ارغن
Organ - Orgue
الأرغن
الأرغن organ آلة هوائية ذات لوحة ملامس keyboard تشبه لوحة البيانو تعمل بوساطة سريان الهواء في أنابيبها المصوتة، ويتم بالضغط على الملامس بعث الهواء المضغوط والمخزون في جسم الأرغن وتوزيعه على أنابيبه، وهنا تكمن سرية التقنية وصعوبتها فيه.
والأرغن من أكثر الآلات الموسيقية تعقيداً، وما نشاهده في شكله الخارجي إنما هو جزء قليل منه، وأما ما يرى مباشرة من تركيبه الداخلي فيؤلف الجزء الأكبر.
وتعود شدة تعقيده إلى أجهزته الداخلية ودقة تنظيمها البنائي والآلي إضافة إلى ضخامة الهيكل الخارجي. فلا عجب لذلك أن يطلق عليه لقب «ملك الآلات الموسيقية» لأنه أضخمها حجماً وأوسعها مدى صوتياً وأغناها مميزات في الطابع الصوتي.
تركيب الأرغن
لازم التطور التقني الأرغن منذ أكثر من ألفي عام، ومع ذلك فإنه لم يتبدل تبدلاً أساسياً (عدا النماذج الإلكترونية منه) بل ما زال يحافظ مبدئياً على الأقسام الثلاثة الرئيسة فيه وهي:
أرغن من النوع القديم (الدنمارك 1610) |
قسم التصويت: يتألف قسم التصويت من عدة أنابيب مصوتة مختلفة الأطوال والحجوم، كل أنبوبة منها تصدر صوتاً واحداً. بعض هذه الأنابيب مصنوع من الخشب وبعضها الآخر من خليط من المعادن، وهي مرصوفة رصفاً عمودياً في صفوف متسلسلة متصلة بعدة خزانات هوائية. ومبدأ التصويت العام في هذه الأنابيب شبيه بما هو عليه الحال في الآلات الموسيقية الوترية والنفخية [ر. الآلات الموسيقية)، إذ يختلف ارتفاع الصوت وانخفاضه بحسب طول الأنبوبة المصوتة وحجمها. وتقاس هذه الأنابيب بالأقدام والبوصات، وترتب بحسب أطوالها، وتبدأ بالأنبوبة الطويلة ذات الـ 16 قدماً وتنتهي بأقصرها التي تبلغ نصف البوصة (1.27سم تقريباً). إلا أن هناك آلات أرغن ضخمة تحوي أنابيب ذات 32 قدماً (أو 9.75م تقريباً).
وهذا القياس من الأنابيب يؤلف مساحة صوتية واسعة، قابلة للسمع، تعادل عشرة دواوين octaves [ر.الموسيقى] تبدأ من الصوت الأكثر انخفاضاً المنبعث من الأنبوبة الطويلة (9.75م) (16 اهتزازة في الثانية) [ر.الصوت (علم)] حتى أعلاها حدة (16400 اهتزازة من أنبوبة 1.27سم»).
ويختلف الطابع الصوتي في الأنابيب بحسب الشكل والحجم والمادة المصنوعة منها.
فمنها ما هو أسطواني أو مخروطي أو صاروخي أو مستطيل الشكل، ومنها ما له أشكال هندسية أخرى، تكون ذات فوهة جانبية أو أمامية، ضيقة أو واسعة، مفتوحة أو مغلقة، أو ذات مبسم أو لسان أو ريشة، ومن أهم هذه الأنابيب نوعان:
1ـ الأنابيب ذات المسارب الهوائية: تصنع الأنابيب ذات المسارب الهوائية flues على مبدأ آلة الفلوت إضافة إلى أنابيب أخرى لها طابع يماثل طابع الوتريات في الأوركسترا [ر. الفرقة الموسيقية]. ويتميز هذا النوع بفئتين من الأنابيب: تضم الأولى مجموعة أنابيب الأساس وهي ذات الـ 16 ،8 ، 4 ، 2 من الأقدام وتمثل المركز الصوتي الرئيس في الأرغن، وتكون ذات الأقدام الثمانية منها أكثرها عذوبة، وتقابل الطبقة الصوتية المدونة في آلة البيانو إذ إنها أكثر حدة من ذات الـ 16 قدماً بديوان واحد، وأخفض من ذات الأربعة أقدام بديوان واحد.
