أحضان وقبلات: الأثر الصحي الناتج عن التلامسات العاطفية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أحضان وقبلات: الأثر الصحي الناتج عن التلامسات العاطفية

    كيف تؤثر التلامسات العاطفية والقبلات على أجسادنا وصحتنا النفسية؟ هناك عدد من الأسباب الوجيهة التي تجعلنا نشعر بالراحة والاطمئنان حين نلمس أو نعانق أو نقبِّل من نحب. في هذا المقال، سنسكتشف معًا كيف تؤثر هذه الطرق للتعبير عن الحب على صحتك وعافيتك. توجد عدة معانٍ تحملها الأفعال مثل أن تلمس أو تعانق أو تقبّل صديقًا أو حبيبًا؛ فنحن نلتمس المودة، نحاول إنشاء جسر للتواصل أو نحاول التعبير عن احتياج ما.




    تستخدم مختلف الثقافات التلامس بشتى الأساليب للتعبير عن المودة والاحترام، وتستخدم الثدييات الرئيسيات في عالم الحيوان -غير البشرية- التلامس كذلك لإنشاء تواصل بينها وإقامة هياكلها الهرمية الاجتماعية.

    ورغم هذا، أعرب بعض الخبراء مؤخرًا عن قلقهم إزاء أزمة تواجه المجتمعات الغربية؛ إذ خضع التلامس الجسدي لضوابط أكثر صرامة وقلَّت ممارسة التفاعلات الاجتماعية كالعناق. لا يُعتبر التلامس الجسدي أمرًا مُرحَّبًا به دائمًا، ولا يناسب كل الأوقات، ومن الممكن أن يُمثل انتهاكًا إذا حدث من أشخاص غرباء.

    نُشرت ورقة بحثية عام 2017، أعدها باحثون من فنلندا بحثوا فيها هل يؤثر التلامس بشكل سلبي أم إيجابي؟، ووجدوا أن هذا يتوقف بشكل كبير على السياق الذي يحدث فيه، كما أوضحوا أنه «ليس شرطًا أن يؤدي التلامس إلى مشاعر جيدة في كل مكان في العالم» فمثلًا، تلاحظ أن هنالك ”فروق ثقافية“ تجعل بعض المجتمعات ترى أن التلامس يشكّل انتهاكًا لمساحة المرء الشخصية.

    في الوقت ذاته، يرى بحث نُشر عام 2015 أن التلامس هام للبشر حين يتعلق الأمر بالتعبيرعن المشاعر والحفاظ على العلاقات الرومانسية وغيرها من الأنواع الأخرى من العلاقات. لذا، سنلقي الضوء على أهمية التلامس والعناق والتقبيل، وفوائدهم لصحة الشخص وعافيته.






    اللمسة أمر هام، لماذا؟

    أظهرت دراسات مشهورة أن الأطفال -وأيضًا الرُضَّع في الرئيسيات غير البشرية- التي تنمو دون حصولها على قدر كافٍ من التلامسات العاطفية تعاني من مشاكل وخيمة في النمو وغير قادرين على إقامة تواصل اجتماعي.

    عندما نَلمس أو نُلمس، تنشط مناطق بعينها في أدمغتنا، ما يؤثر على عمليات التفكير وردود أفعالنا وحتى استجاباتنا الفسيولوجية .




    على سبيل المثال، أفادت إحدى الدراسات التي أُجريت عام 2010 أن نتائج المسح الدماغي للمشاركين في الدراسة كشفت عن أن التلامس العاطفي يُنشط القشرة الجبهية الحجاجية orbitofrontal cortex وهي إحدى مناطق الدماغ المسؤولة عن المعالجة المعرفية من أجل اتخاذ القرارات ومرتبطة كذلك بالسلوكيات العاطفية والاجتماعية.

