فرّق الأطباء النفسيون عبر السنين بين الاكتئاب التفاعلي والكيميائي. يُشار للاكتئاب باسم (نزلة البرد) في الطب النفسي نظرًا لانتشاره واتساع عبئه اقتصاديًا. يقدر وجود 10% من المرضى في وحدات العناية يعانون من الاكتئاب، ويبلغ الثقل الاقتصادي السنوي لذلك ما يقارب 200 مليار دولار في الولايات المتحدة الأميركية فقط. إلا إن الاكتئاب -على عكس نزلة البرد- مرض معضل يؤدي إلى ضرر وعجز ملحوظين. وبسبب ذلك اقترح البعض أن التشبيه المناسب للاكتئاب هو مرض السكري.
في الثمانينيات وأوائل التسعينيات، اعتبر الأطباء النفسيون والمختصون في علم النفس أنه من المهم تفرقة الاكتئاب تبعًا لسببه. الاكتئاب التفاعلي Reactive Depression أو الاكتئاب الخارجي المنشأ Exogenous Depression هما نوعان يكون سببهما في الغالب عوامل خارجية (كالأسباب الشائعة التي تذكرها نظرية التحليل النفسي ومنها خسارة شخص أو شيء نحبه).
يدعى الاكتئاب خارجي المنشأ باسم الاكتئاب الظرفي Situational Depression الذي يمكن أن يكون سببه موت أحد أفراد العائلة، أو خسارة الوظيفة، أو المشاكل المالية، أو الأمراض الطبية وما إلى ذلك. يكون المريض ذو الاكتئاب الخارجي المنشأ في معظم الأحيان قادرًا على تعريف أو تحديد السبب أو الأسباب التي جعلته مكتئبًا، وتتزامن بداية الاكتئاب بشكل جيد مع البيئة المحيطة أو الوضع المحيط أو المهيج.
وفي المقابل، تكون الاكتئابات باطنية أو ذاتية النمو Endogenous Depressions عندما تكون غير مرتبطة أو مرتبطة بشكل خفيف بظروف حياة المريض. تدعى هذه الأنواع من الاكتئاب عادة بالاكتئابات الأيضية أو البيولوجية Metabolic Or Biological Depressions، وتظهر عادة فجأة من لا شيء Out Of The Blues، وتكون أكثر دورية في طبيعتها وأكثر حدّة من الاكتئاب التفاعلي ذي المسبب الخارجي.
يمتلك المصاب بالاكتئاب الذاتي النمو عادة تاريخًا طبيًا لعائلته يتضمن مرض الاكتئاب أو الانتحار، ويصاب المريض بالاكتئاب حتى وإن كانت الظروف الخارجية جيدة وغير داعية إلى ذلك، وعادة ما يكون المريض غير قادر على تحديد سبب لإصابته بالاكتئاب أو الفترات الحزينة. تبدو هذه الاكتئابات وكأنها حيوية في طبيعتها، ويُعتبر سبب هذه الأنواع من الاكتئاب شذوذًا كيميائيًا حيويًا في الدماغ.
آمن رونالد فيف Ronald Fieve، الطبيب النفسي المعروف بعمله في إدخاله كربونات الليثيوم (لعلاج اضطرابات المزاج) لأول مرة إلى الولايات المتحدة في منتصف القرن العشرين، بأهمية تمييز الاكتئاب بناء على سببه، وتكمن أهمية ذلك في تحديد أفضل نوع من العلاج.
لم يكن فيف وحيدًا في إيمانه بهذه الفكرة، بل إن معظم الأطباء النفسيين في حقبته آمنوا بذلك أيضًا. تضمنت الخلاصة أنه يمكن علاج الاكتئاب خارجي المنشأ -الذي تسببه الأحداث الصعبة في الحياة- بشكل أفضل عبر التحليل النفسي أو العلاج النفسي، وأن الاكتئاب ذاتي النمو أو البيولوجي يعالَج بشكل أفضل عبر العلاج الدوائي أو العلاجات البيولوجية الأخرى؛ فقد آمن الأطباء في السابق أن الاكتئاب التفاعلي لا يستجيب للعلاج الدوائي لأن سببه ليس حيويًا.
