الحروب مابين ١٨٧٠ و ١٩١٤
المصورون الحربيون ومنتهى الرومانطيقية!
في حرب القرم عام ١٨٤٨ دخلت الكاميرا الفوتوغرافية لأول مرة إلى ساحات القتال ومنذ ذلك التاريخ صارت جزء لا يتجزء من الحروب وهذا الكتاب يعود بنا إلى الصور الأولى ، ويتابع حتى صور حرب - الفوكلاند . عام ٨٣ والحرب اللبنانية التي لم تتوقف بعد ونظـراً لأهمية هذا الموضوع بالنسبة لمتتبعي « تاريخ التصوير » رأينا ترجمته من الألمانية ، خصوصاً وانه لم يترجم إلى أي لغة بعد ليكون بمتناول قرائنا بأسرع وقت ممکن .
الكتاب لرينيه فابيان وهانس کریستیان آدم . ويقع في ٣٤٠ صفحة من الحجم الكبير ويحتوي على صور لم يسبق نشرها قبل الآن لأسباب عديدة والصور جميعها بـالأسـود والأبيض بلا شك وهو مقسم إلى سبع فترات تاريخية تبدا بين عامي ١٨٤٨ و ۱۸۷۰ وتنتهي بين عامي ١٩٥٠ و ۱۹۸۳
في القرن التاسع عشر انفقت المجلات المصورة الملايين من الدولارات لتغطية الحروب ، لكن تلك الفترة تميزت باعتبار المصورين ابطال القصص التي يعمدون إلى تصويرها .
في عام ١٨٤٢ ضجت الصحف والمجلات وعلى رأسها العدد الأول من اخبار لندن المصورة ، باول صورة إخبارية مثيرة وفيها عملية إغتيال من قبل أحد الرجال الذي أطلق النار من مسدسه على الملكة فيكتوريا - ملكة بريطانيا - وقد جزت هذه المجلة وراءها العديد من المجلات الجديدة في كل من فرنسا والمانيا وأميركا وروسيا .
وكما علمنا فان حرب القرم كانت بداية دخول المصورين إلى جبهات القتال ومعها بدأ العهد الرائد للصحافة ، فالراي العام كان متعطشاً للأخبار واصحاب دور النشر عرفوا قيمة التسويق للاخبار المثيرة والخارقة للعادة كما أن المخبرين الصحفيين والمصورين المنتشرين في انحاء العالم كانوا الشهود العيان المحترفين لأحداث التـاريـخ ملزمين انفسهم فقط في الفترة التي تدور امام اعينهم ، لم يكن هناك بعد بريد جوي أما الهاتف والتلكس فيشكلان الفارق تقريباً مع الأيام الحديثة ، والصحفيون لم يكونوا مهندسين للإتصالات بل مجرد مغامرين ... .
في الولايات المتحدة كان لكل حقبة من التاريخ مؤرخـوهـا الإخبـاريـون .. الحفارون على الخشب ، كـانـوا يـرافـقـون المستوطنين الذين يتجهون نحو الغرب ، كما أن حفاري الكليشهات على النحاس رسموا في عام ١٧٧٠ الحمام الدموي في بوسطن وعندما إغتيل الرئيس الأميركي ماك كينلي ( Me Kinley من قبل سولوغوز ( Csolgoz ) إستعـان رسام بالشهود العيان لوضع صورة لعملية الاغتيال جاءت مطابقة للواقع تماماً ، كما لو أنه كان حاضراً لعملية القتل.
و في المانيا فان صاحب دار النشر غوستاف كون نشر صوراً للأحداث الجارية على الواح - نويروبين - التصويرية .
في عام ١٨٦١ زار الشـاعـر تيودور فـونـتـان دار الناشر غوستاف كون وكل ما فيها ذكره بـالتقنية المتبعة في الصحف البريطانية ، ولكن أكثر ما أدهش الشاعر ، كانت السرعة التي ينزل بها غوستاف كون اعـداده الـ . إكسترا ، إلى السوق ... ويقول تيودور بهذا الصدد قبل ان تظهر أول مجلة مصورة في طويلة ، كانت الواح . كون - المصورة تنقل للقارىء الأحداث اليومية ، والشيء الأساسي والمهم العالم ، ایلوستريرته تزايتونغ . ( Illustrirte Zeitung بفترة في الأمر هو ان الصور لم تظهر بعد الحدث بفترة طويلة ، بل كانت تشاهد مباشرة بعده .