ويمكن لهذه المجموعة تقليد أصوات آلة السيليستا celesta [ر. الآلات الموسيقية] الإيقاعية بارتجاج صوتي vibrato. وتضم الثانية مجموعة أنابيب التحويل والأنابيب المختلطة، وهي تثري الأصوات الأساسية بكل مدروجاتها الصوتية.
2ـ أنابيب القصبة (reeds): وهي ذات ألْسنة أو رقائق معدنية تمتاز بتقليد أصوات بعض آلات النفخ الخشبية (أوبوا، كلارينيت، باسّون..) وآلات النفخ النحاسية (ترومبيت، كور، توبا...).
قسم التهوية: للأرغن مستودع هواء كبيرله عدة رئات وقنوات متفرعة ليستطيع التصويت عبر أنابيبه. ويحوي هذا القسم عدة منافيخ أساسية ذات مضخات تعمل (يدوياً أو قدمياً) أو كهربائياً، كما يحتوي على مستودعات أو صناديق هواء فرعية ذات صمامات منظمة لدفع الهواء المضغوط في أجهزة الأرغن الصوتية بنسب محدودة وتوزيعها.
قسم العزف: وهو نضد الأرغن أي المنصة الرئيسة فيه حيث يجلس العازف متفاعلاً مع جميع أجهزتها الآلية الفنية الثلاثة التالية:
الأول هو لوحات الملامس: ويبلغ عددها من واحدة إلى خمس لوحات يدوية (وقد تضم سبع لوحات أيضاً) متراصفة بعضها فوق بعض على شكل مدرج، تحتوي كل منها على خمسة دواوين تقريباً، إضافة إلى لوحة ملامس قدمية ذات ديوانين ونصف الديوان. ولا بد لأصغر أرغن من أن يحوي على الأقل لوحتي ملامس يدوية مع بعض أزرار ومفاتيح التأثيرات الصوتية المختلفة التي لا تقل عن عشرة إضافة إلى لوحة الملامس القدمية. وتستخدم اللوحات اليدوية لعزف تشكيلات صوتية معينة إذ تختص كل واحدة منها بطابع صوتي مميز خاص كأنها وحدها تقريباً أرغن قائم بنفسه، وهذه اللوحات مرصوفة بحسب تسمياتها على النحو التالي:
(1) ـ الأرغن الكبير: وهو اللوحة الرئيسة ذات مجموعة الأنابيب الأساس، وهي أقوى صوتاً من مثيلاتها من اللوحات. (2) ـ الجوقة الغنائية أو الثابتة: وتستخدم في الأصوات اللينة والمرافقة، (3) ـ التعبيرية swell: وهي ذات تأثيرات خاصة، (4) ـ المنفردة solo أو بومبارد bombarde (اسم آلة نفخ هوائية قديمة من أوائل نماذج آلة الأوبوا): وتستخدم في أصوات الآلات المنفردة، (5) ـ الصدى: وهي للتباين بين أصوات الأرغن وتحديدها. وأما لوحة الملامس القدمية فهي ذات طبقة صوتية عميقة تماثل آلات الأوركسترا المنخفضة الأصوات. وهذه الصفات جميعها تجعل من الأرغن فرقة موسيقية كاملة.
أما الثاني فهو أزرار أو مفاتيح: وهي موضوعة على جانبي لوحة الملامس اليدوية، تستخدم في مساعدة التشكيلات الصوتية المختلفة.
وأما الثالث فهو دوّاسات أو بدّالات قدمية: تستعمل في بعث تأثيرات خاصة في لوحة الدواسات القدمية واللوحات اليدوية وتحدث التمازح بينها. وقد تنفصل منصة الأرغن عن جهازي النفخ والأنابيب إذ تتصل بهما عن طريق أسلاك كهربائية. وأقسام الأرغن الثلاثة هذه مترابطة بعضها مع بعضها الآخر بإحكام، وعندما تضغط إصبع العازف على ملمس إحدى اللوحات، تعمل محابس وخطافات وأجهزة آلية أخرى على التحكم في السماح بدخول الهواء المضغوط والحبيس في المستودع إلى الأنابيب المصوتة أو في منع تسربه إليها.