أُلغي التفريق بين الاكتئاب الذاتي المنشأ والاكتئاب التفاعلي لاحقًا في التسعينيات، ولم يعد يستخدم معظم الأطباء النفسيين وأخصائيي علم النفس اليوم هذه المصطلحات على الإطلاق. فمع شيوع مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية Selective Serotonin Reuptake Inhibitors, SSRIs وشيوع استخدامها بالتزامن مع بدء إدخال الدواء بروزاك Prozac (فلوكسيتين) في عام 1988، لم تظهر أي حاجة للتحقيق في السبب المحتمل للاكتئاب إذ بدا أن مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية تعمل وتأخذ مفعولها على الجميع.
يذكَر في النقاش ضد التفرقة بين أنواع الاكتئاب بناء على سببه أن مزاج الإنسان وجميع تصرفاته تنتج عن الدماغ، وأن جميع أنواع الاكتئاب -بغض النظر عن سببها المزعوم- يكمن أصلها في علم الأعصاب.
قاد اكتشاف الناقلات العصبية أحادية الأمين The Monoamine Neurotransmitters في الاكتئاب وفعالية مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية إلى ترك نظرية الاكتئاب التفاعلي لدرجة ما. وفي نفس الوقت تقريبًا كان شيوع التحليل النفسي ينحسر ضمن الطب النفسي ، وكانت النظريات النفسية للأمراض تُستبدل بشكل سريع من قبل نظريات اشتُقت من البيولوجيا مثل نظرية جورج انجل George Engel الحيوية النفسية الاجتماعية Biopsychosocial Theory.
ماذا كانت نتيجة هذا التغير في التفكير في سبب الاكتئاب؟
بالمختصر، بدأ الناس الذين كانوا سيحوَّلون إلى التحليل النفسي في أخذ أدوية مضادة للاكتئاب (تأخذ مفعولها عادةً ولكنها تأتي مع أعراض جانبية قد لا تكون الخيار الأفضل لشخص يرغب في العلاج والتعامل مع الأضرار أو الضغوطات الأخرى).
حتى في حالات الاكتئاب المعتدل، فإن أولئك الذين كانوا روادًا في الطب النفسي الدوائي مثل فيف Fieve والذين لم يظنوا يومًا أنهم سيعتبرون معالجة الاكتئاب بالدواء أمرًا جديًا، أصبحوا يعالجونه دوائيًا ونفسيًا. من الجدير بالملاحظة أن الكثير من الأطباء النفسيين في حقبة فيف تدربوا أساسًا على التحليل النفسي وآمنوا بأهمية العلاج النفسي الكلامي حتى وإن أصبحوا لاحقًا يعالجون مرضاهم دوائيًا.
إلا أنه كان هناك إدراك متزايد عند الكثيرين عن أن العلاج الدوائي له حدوده أيضًا، والكثير من متدربي طب النفس لديهم اهتمام كبير في دمج التحليل النفسي وتطبيقه في ممارستهم لعلم النفس مستقبلًا. »أظن أننا في خضم تحول نموذجي لمجال علم النفس إلى طب نفسي أكثر إدراكًا يدمج الأفضل من كلا العلاجين البيولوجي والنفسي معًا «.
تظهر أنواع معينة من المراجعين مناسبين أكثر للعلاج النفسي، خاصة أولئك الميّالين إلى علم النفس، والذين يعبرون عن أنفسهم، ويمكنهم تحديد أسباب اكتئابهم بنوع من الثقة أو اليقين. والذين يكونون فعالين وظيفيًا قبل بداية ظهور مرضهم.
يميل هؤلاء المرضى إلى أن يكونوا قد شُخصوا سابقًا بالاكتئاب التفاعلي. بالنسبة لهؤلاء يكون العلاج النفسي المبني على التحليل النفسي أكثر فعالية من العلاج الدوائي، مع بعض الاستثناءات.
وبالطبع، هناك قيود كبيرة على التفريق بين الاكتئاب ذاتي النمو والاكتئاب التفاعلي وهي احتمال وقوع حوادث عند بعض المرضى بمجرد الصدفة، إذ يُصاب الشخص بالاكتئاب دون ارتباط بتلك الحوادث الخارجية. بالإضافة إلى أنه منطقيًا لا وجود لاكتئاب مستقل تمامًا عن الطبيعة البيولوجية العصبية والكيمياء العصبية. من الممكن أن تكون الأحداث الخارجية أيضًا محفزًا لظهور الاكتئاب الكيميائي الموجود باطنيًا بشكل خامل.
من وجهة نظر التحليل النفسي، من الممكن أن يكون السبب وراء الاكتئاب ذاتي النمو مخبأً ويمكن أن يظهر عند العلاج بالتحليل النفسي.
