يميل المرضى السايكوباتيون (المرضى النفسيون) للاتصاف بالدناءة والسلوك الفاضح والجرأة. وهم -دون تعميم- جناة جرائم العنف، لذا يشكلون نسبةً كبيرةً من تعداد السجناء. في الحقيقة، يقبع نحو 93% من السايكوباتيين في السجن أو تحت الحجز، ويحصل بعضهم على إطلاق سراح مشروط، أو ما يزالون تحت المراقبة. ولكن يبقى بعض السايكوباتيين طلقاء ويعيشون حياةً ناجحةً مندمجين مع مجتمعهم، ويبدو أن العديد من الناس المنتمين إلى الطبقات العليا من المجتمع يسجلون مستويات عالية على مقياس المرض النفسي.
السؤال هنا، ما الذي يجعل هؤلاء المرضى ناجحين؟
هناك العديد من العوامل التي قد تساهم في نجاحهم، لكن الخبراء اتفقوا على أن قدرة هؤلاء المرضى على التحكم في دوافعهم هي أساس استمرار نجاحهم. يقضي هؤلاء الأفراد السنوات الأولى في حياتهم يحاربون رغباتهم القوية في إيذاء الآخرين، لكنهم طوروا أيضًا قدرةً ضرورية على التحكم بدوافعهم، لتثبيط ميولهم أو إخفائها أو تحويلها باتجاه يتوافق مع رغبة المجتمع المحيط.
في ورقة بحثية جديدة ترأستها إيميلي لاسكو Emily Lasko -طالبة الدكتوراه- وضعت هذه النظرية تحت الاختبار مستخدمةً تصوير الدماغ البنيوي. إذ شارك أكثر من 144 رجلًا وامرأة ناجحين أكاديميًا (من طلبة الكليات) أو ناجحين اجتماعيًا (أزواج في علاقة رومانسية طويلة الأمد) في هذا الاختبار، وأجابوا على استبيان يقيس ميولهم السايكوباتية في مواضيع معينة مثل:
خضع المشاركون لاحقًا للتصوير بجهاز الرنين المغناطيسي، وقيست كثافة المادة الرمادية في مناطق مختلفة من أدمغتهم. تمثل المادة الرمادية أجسام الخلايا العصبية، وهي خلايا الدماغ التي تسمح للشخص بالحركة والتفكير والشعور، تدل كثافة المادة الرمادية على تقييم الصحة البنيوية وسلامة الجزء المدروس من الدماغ وتطوره، وتقدم معلومات عن جودة وظيفة المخ.
امتلك السايكوباتيون الناجحون حقًا تحكمًا أفضل بالدوافع، فأجزاء الدماغ التي تؤدي هذه الوظيفة التثبيطية أكثر تطورًا لديهم.
يقودنا ذلك إلى الكشف عن منطقة معينة في القشرة المخية تدعى القشرة أمام الجبهية جانب البطينية (أو اختصارًا (VLPFC، التي تظهر باللون الأحمر في الشكل التالي:
تؤدي هذه القشرة الكثير من المهام، لكن ما تبرَع فيه فعلًا هو السماح بتثبيط الدافع غير الملائم اجتماعيًا (على سبيل المثال: عدم الضغط على أي مفتاح عند ظهور إشارة توقف، أو منع إطلاق الضحكات في جنازة).
باستخدام الرنين المغناطيسي، قيست كثافة المادة الرمادية للقشرة أمام الجبهية جانب البطينية، ثم قورنت مع النقاط التي حققها كل مشارك في الاستطلاع الذي ذكرناه. ووُجد تناسب طردي بين مقدار السايكوباتية وكثافة المادة الرمادية في هذه القشرة لدى هؤلاء الأشخاص الناجحين، وهذا يقترح أن السايكوباتيين الناجحين في الحقيقة يمتلكون قدرةً متقدمةً على تثبيط الدوافع المضادة للمجتمع.