ولما كانت أقسام الأرغن تستدعي وجود أمكنة واسعة لاحتوائها ولا سيما الأحجام الكبيرة منه، فإن من الضروري الاستعانة بالخبرات الهندسية المعمارية والكهربائية والآلية في بناء المكان المناسب المخصص له ووضع أجهزته في مواقعها الصحيحة بكل دقة وإحكام.
نشأة الأرغن وتطوره
من الصعب تحديد تاريخ اختراع الأرغن أو مخترعه،ولكن تنسب أصوله إلى الكلدانيين والإغريق وإلى المصفار pan pipe أو syrinx، أو أرغن الفم الصيني، ولا شك في أن صانع الأرغن الأول أضاف مستودع هواء بديلاً عن رئة العازف، لضخه في أنابيب الآلة بتحريك ملامس يدوية بسيطة ووضع جهاز آلي يصل بين أقسامه الثلاثة ويقال إن كتيسيبيوس Ctesibios اليوناني (القرن الثاني ق.م) من سكان الإسكندرية، هو الذي صنع أول أرغن، وكان ضخ الهواء يأتي عن طريق الضغط المائي، وهكذا نشأ الأرغن المائي hydraulos وكان عدد قصباته لا يتجاوز ثماني قصبات. وبعد أربعة قرون، استعيض عن الماء بمنفاخ. وقد أصبحت القسطنطينية (اصطنبول) مركز صناعة الأرغن وتوريده إلى أوربة والبلاد المسيحية. وعلى الرغم من ظهور الأرغن الهوائي، فقد ظل الأرغن المائي يستعمل إلى جانبه طوال القرون السبعة الأولى للميلاد. وقد ظهرت عدة كتب ورسائل عربية، في العصر العباسي، في وصف الأرغن البوقي والزمري والمائي وعمل ساعات الماء ترجمت إلى عدة لغات أوربية (كما يذكر هنري فارمر).
وفي متحف حماة في سورية، لوحة فسيفساء، وجدت على بعد ثلاثين كيلو متراً من المدينة، تمثل ست نساء يعزفن على آلات موسيقية مختلفة، وبينها واحدة تعزف على أرغن مائي وإلى جانبها ساقية ماء. وتعود هذه اللوحة إلى القرن الأول الميلادي. كما أن هارون الرشيد كان قد أهدى شارلمان ملك الفرنجة أرغناً هوائياً في نهاية القرن الثامن الميلادي، ثم نقل عنه أحد صناع مدينة البندقية في إيطالية نسخة قدمها إلى امبراطور ألمانية لويس لوديبونّير Louis le Débonnaire عام 826م وكان كذلك ملك فرنسة.
وفي القرن العاشر ظهر أرغن صغير الحجم، يُحمل أو يعلق في الرقبة سمي «المحمول» كان له دور مميز في الاحتفالات والمواكب الرسمية لسهولة حمله ونقله. وكان يشتمل على لوحة ملامس يدوية واحدة ذات 25 ملمساً، وعلى أربعة أو خمسة صفوف من الأنابيب، وعلى نوعين أو ثلاثة من التشكيلات الصوتية. وكان العازف يستخدم يده اليمنى في العزف واليسرى لتحريك المنفاخ وقد شاع استعمال هذا الأرغن مدة ستة قرون تقريباً. ثم ظهر بعد ذلك، أرغن محمول أكبر حجماً كان يوضع فوق الطاولة أو في مكان مستقر سمي بالثابت يمكّن العازف من أن يستعمل يديه في الأداء، وكان يساعده شخص آخر في النفخ. وقد وصل عدد مساعدي النفخ في الأحجام الكبيرة منه، إلى عشرة أشخاص، وبلغ عدد أنابيبه أربعمئة أنبوبة، واتخذ بذلك في صحون الكنائس الكبيرة مكاناً بارزاً.
وفي القرن الرابع عشر، ابتكرت أنابيب القصبة، كما ابتكر صانع الأرغن الألماني نيقولا فابر N. Faber لوحة ملامس قدمية إضافة إلى لوحات الملامس اليدوية الثلاث. وانتشرت عائلات صناع الأرغن في كل مكان، وبرز صانعوه من ألمان وإنكليز وفرنسيين وإيطاليين بمبتكراتهم المتجددة. واخترع الفلمنكيون مجموعة الأنابيب المغلقة التي أضفت عليه إمكانات تعبيرية جديدة. وفي منتصف القرن الخامس عشر، ظهر أو كتاب تعليم للآلة.
