هل سمعت يومًا بأوديب؟ الملك الذي قتل أباه وتزوج أمه، لقد جعله فرويد مشهورًا بعد تسميته (عقدة أوديب) باسمه. الأمر نفسه ينطبق على إليكترا، الأميرة التي اشتهت حب والدها. هي من كانت السبب في تسمية فرويد (عقدة إليكترا) باسمها.
تشابه أفكار الطب النفسي مع الأساطير اليونانية ليس مجرد صدفة، وليست الأفكار الفرويدية منها فحسب، فالطب النفسي والميثولوجيا (علم الأساطير والخرافات المتصلة بالآلهة وأنصاف الآلهة عند شعب من الشعوب) الإغريقية أمران مرتبطان ببعضهما البعض.
كيف يمكن لذلك أن يكون صحيحًا؟
الطب النفسي والميثولوجيا يقدمان لنا شروحًا متنافسةً للألم الإنساني، من الجيد أن بعض تلك الأساطير القديمة بإمكانها مساعدتنا على تعريف وفهم بعض الخرافات الحديثة التي تسيطر على العالم اليوم.
إحدى خرافات عصرنا هي أن كل ما هو قديم جدًا هو بال. وأن الأمراض العقلية تحدث نتيجةً لاختلال توازن المواد الكيميائية في الدماغ، وأن العقارات التي تسمى بالأدوية هي أفضل طريقة لعلاجها.
من الضروري تمييز أمر هام، وهو أن مستويات المواد الكيميائية الحيوية تتذبذب مع تغير المزاج، ولكنها غالبًا نتيجةً له وليست مسببًا. (يرتفع مستوى الإندورفينات (الهرمونات) لديك لأن فريقك سجل هدفًا وليس العكس).
يُعتبَر بعض الأشخاص اليوم مرضى نفسيين لأنهم يعانون فعلًا من أمراض دماغية غير مشخصة، ولكن لدى آخرين يختلف السبب.
المشكلة هي أن تشخيص الأمراض النفسية لا يعتمد على فحص الدماغ ومستويات المواد الكيميائية الحيوية، ودون التحقق منها لا يمكن معرفة أسباب الأمراض النفسية سواءً كانت أسبابًا حيويةً أم بسبب عوامل أخرى. هنا يمكن الاستفادة من الميثولوجيا.
هل سمعت بيونس من قبل؟ النبي الذي ابتلعه الحوت، ذكرت قصته في الكتب المقدسة، ولكنك غالبًا سمعت به من أقوال الآخرين أو رأيت صورته أو حتى من قصص الأطفال.
في اليونان القديمة كانت الأساطير تُروى بنفس الطريقة، كان الناس يتناقلون قصصًا عن سلوك غريب، إذ لا يتبقّى من القصص أثناء تناقلها سوى جملة أو جملتين ملازمتين لاسم صاحب السلوك. ومن هذه القصص:
وبهذا النمط من رواية الأساطير يصبح أوديب ببساطة “الرجل الذي قتل والده وتزوج أمه”، هرقل وميديا أيضًا لا يمتلكون هويةً باستثناء ما فعلوه. أصبح الفعل الشنيع وحده ما يُعرّفهم.
ومن هذا المنطلق تكون تلك الأساطير تشخيصنا للأمراض النفسية، اسمان مختلفان للشيء نفسه. نرسيس لم يكن مولعًا بذاته لأنه كان مصابًا باضطراب الشخصية النرجسية، بل لأنه هو نرسيس. (سمي اضطراب الشخصية النرجسية نسبة إلى نرسيس).
عندما نسمع قصصًا عن سلوك شاذ -سواءً كان في الأساطير القديمة أو في أخبارنا الحالية- فإن السؤال هو كيف أصبحت تلك الشخصيات على ما هي عليه؟ ما الذي جعلهم يفعلون ما فعلوه؟
في أثينا قبل 2500 سنة بدأ الناس بكتابة المسرحيات -سميت وقتها بالتراجيديا- وذلك للبحث والإجابة عن هذه الأسئلة. ولتصوير الأساطير بطريقة مسرحية كان على كُتاب المسرح بناء تلك الشخصيات، بدءًا من الفعل الشنيع بطريقة الخطف خلفًا، وكان عليهم اختلاق خلفية درامية وشخصيات وصراعات قابلةً للتصديق يمكنها أن تظهر لنا كيف أن ميديا طاوعتها نفسها لقتل أولادها، أو كيف استطاع أورستيس قتل والدته.