إن رسامي القرن التاسع عشر كانوا ، اشخاصا ، اسطوريين - وبينما دخل عهد الصناعة الحديثة والعمال اخذوا يقفون امـام الآلات الجديدة فإن الصحافيين والمصورين كانوا لا يزالون يرتدون ثياب المغامر الرومانطيقية . وبينما كان يتهافت الـنـارحـون من القرى والمدن الصغيرة إلى المدن الكبيرة ويعـانـون الأمرين من البؤس والفاقة الاقنيـة الداخليـة للـعمـارات ، كان المصورون والصحفيون يسافرون إلى البلاد الغريبة والمثيرة . وبينما كانت حياة المواطن العادي تختنق عبر الإدارات المعقدة والبيروقراطية ونزوات الشرطة ، كان المصورون والصحفيون يعيشون حيـاة لذيذة ، حرة ومليئة بالمغامرات فلم يكن التكليف فقط في كتابة القصة الكبيرة ، ورسمها أو تصويرها ، هو الذي دفع بالمخبر بل السبب كان آنذاك رومانطيقية الحرب التي من اجلهـا كـان الصحافي أو المصور إلى الجبهة • الصحفي أو المصور يبدل مكتبه او غرفته المظلمة في مكتب التحرير بغرفة الفندق والسرير اللين الوثير بحصيرة الخيمة ...
وكتب آرنست فيزيتللي Ernest ) ( Vizitelly الذي كان ينشر اخبار الحرب الفرنسية - الروسية . يقول : في خضم القرن التاسع عشر كنت ابحث عن الرومانطيقية ، ولقد وجدتها في ساحات القتال وبعد مائة عام كتب الصحفي مایکل هر ( Michael Herr ) يقول إن الحرب الفيتناميـة كـانت بالنسبة للكثيرين منا البديل عن طفولة سعيدة .
فتحت عهد الوصاية للملكة
فيكتوريا ، ما بين عام ١٨٣٧ وعام ۱۹۰۱ ، قاتل البريطانيون فيما لا يقل عن مائتين وتسعة وعشرين نزاعاً حربياً ، والتي كان المسؤولون في . داونينغ ستريت يعطونها مختلف الأسماء حملات تاديبية عمليات عسكرية هجمات ، ولكنها كانت في الحقيقة عبارة عن حروب إستعمارية وكان الأمر في الواقع يتعلق بفتح أسواق لتصريف السلع ، عندما قامت بريطانيا في حروبها سواء في الصين أو في جنوب أفريقيا .
في القرن التاسع عشر لعب رسامو ومصورو الحرب ادواراً متبادلة . المصورون كانوا يقفون امام الجبهة ، كما يقف الرسامون امـام ، مسـانـدهم . . حـوامـل اللوحات - ، بالمقابل فإن الرسامين أظهروا آنذاك الحرب كما يظهرها المصورون اليوم ، وعلى رسومهم التخطيطية كان صخب وضجيج الحرب جليا للعيان ، عبر القنابل اليدوية المنفجرة والمنازل المحترقة والجنود القتلى في ساحة الوغى . والدمار كل مكان ، بالإضافة إلى دخان البارود المتصاعد ...
بعض الفنانين كانوا يرسمون ريبورتاجا باكمله عن احداث الحـرب ، وليس فقط مشـاهـد إفرادية لمعركة ما ، وقد شاهد القراء على أوراقهم ولوحاتهم كيف يسحب الجرحى من خطوط النار وكيف ينقذ اللاجئون ما تبقى من متاع إلى ما وراء خطوط القتال . وكيف يطارد أبناء المـدينـة المتضورون جوعا القطط والجراذين لاصطيادها ... كما انهم شاهدوا امعاء الجياد المقتولة والمبقورة بطونها .....
صور الحرب كالتي رسمها هاوارد شاندلر كريستي ، الذي نزل إلى البر في عام ١٨٩٨ مع القوات
الأميركية إلى كوبا ، في الحرب الأميركية الإسبانية ، لم يتمكن ان يصورها آنذاك اي مصور يعمل بواسطة الكاميرا الخشبية . فقد رسم كريستي آلاف الرجال العراة الذين كانوا يسحبون القوارب والرجال إلى الشاطيء ...