    أشارت أيضًا بعض التجارب إلى أن القبلات الرومانسية هي وسيلة هامة حين يتعلق الأمر باختيار شريك الحياة -ولا سيما بالنسبة للنساء- إذ تبين أن المزيج الكيميائي المميز لكل إنسان والمتواجد بلُعاب الأشخاص ينقل معلومات هامة إلى الدماغ عن مدى الانسجام الفسيولوجي مع الطرف الآخر.

    يمكن للتلامس أيضًا أن يكون طمأنة وسكينة للشخص الذي يمر بمحنة؛ إذ أن بإمكانه أن يوصل للآخر إبداء الاستعداد للدعم والتعاطف.

    وجدت دراسة أخرى من السويد -نُشرت نتائجها في دورية بحوث اللغة والتفاعل الاجتماعي البريطانية عام 2017- أن احتضان الأطفال المنكوبين والتربيت عليهم له نفس ”تأثير المهدئ“ في مثل هذه الظروف؛ إذ أوضح معدو الدراسة أن مثل هذه الأمور تحفز إدراك الطفل بأن الآخرين متعاطفين معه وعلى استعداد للدعم، ما يتيح له استعادة الشعور بالأمن والطمأنينة. ومن أجل هذا الأمر، تدور حاليًا العديد من الجدالات حول استخدام التلامس أثناء تقديم المشورة النفسية بشكل أساسي، والتساؤل عما إذا كانت الفوائد المحتملة لهذا الأمر تفوق المخاطر الأخلاقية له.




    وعلى كلٍ، فقد اعترف العلماء بأن بإمكان التلامس العمل كعلاج قيِّم، وأن بعض الأشخاص ربما ينتفعون من الحصول على تربيت على كتفهم أثناء شعورهم بالإحباط.

    الفوائد النفسية المحققة

    نسعى نحن في الواقع لاحتضان من نحب أو لتلقي عناق منهم لسبب محدد ألا وهو أن هذا الأمر يحفز أنماطًا عصبية متعلقة بالشعور بالراحة والمودة. وجدت دراسة أُجريت عام 2012 أن النساء اللواتي يبادرن بلمس شركائهن جسديًا كنوع من أنواع الدعم لهم، أظهرن حدوث ارتفاع في نشاط جزء محدد من أدمغتهن يُدعى ”الجسم المخطط البطني“ وهو منطقة تعمل ضمن نظام المكافأة في الدماغ.

    لذا عند تقديم عناق إلى شخص ما يعاني أو يشعر بالسوء فإن كلا الطرفين ينتفعان معًا، الحاضن والمُحتضَن، كما يختبر كلا الطرفين مشاعر إيجابية وعلاقة أكثر قوة.




    علاوة على ذلك، أظهرت مجموعة من الدراسات التي أجراها باحثون هولنديون أن العناق بإمكانه أن يخفف من مخاوف المرء المتعلقة بمسألة وجوده ويزيل شكوكه الدائرة حول ذاته.

    صرح ساندر كول (Sander Koole) الباحث بالجامعة الحرة بأمستردام أنه: «قد يساعد التلامس الذي يبدو عابرًا أو سطحيًا بين الأشخاص على التعامل بفعالية أكبر مع الشواغل الوجودية، وأظهرت أيضًا النتائج التي توصلنا إليها أن حتى ملامسة كائن غير حي -كالدُمية أو الدبدوب الذي تتلقاه الفتيات كهدايا من أحبائهن- بإمكانه تهدئة المخاوف ذات الطابع الوجودي. إن التلامس بين الأشخاص آلية قوية لدرجة أن حتى مشاهدة الأشياء التي تظهر على أنها تُلمس بواسطة شخص آخر قد تساعد على غرس شعور بالمغزى من الحياة داخل وجدان الأشخاص».

    كشفت دراسة أخرى أن إبداء الحب بشكل غير منطوق -كالعناق والتقبيل- بإمكانه أن يخفف من تأثير الضغوطات ويعجل من التعافي منها.






