كليات إعلام أكثر في مصر وصحافة أقل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كليات إعلام أكثر في مصر وصحافة أقل

    كليات إعلام أكثر في مصر وصحافة أقل


    عملية تطوير مناهج الإعلام تأخذ طابع شكلي بإضافة "رقمي وتقني" إلى أسماءها.
    الجمعة 2021/01/01
    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    إعلام تخصص مؤتمرات صحافية مع الفنانين

    تتزايد كليات وأقسام دراسة الإعلام في الجامعات المصرية، على الرغم من الواقع الصعب للخرّيجين وصعوبة الحصول على فرصة عمل في قطاع يتسم بتنافسية شديدة، وأزمات اقتصادية تسببت في إغلاق العديد من الصحف ووسائل الإعلام.

    القاهرة - رغم الواقع الصعب لخريجي الإعلام، تتزايد أعداد الكليات والأقسام التي تجعله المحور الأساسي لدراستها بوتيرة متسارعة، كما يرتفع أعداد الطلاب الذين يقبلون على دراسته في المؤسسات الأكاديمية الخاصة في ازدواجية غريبة.

    ويخلق هذا التضارب تساؤلات بشأن مشكلات خريجي الإعلام في سوق العمل ومدى ارتباطها بقصور المناهج الدراسية التي حصلوا عليها، وما هي الداعي وراء زيادة الأقسام التي تدرس الإعلام رغم تداعي سوقه؟ والأسباب التي تدفع بالمزيد من الشباب إلى دراسته رغم تجربة السابقين السيئة؟

    وتتحدث خريجة الإعلام هناء محمد، عن تداعي حلم جميل طوال أربع سنوات من الدراسة في كلية الإعلام بجامعة القاهرة، حيث كانت تتوارد في ذهنها خيالات مستمرة حول المستقبل الباهر، لكن انتهى الحال بهناء، التي حصلت على مجموع في الثانوية العامة بنسبة 98 في المئة وتقدير تراكمي من الكلية يقترب من الامتياز، لتتزوج وتتحول إلى ربة منزل كل ما يشغلها هو العناية بشؤون بيتها ورعاية ابنيها ومساعدتهما في التحصيل الدراسي.

    ويعكس واقع الفتاة التي تقترب من الثلاثين، حال الآلاف من خريجي كليات الإعلام وأقسامها في الجامعات المصرية الذين لم يجدوا فرصة في مجال تخصصهم الأصلي، وانتهي بالكثير من الفتيات إلى ملازمة المنازل، بينما اتجه الشباب إلى مجالات أخرى، مثل خدمة الزبائن بشركات الاتصالات أو التسويق العقاري أو الأعمال المحاسبية في المحال والشركات.

    وتقول أستاذ الإعلام بأكاديمية الجزيرة في القاهرة، هالة الحسيني، لـ”العرب”، إن “الغالبية العظمى من الطلاب تتجه حاليا إلى أقسام العلاقات العامة والإذاعة والتلفزيون، وبرامج الإعلان الإلكتروني الجديدة، على حساب أقسام الصحافة التقليدية التي تقارب على الاندثار، في ظل الأعداد القليلة التي تلتحق بها”.

    وتختلف الاهتمامات الجديدة للدارسين، فقد كان قسما الإذاعة والصحافة الأكثر إقبالا، ما يظهر قراءة موضوعية لسوق العمل، في ظل امتلاك غالبية المؤسسات الحكومية والخاصة لإدارات إعلامية تتولى إعداد تقارير عن أنشطتها بحرفية، ووسط تداعي سوق المطبوعات الذي يظهر بوضوح في تناقص أعداد صفحات كل الصحف.

    هالة الحسيني: الطلاب يتجهون إلى أقسام العلاقات العامة والإذاعة والتلفزيون وبرامج الإعلان الإلكتروني الجديدة

    وأضافت الحسيني أن “الجامعات تواجه مأزقا في اختيارات الطلاب الجدد والتي تتجه إلى أقسام الإعلام الرقمي والعلاقات العامة والإذاعة والتلفزيون، وتتعامل مع زيادة أعداد المتقدمين من خلال اختبارات معرفية تنظمها لتحديد المنضمين إليها، ويجد الطلاب الحاصلين على درجات أقل أنفسهم مرغمين على دخول أقسام الصحافة”.

    وتبرهن دراسات الإعلانات الصادرة عن مراكز بحثية عديدة، أن سوق الإعلام آخذة في التمدد في المجال الرقمي، لكن المشكلة الرئيسية ترتبط بقدرة المؤسسات الأكاديمية على مواكبة التطورات الحديثة، والتحول بشكل سريع من أقسام الإعلام التقليدية إلى تدريس برامج البودكاست، والإعلام التفاعلي، والتصاميم الثنائية والثلاثية الأبعاد، والاتصالات التسويقية المتكاملة.

    وتستمر غالبية المؤسسات الأكاديمية في الحفاظ على التقسيمات التقليدية للدراسة، حسب الوسيلة، مع تدريس مقررات مخالفة لسياق الزمن، من بينها الإخراج الصحافي، رغم اندثار غالبية الصحف الورقية في مصر، واحتواء الباقي منها على عدد من المخرجين يكفيها لسنوات، ووجود مراكز للتصميم ومعالجة الألوان تضم فنيّين اكتسبوا خبرة تؤهلهم للتعامل مع المادة المكتوبة، وتجهيزيها للطباعة دون مخرجين.