وبالرغم من ذلك، قد تكون هناك حاجة إلى وقت ومكان مناسبين لتحديد سبب الاكتئاب عند المريض بدلًا من استخدام قاعدة ثابتة كما حصل في السابق، فإن التفرقة بين الاكتئاب التفاعلي وذاتي النمو قد تكون جزءًا مفيدًا في تحديد نوع العلاج المناسب.
المصدر:.ibelieveinsci
في الثمانينيات وأوائل التسعينيات، اعتبر الأطباء النفسيون والمختصون في علم النفس أنه من المهم تفرقة الاكتئاب تبعًا لسببه. الاكتئاب التفاعلي Reactive Depression أو الاكتئاب الخارجي المنشأ Exogenous Depression هما نوعان يكون سببهما في الغالب عوامل خارجية (كالأسباب الشائعة التي تذكرها نظرية التحليل النفسي ومنها خسارة شخص أو شيء نحبه).
يدعى الاكتئاب خارجي المنشأ باسم الاكتئاب الظرفي Situational Depression الذي يمكن أن يكون سببه موت أحد أفراد العائلة، أو خسارة الوظيفة، أو المشاكل المالية، أو الأمراض الطبية وما إلى ذلك. يكون المريض ذو الاكتئاب الخارجي المنشأ في معظم الأحيان قادرًا على تعريف أو تحديد السبب أو الأسباب التي جعلته مكتئبًا، وتتزامن بداية الاكتئاب بشكل جيد مع البيئة المحيطة أو الوضع المحيط أو المهيج.
وفي المقابل، تكون الاكتئابات باطنية أو ذاتية النمو Endogenous Depressions عندما تكون غير مرتبطة أو مرتبطة بشكل خفيف بظروف حياة المريض. تدعى هذه الأنواع من الاكتئاب عادة بالاكتئابات الأيضية أو البيولوجية Metabolic Or Biological Depressions، وتظهر عادة فجأة من لا شيء Out Of The Blues، وتكون أكثر دورية في طبيعتها وأكثر حدّة من الاكتئاب التفاعلي ذي المسبب الخارجي.
يمتلك المصاب بالاكتئاب الذاتي النمو عادة تاريخًا طبيًا لعائلته يتضمن مرض الاكتئاب أو الانتحار، ويصاب المريض بالاكتئاب حتى وإن كانت الظروف الخارجية جيدة وغير داعية إلى ذلك، وعادة ما يكون المريض غير قادر على تحديد سبب لإصابته بالاكتئاب أو الفترات الحزينة. تبدو هذه الاكتئابات وكأنها حيوية في طبيعتها، ويُعتبر سبب هذه الأنواع من الاكتئاب شذوذًا كيميائيًا حيويًا في الدماغ.
آمن رونالد فيف Ronald Fieve، الطبيب النفسي المعروف بعمله في إدخاله كربونات الليثيوم (لعلاج اضطرابات المزاج) لأول مرة إلى الولايات المتحدة في منتصف القرن العشرين، بأهمية تمييز الاكتئاب بناء على سببه، وتكمن أهمية ذلك في تحديد أفضل نوع من العلاج.
لم يكن فيف وحيدًا في إيمانه بهذه الفكرة، بل إن معظم الأطباء النفسيين في حقبته آمنوا بذلك أيضًا. تضمنت الخلاصة أنه يمكن علاج الاكتئاب خارجي المنشأ -الذي تسببه الأحداث الصعبة في الحياة- بشكل أفضل عبر التحليل النفسي أو العلاج النفسي، وأن الاكتئاب ذاتي النمو أو البيولوجي يعالَج بشكل أفضل عبر العلاج الدوائي أو العلاجات البيولوجية الأخرى؛ فقد آمن الأطباء في السابق أن الاكتئاب التفاعلي لا يستجيب للعلاج الدوائي لأن سببه ليس حيويًا.
أُلغي التفريق بين الاكتئاب الذاتي المنشأ والاكتئاب التفاعلي لاحقًا في التسعينيات، ولم يعد يستخدم معظم الأطباء النفسيين وأخصائيي علم النفس اليوم هذه المصطلحات على الإطلاق. فمع شيوع مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية Selective Serotonin Reuptake Inhibitors, SSRIs وشيوع استخدامها بالتزامن مع بدء إدخال الدواء بروزاك Prozac (فلوكسيتين) في عام 1988، لم تظهر أي حاجة للتحقيق في السبب المحتمل للاكتئاب إذ بدا أن مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية تعمل وتأخذ مفعولها على الجميع.
