الإمام سحنون
[ ١٦٠ ٥ / ٧٧٧ م - ٢٤٠ ه / ٨٥٤ م ]
ان الباحث المتفحص لتاريخ بلدان المغرب العربي الكبير ، يلاحظ أن الجزء الأكبر من شعوب هذه البلدان ، قد عاشت منذ الأزل على هامش التاريخ ، وظلت كذلك حتى جاء الإسلام ، فأدخلها في باب التاريخ الانساني العريض ، فجل المدن الداخلية للمغرب قد أسس في الإسلام ، وفي هذه المدن ، كالقيروان وفاس ، ومراكش ، وسجلماسة، وتاهرت ، صنع تاريخ الغرب الاسلامي ، وفي الحقيقة ليس من المغالاة القول بأن شخصية المغرب العربي الكبير قد ولدت مع الفتوحات الاسلامية وشبت وتمت صياغة شخصيتها في ظل الاسلام، وعبر مراحل تاريخه العظيم .
لاشك أن هذا قد جاء عن طريق اسهامات اشتركت بها عدة مؤسسات وقوى متنوعة ، لكن مها تعددت المؤسسات والقوى نجد المالكية تتصدرها دائماً ، وحين يذكر انتشار المالكية في الغرب الاسلامي ، يذكر قبل كل
شيء الإمام سحنون ومدونته .
والإمام سحنون هو عبد السلام بن سعيد ، غلب عليه اسم سحنون، وقد ولد سنة ۱٦٠ هـ لأب تنوخي من جند حمص ، وجلبه أبوه . من الشام إلى القيروان ، وفي إفريقية نشأ ، وتلقى العلم على أبرز علماء معه . بلده وتأثر ، وخاصة بما حمله أسد بن الفرات من المشرق ، ودونه في أسديته عن الإمام مالك وعن أهل العراق من أصحاب أبي حنيفـــــه ، وعندما قارب الثلاثين من عمره رحل سحنون في طلب العلم ، فقصد بالدان المشرق ، ولقي علماء القرن الثاني فيه وأخذ عنهم ، ولازم في مصر كبار تلاميذ الإمام مالك بن أنس ، وعلى رأسهم ابن القاسم .
یری من الجهاد وعلى ابن القاسم عرض سحنون المدونة الأسدية ، فعدلها وزاد عليها فأخذها معه عند عودته إلى القيروان وجعلها مدونة جديدة ، حملها عنه الناس ، وعم انتشارها ، ذلك أنه عقب عودته إلى القيروان أقبل عليه التلاميذ وسواهم ينهلون من معارفه ، فقد حظي الامام سحنون بمكانة سامية للغاية ، وتمكن من ذلك بفضل عامه ، فهو رجل كان يطلب العلم لله عز وجل، وكان أن العلم أولى ، وأكثر ثوابا ، لذلك تمكن من الشريعة الاسلامية حتى قيل في حقه : « لم يكن بين مالك و سحنون أحد أفقه من سحنون ، ، وبفضل ما اتسم به من خلق وسلوك قام الصادق ، والصرامة الحق ، ، والزهادة في الدنيا والتخشن في الملبس والمطعم ، والسماحة ، والكرم ، ورفض الهدايا ، وعطايا السلطان وغيره ، لذلك كان شجاعاً لا يهاب سلطاناً في حق يقوله، وكان سليم الصدر للمؤمن ، شديداً على أهل الزيغ والبدع لقد احتاج الامام سحنون إلى مال كثير ينفقه على نفسه وعيــــــاله وطلبته وبعض أصدقائه ، لذلك كان يخرج إلى منطقة الساحل حيث ملك قطعة من الأرض ، فكان يحرثها بنفسه ويقوم بخدمتها ثم يعود إلى القيروان، وضاق بعض طلبته بذلك ، فبلغه أحد أصدقائة الشكوى بقوله : يا أبا سعيد كيف يسعك في دينك ان تدع الطلبة وحاجتهم إليك وتخرج الى البادية ، فتقبم بها الشهور الكثيرة ؟ فأجابه : تريد أن ترى كتبي في هذا على الورع في .