باختصار، كان على مؤلفي التراجيديا تمهيد الطريق لشخصياتهم بطريقة معقولة نحو الحدود القصوى لأفعالهم.
لدينا أساليب مشابهة الآن، ولكنها مختلفة، فنحن نطبّب الاستجابات للعواطف الشديدة، ونسميها أمراضًا نفسيةً، ونعللها باختلالات كيميائية أو أمراض في الدماغ، وبالتالي فإن:
ولكن هذه المقاربة لم تكن لتنجح في الأزمنة القديمة، فكُتاب التراجيديا لم يؤمنوا بفكرة الأمراض النفسية والصحة النفسية أو تعاملوا معها، رغم أنهم كانوا يتقربون منها أحيانًا. وعلى عكسنا نحن فهم اعتقدوا أن السلوك الشاذ له بواعث ودواع لا مسببات. وبالتالي فبالنسبة لهم:
باختصار علل كُتاب التراجيديا الأمراض النفسية بمشاكل الحياة عوضًا عن تفسيرها بالبيولوجيا.
ولجعل تلك المشكلات منطقيةً اختلقوا صراعات يكون فيها كل طرف على حق، ولكن لا يستطيع الجميع التصرف وفقًا لوجهة نظرهم.
ما زال الكثير من القراء الآن يعتبرون تلك التفسيرات معقولةً، حتى أنهم يتفاجؤون أحيانًا من سهولة تعاطفهم مع الشخصيات التي ارتكبت أفعالًا شنيعةً تجاه أنفسهم أو تجاه الآخرين.
ولكن جرب بنفسك، إن لم تكن قادرًا على فهم السلوك الغريب أو سلوك التدمير الذاتي -وخاصةً سلوكك أنت- يمكنك قراءة مسرحية تراجيدية إغريقية أو اثنتين، وراقب شعورك حينها.
الميثولوجيا الإغريقية ضخمة جدًا، ولذلك نجد فيها العديد من الأساطير التي تتطابق مع تشخيص بعض الأمراض النفسية التي نعرفها اليوم. وهكذا نجد أن الأساطير الإغريقية رغم قدمها فهي سابقة للطب النفسي الحالي.
المصدر:.ibelieveinsci
تشابه أفكار الطب النفسي مع الأساطير اليونانية ليس مجرد صدفة، وليست الأفكار الفرويدية منها فحسب، فالطب النفسي والميثولوجيا (علم الأساطير والخرافات المتصلة بالآلهة وأنصاف الآلهة عند شعب من الشعوب) الإغريقية أمران مرتبطان ببعضهما البعض.
كيف يمكن لذلك أن يكون صحيحًا؟
الطب النفسي والميثولوجيا يقدمان لنا شروحًا متنافسةً للألم الإنساني، من الجيد أن بعض تلك الأساطير القديمة بإمكانها مساعدتنا على تعريف وفهم بعض الخرافات الحديثة التي تسيطر على العالم اليوم.
إحدى خرافات عصرنا هي أن كل ما هو قديم جدًا هو بال. وأن الأمراض العقلية تحدث نتيجةً لاختلال توازن المواد الكيميائية في الدماغ، وأن العقارات التي تسمى بالأدوية هي أفضل طريقة لعلاجها.
من الضروري تمييز أمر هام، وهو أن مستويات المواد الكيميائية الحيوية تتذبذب مع تغير المزاج، ولكنها غالبًا نتيجةً له وليست مسببًا. (يرتفع مستوى الإندورفينات (الهرمونات) لديك لأن فريقك سجل هدفًا وليس العكس).
يُعتبَر بعض الأشخاص اليوم مرضى نفسيين لأنهم يعانون فعلًا من أمراض دماغية غير مشخصة، ولكن لدى آخرين يختلف السبب.
المشكلة هي أن تشخيص الأمراض النفسية لا يعتمد على فحص الدماغ ومستويات المواد الكيميائية الحيوية، ودون التحقق منها لا يمكن معرفة أسباب الأمراض النفسية سواءً كانت أسبابًا حيويةً أم بسبب عوامل أخرى. هنا يمكن الاستفادة من الميثولوجيا.
هل سمعت بيونس من قبل؟ النبي الذي ابتلعه الحوت، ذكرت قصته في الكتب المقدسة، ولكنك غالبًا سمعت به من أقوال الآخرين أو رأيت صورته أو حتى من قصص الأطفال.
في اليونان القديمة كانت الأساطير تُروى بنفس الطريقة، كان الناس يتناقلون قصصًا عن سلوك غريب، إذ لا يتبقّى من القصص أثناء تناقلها سوى جملة أو جملتين ملازمتين لاسم صاحب السلوك. ومن هذه القصص:
- يعود هرقل من الحرب ويطلق السهام على عائلته لقتلهم.