رجال كانوا يغنون ويرقصون عراة حول نار المعسكر كي يدفئوا اجسامهم من جديد ، او يصرخون من الفرح لأنه كان أول حمام بأخذونه منذ سبعة أيام إن الذي وصف الحـرب الروسية - الصربية لم يكن مصوراً ، بل رساماً وعلى إحدى رسوم فريديريك فيليه يشاهد المرء صورة لثلاثة من الصرب مصلوبين على شجرة وهم يحترقون . وهم التحرير أي وسواس أو تردد في نشر مثل هذا الرسم ، ومما قاله أحدهم بهذا الصدد . إن الرسم حد ذاته ، مقرف ، ولكننا نرى أنه من واجبنا عدم إغلاق الأعين احياء . ولم يعتر رؤوسـاء امام مثل هذه الحوادث .
إن المخبرين والمصورين الحربيين كانوا أبطال القصة إنهم لم يعيشوا المغامرة وحسب ، بل كانوا يحملونها في داخلهم . من حرب القرم التي جرت معاركها ما بين الروس من جهة والبريطانيين والفرنسيين من جهة أخرى ، حتى حرب فيتنام التي دارت رحاها في النصف الثاني من هذا القرن ما بين الفيتناميين الشماليين يساندهم الفيتكونغ - حركة تحررية من الفيتناميين الجنوبيين - وبين الأميركيين وقوات فيتنـام الجنوبية المواليـة للـولايـات المتحدة من جهة أخرى ، احب الصحفيون والمصورون - التجهز او التاهل ، الذي حولهم رجالا أشداء .
في الحرب الأميركية ـ الإسبانية ذهبوا إلى الحرب وكانهم فلتة من فلتات الموضة ، كانوا يرتدون لباب الصيد ، جاكيتات من الجلد وقبـعـات المناطق الحارة . المصنوعة من . الفلين ، وكانوا يحملون - المناظير : واحـزمـة الخرطوش ، فريديريك فيليه لم يأخذ في احزمته الواح الرسم . والأسلحة وزجاجات الماء وجاكيته قابلة للغسيل من الجلد للإستعمال اليومي . بل ايضاً . الجاكيتات الرسمية للعشاء من اجل مآدب للمساء اثناء الاستراحات في الجبهة .
وعندما كان يظهر على الجبهة مع خيمته ، التي صممها وبناها بنفسه ، كان تأثيره على الجنود مثل تاثير شخصية روائية شهيرة . وفي روايته الصحفية سكوب ، وصـف الـروائي البريطاني إيفلين فوغ بسخرية ما كان يحمل ويرتدي المخبر الحـربـي الصحفي والمصور الحربي المجهز تجهيزا كاملا وقبل أن يذهب بطل روايته إلى الجبهة نزود ويليام بوت -Wil liam Botte بما : خيمة ، مواد غذائية وفيرة تكفيه لمدة ثلاثة اشهر ، قارب مطاطي قابل للطي ساري علم من عدة اجزاء ، علم بريطاني . مضخة ماء تعمـل باليد ..جهاز لتعقيم مياه الشرب جهاز لقياس الارتفاعات ست بدلات للمناطق الحارة من قماش الكتان ، طاولة خيمة للعمليات طقم كامل لأدوات الجراحة ، جهاز جيب لترطيب الهواء مع الكفالة بحفظ السيجار في حالة جيدة ، حتى في منطقة البحر الأحمر وعصا خاصة من اجل قتل الأفاعي ... . . وهذا كله كان قد تزود به من بريطانيا لوحدها وقبل القيام برحلته ، أما بعد وصوله إلى افريقيا فقد تزود باشياء اخرى غريبة .
وقبل ان يسير بوت مع زملائه إشتروا مرة ثانية ما أمكنهم حمله وشراءه ، كالقمصان المقاومة للشمس ، وجاكيتات لا يخترقها الرصاص ، جيوب للمسدسات حزام للخرطوش ، جزمات من ماركة جديدة . كما وجدوا أن المعاطف المصنوعة من شعر الخيول والقمصان الحريرية للسكان المحليين مناسبة أكثر وقد نصبوا خيمة معسكر في حديقة الفندق واخذوا لهم صوراً بكل الأوضاع الممكنة .
