لدى الجميع وجهة نظر بشأن الجنس، ويتردد الناس عمومًا في التحدث عن حياتهم الجنسية، لكن إن سألتهم عن رأيهم حول ما يفعله الآخرون خلف الأبواب المغلقة، فعلى الأغلب سيتحدثون.
هل نسمح بزواج المثليين؟ متى يُسمح للمرأة أن تجهض جنينها؟ هل يتعين على أرباب العمل إدراج تحديد النسل ضمن برامج التأمين الصحي الخاصة بشركاتهم؟
حتى لو لم يكن لهذه القضايا تأثير مباشر على حياتك، فمن المحتمل أن لديك بعض الأفكار عنها على أي حال، فلماذا نهتم كثيرًا بنشاطات الآخرين الجنسية؟
ليس من المفاجئ أن تكون الاختلاطية الجنسية موضوعًا يشد انتباه الناس مُحضرًا معه ذكر الكثير من «المواعظ الأخلاقية عن الشهوة». نشر مايكل برايس، وهو أستاذ دكتور علم النفس بجامعة برونيل بلندن، وزملاؤه إحدى الأوراق البحثية حول الاختلاطية الجنسية في دورية «أرشيف السلوك الجنسي archives of social behavior»، وتناولتها منافذ إعلامية مثل مجلات سلايت، وذا أتلانتيك، ونيويورك.
حين كتب برايس مُدونةً عن البحث في موقع «سايكولوجي توداي»، صارت تدوينته الأكثر شهرةً على مدار ثلاث سنوات من التدوين.
وفقًا لما ذُكر في هذه التدوينة، يقترح مُعدّو البحث أن الأخلاق المعادية للاختلاطية الجنسية نشأت لتعزيز إعالة الآباء لأطفالهم، ولكن في تعليقات القرّاء حول هذه التدوينة التي نُشرت على الموقع الرسمي لسايكولوجي توداي وأيضًا على صفحته الرسمية على فيسبوك، كان التبرير البديل الشائع هو أن تلك الأخلاقيات التي تعادي الاختلاطية الجنسية لها -في المقام الأول- دور إيجابي في الوقاية من الأمراض المنقولة جنسيًا بين عامة الناس.
شكك برايس بهذه الفرضية البديلة لما ذكره في البحث، لكن بدلًا من انتقادها، استخدمها لإيضاح مسألة أعم، إذ رأى أنه يمكن للنظرية التطورية أن تسلط الضوء على الأسباب الخفية وغير الواعية لمعتقداتنا الأخلاقية، بما في ذلك نظرتنا تجاه الحياة الجنسية للآخرين.
يقضي الرجال بالمتوسط قدرًا هائلًا من الوقت باذلين الكثير من الطاقة والجهد في رعاية أولادهم مقارنةً مع معظم ذكور الثدييات. يشارك الآباء حياة أطفالهم بشكل كبير في معظم الثقافات الإنسانية، ويُعترف بذكرٍ واحد فقط أبًا للطفل -وإن كانت بعض الثقافات تمثل استثناءً عجيبًا لهذا النمط- ولا يُعيل الأب إلا من يعترف بأنهم أبناؤه، ويجب أن يكون قادرًا على التعرف على أبنائه أيضًا، ولأن الاختلاطية الجنسية تهدم ثقة الأب في كون طفل ما من ذريته، يصعب عليه تحديد أطفاله، ومن ثم لا يميل إلى الاستثمار فيه.
لذلك، في البيئات التي يكون فيها استثمار الأب في الذرية أمرًا هامًا خاصةً للحفاظ على النسل -مثل الثقافات التي تعتمد فيها النساء اعتمادًا كبيرًا على شريك ذكر واحد للحصول على الموارد الاقتصادية-، يصبح من المتوقع أن يُظهر الناس معارضة أخلاقية أشد للاختلاطية الجنسية.
وجدت الدراسة المُشار إليها أن معارضة الاختلاطية الجنسية كانت أشد لدى الأشخاص الذين يعرفون عددًا أكبر من النساء اللائي يُعيلهن رفيق ذكر، إذ كان اعتماد النساء على الرجال أكبر. ظلت هذه العلاقة بين التبعية الاقتصادية للإناث والأخلاق المناهضة للاختلاطية الجنسية كبيرة حتى بعدما استبعدت الدراسة الأخلاقيات الدينية والسياسية المحافظة المناهضة للاختلاطية الجنسية.