يذكَر في النقاش ضد التفرقة بين أنواع الاكتئاب بناء على سببه أن مزاج الإنسان وجميع تصرفاته تنتج عن الدماغ، وأن جميع أنواع الاكتئاب -بغض النظر عن سببها المزعوم- يكمن أصلها في علم الأعصاب.
قاد اكتشاف الناقلات العصبية أحادية الأمين The Monoamine Neurotransmitters في الاكتئاب وفعالية مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية إلى ترك نظرية الاكتئاب التفاعلي لدرجة ما. وفي نفس الوقت تقريبًا كان شيوع التحليل النفسي ينحسر ضمن الطب النفسي ، وكانت النظريات النفسية للأمراض تُستبدل بشكل سريع من قبل نظريات اشتُقت من البيولوجيا مثل نظرية جورج انجل George Engel الحيوية النفسية الاجتماعية Biopsychosocial Theory.
ماذا كانت نتيجة هذا التغير في التفكير في سبب الاكتئاب؟
بالمختصر، بدأ الناس الذين كانوا سيحوَّلون إلى التحليل النفسي في أخذ أدوية مضادة للاكتئاب (تأخذ مفعولها عادةً ولكنها تأتي مع أعراض جانبية قد لا تكون الخيار الأفضل لشخص يرغب في العلاج والتعامل مع الأضرار أو الضغوطات الأخرى).
حتى في حالات الاكتئاب المعتدل، فإن أولئك الذين كانوا روادًا في الطب النفسي الدوائي مثل فيف Fieve والذين لم يظنوا يومًا أنهم سيعتبرون معالجة الاكتئاب بالدواء أمرًا جديًا، أصبحوا يعالجونه دوائيًا ونفسيًا. من الجدير بالملاحظة أن الكثير من الأطباء النفسيين في حقبة فيف تدربوا أساسًا على التحليل النفسي وآمنوا بأهمية العلاج النفسي الكلامي حتى وإن أصبحوا لاحقًا يعالجون مرضاهم دوائيًا.
إلا أنه كان هناك إدراك متزايد عند الكثيرين عن أن العلاج الدوائي له حدوده أيضًا، والكثير من متدربي طب النفس لديهم اهتمام كبير في دمج التحليل النفسي وتطبيقه في ممارستهم لعلم النفس مستقبلًا. »أظن أننا في خضم تحول نموذجي لمجال علم النفس إلى طب نفسي أكثر إدراكًا يدمج الأفضل من كلا العلاجين البيولوجي والنفسي معًا «.
تظهر أنواع معينة من المراجعين مناسبين أكثر للعلاج النفسي، خاصة أولئك الميّالين إلى علم النفس، والذين يعبرون عن أنفسهم، ويمكنهم تحديد أسباب اكتئابهم بنوع من الثقة أو اليقين. والذين يكونون فعالين وظيفيًا قبل بداية ظهور مرضهم.
يميل هؤلاء المرضى إلى أن يكونوا قد شُخصوا سابقًا بالاكتئاب التفاعلي. بالنسبة لهؤلاء يكون العلاج النفسي المبني على التحليل النفسي أكثر فعالية من العلاج الدوائي، مع بعض الاستثناءات.
وبالطبع، هناك قيود كبيرة على التفريق بين الاكتئاب ذاتي النمو والاكتئاب التفاعلي وهي احتمال وقوع حوادث عند بعض المرضى بمجرد الصدفة، إذ يُصاب الشخص بالاكتئاب دون ارتباط بتلك الحوادث الخارجية. بالإضافة إلى أنه منطقيًا لا وجود لاكتئاب مستقل تمامًا عن الطبيعة البيولوجية العصبية والكيمياء العصبية. من الممكن أن تكون الأحداث الخارجية أيضًا محفزًا لظهور الاكتئاب الكيميائي الموجود باطنيًا بشكل خامل.
من وجهة نظر التحليل النفسي، من الممكن أن يكون السبب وراء الاكتئاب ذاتي النمو مخبأً ويمكن أن يظهر عند العلاج بالتحليل النفسي.
وبالرغم من ذلك، قد تكون هناك حاجة إلى وقت ومكان مناسبين لتحديد سبب الاكتئاب عند المريض بدلًا من استخدام قاعدة ثابتة كما حصل في السابق، فإن التفرقة بين الاكتئاب التفاعلي وذاتي النمو قد تكون جزءًا مفيدًا في تحديد نوع العلاج المناسب.
المصدر:.ibelieveinsci