ابن خلدون
[ ت : ۸۰۸ ه ]
الحديث عن حضارة العرب في الأندلس ، مهما كان عميقاً وعلمياً هو حديث مبتور ، ذلك أنه لم يكتب بعد ، ولن يكتب ، لإنسان القدرة على التوصل إلى معرفة ما أبدعه العرب في هذا الفردوس الضائع فلقد وصلت الحضارة العربية في الأندلس إلى ذروة العطاء وكانت شمولية ، ومن العمق والسمو بمكان لا يزاحم ، ولم يحدث أن شهدت شبه الجزيرة الايبيريه من تقدم حضاري خلال التاريخ نظير ما شهدته في ظل حكم العرب ، ولقد كان سقوط الأندلس انتصاراً مأساوياً لقوى الشر والدمار على قوى الخير والعطاء والرقي الحضاري الذي قام في الأندلس يمكن رده إلى عدة أسباب وعوامل ، بينها عامل التحدي والاستجابة يضاف إلى ذلك أن مجتمع الأندلس تكون إسلاميا من خلال اجتماع عدة أجناس بشرية من شعوب أوربة وآسيا وأفريقية البيضاء والسوداء ، تمازجت كلها ضمن بوتقة الشريعة الاسلامية وتحت ظل العروبة ، وهذا لم يحدث في بلد آخر . أن سقوط الأندلس أتى على جل معالم الحضارة هناك ، لكن ما نجا من الدمار ووصلنا ، قدم لنا وما زال يقدم معلومات لا تنضب ، نرى فيها جميع أسس النهضة في العالم ، كما نرى فيها ما لم . تتوصل اليه حضارة الغرب حالياً . ان الحديث عن حضارة الأندلس ذو شجون ، ومثير للغاية ، ولعل البحث في بعض جوانبه يكفي - ولو مؤقتاً للتدليل ، وليكن موضوعنا الآن جوانب التفكير السياسي والاجتماعي ، فنحن حين نعرض للمعروف من محتويات المكتبة الأندلسية نلاحظ أن هذه المكتبة تحوي ترانا خصباً في هذه الميادين، كما نلاحظ أن القرنين الثامن والتاسع للهجرة ، هما القرنان اللذان وصل فيهما نتاج هذا الفن الذروه ويمكن أن نرى ذلك في عدد من الكتب المنفردة أو في مقدمات بعض الكتب التاريخية مثل كتب ابن مرزوق ، ولسان الدين بن الخطيب، وابن الأزرق ، وابن خلدون
ومع وبين هؤلاء جميعاً يأتي ابن خلدون محلياً ، وهو عبد الرحمن بن محمد بن محمد ، يرقي نسبه إلى اسرة عربية يمانية شارك جدها خالد في فتوحات الأندلس ، وفي الأندلس تحولت صياغة اسم « خالد إلى خلدون ، وفي البداية سكنت هذه الأسرة في مدينة «قرمونة ، وبعد عدة أجيال تحولت إلى مدينة اشبيلية ، أواخر القرن الثالث للهجرة ، بدأ أفراد منها يشاركون في بعض النشاطات العامة لكن كما
يبدو الثانوية منها . واستمر آل خلدون هكذا حتى سقطت الخلافة الأموية ، وحل محلها حكم ملوك الطوائف ، وكانت دولة بني عباد ، التي اتخذت اشبيلية مقراً لها ، أعظم دول الطوائف ، وفي عهد بني عباد تسلم بعض آل خلدون وظائف سامية في اشبيلية ، لكن دول الطوائف لم تعمر طويلا ، حيث صفيت من قبل يوسف بن تاشفين ، أمير المسلمين في دولة المرابطين ، ومعلوم أن دولة المرابطين لم تعش بعد يوسف بن تاشفين وحدث أن كانت الا فترة قصيرة ، حيث قضى عليها الموحدون ، اشبيلية أول مدن الأندلس التي بادرت للاعتراف بالموحدين ، لهذا أولاها الموحدون عناية خاصة ، وخلال عصر الموحدين تعاون بنو خلدون مع ولاة اشبيلية
وعندما ألم الضعف بدولة الموحدين ، وقعت كارثة معركة العقاب ٦٠٩ هـ التي كانت بداية النهاية الفعلية لسقوط الأندلس ، فبعدها أخذت أمهات مدن الأندلس تسقط واحدة تلو الأخرى ، وسبب هذا هجرة كميات كبيرة من سكان الأندلس إلى بلدان الشمال الأفريقي ، وكان بنو خلدون ضمن من هاجر ، وجاءوا أولاً الى سبته ، ثم التحقوا بالدولة الحفصية التي كان مقرها تونس وقد امتد سلطانها أحيانا إلى أراض من المغرب والجزائر والأندلس.