ترتبط هذه النتائج أيضًا مع التصور السائد عن الشخص السايكوباتي، الذي يقول إنه يعاني من عيوب دماغية. يغلب أن يملك الأشخاص السايكوباتيون –سواء كانوا ناجحين أم لا- بعض العيوب الدماغية (على سبيل المثال، لوحظ انخفاض وظيفي في دارات الدماغ العاطفية).
ولكن وجد أن الناجحين منهم يملكون أيضًا بعض الميزات، إذ قد تمكنهم العصبونات الزائدة من البقاء في المجتمع، بل قد ترفعهم إلى مراكز عليا في أماكن عملهم. في الواقع، يغلب أن يساعد امتلاك القدرة على التحكم بالدوافع على حل مجموعة كبيرة من المشاكل.
لمن يسعى إلى تجنب الأذى الناجم عن السايكوباتيين، يبدو أن تحسين قدرتهم على التحكم في دوافعهم يقلل من سلوكهم المضاد للمجتمع، ويجدر بالذكر انه قد يسمح لهم أيضًا بإخفاء السلوك وضبطه ليصبح أقل وضوحًا، فبدلًا من سرقة شخص ما في الشارع، قد يتعلمون اختلاس الأموال بشكل سري من الحسابات البنكية؛ لذا يجب الحذر عند تعليم هؤلاء الأشخاص مهارات التحكم بالذات.
نتائج الدراسة مجرد علاقة ترابطية ضعيفة، لذا لا يمكن بالمطلق استنتاج زيادة القدرة على تطوير المناطق المُثبِّطة في الدماغ عند زيادة السايكوباتية، علاوةً على أن الدراسة لم تتمكن من دراسة سايكوباتيين «حقيقين»، أي المؤكَّد تشخيصهم باضطراب الشخصية المضادة للمجتمع، أو الذين يسجلون أيضًا درجات عالية في اختبار السايكوباتية.
رغم ذلك، يبدو أن نتائج التجربة السابقة ذات تأثير واضح؛ إذ إن التركيز على كل من العيوب والميزات التي يتمتع بها الشخص السايكوباتي طريقة واعدة لفهم هذا الشكل المتعب من الشخصية البشرية وعلاجها.
المصدر:.ibelieveinsci
السؤال هنا، ما الذي يجعل هؤلاء المرضى ناجحين؟
هناك العديد من العوامل التي قد تساهم في نجاحهم، لكن الخبراء اتفقوا على أن قدرة هؤلاء المرضى على التحكم في دوافعهم هي أساس استمرار نجاحهم. يقضي هؤلاء الأفراد السنوات الأولى في حياتهم يحاربون رغباتهم القوية في إيذاء الآخرين، لكنهم طوروا أيضًا قدرةً ضرورية على التحكم بدوافعهم، لتثبيط ميولهم أو إخفائها أو تحويلها باتجاه يتوافق مع رغبة المجتمع المحيط.
في ورقة بحثية جديدة ترأستها إيميلي لاسكو Emily Lasko -طالبة الدكتوراه- وضعت هذه النظرية تحت الاختبار مستخدمةً تصوير الدماغ البنيوي. إذ شارك أكثر من 144 رجلًا وامرأة ناجحين أكاديميًا (من طلبة الكليات) أو ناجحين اجتماعيًا (أزواج في علاقة رومانسية طويلة الأمد) في هذا الاختبار، وأجابوا على استبيان يقيس ميولهم السايكوباتية في مواضيع معينة مثل:
- «أستمتع بالتلاعب بمشاعر الآخرين».
- «النجاح مبني على نجاة الأصلح، لا أهتم بمن يخسر».
- «بالنسبة لي، الصحيح هو ما يمكنني الإفلات بفعله».