ومن يرى ، في قصة الروائي أموراً مبالغاً فيها ، يجب إحالته إلى الحرب الفيتنامية حيث كان الخياطون في سايغون يعيشون الثياب التي يفضلونها للمخبرين الصحفيين والمصورين الذين طاروا واتوا إلى سايفون ، . بدلات لأوقات الفراغ في جحيم الأدغال مع الكفاية من « الجنيحات الإضافية المتحركة وشفـوق صغيرة ضيقة وجيوب واسعة وكبيرة يمكن للمرء ان يضع بداخلها إمدادات كاملة - حسب قول الصحافي مايكل هر -
الكثير من مخبري ومصوري الدراجات ، حيث بهذه الصورة الحرب في القرن التاسع عشر كانوا يذهبون إلى الجبهة وهم يركبون يصلون بسرعة إلى الجبهة ولم يكن عليهم حمل اية امتعة ، وعند ان يخلط ما بين راكب دراجة وبين الضرورة كانوا ياخذون وراءهم على المنصب ، أحد الزملاء . وعلى هذه الصورة فما من إنسان بإمكانه الجندي هذا ما يؤكده الرسام الحربي رينيه بول وبالنسبة للرحلات بالدراجة على الطريق مع أطر عجلات عريضة وأسياخ مقواة ، وترتيب خاص على المقود الوعرة كانت هناك تصاميم إكسترا کیدون ، لوضع آلة كاتبة والتي كان بإمكان الصحفي ان يكتب عليها إنطباعاته اثنـاء المعركة التي تدور رحاها من حوله .
و بواسطة منطاد أرسل جول بلكوك ( Jules Pelcoe ) رسومه التخطيطية من باريس المحاصرة إلى بريطاينا في وقت لم يكن العالم قد تعرف على الطائرات فكانت الإمكانية الوحيدة لخرق الحصار هي بواسطة هذا المنطاد .
إن رسامي الحرب كانوا آنذاك يتصرفون بدقة وحذر ، إذ ان كل رسم قبل إقلاع المنطاد .
أخذت عنه نسخ عديدة كانت ترسل بدورها عبر مناطيد اخرى كي يصل واحداً منها على الأقل إلى رئاسة التحرير ، والكثير من هذه المناطيد وصلت إلى اماكن . لم يكن مرتقباً وصولها إليها فالبعض حط في حقل بمقاطعة النورماندي في فرنسا ، والبعض غرق وإبتلعته مياه البحر القنال - قنـال المانش ـ أو بحر الشمال .
مراسل آخر كان يبعث برسائله من الحرب السودانية بواسطة سياحي المسافات الطويلة ، حيث إستاجر السباحين الوطنيين الذين كانوا يلفون الرسوم التخطيطية حول رؤوسهم حتى لا تتبلل . ومع هذه ، العمامة ، كانوا ينزلون إلى
نهر النيل ويتشبثون بجزع شجرة عائمة يدفعها التيار لينقلهم إلى مسافة ستين ميلا حيث المحطة التالية . وكتب مود يقول . إن سرعة التيار هي خمسة أميال في الساعة ، وهكذا فإن بريدي هو أسرع في الوصل إلى الهدف من امثـال وهـؤلاء إرساله على ظهور الجمال . . بعد عام ١٩٤٥ صار هناك إختصـاصيـون الستـرنـجـر .. الـ ( Stringer ) هم اشخاص على درجة معينة من الامتياز والفـعـالـيـة ، وبدون هؤلاء المخبرين والمترجمين فإن رسام الحرب خلال الحرب الألمانية - الفرنسية يرى نفسه ، مقطوعاً ، تماماً مثل المصور في الحرب الفيتنامية .
هؤلاء المخبرون ( Stringer ) كانوا اشخاصاً حاذقين ، لديهم علاقات واسعة ويملكون معلومات دقيقة ومفصلة عن امـاكـن تواجدهم ، يدبرون الجياد من اجل الركوب عليها والذهاب ليوم واحد إلى ساحة القتـال ... وكـانـوا يعرفون این توجد الغرفة الخالية من ، البق ، ومتى يذهب آخر بريد . وكانوا يدفعون الرشاوي بتكليف من المخبرين والمصورين الحربيين ليحصلوا بالمقابل على الرشاوي من المخبرين العسكريين الآخرين ...
وفي حال كان بامكان هـذا الـ ( Stringer ) ان يرسم . عندئذ فإن مهمته الأساسية في العمل هي في البحث للرجل الأبيض عن الصور وبينما يكون رسام الحرب يراقب الجبهة يكون الـ . سترينغر ، في الخلف يقوم بدراسة الأزياء ويعمل خرائط لعربات الذخيرة والقـلاع المستولى عليها وعادة ما يرسم بصورة سيئة ولكن حقيقية .
