صلاح الدين الأيوبي
[ ٥٣٢ - ٥٨٩ ٥ / ۱۱۳۷ – ۱۱۹۳ م ]
من أعلام التاريخ من تكتفي بالكتابة عنه مرة واحدة ، حيث تستنفذ كل ما يمكن قوله ، ومنهم من يمكن الكتابة عنه مرة تلو الاخرى في كل عصر وزمان ، والسبب في هذا أن النوع الأول قام بإنجازات استحق بها خلوداً جزئياً ، والنوع الآخر أنجز من الأعمال ما استحق به الخلود المطلق والشهرة الواسعة القائمة على التأثير الشامل والدائم إن صلاح الدين يوسف بن أيوب ممن كتب له الخلود المطلق ، بسبب انجازاته الكبرى التي توجها بنصره في معركة حطين ، فمنذ حطين وحتى الآن مر بالوطن العربي والعالم أحداث جسام للغاية ، فقد زالت دولة بني أيوب ، وظهر المغول ، وانهارت الخلافة العباسية، وقامت دولة المماليك، وقامت الامبراطورية العثمانية وتحرك العرب في ثورات كثيرة ، وقدموا ما لا يحصى من الأبطال والقادة ، وفي أوربة انتهت العصور الوسطى ، وقامت حركة النهضة وانقضى عصرها ، وجاء عصر الاستعمار ، ووقعت الحروب العالمية ، ورغم هذا كله بقيت ذكرى صلاح الدين دونما تبديل ، وما زال قبره في دمشق يجذب الحجاج والرحالة ، وما برح أفراد الأمة العربية والشعوب الإسلامية ، يذكرون بفخر واجلال اسم صلاح الدين ، وينشدون صلاح الدين جديد كلما حزبهم أ نازلة . وأفضل معيار على أهمية صلاح الدين القصوى وخلوده الكامل ، أنه أمر أو نزلت بهم
فني الي . ما يزال بعد سبعة قرون من الزمن، موضع اهتمام المؤرخين والكتاب ، العقود الثلاثة الأخيرة ظهر عدد كبير من الكتب الجديدة والمقالات تعالج أعماله و تبحث في سيرته ، ولاقت كل هذه الأبحاث رواجاً لا سيما في أوربة ، بلد الشعوب التي قهرها صلاح الدين في حطين ، فالتاريخ يبرهن على أن الخلود للمنتصر ، والإجلال له ، لا سيما إذا كان صاحب حق ، يقاتل في سبيل قضية مقدسة ، ويحافظ على صفاته الإنسانية
لقد تمت الإشارة إلى مراحل الحروب الصليبية في فترة الصمود ومرحلتي الموصل وحلب ثم بداية مرحلة دمشق أيام نور الدين محمود ، حيث تم الإعداد الخوض معركة فاصلة ضد المؤسسة العسكرية للصليبيين (١) ، لكن تقاعس صلاح الدين ، وهو والي مصر آنئذ ، أعاق تنفيذ الخطة ، حيث توفي نور الدين بعد ذلك بشكل مفاجىء وقد انفرط عقد دولة نور الدين عشية وفاته ، وذلك أنه خلف ولداً صبيا لم يستطيع القيام بأعباء المسؤوليه ، فخف صلاح الدين من القاهرة إلى الشام حيث تمكن خلال سنوات من حسم مادة الفوضى في البلاد ، وحال بين الفرنجة وبين أي توسع في الشام وأقام دولة تمتد من ليبيا إلى جنوب الموصل ،
وتشمل بلاد الشام والجزيرة مع مصر والحجاز واليمن وليبيا وملكت هذه الدولة ما يكفي من طاقات بشرية واقتصادية للإعداد للقيام بعمل حاسم ضد الصليبيين ، وأيقن صلاح الدين أنه قد حان الوقت لمنازلة جميع القوى الصليبية في أرض معترك واحده ، وفي ظروف مناسبة ، وخلال زمن يكون لصالحه ، ويتيح له احراز النصر و سحق القوات المعادية
(۱) انظر أبحات : أبو فضل الخشاب ، عماد الدين زنكي ، نور الدين محمود.
