تخلي الحكومات عن إنقاذ الصحافة يعني انهيارها
الإعلانات والاشتراكات الرقمية ليست من ضمن الحلول الكافية لإنقاذ الصحافة.
الثلاثاء 2021/02/02
بحاجة إلى دعم
واشنطن - ألقت جائحة كوفيد – 19 بآثارها الصعبة على الصحافيين، وتسببت بخسارة كثيرين لوظائفهم وتسريحهم من أعمالهم، إضافة إلى تداعيات الإقفال العام، ما دفع بجهات ومنظمات صحافية وخبراء اقتصاديين وحكومات إلى البحث عن حلول لمعالجة التداعيات المالية، وأُطلقت الدعوات للتعاون بشكل أكبر بين هذه المجموعات.
وبحسب ما ذكرت شبكة الصحافيين الدوليين، ركّز تقرير جديد من مؤسسة “كونراد أديناور” الأميركية على “إنقاذ الصحافة”، مقدّما “رؤية لعالم ما بعد كوفيد – 19″، وأكد على أهمية التمويل الحكومي والتقني، والتركيز على الحفاظ على المؤسسات الصحافية الموجودة بالأصل، بدلا من إطلاق مؤسسات صحافية جديدة قد لا تتمكّن من الاستمرار.
ويبدو أن الإعلانات والاشتراكات الرقمية ليست من ضمن الحلول الكافية لإنقاذ الصحافة، حيث يستوجب الخروج من النفق المظلم جهودا أكبر من قدرة المؤسسات الإعلامية، ويتركز بشكل رئيسي على جهود الحكومات، وإلا لن يكون بإمكان المؤسسات الصحافية الاستمرار.
وأعدت التقرير باحثات في كلية الشؤون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا هنّ الدكتورة أنيا شيفرين، هانا كليفورد، ألين ماكينيرني، كايلي توماتي وليا أليراجا.
وقامت الباحثات باستطلاع رأي خلال إعداد التقرير، ورأى غالبية المشاركين أن الوقت قد حان لدفع شركات التكنولوجيا الكبرى إلى دعم الصحافة بشكل كبير ولإشراك الحكومات في تحقيق ذلك.
ومن أبرز الأمثلة ما ينصّ عليه قانون الإعلام الجديد الذي قدّمته لجنة المستهلك والمنافسة الأسترالية إلى البرلمان في ديسمبر، والذي يلزم غوغل وفيسبوك وشركات التكنولوجيا على الدفع مقابل الأخبار التي تستخدمها وإلزامها باللجوء إلى التحكيم إذا لم يتمّ الاتفاق على السعر.
كما أنّ ألمانيا وإسبانيا وفرنسا استعانت بقوانين حقوق النشر لجعل شركات التكنولوجيا الكبرى تدفع ثمن الأخبار.
وهناك جهود تُبذل في الولايات المتحدة كي تدفع شركات التكنولوجيا مقابل الأخبار، ومن ضمنها مبادرة “فري برس” لعام 2019 لفرض ضرائب على الإعلانات واستخدام الأموال لدفع تكاليف العمل الصحافي. ويوجد أيضا قانون المنافسة والمحافظة على الصحافة، والذي بحال تمّ إقراره سيسمح للناشرين بالتجمع معا عند التفاوض على الدفع مع غوغل وفيسبوك.
الحفاظ على المؤسسات الصحافية الموجودة أكثر جدوى من إطلاق مؤسسات جديدة قد لا تتمكن من الاستمرار
وتطالب العديد من المؤسسات الإعلامية في العالم العربي الحكومات بالسعي إلى إقرار تشريعات مماثلة تلزم شركات الإنترنت بالدفع مقابل المحتوى أو دفع ضرائب على الإعلانات تستفيد منها الصحافة العربية.
وأكد التقرير على أهمية الدعم الحكومي، فقد شهد العام الماضي اهتماما متجددا بالدعم الحكومي للأخبار، لاسيما في أفريقيا والولايات المتحدة، مع أنّه كان هناك حذر من مخاطر التمويل العام.