تشير دلائل أخرى إلى أن الأخلاق المعادية للاختلاطية ترتبط بتشجيع الاستثمار الأبوي؛ يقل ميل الأشخاص إلى العلاقات قصيرة الأمد في البلدان التي يقل دخل النساء فيها عن دخل الرجال. ترتبط الأخلاق المناهضة للاختلاطية الجنسية أيضًا بالفلسفة المحافظة السياسية والدينية، وهي أيديولوجيات مرتبطة ببيئات تكون فيها اعتمادية الإناث على الرفيق الذكر عاليةً.
لذلك هناك بعض الأدلة القاطعة التي تشير إلى أن الأخلاق المناهضة للاختلاطية الجنسية وُضعت من خلال التطور البيولوجي، أو الثقافي، أو كليهما معًا، لحل المشكلات المتعلقة بالاستثمار الأبوي. كانت معارضة الناس للاختلاطية الجنسية أولى البدائل المقترحة، إذ إن ذلك «ينشر الأمراض بين عامة الناس!»، وقد يبدو هذا ظاهريًا -على الأقل- مبررًا قويًا.
على أي حال، يمكن أن تسهم الاختلاطية الجنسية في انتشار الأمراض المنقولة جنسيًا في المجتمع، وهي أمراض سيئة فعلًا، لذلك تبدو مكافحة تلك الأمراض ذريعةً عمليةً وواقعيةً لمعارضة الاختلاطية الجنسية، لكن يرى برايس أنه بالتفكير بجدية في مقتضيات هذه الحجة، فلن تبدو منطقية؛ لو كان شخصٌ ما من المعارضين للاختلاطية مؤمنًا بهذه الحجة، فهذا يعني ضمنًا أنه سيكون من المهتمين -ولو نسبيًا- بالصحة العامة.
يرى برايس أن هذا الاستنتاج يبدو غير قابل للتصديق بديهيًا، ببساطة لأنه يرى أن أكثر الأشخاص الذين صادفهم ممن يعارضون الاختلاطية بشدة ليسوا أكثر اهتمامًا بالصحة العامة من غيرهم، لكن حدس برايس وتجربته الشخصية ليسا كافيين ليقودا إلى استنتاج واقعي، وهما غير موثوقين أيضًا، لذا تساءل عن كيفية اختبار هذا الاستنتاج بمنهجية مماثلة للبحث الذي نشره سابقًا.
أحد أقوى التأثيرات التي ذكرتها الدراسة هو أن الأشخاص بالمتوسط، داخل الولايات المتحدة وفي الولايات ذات متوسط الدخل الأدنى للإناث، أكثر اعتراضًا على الاختلاطية، وهذا التأثير مرتبط بدخل الإناث تحديدًا لا بدخل الذكور، ثم تساءل البحث؛ هل ستكون معارضة الاختلاطية أكبر في الولايات التي استثمرت في برامج الصحة العامة بشكل متكافئ؟ إذا كان السبب فعلًا هو الخوف من الأمراض، فهذا يعني أن الولايات الأكثر مناهضة للاختلاطية ستولي الصحة العامة أولوية في الإنفاق بشكل عام.
لاختبار هذا التنبؤ، حلل البحث العلاقة بين نصيب الفرد من ميزانيات الصحة العامة في الولايات المتحدة 2012-2013 ومتوسط مستويات الأخلاق المناهضة للاختلاطية داخل الولاية؛ أشارت النتائج إلى أن الإنفاق على الصحة العامة كان أقل بدرجة خفيفة في الولايات الأكثر معارضةً للاختلاطية، وهو عكس الاستنتاج الذي يؤيد حجة «الاهتمام بالصحة العامة».
فشل الاختبار المقدم أعلاه بإعطاء دليل على أن المعارضة الأخلاقية للاختلاطية ترتبط بزيادة الاهتمام بالصحة العامة، ومع ذلك، يقر الباحثون أن اختبارًا واحدًا لا يمكنه حل مسألة ما إذا كانت الأخلاق المعادية للاختلاطية مرتبطة بمثل هذا القلق، فحتى إذا لم يكن لهذه الأخلاق علاقة كبيرة بالقلق على الصحة العامة، فقد تظل مرتبطة برغبة الفرد الخاصة بتجنب الإصابة بالأمراض المنقولة جنسيًا أو نقلها.
