربيتين اللتين سمحتا بتكرار المكرر!

    كيلاوي التي تضيء مساحات بارعة في ما تكتب، اعترفت في يوم ما بأنها ليست مبتكرة “ولا حتى أكثر زملائي، فايننشيال تايمز توظف الناس الأذكياء الذين يعرفون كيفية اكتشاف المواضيع المهمّة وكتابتها بشكل رائع، وإعطاء القراء المزيج الصحيح مما هو مألوف ومدهش، الخبرة والمعرفة والممارسة والقدرة على الحكم والمهارة والذكاء كلّها أمور تلعب دورا، كذلك تفعل القدرة على الكتابة، والقدرة على التفكير، الابتكار بالكاد يأتي إلى هذه المؤسسة، هذا ليس إهانة لفايننشيال تايمز، بل هو مديح لها”.

    ومقالي المنزعج من نشر المكرر ليس أيضا إهانة لصحيفتين عربيتين، وإنما دعوة للكتابة بشكل مختلف عن الكيفية التي كانت تتم بها من قبل، وليس الخضوع المجرد لسطوة الأسماء!

    ولتحقيق ذلك نحتاج كصحافيين إلى الابتكار، وإلى أناس لديهم الذكاء والحكم للتوصل إلى التنويعات الصحيحة حول الأفكار الموجودة، وفق تعبير كيلاوي. وليس تكرار مقالات توسع الفجوة مع القراء وتصيب الصحافة بضرر بالغ وهي تحاول إعادة ضبط مكانتها في العالم وفي زمن ليس عادلا بحقها. مع وجود تردد أكثر من أيّ وقت مضى بشأن تعريف الصحافة، ولماذا هي مهمّة.
    بمجرد قبول الصحف بكل ما تكتبه “الأسماء الكبيرة وفق تسمية الثقافة السائدة” بغض النظر عن أهمية ما تكتبه، يعني أن الأزمة مستمرة وستبقى كذلك

    فمن بين أهم النصائح الذهبية التي حصل عليها آلان روسبريدجر رئيس تحرير صحيفة الغارديان السابق، من الصحافي البريطاني الراحل هارولد إيفانز، عندما سأله عن القاعدة الصحافية الوحيدة الثابتة، قال إيفانز: الأوضاع ليست كما تبدو على السطح احفر أعمق واحفر أعمق واحفر أعمق!

    وإذا لم نحفر كصحافيين أعمق وندير ظهورنا للأفكار المبتكرة، والاكتفاء بفكرة ليس ثمة ما يمكن أن نتعلّمه، فإننا سنزيد من عزلتنا ونفاقم من أزمة الصحافة الوجودية في العصر الرقمي.

    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    كرم نعمة

    كاتب عراقي مقيم في لندن
يعمل...
X