خضع المشاركون لاحقًا للتصوير بجهاز الرنين المغناطيسي، وقيست كثافة المادة الرمادية في مناطق مختلفة من أدمغتهم. تمثل المادة الرمادية أجسام الخلايا العصبية، وهي خلايا الدماغ التي تسمح للشخص بالحركة والتفكير والشعور، تدل كثافة المادة الرمادية على تقييم الصحة البنيوية وسلامة الجزء المدروس من الدماغ وتطوره، وتقدم معلومات عن جودة وظيفة المخ.
امتلك السايكوباتيون الناجحون حقًا تحكمًا أفضل بالدوافع، فأجزاء الدماغ التي تؤدي هذه الوظيفة التثبيطية أكثر تطورًا لديهم.
يقودنا ذلك إلى الكشف عن منطقة معينة في القشرة المخية تدعى القشرة أمام الجبهية جانب البطينية (أو اختصارًا (VLPFC، التي تظهر باللون الأحمر في الشكل التالي:
تؤدي هذه القشرة الكثير من المهام، لكن ما تبرَع فيه فعلًا هو السماح بتثبيط الدافع غير الملائم اجتماعيًا (على سبيل المثال: عدم الضغط على أي مفتاح عند ظهور إشارة توقف، أو منع إطلاق الضحكات في جنازة).
باستخدام الرنين المغناطيسي، قيست كثافة المادة الرمادية للقشرة أمام الجبهية جانب البطينية، ثم قورنت مع النقاط التي حققها كل مشارك في الاستطلاع الذي ذكرناه. ووُجد تناسب طردي بين مقدار السايكوباتية وكثافة المادة الرمادية في هذه القشرة لدى هؤلاء الأشخاص الناجحين، وهذا يقترح أن السايكوباتيين الناجحين في الحقيقة يمتلكون قدرةً متقدمةً على تثبيط الدوافع المضادة للمجتمع.
ترتبط هذه النتائج أيضًا مع التصور السائد عن الشخص السايكوباتي، الذي يقول إنه يعاني من عيوب دماغية. يغلب أن يملك الأشخاص السايكوباتيون –سواء كانوا ناجحين أم لا- بعض العيوب الدماغية (على سبيل المثال، لوحظ انخفاض وظيفي في دارات الدماغ العاطفية).
ولكن وجد أن الناجحين منهم يملكون أيضًا بعض الميزات، إذ قد تمكنهم العصبونات الزائدة من البقاء في المجتمع، بل قد ترفعهم إلى مراكز عليا في أماكن عملهم. في الواقع، يغلب أن يساعد امتلاك القدرة على التحكم بالدوافع على حل مجموعة كبيرة من المشاكل.
لمن يسعى إلى تجنب الأذى الناجم عن السايكوباتيين، يبدو أن تحسين قدرتهم على التحكم في دوافعهم يقلل من سلوكهم المضاد للمجتمع، ويجدر بالذكر انه قد يسمح لهم أيضًا بإخفاء السلوك وضبطه ليصبح أقل وضوحًا، فبدلًا من سرقة شخص ما في الشارع، قد يتعلمون اختلاس الأموال بشكل سري من الحسابات البنكية؛ لذا يجب الحذر عند تعليم هؤلاء الأشخاص مهارات التحكم بالذات.
نتائج الدراسة مجرد علاقة ترابطية ضعيفة، لذا لا يمكن بالمطلق استنتاج زيادة القدرة على تطوير المناطق المُثبِّطة في الدماغ عند زيادة السايكوباتية، علاوةً على أن الدراسة لم تتمكن من دراسة سايكوباتيين «حقيقين»، أي المؤكَّد تشخيصهم باضطراب الشخصية المضادة للمجتمع، أو الذين يسجلون أيضًا درجات عالية في اختبار السايكوباتية.
رغم ذلك، يبدو أن نتائج التجربة السابقة ذات تأثير واضح؛ إذ إن التركيز على كل من العيوب والميزات التي يتمتع بها الشخص السايكوباتي طريقة واعدة لفهم هذا الشكل المتعب من الشخصية البشرية وعلاجها.
المصدر:.ibelieveinsci