في الواقع، إن بعض الأفراد أقل احتمالًا ليكونوا اختلاطيين إن كانوا يعتقدون أنهم أكثر عرضة للأمراض. ترتبط الأخلاق المناهضة للاختلاطية بالنفور من الأمراض المنقولة جنسيًا إلى حد ما، وهي قضية تستحق المزيد من التحقيق، غير أنه من المعقول أيضًا أن تكون هذه الأخلاق مرتبطة نسبيًا بالاهتمامات المتعلقة بالأمراض المنقولة جنسيًا من أي نوع، وهي تتعلق أيضًا بالمبادئ التطورية الخاصة بتأكيد الأبوة واستثمار الوالدين، كما هو موضح أعلاه.
إذا كانت أخلاقيات معاداة الاختلاطية مرتبطة بالاستثمار الأبوي أكثر من النفور من الأمراض المنقولة جنسيًا، فلماذا يبدو التعلل بالأمراض المنقولة جنسيًا أكثر بديهية للعديد من الناس؟ الحقيقة هي أنه لا يمكننا توقع إدراك الناس الأصولَ الحقيقية لمعتقداتهم الأخلاقية.
يكوِّن الناس غالبًا اعتقادًا في البداية كرد فعل عاطفي على أمر ما، ثم يحاولون تبريره لاحقًا. قد يبدو هذا التبرير غير مرتبط بالدوافع الفعلية الكامنة وراء اعتقادات الأشخاص، وليس له علاقة تُذكر بالاعتقاد بالوظائف التطورية، فقد يتبنى شخص لا يعرف شيئًا عن أصوله التطورية البيولوجية والثقافية هذا التبرير، لذلك من الممكن للناس أن يؤمنوا بشدة بأن الاختلاطية ضارة تمامًا، إذ إن هذا الاعتقاد قد ظهر في البيئات القديمة لتشجيع الاستثمار الأبوي، حتى وإن لم يدركوا أن هذا هو السبب الذي جاء اعتقادهم منه.
قد يبررون معتقداتهم بطرق تبدو أسهل وأكثر منطقية ويمكن الدفاع عنها بشكل أكبر، مثل: المخاوف المتعلقة بالصحة العامة، أو العقيدة الدينية، بغض النظر عما إذا كان منطقهم له علاقة بأصول معتقداتهم الفعلية. في مثل هذه الحالات، يمكن أن تكون نظرية التطور أداة لا غنى عنها لمساعدتنا على اكتشاف المصادر الحقيقية لمعتقداتنا الأخلاقية.
المصدر:.ibelieveinsci
هل نسمح بزواج المثليين؟ متى يُسمح للمرأة أن تجهض جنينها؟ هل يتعين على أرباب العمل إدراج تحديد النسل ضمن برامج التأمين الصحي الخاصة بشركاتهم؟
حتى لو لم يكن لهذه القضايا تأثير مباشر على حياتك، فمن المحتمل أن لديك بعض الأفكار عنها على أي حال، فلماذا نهتم كثيرًا بنشاطات الآخرين الجنسية؟
ليس من المفاجئ أن تكون الاختلاطية الجنسية موضوعًا يشد انتباه الناس مُحضرًا معه ذكر الكثير من «المواعظ الأخلاقية عن الشهوة». نشر مايكل برايس، وهو أستاذ دكتور علم النفس بجامعة برونيل بلندن، وزملاؤه إحدى الأوراق البحثية حول الاختلاطية الجنسية في دورية «أرشيف السلوك الجنسي archives of social behavior»، وتناولتها منافذ إعلامية مثل مجلات سلايت، وذا أتلانتيك، ونيويورك.
حين كتب برايس مُدونةً عن البحث في موقع «سايكولوجي توداي»، صارت تدوينته الأكثر شهرةً على مدار ثلاث سنوات من التدوين.
وفقًا لما ذُكر في هذه التدوينة، يقترح مُعدّو البحث أن الأخلاق المعادية للاختلاطية الجنسية نشأت لتعزيز إعالة الآباء لأطفالهم، ولكن في تعليقات القرّاء حول هذه التدوينة التي نُشرت على الموقع الرسمي لسايكولوجي توداي وأيضًا على صفحته الرسمية على فيسبوك، كان التبرير البديل الشائع هو أن تلك الأخلاقيات التي تعادي الاختلاطية الجنسية لها -في المقام الأول- دور إيجابي في الوقاية من الأمراض المنقولة جنسيًا بين عامة الناس.