وسقطت دولة الموحدين في المغرب ، وورثها هناك بنو مرين ، في الجزائر بنو عبد الواد ، ويتميز تاريخ بني مرين وتاريخ بني عبد الواد بالصراع الدائم والانقسامات المتوالية والثورات المتتالية ، مما أعطى هو عدم الاستقرار في كل جانب ، حيث نشاهد مثلا أن رجال الادارة والحكم من وزراء وقادة وسواهم كانوا يجدون أنفسهم إثر كل حادثة أو معركة إما قد عادوا إلى خدمة سيدهم الأول، أو انتقلوا إلى خدمة سید جدید ، وهكذا وبسبب ذلك انعدم ما يمكن دعوته باسم الاخلاص السياسي المستمر والولاء الدائم . شغل محمد بن خلدون والد مؤرخنا نفسه بالدرس والتحصيل ، وزهد بالمناصب والسياسة ، لهذا غدا عاماً من أعلام الفقه واللغة والشعر في تونس وقد توفي سنة ٥٧٤٩ / ١٣٤٩ م ، إثر طاعون جارف وخلف وراءه عدداً من الابناء شهر بينهم عبد الرحمن الذي نحن بصدد عصرهم طابعاً خاصاً .
[ ت : ۸۰۸ ه ]
الحديث عن حضارة العرب في الأندلس ، مهما كان عميقاً وعلمياً هو حديث مبتور ، ذلك أنه لم يكتب بعد ، ولن يكتب ، لإنسان القدرة على التوصل إلى معرفة ما أبدعه العرب في هذا الفردوس الضائع فلقد وصلت الحضارة العربية في الأندلس إلى ذروة العطاء وكانت شمولية ، ومن العمق والسمو بمكان لا يزاحم ، ولم يحدث أن شهدت شبه الجزيرة الايبيريه من تقدم حضاري خلال التاريخ نظير ما شهدته في ظل حكم العرب ، ولقد كان سقوط الأندلس انتصاراً مأساوياً لقوى الشر والدمار على قوى الخير والعطاء والرقي الحضاري الذي قام في الأندلس يمكن رده إلى عدة أسباب وعوامل ، بينها عامل التحدي والاستجابة يضاف إلى ذلك أن مجتمع الأندلس تكون إسلاميا من خلال اجتماع عدة أجناس بشرية من شعوب أوربة وآسيا وأفريقية البيضاء والسوداء ، تمازجت كلها ضمن بوتقة الشريعة الاسلامية وتحت ظل العروبة ، وهذا لم يحدث في بلد آخر . أن سقوط الأندلس أتى على جل معالم الحضارة هناك ، لكن ما نجا من الدمار ووصلنا ، قدم لنا وما زال يقدم معلومات لا تنضب ، نرى فيها جميع أسس النهضة في العالم ، كما نرى فيها ما لم . تتوصل اليه حضارة الغرب حالياً . ان الحديث عن حضارة الأندلس ذو شجون ، ومثير للغاية ، ولعل البحث في بعض جوانبه يكفي - ولو مؤقتاً للتدليل ، وليكن موضوعنا الآن جوانب التفكير السياسي والاجتماعي ، فنحن حين نعرض للمعروف من محتويات المكتبة الأندلسية نلاحظ أن هذه المكتبة تحوي ترانا خصباً في هذه الميادين، كما نلاحظ أن القرنين الثامن والتاسع للهجرة ، هما القرنان اللذان وصل فيهما نتاج هذا الفن الذروه ويمكن أن نرى ذلك في عدد من الكتب المنفردة أو في مقدمات بعض الكتب التاريخية مثل كتب ابن مرزوق ، ولسان الدين بن الخطيب، وابن الأزرق ، وابن خلدون