المصورون الحربيون ومنتهى الرومانطيقية!
في حرب القرم عام ١٨٤٨ دخلت الكاميرا الفوتوغرافية لأول مرة إلى ساحات القتال ومنذ ذلك التاريخ صارت جزء لا يتجزء من الحروب وهذا الكتاب يعود بنا إلى الصور الأولى ، ويتابع حتى صور حرب - الفوكلاند . عام ٨٣ والحرب اللبنانية التي لم تتوقف بعد ونظـراً لأهمية هذا الموضوع بالنسبة لمتتبعي « تاريخ التصوير » رأينا ترجمته من الألمانية ، خصوصاً وانه لم يترجم إلى أي لغة بعد ليكون بمتناول قرائنا بأسرع وقت ممکن .
الكتاب لرينيه فابيان وهانس کریستیان آدم . ويقع في ٣٤٠ صفحة من الحجم الكبير ويحتوي على صور لم يسبق نشرها قبل الآن لأسباب عديدة والصور جميعها بـالأسـود والأبيض بلا شك وهو مقسم إلى سبع فترات تاريخية تبدا بين عامي ١٨٤٨ و ۱۸۷۰ وتنتهي بين عامي ١٩٥٠ و ۱۹۸۳
في القرن التاسع عشر انفقت المجلات المصورة الملايين من الدولارات لتغطية الحروب ، لكن تلك الفترة تميزت باعتبار المصورين ابطال القصص التي يعمدون إلى تصويرها .
في عام ١٨٤٢ ضجت الصحف والمجلات وعلى رأسها العدد الأول من اخبار لندن المصورة ، باول صورة إخبارية مثيرة وفيها عملية إغتيال من قبل أحد الرجال الذي أطلق النار من مسدسه على الملكة فيكتوريا - ملكة بريطانيا - وقد جزت هذه المجلة وراءها العديد من المجلات الجديدة في كل من فرنسا والمانيا وأميركا وروسيا .
وكما علمنا فان حرب القرم كانت بداية دخول المصورين إلى جبهات القتال ومعها بدأ العهد الرائد للصحافة ، فالراي العام كان متعطشاً للأخبار واصحاب دور النشر عرفوا قيمة التسويق للاخبار المثيرة والخارقة للعادة كما أن المخبرين الصحفيين والمصورين المنتشرين في انحاء العالم كانوا الشهود العيان المحترفين لأحداث التـاريـخ ملزمين انفسهم فقط في الفترة التي تدور امام اعينهم ، لم يكن هناك بعد بريد جوي أما الهاتف والتلكس فيشكلان الفارق تقريباً مع الأيام الحديثة ، والصحفيون لم يكونوا مهندسين للإتصالات بل مجرد مغامرين ... .
في الولايات المتحدة كان لكل حقبة من التاريخ مؤرخـوهـا الإخبـاريـون .. الحفارون على الخشب ، كـانـوا يـرافـقـون المستوطنين الذين يتجهون نحو الغرب ، كما أن حفاري الكليشهات على النحاس رسموا في عام ١٧٧٠ الحمام الدموي في بوسطن وعندما إغتيل الرئيس الأميركي ماك كينلي ( Me Kinley من قبل سولوغوز ( Csolgoz ) إستعـان رسام بالشهود العيان لوضع صورة لعملية الاغتيال جاءت مطابقة للواقع تماماً ، كما لو أنه كان حاضراً لعملية القتل.
و في المانيا فان صاحب دار النشر غوستاف كون نشر صوراً للأحداث الجارية على الواح - نويروبين - التصويرية .
في عام ١٨٦١ زار الشـاعـر تيودور فـونـتـان دار الناشر غوستاف كون وكل ما فيها ذكره بـالتقنية المتبعة في الصحف البريطانية ، ولكن أكثر ما أدهش الشاعر ، كانت السرعة التي ينزل بها غوستاف كون اعـداده الـ . إكسترا ، إلى السوق ... ويقول تيودور بهذا الصدد قبل ان تظهر أول مجلة مصورة في طويلة ، كانت الواح . كون - المصورة تنقل للقارىء الأحداث اليومية ، والشيء الأساسي والمهم العالم ، ایلوستريرته تزايتونغ . ( Illustrirte Zeitung بفترة في الأمر هو ان الصور لم تظهر بعد الحدث بفترة طويلة ، بل كانت تشاهد مباشرة بعده .