وقد زادت النرويج والدنمارك وكندا وأستراليا وسنغافورة التمويل الحكومي وبعضها زادت الائتمانات الضريبية لدعم الصحافة خلال تفشي الجائحة.
وأنشأت الحكومة الأسترالية صندوقا لجمع الأخبار التي تفيد المصلحة العامة بقيمة 50 مليون دولار أسترالي في مايو للمساعدة في الحفاظ على هذا النوع من الصحافة في المناطق. وقدّمت النرويج وسنغافورة مساعدات للمؤسسات الإخبارية والصحافيين المستقلين خلال أزمة كوفيد – 19، وخصصت الدنمارك مبالغ كبيرة لتعويض المؤسسات الإعلامية عن عائدات الإعلانات التي خسرتها بين مارس ويونيو 2020.
ويوجد في الولايات المتحدة أيضا عدد من المبادرات لدعم الأخبار، من ضمنها قانون للحفاظ على استمرارية واستدامة الصحافة المحلية، وجرى تقديمه في يوليو 2020. وسيوفر القانون المقترح ائتمانات ضريبية اتحادية لوسائل الإعلام المحلية للاشتراكات وتعويضات للصحافيين وعن الإعلانات.
وفي المنطقة العربية أنشأت بعض الدول مثل تونس والمغرب صندوق دعم المؤسسات الصحافية المتضررة من الوباء، لكنها بقيت إسهامات متواضعة لم تستطع إنقاذ القطاع المتأزم أصلا، إضافة إلى وجود خلافات حول آلية تطبيق هذا الدعم والمؤسسات التي ستستفيد منه.
ويعتبر التمويل الذي تقدّمه المؤسسات أحد الحلول الممكنة لإنقاذ الصحافة، فقد ساهم الدعم المؤسساتي بمساعدة المئات بل الآلاف من المؤسسات الإخبارية والشركات الناشئة الصغيرة حول العالم. وفي عام 2020 وفي خضم تفشي جائحة كوفيد – 19، أنشأت منظمات كثيرة صناديق طوارئ ولاقت قبولا من جهات صحافية عدّة.
وأطلقت مبادرة أخبار غوغل عددا من البرامج لتمويل مؤسسات إخبارية في أميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا والمحيط الهادئ وأوروبا والولايات المتحدة، وقدّمت منحا تتراوح بين 5 آلاف و30 ألف دولار أميركي إلى 5300 غرفة أخبار، جرى اختيارها من بين حوالي 12000 طلب.
وبما أنّ الحكومات في أميركا اللاتينية لم تقدّم الكثير لدعم الصحافة، سارعت مؤسسات من بينها غوغل وفيسبوك إلى إطلاق مساعدات، فقد قدّم فيسبوك والمركز الدولي للصحافيين منحا بقيمة مليوني دولار أميركي لمؤسسات إخبارية لمساعدتها على تغطية أخبار كوفيد – 19 وإعداد تقارير عن الجائحة وبالتالي تأمين استدامتها.
وعلى الرغم من حصول الآلاف من المؤسسات الصحافية حول العالم على دعم، لا تزال الحاجة متزايدة لتأمين المزيد من الدعم.
ويجدر أن يحصل المزيد من التنسيق بين الجهات المانحة والدعم الذي تقدّمه الحكومات بهدف تأمين استمرارية المؤسسات الإخبارية، بدلا من تقديم التمويل إلى الشركات الناشئة الصغيرة التي ستدخل حلبة المنافسة مع بعضها البعض.
ويؤكد التقرير أنّ هناك الكثير من الأفكار والمبادرات حول العالم التي تقدم الدعم للصحافة الجيدة والتي يمكن الاستفادة منها أو تطبيق أفكارها في بعض الدول، ولا بدّ من محاولة إقناع شركات التكنولوجيا الكبرى بالمساعدة في الدفع مقابل الأخبار.