    الفوائد الصحية

    اتسعت دائرة الفوائد الصحية للتلامس العاطفي لتشمل الصحة الجسدية والعقلية والعلاقات الاجتماعية. أشارت إحدى الدراسات التي نُشرت عام 2014 في دورية علم النفس الأمريكية Psychological Science إلى أن الحماية التي يوفرها العناق تجاه آثار الضغوطات السلبية لها بالفعل تأثير وقائي ضد أمراض الجهاز التنفسي.

    أظهر أيضًا -بين الذين أُصيبوا- أولئك الذين تلقوا دعمًا نفسيًا في صورة تلامسات عاطفية أعراضًا أقل حدة من غيرهم.

    كشفت دراسة أخرى أنه في العلاقات الرومانسية التي يعانق فيها الطرفان بعضهما البعض بشكل متكرر، غالبًا ما تتمتع النساء في هذه العلاقات بضغط دم منخفض أكثر ومعدل ضربات قلب أقل، مما يوحي أن هذا النوع من التواصل بإمكانه مساعدة القلب حرفيًا وليس بشكل مجازي.




    بينما أثبتت بحوث أخرى أن القبلات الرومانسية أيضًا تعمل على تعزيز الجهاز المناعي، أو كما قال العلماء: «عندما نقبل بعضنا بحميمية لمدة 10 ثوانٍ فنحن ننقل 80 مليونًا من البكتيريا»؛ ربما يبدو هذا مُقرفًا، ولكنه مفيد؛ هذا التبادل الميكروبي يعمل بشكل أشبه باللقاح مُساعدًا الجهاز المناعي على الإلمام بالتهديدات البكتيرية الجديدة المحتملة، ومُعززًا كفاءته ضد عدد أكثر تنوعًا من مسببات الأمراض.

    التلامس مسكن للآلام

    أخيرًا، يعد التلامس أمرًا فعالًا عندما يتعلق الأمر بتخفيف الآلام الجسدية. يمكن للعلاج بالتدليك أن يكون طريقة رائعة لتسكين كل أنواع الألم، بدءًا من الصداع وحتى آلام الظهر. ومع ذلك، ليس عليك أن تذهب لصالونات التدليك لتستفيد من فوائد التلامسات العاطفية المُسكنة للآلام؛ إذ تطلعنا دراستان أُجريتا على مدار عامين متتاليين أن مجرد تشابك الأيدي بينك وبين شريك سيكون كافيًا للحصول على هذا.

    أظهرت إحدى هاتين الدراستين -نشرت في مجلة Scientific Reports- أن التلامسات العاطفية بالأيدي لديها القدرة على تقليل الألم الطفيف. بينما أظهرت الدراسة الثانية -نشرت في مجلة PNAS- نفس النتائج ولكن على مستوى مجموعة من الشبان والشابات الذين تشابكوا بالأيدي، فقد أشارت الدراسة إلى أن إمساك اليدين أثناء الشعور بالألم يعزز التواصل بين أدمغة الطرفين وخاصة مناطق الألم.




    اللمسات لا تُمحى من ذاكرتك

    يكون للتلامس دلالة على المودة في كل مكان، ففي القرن الثامن عشر كتب الشاعر الإنجليزي الشهير جون كيتس قائلًا: «لكل لمسة ذكرى» أثبتت الأبحاث أن ما قاله جون له أساس علمي.

    فقد أظهرت دراسة أجراها علماء الأعصاب في جامعة شاريتيه ببرلين أن أجسادنا لا تتذكر اللمسات فحسب، بل تتذكر عدة أنواع من اللمسات في آنٍ واحد، أو كما أوضح مُعد هذه الدراسة قائلًا: «لا تمحو لمسة جديدة لمسة سابقة من ذاكرتك، إنما تستمر ذكريات التلامسات العاطفية القديمة والجديدة في البقاء بشكل مستقل عن بعضهم البعض، في كل مرة يتنبه الشخص لتلامس جديد يضيف ذكرى جديدة لذاكرته».

    يبدو أن تلامسات بسيطة قد تغير تصورنا عن الآخرين وعن العالم بأسره.


    المصدر:.ibelieveinsci
يعمل...
X