. وشهدت هذه الفترة تطوراً كبيراً في العلوم العسكرية لدى المسلمين ، من حيث تحسين عدد كبير من الاسلحة ، ومن حيث رفع مستوى التدريب والمقدرة القتالية الهجومية لدى قوات صلاح الدين ، كما أن دولة صلاح الدين ملكت اقتصاداً عسكرياً متيناً، وأصبح لديها نواة اسطول يؤدي بعض الخدمات في البحر المتوسط
وكان الصليبيون يمتلكون آنئذ الشريط الساحلي لبلاد السلام ابتداء من انطاكية ، وكان عرض هذا الشريط لا يتجاوز أحيانا الثمانين كيلو متراً ، وكانت أراضيهم موزعة بين دول ثلاث مراكزها أنطاكية والقدس وطرابلس وكانت هذه الأراضي محاطة من ثلاث جهات بالأراضي العربية حيث وجدت مدن بلاد الشام الكبرى مثل : دمشق ، حمص ، حماه ، بعلبك ، حلب ، وكانت هذه المدن واقعة على مقربة من الحدود الصليبية ، كما كان معظم سكان المناطق الواقعة في حوزة الصليبيين من العرب السوريين ، قامت بينهم وبين المؤسسات العسكرية الصليبية أنماط من العلاقات لم تدرس بالعربية بعد دراسة علمية وكانت المساعدات البشرية والحربية والاقتصادية ترد إلى الصليبيين من أوربة عن طريق الأناضول ، وعن طريق البحر ، فقد كانت أساطيل الدويلات الإيطاليه تتحكم بأعمال الملاحة في البحر المتوسط ، وكانت قوى صلاح الدين البحرية اضعف من أن تتصدى لهذه الأساطيل ولقد سعى صلاح الدين إلى إقامة تعاون بحري بين اسطول دولته و اسطول امبراطورية الموحدين القوي ، فلم يوفق
هذا واعتمد الصليبيون على حماية الامبراطورية البيزنطية ، ومساعدتها لهم ، وكانت هذه الامبراطورية القوية تسعى دائما للتنسيق مع الصليبيين ، والاستفادة من نشاطهم ، يضاف إلى هذا أن الصليبيين ركنوا
[ ٥٣٢ - ٥٨٩ ٥ / ۱۱۳۷ – ۱۱۹۳ م ]
من أعلام التاريخ من تكتفي بالكتابة عنه مرة واحدة ، حيث تستنفذ كل ما يمكن قوله ، ومنهم من يمكن الكتابة عنه مرة تلو الاخرى في كل عصر وزمان ، والسبب في هذا أن النوع الأول قام بإنجازات استحق بها خلوداً جزئياً ، والنوع الآخر أنجز من الأعمال ما استحق به الخلود المطلق والشهرة الواسعة القائمة على التأثير الشامل والدائم إن صلاح الدين يوسف بن أيوب ممن كتب له الخلود المطلق ، بسبب انجازاته الكبرى التي توجها بنصره في معركة حطين ، فمنذ حطين وحتى الآن مر بالوطن العربي والعالم أحداث جسام للغاية ، فقد زالت دولة بني أيوب ، وظهر المغول ، وانهارت الخلافة العباسية، وقامت دولة المماليك، وقامت الامبراطورية العثمانية وتحرك العرب في ثورات كثيرة ، وقدموا ما لا يحصى من الأبطال والقادة ، وفي أوربة انتهت العصور الوسطى ، وقامت حركة النهضة وانقضى عصرها ، وجاء عصر الاستعمار ، ووقعت الحروب العالمية ، ورغم هذا كله بقيت ذكرى صلاح الدين دونما تبديل ، وما زال قبره في دمشق يجذب الحجاج والرحالة ، وما برح أفراد الأمة العربية والشعوب الإسلامية ، يذكرون بفخر واجلال اسم صلاح الدين ، وينشدون صلاح الدين جديد كلما حزبهم أ نازلة . وأفضل معيار على أهمية صلاح الدين القصوى وخلوده الكامل ، أنه أمر أو نزلت بهم