إن رسامي القرن التاسع عشر كانوا ، اشخاصا ، اسطوريين - وبينما دخل عهد الصناعة الحديثة والعمال اخذوا يقفون امـام الآلات الجديدة فإن الصحافيين والمصورين كانوا لا يزالون يرتدون ثياب المغامر الرومانطيقية . وبينما كان يتهافت الـنـارحـون من القرى والمدن الصغيرة إلى المدن الكبيرة ويعـانـون الأمرين من البؤس والفاقة الاقنيـة الداخليـة للـعمـارات ، كان المصورون والصحفيون يسافرون إلى البلاد الغريبة والمثيرة . وبينما كانت حياة المواطن العادي تختنق عبر الإدارات المعقدة والبيروقراطية ونزوات الشرطة ، كان المصورون والصحفيون يعيشون حيـاة لذيذة ، حرة ومليئة بالمغامرات فلم يكن التكليف فقط في كتابة القصة الكبيرة ، ورسمها أو تصويرها ، هو الذي دفع بالمخبر بل السبب كان آنذاك رومانطيقية الحرب التي من اجلهـا كـان الصحافي أو المصور إلى الجبهة • الصحفي أو المصور يبدل مكتبه او غرفته المظلمة في مكتب التحرير بغرفة الفندق والسرير اللين الوثير بحصيرة الخيمة ...
وكتب آرنست فيزيتللي Ernest ) ( Vizitelly الذي كان ينشر اخبار الحرب الفرنسية - الروسية . يقول : في خضم القرن التاسع عشر كنت ابحث عن الرومانطيقية ، ولقد وجدتها في ساحات القتال وبعد مائة عام كتب الصحفي مایکل هر ( Michael Herr ) يقول إن الحرب الفيتناميـة كـانت بالنسبة للكثيرين منا البديل عن طفولة سعيدة .
فتحت عهد الوصاية للملكة
فيكتوريا ، ما بين عام ١٨٣٧ وعام ۱۹۰۱ ، قاتل البريطانيون فيما لا يقل عن مائتين وتسعة وعشرين نزاعاً حربياً ، والتي كان المسؤولون في . داونينغ ستريت يعطونها مختلف الأسماء حملات تاديبية عمليات عسكرية هجمات ، ولكنها كانت في الحقيقة عبارة عن حروب إستعمارية وكان الأمر في الواقع يتعلق بفتح أسواق لتصريف السلع ، عندما قامت بريطانيا في حروبها سواء في الصين أو في جنوب أفريقيا .
في القرن التاسع عشر لعب رسامو ومصورو الحرب ادواراً متبادلة . المصورون كانوا يقفون امام الجبهة ، كما يقف الرسامون امـام ، مسـانـدهم . . حـوامـل اللوحات - ، بالمقابل فإن الرسامين أظهروا آنذاك الحرب كما يظهرها المصورون اليوم ، وعلى رسومهم التخطيطية كان صخب وضجيج الحرب جليا للعيان ، عبر القنابل اليدوية المنفجرة والمنازل المحترقة والجنود القتلى في ساحة الوغى . والدمار كل مكان ، بالإضافة إلى دخان البارود المتصاعد ...
بعض الفنانين كانوا يرسمون ريبورتاجا باكمله عن احداث الحـرب ، وليس فقط مشـاهـد إفرادية لمعركة ما ، وقد شاهد القراء على أوراقهم ولوحاتهم كيف يسحب الجرحى من خطوط النار وكيف ينقذ اللاجئون ما تبقى من متاع إلى ما وراء خطوط القتال . وكيف يطارد أبناء المـدينـة المتضورون جوعا القطط والجراذين لاصطيادها ... كما انهم شاهدوا امعاء الجياد المقتولة والمبقورة بطونها .....
صور الحرب كالتي رسمها هاوارد شاندلر كريستي ، الذي نزل إلى البر في عام ١٨٩٨ مع القوات
الأميركية إلى كوبا ، في الحرب الأميركية الإسبانية ، لم يتمكن ان يصورها آنذاك اي مصور يعمل بواسطة الكاميرا الخشبية . فقد رسم كريستي آلاف الرجال العراة الذين كانوا يسحبون القوارب والرجال إلى الشاطيء ...