- ميديا تقتل أطفالها.
- أورستيس يسمع أصواتًا ويقتل والدته.
وبهذا النمط من رواية الأساطير يصبح أوديب ببساطة “الرجل الذي قتل والده وتزوج أمه”، هرقل وميديا أيضًا لا يمتلكون هويةً باستثناء ما فعلوه. أصبح الفعل الشنيع وحده ما يُعرّفهم.
ومن هذا المنطلق تكون تلك الأساطير تشخيصنا للأمراض النفسية، اسمان مختلفان للشيء نفسه. نرسيس لم يكن مولعًا بذاته لأنه كان مصابًا باضطراب الشخصية النرجسية، بل لأنه هو نرسيس. (سمي اضطراب الشخصية النرجسية نسبة إلى نرسيس).
عندما نسمع قصصًا عن سلوك شاذ -سواءً كان في الأساطير القديمة أو في أخبارنا الحالية- فإن السؤال هو كيف أصبحت تلك الشخصيات على ما هي عليه؟ ما الذي جعلهم يفعلون ما فعلوه؟
في أثينا قبل 2500 سنة بدأ الناس بكتابة المسرحيات -سميت وقتها بالتراجيديا- وذلك للبحث والإجابة عن هذه الأسئلة. ولتصوير الأساطير بطريقة مسرحية كان على كُتاب المسرح بناء تلك الشخصيات، بدءًا من الفعل الشنيع بطريقة الخطف خلفًا، وكان عليهم اختلاق خلفية درامية وشخصيات وصراعات قابلةً للتصديق يمكنها أن تظهر لنا كيف أن ميديا طاوعتها نفسها لقتل أولادها، أو كيف استطاع أورستيس قتل والدته.
باختصار، كان على مؤلفي التراجيديا تمهيد الطريق لشخصياتهم بطريقة معقولة نحو الحدود القصوى لأفعالهم.
لدينا أساليب مشابهة الآن، ولكنها مختلفة، فنحن نطبّب الاستجابات للعواطف الشديدة، ونسميها أمراضًا نفسيةً، ونعللها باختلالات كيميائية أو أمراض في الدماغ، وبالتالي فإن:
- هرقل يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة PTSD.
- ميديا تعاني من الاكتئاب.
- أورستس يعاني من الفصام.
ولكن هذه المقاربة لم تكن لتنجح في الأزمنة القديمة، فكُتاب التراجيديا لم يؤمنوا بفكرة الأمراض النفسية والصحة النفسية أو تعاملوا معها، رغم أنهم كانوا يتقربون منها أحيانًا. وعلى عكسنا نحن فهم اعتقدوا أن السلوك الشاذ له بواعث ودواع لا مسببات. وبالتالي فبالنسبة لهم:
- هرقل كانت تعذبه ذكريات الأفعال المروعة التي ارتكبها في الحرب.
- ميديا تخلّى عنها زوجها في أرض غريبة وتركها مع ولدين لترعاهم.
- أورستيس كان راشدًا ومتلهفًا للحصول على ميراثه وغاضبًا من العالم.
باختصار علل كُتاب التراجيديا الأمراض النفسية بمشاكل الحياة عوضًا عن تفسيرها بالبيولوجيا.
ولجعل تلك المشكلات منطقيةً اختلقوا صراعات يكون فيها كل طرف على حق، ولكن لا يستطيع الجميع التصرف وفقًا لوجهة نظرهم.
ما زال الكثير من القراء الآن يعتبرون تلك التفسيرات معقولةً، حتى أنهم يتفاجؤون أحيانًا من سهولة تعاطفهم مع الشخصيات التي ارتكبت أفعالًا شنيعةً تجاه أنفسهم أو تجاه الآخرين.
ولكن جرب بنفسك، إن لم تكن قادرًا على فهم السلوك الغريب أو سلوك التدمير الذاتي -وخاصةً سلوكك أنت- يمكنك قراءة مسرحية تراجيدية إغريقية أو اثنتين، وراقب شعورك حينها.
الميثولوجيا الإغريقية ضخمة جدًا، ولذلك نجد فيها العديد من الأساطير التي تتطابق مع تشخيص بعض الأمراض النفسية التي نعرفها اليوم. وهكذا نجد أن الأساطير الإغريقية رغم قدمها فهي سابقة للطب النفسي الحالي.
المصدر:.ibelieveinsci