شكك برايس بهذه الفرضية البديلة لما ذكره في البحث، لكن بدلًا من انتقادها، استخدمها لإيضاح مسألة أعم، إذ رأى أنه يمكن للنظرية التطورية أن تسلط الضوء على الأسباب الخفية وغير الواعية لمعتقداتنا الأخلاقية، بما في ذلك نظرتنا تجاه الحياة الجنسية للآخرين.
يقضي الرجال بالمتوسط قدرًا هائلًا من الوقت باذلين الكثير من الطاقة والجهد في رعاية أولادهم مقارنةً مع معظم ذكور الثدييات. يشارك الآباء حياة أطفالهم بشكل كبير في معظم الثقافات الإنسانية، ويُعترف بذكرٍ واحد فقط أبًا للطفل -وإن كانت بعض الثقافات تمثل استثناءً عجيبًا لهذا النمط- ولا يُعيل الأب إلا من يعترف بأنهم أبناؤه، ويجب أن يكون قادرًا على التعرف على أبنائه أيضًا، ولأن الاختلاطية الجنسية تهدم ثقة الأب في كون طفل ما من ذريته، يصعب عليه تحديد أطفاله، ومن ثم لا يميل إلى الاستثمار فيه.
لذلك، في البيئات التي يكون فيها استثمار الأب في الذرية أمرًا هامًا خاصةً للحفاظ على النسل -مثل الثقافات التي تعتمد فيها النساء اعتمادًا كبيرًا على شريك ذكر واحد للحصول على الموارد الاقتصادية-، يصبح من المتوقع أن يُظهر الناس معارضة أخلاقية أشد للاختلاطية الجنسية.
وجدت الدراسة المُشار إليها أن معارضة الاختلاطية الجنسية كانت أشد لدى الأشخاص الذين يعرفون عددًا أكبر من النساء اللائي يُعيلهن رفيق ذكر، إذ كان اعتماد النساء على الرجال أكبر. ظلت هذه العلاقة بين التبعية الاقتصادية للإناث والأخلاق المناهضة للاختلاطية الجنسية كبيرة حتى بعدما استبعدت الدراسة الأخلاقيات الدينية والسياسية المحافظة المناهضة للاختلاطية الجنسية.
تشير دلائل أخرى إلى أن الأخلاق المعادية للاختلاطية ترتبط بتشجيع الاستثمار الأبوي؛ يقل ميل الأشخاص إلى العلاقات قصيرة الأمد في البلدان التي يقل دخل النساء فيها عن دخل الرجال. ترتبط الأخلاق المناهضة للاختلاطية الجنسية أيضًا بالفلسفة المحافظة السياسية والدينية، وهي أيديولوجيات مرتبطة ببيئات تكون فيها اعتمادية الإناث على الرفيق الذكر عاليةً.
لذلك هناك بعض الأدلة القاطعة التي تشير إلى أن الأخلاق المناهضة للاختلاطية الجنسية وُضعت من خلال التطور البيولوجي، أو الثقافي، أو كليهما معًا، لحل المشكلات المتعلقة بالاستثمار الأبوي. كانت معارضة الناس للاختلاطية الجنسية أولى البدائل المقترحة، إذ إن ذلك «ينشر الأمراض بين عامة الناس!»، وقد يبدو هذا ظاهريًا -على الأقل- مبررًا قويًا.
على أي حال، يمكن أن تسهم الاختلاطية الجنسية في انتشار الأمراض المنقولة جنسيًا في المجتمع، وهي أمراض سيئة فعلًا، لذلك تبدو مكافحة تلك الأمراض ذريعةً عمليةً وواقعيةً لمعارضة الاختلاطية الجنسية، لكن يرى برايس أنه بالتفكير بجدية في مقتضيات هذه الحجة، فلن تبدو منطقية؛ لو كان شخصٌ ما من المعارضين للاختلاطية مؤمنًا بهذه الحجة، فهذا يعني ضمنًا أنه سيكون من المهتمين -ولو نسبيًا- بالصحة العامة.
يرى برايس أن هذا الاستنتاج يبدو غير قابل للتصديق بديهيًا، ببساطة لأنه يرى أن أكثر الأشخاص الذين صادفهم ممن يعارضون الاختلاطية بشدة ليسوا أكثر اهتمامًا بالصحة العامة من غيرهم، لكن حدس برايس وتجربته الشخصية ليسا كافيين ليقودا إلى استنتاج واقعي، وهما غير موثوقين أيضًا، لذا تساءل عن كيفية اختبار هذا الاستنتاج بمنهجية مماثلة للبحث الذي نشره سابقًا.