رجال كانوا يغنون ويرقصون عراة حول نار المعسكر كي يدفئوا اجسامهم من جديد ، او يصرخون من الفرح لأنه كان أول حمام بأخذونه منذ سبعة أيام إن الذي وصف الحـرب الروسية - الصربية لم يكن مصوراً ، بل رساماً وعلى إحدى رسوم فريديريك فيليه يشاهد المرء صورة لثلاثة من الصرب مصلوبين على شجرة وهم يحترقون . وهم التحرير أي وسواس أو تردد في نشر مثل هذا الرسم ، ومما قاله أحدهم بهذا الصدد . إن الرسم حد ذاته ، مقرف ، ولكننا نرى أنه من واجبنا عدم إغلاق الأعين احياء . ولم يعتر رؤوسـاء امام مثل هذه الحوادث .
إن المخبرين والمصورين الحربيين كانوا أبطال القصة إنهم لم يعيشوا المغامرة وحسب ، بل كانوا يحملونها في داخلهم . من حرب القرم التي جرت معاركها ما بين الروس من جهة والبريطانيين والفرنسيين من جهة أخرى ، حتى حرب فيتنام التي دارت رحاها في النصف الثاني من هذا القرن ما بين الفيتناميين الشماليين يساندهم الفيتكونغ - حركة تحررية من الفيتناميين الجنوبيين - وبين الأميركيين وقوات فيتنـام الجنوبية المواليـة للـولايـات المتحدة من جهة أخرى ، احب الصحفيون والمصورون - التجهز او التاهل ، الذي حولهم رجالا أشداء .
في الحرب الأميركية ـ الإسبانية ذهبوا إلى الحرب وكانهم فلتة من فلتات الموضة ، كانوا يرتدون لباب الصيد ، جاكيتات من الجلد وقبـعـات المناطق الحارة . المصنوعة من . الفلين ، وكانوا يحملون - المناظير : واحـزمـة الخرطوش ، فريديريك فيليه لم يأخذ في احزمته الواح الرسم . والأسلحة وزجاجات الماء وجاكيته قابلة للغسيل من الجلد للإستعمال اليومي . بل ايضاً . الجاكيتات الرسمية للعشاء من اجل مآدب للمساء اثناء الاستراحات في الجبهة .
وعندما كان يظهر على الجبهة مع خيمته ، التي صممها وبناها بنفسه ، كان تأثيره على الجنود مثل تاثير شخصية روائية شهيرة . وفي روايته الصحفية سكوب ، وصـف الـروائي البريطاني إيفلين فوغ بسخرية ما كان يحمل ويرتدي المخبر الحـربـي الصحفي والمصور الحربي المجهز تجهيزا كاملا وقبل أن يذهب بطل روايته إلى الجبهة نزود ويليام بوت -Wil liam Botte بما : خيمة ، مواد غذائية وفيرة تكفيه لمدة ثلاثة اشهر ، قارب مطاطي قابل للطي ساري علم من عدة اجزاء ، علم بريطاني . مضخة ماء تعمـل باليد ..جهاز لتعقيم مياه الشرب جهاز لقياس الارتفاعات ست بدلات للمناطق الحارة من قماش الكتان ، طاولة خيمة للعمليات طقم كامل لأدوات الجراحة ، جهاز جيب لترطيب الهواء مع الكفالة بحفظ السيجار في حالة جيدة ، حتى في منطقة البحر الأحمر وعصا خاصة من اجل قتل الأفاعي ... . . وهذا كله كان قد تزود به من بريطانيا لوحدها وقبل القيام برحلته ، أما بعد وصوله إلى افريقيا فقد تزود باشياء اخرى غريبة .
وقبل ان يسير بوت مع زملائه إشتروا مرة ثانية ما أمكنهم حمله وشراءه ، كالقمصان المقاومة للشمس ، وجاكيتات لا يخترقها الرصاص ، جيوب للمسدسات حزام للخرطوش ، جزمات من ماركة جديدة . كما وجدوا أن المعاطف المصنوعة من شعر الخيول والقمصان الحريرية للسكان المحليين مناسبة أكثر وقد نصبوا خيمة معسكر في حديقة الفندق واخذوا لهم صوراً بكل الأوضاع الممكنة .