وشهد عصر النهضة (1450 - 1600) تطوراً ملحوظاً في صناعته. وفي بداية عصر الباروك Baroque (1600 - 1750) تطورت معظم أقسامه وأجهزته الفنية والآلية واخترع ميزان التوازن الضغطي للهواء في دخول أنابيب التشكيلات الصوتية، واستكملت مجموعة أنابيب القصبة، كما أضيف عدد كبير من الأنابيب ذات التأثيرات الخاصة.
وفي عام 1671 صنع أرغن ذو أربع لوحات ملامس يدوية إضافة إلى اللوحة القدمية، ولوحة تشكيلات صوتية ذات مئة زر ومفتاح. إلا أن صناعة الأرغن بدأت تفقد الاهتمام، وخاصة في إنكلترة، عندما عُدّ وجوده في الكنيسة ضرباً من الأبهة وعبادة الأصنام. وفي القرن الثامن عشر أضيفت لوحة يدوية خامسة، وحاول صانعوه التغلب على عيوب وسائل النفخ فيه فحسنوا من الضغط التوازني الهوائي واستكملوا التوافق الصوتي بين لوحاته، كما أحدث ابتكار الصندوق المعبر تأثيراً كبيراً في التعبير عن التلوينات الصوتية. وقد بلغ الاهتمام بالأرغن أوجه بين عصر الباروك والعصر الاتباعي classicism (1750 - 1820)، فظهر عمالقة العازفين والمؤلفين له، وكان أكثرهم من الألمان، أمثال يوهان سباستيان باخ[ر] J.S.Bach، ومشاهير صنّاعه مثل زيلبرمان Silbermann، كما ظهرت مدرستان في صناعته: الأولى ألمانية اعتنت بالتلوينات الصوتية فيه، والأخرى فرنسية أغنته بأنابيب القصبة. إلا أنه بدأ يفقد إغراءه وشهرته بالتدريج بعد موت باخ. وأعرض عنه الموسيقيون، ولا سيما في النصف الأول من القرن التاسع عشر إذ اهتم المؤلفون الإبداعيون (الرومنسيون) بالأوركسترا وآلاتها التي فرضت نفسها.
وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر، عاد الاهتمام بالأرغن تدريجياً بعد اكتشاف آثار أعمال باخ العظيمة، وأغرى عدداً كبيراً من مؤلفي القرن العشرين بتأليف أعمال موسيقية خاصة به مثل : شونبرغ[ر] Chöenberg وهندميت[ر] Hindemith. وانعكس هذا الاهتمام في صنع نماذج عملاقة منه مثل الأرغن الموجود في أتلانتيك سيتي في ولاية نيوجرسي الأمريكية، وله سبع لوحات ملامس يدوية وواحدة قدمية ولوحة أزرار ذات 1233 مفتاحاً ودواسة للتشكيلات الصوتية، و32882 أنبوبة مختلفة الأطوال.
كان صانعو الأرغن قد فكروا من قبل باستخدام الكهرباء عوضاً عن القوة البشرية في عملية النفخ، فصنع أول أرغن يعمل على الكهرباء عام 1865، واستغل الأمريكيون هذه البادرة في تطوير هذه الصناعة، فبرزت إلى الوجود في القرن العشرين نماذج جديدة تختلف كل الاختلاف عن أسلافها من حيث مبدأ التصويت وأسلوب النفخ، وبهذا كانت فاتحة عهد جديد للأرغن الإلكتروني. وخير مثال، أرغن هاموند (1935) (نسبة إلى مبتكره الأمريكي لورنس هاموند L.Hammond) الذي استخدم دارات كهرمغنطيسية ومولدات كهربائية ومكبرات صوت لإصدار مختلف الأصوات والتأثيرات الصوتية بدلاً من الأنابيب والهواء المضغوط. وماتزال صناعة الأرغن الإلكتروني تتطور بسرعة، وتتميز بتقنيات عالية مع انخفاض في تكاليف الصنع وصغر في الحجم وغنى في التلوينات الصوتية. ولكن تميز الأرغن السابق بنقاوة الصوت وصفائه ما يزال قائماً.