أحد أقوى التأثيرات التي ذكرتها الدراسة هو أن الأشخاص بالمتوسط، داخل الولايات المتحدة وفي الولايات ذات متوسط الدخل الأدنى للإناث، أكثر اعتراضًا على الاختلاطية، وهذا التأثير مرتبط بدخل الإناث تحديدًا لا بدخل الذكور، ثم تساءل البحث؛ هل ستكون معارضة الاختلاطية أكبر في الولايات التي استثمرت في برامج الصحة العامة بشكل متكافئ؟ إذا كان السبب فعلًا هو الخوف من الأمراض، فهذا يعني أن الولايات الأكثر مناهضة للاختلاطية ستولي الصحة العامة أولوية في الإنفاق بشكل عام.
لاختبار هذا التنبؤ، حلل البحث العلاقة بين نصيب الفرد من ميزانيات الصحة العامة في الولايات المتحدة 2012-2013 ومتوسط مستويات الأخلاق المناهضة للاختلاطية داخل الولاية؛ أشارت النتائج إلى أن الإنفاق على الصحة العامة كان أقل بدرجة خفيفة في الولايات الأكثر معارضةً للاختلاطية، وهو عكس الاستنتاج الذي يؤيد حجة «الاهتمام بالصحة العامة».
فشل الاختبار المقدم أعلاه بإعطاء دليل على أن المعارضة الأخلاقية للاختلاطية ترتبط بزيادة الاهتمام بالصحة العامة، ومع ذلك، يقر الباحثون أن اختبارًا واحدًا لا يمكنه حل مسألة ما إذا كانت الأخلاق المعادية للاختلاطية مرتبطة بمثل هذا القلق، فحتى إذا لم يكن لهذه الأخلاق علاقة كبيرة بالقلق على الصحة العامة، فقد تظل مرتبطة برغبة الفرد الخاصة بتجنب الإصابة بالأمراض المنقولة جنسيًا أو نقلها.
في الواقع، إن بعض الأفراد أقل احتمالًا ليكونوا اختلاطيين إن كانوا يعتقدون أنهم أكثر عرضة للأمراض. ترتبط الأخلاق المناهضة للاختلاطية بالنفور من الأمراض المنقولة جنسيًا إلى حد ما، وهي قضية تستحق المزيد من التحقيق، غير أنه من المعقول أيضًا أن تكون هذه الأخلاق مرتبطة نسبيًا بالاهتمامات المتعلقة بالأمراض المنقولة جنسيًا من أي نوع، وهي تتعلق أيضًا بالمبادئ التطورية الخاصة بتأكيد الأبوة واستثمار الوالدين، كما هو موضح أعلاه.
إذا كانت أخلاقيات معاداة الاختلاطية مرتبطة بالاستثمار الأبوي أكثر من النفور من الأمراض المنقولة جنسيًا، فلماذا يبدو التعلل بالأمراض المنقولة جنسيًا أكثر بديهية للعديد من الناس؟ الحقيقة هي أنه لا يمكننا توقع إدراك الناس الأصولَ الحقيقية لمعتقداتهم الأخلاقية.
يكوِّن الناس غالبًا اعتقادًا في البداية كرد فعل عاطفي على أمر ما، ثم يحاولون تبريره لاحقًا. قد يبدو هذا التبرير غير مرتبط بالدوافع الفعلية الكامنة وراء اعتقادات الأشخاص، وليس له علاقة تُذكر بالاعتقاد بالوظائف التطورية، فقد يتبنى شخص لا يعرف شيئًا عن أصوله التطورية البيولوجية والثقافية هذا التبرير، لذلك من الممكن للناس أن يؤمنوا بشدة بأن الاختلاطية ضارة تمامًا، إذ إن هذا الاعتقاد قد ظهر في البيئات القديمة لتشجيع الاستثمار الأبوي، حتى وإن لم يدركوا أن هذا هو السبب الذي جاء اعتقادهم منه.
قد يبررون معتقداتهم بطرق تبدو أسهل وأكثر منطقية ويمكن الدفاع عنها بشكل أكبر، مثل: المخاوف المتعلقة بالصحة العامة، أو العقيدة الدينية، بغض النظر عما إذا كان منطقهم له علاقة بأصول معتقداتهم الفعلية. في مثل هذه الحالات، يمكن أن تكون نظرية التطور أداة لا غنى عنها لمساعدتنا على اكتشاف المصادر الحقيقية لمعتقداتنا الأخلاقية.
المصدر:.ibelieveinsci