ومن يرى ، في قصة الروائي أموراً مبالغاً فيها ، يجب إحالته إلى الحرب الفيتنامية حيث كان الخياطون في سايغون يعيشون الثياب التي يفضلونها للمخبرين الصحفيين والمصورين الذين طاروا واتوا إلى سايفون ، . بدلات لأوقات الفراغ في جحيم الأدغال مع الكفاية من « الجنيحات الإضافية المتحركة وشفـوق صغيرة ضيقة وجيوب واسعة وكبيرة يمكن للمرء ان يضع بداخلها إمدادات كاملة - حسب قول الصحافي مايكل هر -
الكثير من مخبري ومصوري الدراجات ، حيث بهذه الصورة الحرب في القرن التاسع عشر كانوا يذهبون إلى الجبهة وهم يركبون يصلون بسرعة إلى الجبهة ولم يكن عليهم حمل اية امتعة ، وعند ان يخلط ما بين راكب دراجة وبين الضرورة كانوا ياخذون وراءهم على المنصب ، أحد الزملاء . وعلى هذه الصورة فما من إنسان بإمكانه الجندي هذا ما يؤكده الرسام الحربي رينيه بول وبالنسبة للرحلات بالدراجة على الطريق مع أطر عجلات عريضة وأسياخ مقواة ، وترتيب خاص على المقود الوعرة كانت هناك تصاميم إكسترا کیدون ، لوضع آلة كاتبة والتي كان بإمكان الصحفي ان يكتب عليها إنطباعاته اثنـاء المعركة التي تدور رحاها من حوله .
و بواسطة منطاد أرسل جول بلكوك ( Jules Pelcoe ) رسومه التخطيطية من باريس المحاصرة إلى بريطاينا في وقت لم يكن العالم قد تعرف على الطائرات فكانت الإمكانية الوحيدة لخرق الحصار هي بواسطة هذا المنطاد .
إن رسامي الحرب كانوا آنذاك يتصرفون بدقة وحذر ، إذ ان كل رسم قبل إقلاع المنطاد .
أخذت عنه نسخ عديدة كانت ترسل بدورها عبر مناطيد اخرى كي يصل واحداً منها على الأقل إلى رئاسة التحرير ، والكثير من هذه المناطيد وصلت إلى اماكن . لم يكن مرتقباً وصولها إليها فالبعض حط في حقل بمقاطعة النورماندي في فرنسا ، والبعض غرق وإبتلعته مياه البحر القنال - قنـال المانش ـ أو بحر الشمال .
مراسل آخر كان يبعث برسائله من الحرب السودانية بواسطة سياحي المسافات الطويلة ، حيث إستاجر السباحين الوطنيين الذين كانوا يلفون الرسوم التخطيطية حول رؤوسهم حتى لا تتبلل . ومع هذه ، العمامة ، كانوا ينزلون إلى
نهر النيل ويتشبثون بجزع شجرة عائمة يدفعها التيار لينقلهم إلى مسافة ستين ميلا حيث المحطة التالية . وكتب مود يقول . إن سرعة التيار هي خمسة أميال في الساعة ، وهكذا فإن بريدي هو أسرع في الوصل إلى الهدف من امثـال وهـؤلاء إرساله على ظهور الجمال . . بعد عام ١٩٤٥ صار هناك إختصـاصيـون الستـرنـجـر .. الـ ( Stringer ) هم اشخاص على درجة معينة من الامتياز والفـعـالـيـة ، وبدون هؤلاء المخبرين والمترجمين فإن رسام الحرب خلال الحرب الألمانية - الفرنسية يرى نفسه ، مقطوعاً ، تماماً مثل المصور في الحرب الفيتنامية .
هؤلاء المخبرون ( Stringer ) كانوا اشخاصاً حاذقين ، لديهم علاقات واسعة ويملكون معلومات دقيقة ومفصلة عن امـاكـن تواجدهم ، يدبرون الجياد من اجل الركوب عليها والذهاب ليوم واحد إلى ساحة القتـال ... وكـانـوا يعرفون این توجد الغرفة الخالية من ، البق ، ومتى يذهب آخر بريد . وكانوا يدفعون الرشاوي بتكليف من المخبرين والمصورين الحربيين ليحصلوا بالمقابل على الرشاوي من المخبرين العسكريين الآخرين ...
وفي حال كان بامكان هـذا الـ ( Stringer ) ان يرسم . عندئذ فإن مهمته الأساسية في العمل هي في البحث للرجل الأبيض عن الصور وبينما يكون رسام الحرب يراقب الجبهة يكون الـ . سترينغر ، في الخلف يقوم بدراسة الأزياء ويعمل خرائط لعربات الذخيرة والقـلاع المستولى عليها وعادة ما يرسم بصورة سيئة ولكن حقيقية .
تعليق