ومع وبين هؤلاء جميعاً يأتي ابن خلدون محلياً ، وهو عبد الرحمن بن محمد بن محمد ، يرقي نسبه إلى اسرة عربية يمانية شارك جدها خالد في فتوحات الأندلس ، وفي الأندلس تحولت صياغة اسم « خالد إلى خلدون ، وفي البداية سكنت هذه الأسرة في مدينة «قرمونة ، وبعد عدة أجيال تحولت إلى مدينة اشبيلية ، أواخر القرن الثالث للهجرة ، بدأ أفراد منها يشاركون في بعض النشاطات العامة لكن كما
يبدو الثانوية منها . واستمر آل خلدون هكذا حتى سقطت الخلافة الأموية ، وحل محلها حكم ملوك الطوائف ، وكانت دولة بني عباد ، التي اتخذت اشبيلية مقراً لها ، أعظم دول الطوائف ، وفي عهد بني عباد تسلم بعض آل خلدون وظائف سامية في اشبيلية ، لكن دول الطوائف لم تعمر طويلا ، حيث صفيت من قبل يوسف بن تاشفين ، أمير المسلمين في دولة المرابطين ، ومعلوم أن دولة المرابطين لم تعش بعد يوسف بن تاشفين وحدث أن كانت الا فترة قصيرة ، حيث قضى عليها الموحدون ، اشبيلية أول مدن الأندلس التي بادرت للاعتراف بالموحدين ، لهذا أولاها الموحدون عناية خاصة ، وخلال عصر الموحدين تعاون بنو خلدون مع ولاة اشبيلية
وعندما ألم الضعف بدولة الموحدين ، وقعت كارثة معركة العقاب ٦٠٩ هـ التي كانت بداية النهاية الفعلية لسقوط الأندلس ، فبعدها أخذت أمهات مدن الأندلس تسقط واحدة تلو الأخرى ، وسبب هذا هجرة كميات كبيرة من سكان الأندلس إلى بلدان الشمال الأفريقي ، وكان بنو خلدون ضمن من هاجر ، وجاءوا أولاً الى سبته ، ثم التحقوا بالدولة الحفصية التي كان مقرها تونس وقد امتد سلطانها أحيانا إلى أراض من المغرب والجزائر والأندلس.
وسقطت دولة الموحدين في المغرب ، وورثها هناك بنو مرين ، في الجزائر بنو عبد الواد ، ويتميز تاريخ بني مرين وتاريخ بني عبد الواد بالصراع الدائم والانقسامات المتوالية والثورات المتتالية ، مما أعطى هو عدم الاستقرار في كل جانب ، حيث نشاهد مثلا أن رجال الادارة والحكم من وزراء وقادة وسواهم كانوا يجدون أنفسهم إثر كل حادثة أو معركة إما قد عادوا إلى خدمة سيدهم الأول، أو انتقلوا إلى خدمة سید جدید ، وهكذا وبسبب ذلك انعدم ما يمكن دعوته باسم الاخلاص السياسي المستمر والولاء الدائم . شغل محمد بن خلدون والد مؤرخنا نفسه بالدرس والتحصيل ، وزهد بالمناصب والسياسة ، لهذا غدا عاماً من أعلام الفقه واللغة والشعر في تونس وقد توفي سنة ٥٧٤٩ / ١٣٤٩ م ، إثر طاعون جارف وخلف وراءه عدداً من الابناء شهر بينهم عبد الرحمن الذي نحن بصدد عصرهم طابعاً خاصاً .
تعليق