فني الي . ما يزال بعد سبعة قرون من الزمن، موضع اهتمام المؤرخين والكتاب ، العقود الثلاثة الأخيرة ظهر عدد كبير من الكتب الجديدة والمقالات تعالج أعماله و تبحث في سيرته ، ولاقت كل هذه الأبحاث رواجاً لا سيما في أوربة ، بلد الشعوب التي قهرها صلاح الدين في حطين ، فالتاريخ يبرهن على أن الخلود للمنتصر ، والإجلال له ، لا سيما إذا كان صاحب حق ، يقاتل في سبيل قضية مقدسة ، ويحافظ على صفاته الإنسانية
لقد تمت الإشارة إلى مراحل الحروب الصليبية في فترة الصمود ومرحلتي الموصل وحلب ثم بداية مرحلة دمشق أيام نور الدين محمود ، حيث تم الإعداد الخوض معركة فاصلة ضد المؤسسة العسكرية للصليبيين (١) ، لكن تقاعس صلاح الدين ، وهو والي مصر آنئذ ، أعاق تنفيذ الخطة ، حيث توفي نور الدين بعد ذلك بشكل مفاجىء وقد انفرط عقد دولة نور الدين عشية وفاته ، وذلك أنه خلف ولداً صبيا لم يستطيع القيام بأعباء المسؤوليه ، فخف صلاح الدين من القاهرة إلى الشام حيث تمكن خلال سنوات من حسم مادة الفوضى في البلاد ، وحال بين الفرنجة وبين أي توسع في الشام وأقام دولة تمتد من ليبيا إلى جنوب الموصل ،
وتشمل بلاد الشام والجزيرة مع مصر والحجاز واليمن وليبيا وملكت هذه الدولة ما يكفي من طاقات بشرية واقتصادية للإعداد للقيام بعمل حاسم ضد الصليبيين ، وأيقن صلاح الدين أنه قد حان الوقت لمنازلة جميع القوى الصليبية في أرض معترك واحده ، وفي ظروف مناسبة ، وخلال زمن يكون لصالحه ، ويتيح له احراز النصر و سحق القوات المعادية
(۱) انظر أبحات : أبو فضل الخشاب ، عماد الدين زنكي ، نور الدين محمود.
. وشهدت هذه الفترة تطوراً كبيراً في العلوم العسكرية لدى المسلمين ، من حيث تحسين عدد كبير من الاسلحة ، ومن حيث رفع مستوى التدريب والمقدرة القتالية الهجومية لدى قوات صلاح الدين ، كما أن دولة صلاح الدين ملكت اقتصاداً عسكرياً متيناً، وأصبح لديها نواة اسطول يؤدي بعض الخدمات في البحر المتوسط
وكان الصليبيون يمتلكون آنئذ الشريط الساحلي لبلاد السلام ابتداء من انطاكية ، وكان عرض هذا الشريط لا يتجاوز أحيانا الثمانين كيلو متراً ، وكانت أراضيهم موزعة بين دول ثلاث مراكزها أنطاكية والقدس وطرابلس وكانت هذه الأراضي محاطة من ثلاث جهات بالأراضي العربية حيث وجدت مدن بلاد الشام الكبرى مثل : دمشق ، حمص ، حماه ، بعلبك ، حلب ، وكانت هذه المدن واقعة على مقربة من الحدود الصليبية ، كما كان معظم سكان المناطق الواقعة في حوزة الصليبيين من العرب السوريين ، قامت بينهم وبين المؤسسات العسكرية الصليبية أنماط من العلاقات لم تدرس بالعربية بعد دراسة علمية وكانت المساعدات البشرية والحربية والاقتصادية ترد إلى الصليبيين من أوربة عن طريق الأناضول ، وعن طريق البحر ، فقد كانت أساطيل الدويلات الإيطاليه تتحكم بأعمال الملاحة في البحر المتوسط ، وكانت قوى صلاح الدين البحرية اضعف من أن تتصدى لهذه الأساطيل ولقد سعى صلاح الدين إلى إقامة تعاون بحري بين اسطول دولته و اسطول امبراطورية الموحدين القوي ، فلم يوفق
هذا واعتمد الصليبيون على حماية الامبراطورية البيزنطية ، ومساعدتها لهم ، وكانت هذه الامبراطورية القوية تسعى دائما للتنسيق مع الصليبيين ، والاستفادة من نشاطهم ، يضاف إلى هذا أن الصليبيين ركنوا
تعليق