    ويواجه المتخصصون في الإعلام مشكلة أزلية تتعلق بارتباط مجالهم بالموهبة ما يجعلهم في منافسة مستمرة مع خريجي الكليات الأخرى، الفيصل فيها للمهارة وجودة التعبير نطقا وكتابة، وتغيرات الصناعة ذاتها التي تحتاج إلى إعلامي شامل، يلمّ بتقنيات تصوير الفيديو ومعالجة المقاطع المصورة والإخراج التلفزيوني، والحاسب الآلي بجانب الكتابة سواء التقليدية أو للوسائط المتنوعة.

    ويقول محمد علي، الذي تخرج منذ ثلاثة أعوام في كلية الإعلام، إن ما توفره الدراسة النظرية يختلف تماما عن سوق العمل، فلم يستطع الحصول على فرصة عمل إلا بعد قضاء عامين في دراسة “الغرافيك” وفنون التحريك، ويمارس حاليا عملا براتب جيد في إحدى وكالات الإعلانات الصغيرة.

    ولا تزال كتب الإعلام الأكاديمية تصف بعض الوسائط التي مر عليها الزمن بعبارة “اختراعات حديثة”، مثل “أشرطة الكاسيت”، وتنصح المحررين باستخدامها في الحوار الصحافي للرجوع إليها في تدقيق المعلومات التي تقولها المصادر، رغم اعتماد الإعلاميين على الهواتف الذكية منذ 15 عاما.


    العمل التلفزيوني طموح غالبية الطلاب


    ويجد خريجو الإعلام أنفسهم أمام سوق عمل لم يتدربوا عليها، وبعضهم لا يعرف سوى قشور عن إعلام التواصل الاجتماعي الذي أصبح الأكثر قدرة على جذب المعلنين والوصول إلى الجمهور المستهدف، ومن يشق طريقه في العمل لا بد أن يتلقى دورات في مجالات الحاسب الآلي وعلوم البيانات والذكاء الاصطناعي، والتي تحتاج كلها إلى إمكانيات مادية تفوق قدرات غالبية الطلاب بها.

    ويشير محمد علي لـ”العرب”، إلى أنه عرف الحقيقة المرة في العام الدراسي الأول له خلال حفل تخرج الدفع السابقة له بعدما وجد أغلبية المتواجدين بلا عمل أو داخل قنوات تعطيهم راتبا ضعيفا وغير منتظم، وكان أمام خيارين إما نقل أوراقه إلى كلية أخرى أو تأهيل نفسه لسوق متنوع، فاختار الخيار الثاني.

    وأضافت بعض الأكاديميات الإعلامية في مصر مجالات بعيدة بمراحل عن التخصص لتنويع الفرص أمام خريجيها، فباتت تضم مقررات تتعلق بإدارة الإعلام والموسيقى والفن التشكيلي، واستفاضة أكبر في برامج الحاسب الآلي التي ظلت حتى وقت قريب مجرد مادة هامشية لإكمال عدد المقررات التي يجب أن يخوضها الطالب.

    لكن عملية تغيير مناهج الإعلام تأخذ طابعا شكليا في الكثير من كليات الإعلام التي تغيّر جلدها، فتكتفي بإضافة كلمة “رقمي” أو “تكنولوجي” إلى الكثير من أسماء المناهج التقليدية، ويجري الأمر بصورة عشوائية دون برامج مدروسة وفقا لمعايير مهنية.

    ووافق مجلس جامعة القاهرة على لائحة كلية الإعلام الجديدة، التي كان مقررا تطبيقها منذ بداية العام الدراسي الحالي، لكن تم إرجاؤها بسبب كورونا، لتضم برنامج الصحافة والنشر الرقمي، وبرنامج الإعلام الجديد وتطبيقاته في الراديو والتلفزيون، وبرنامج الإعلان والاتصالات التسويقية، وبرنامج الاتصال عبر الثقافات، وبرنامج الصحافة الإلكترونية.

    وأكدت الدكتورة ليلى عبدالمجيد، رئيسة لجنة تطوير أقسام كلية إعلام القاهرة، أن تطبيق البرامج الجديدة تواكبه تدريبات مكثفة لأعضاء هيئات التدريس عليها من قبل متخصصين في هذه المجالات، بما يتيح لهم تدريب الطلاب عليها بشكل عملي.

    وأوضحت لـ”العرب”، أن هناك مفاهيم جديدة ستكون حاضرة في أقسام الإعلام تتسع لتشمل صناعة المحتوى الإعلامي بشكل عام بعيدا عن الإعلام التقليدي الذي لن تكون أمامه فرص عديدة في المستقبل، وأن الهدف الأساسي هو التعامل مع بطالة خريجي الإعلام وإتاحة فرص للطلاب في الخارج.

    ورغم قناعة عبدالمجيد بأن الخريجين سيكون أمامهم مستقبل واعد مع إقرار البرامج الجديدة، لكنها شددت على ضرورة تقنين التوسع في كليات الإعلام وإيقاف إنشاء كليات إلى حين إعداد دراسات عن طبيعة الأعمال التي التحق بها الخريجون خلال السنوات الماضية، وإن كان ذلك يصطدم برؤية الحكومة المصرية التي تقوم على إتاحة أكبر قدر من فرص التعلم لطلاب المرحلة الثانوية في الجامعات.

    قد تكون هذه التطورات مغرية للشباب وتدعو إلى التفاؤل لدى البعض، غير أنها لا تجيب على السؤال المحوري، لماذا يتزايد الإقبال على كليات الإعلام والمهنة تتراجع في مصر، والعاطلون عن العمل في تزايد مستمر؟


    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    أحمد جمال
    صحافي
يعمل...
X