هذا الغدير الغدير - وأشار الى ماء بين يديه ؟ فقال له صديقه : وكيف ذلك ؟ قال : أحتاج الى دراهم هؤلاء القوم - يريد الملوك - فآخذها ، فإذا أخذتها، فارموا كتبي في
ورغم موقف الامام سحنون هذا بالنسبة لأخذ المال من الملوك ، ورغم قوله : هو عند الأمير ، هو عند الوزير ، هو عند القاضي ، رغم هذا کله نجده يقبل سنة ٢٣٤ هـ ، وهو في الرابعة والسبعين من عمره ، تسلم منصب القضاء في القيروان ، وذلك بعد تردد شديد ، ومعارضـــــة قاسية من بعض تلاميذه وأصدقائه
مع ان استلام الامام سحنون لمنصب القضاء له دلالالة ، فمن الملاحظ أن الأئمة الأوائل رفضوا تسلم مناصب القضاء أو سواها ، لكن تلامذتهم، أقدموا على التعاون السلطات الحاكمة ، ملاحظين أن هذا التعاون لا يقدح في دينهم وأمانتهم ، ويقدم خدمات كبرى للمسلمين ، وفي نفس الوقت يسهل انتشار مذهبهم والأخذ بأفكاره ، ولعلنا نجد مصداق هذا في سيرة كل من أبي يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني صاحي الامام أبي حنيفة . لقد بقي الامام سحنون في منصب القضاء حتى وفاته سنة / ٢٤٠ ٥ / وسجل التاريخ له مواقف شجاعة للغاية احقاق الحق وانصاف المظلوم ، وإقامة ناموس الشريعة ، ولاشك أن هذا زاد من شهرته ، ومن سمو مكانته ، وجاء ذلك كسابقة يمكن حذوها ، وهذا ما صنعه کبار علماء المالكية من تلاميذ سحنون بعده ، ولاشك أن هذا العمل يوضح سبيباً من الأسباب العظمى التي مكنت المالكية من الانتشار في الغرب الإسلامي ، ومن شغل الدور الأهم في صنع وتوجيه الجزء الأكبر تاريخ الاسلام وحضارته ليس فقط في شمال أفريقية والأندلس، أحداث من
وإنما في القارة الأفريقية كلها .
[ ١٦٠ ٥ / ٧٧٧ م - ٢٤٠ ه / ٨٥٤ م ]
ان الباحث المتفحص لتاريخ بلدان المغرب العربي الكبير ، يلاحظ أن الجزء الأكبر من شعوب هذه البلدان ، قد عاشت منذ الأزل على هامش التاريخ ، وظلت كذلك حتى جاء الإسلام ، فأدخلها في باب التاريخ الانساني العريض ، فجل المدن الداخلية للمغرب قد أسس في الإسلام ، وفي هذه المدن ، كالقيروان وفاس ، ومراكش ، وسجلماسة، وتاهرت ، صنع تاريخ الغرب الاسلامي ، وفي الحقيقة ليس من المغالاة القول بأن شخصية المغرب العربي الكبير قد ولدت مع الفتوحات الاسلامية وشبت وتمت صياغة شخصيتها في ظل الاسلام، وعبر مراحل تاريخه العظيم .
لاشك أن هذا قد جاء عن طريق اسهامات اشتركت بها عدة مؤسسات وقوى متنوعة ، لكن مها تعددت المؤسسات والقوى نجد المالكية تتصدرها دائماً ، وحين يذكر انتشار المالكية في الغرب الاسلامي ، يذكر قبل كل
شيء الإمام سحنون ومدونته .
والإمام سحنون هو عبد السلام بن سعيد ، غلب عليه اسم سحنون، وقد ولد سنة ۱٦٠ هـ لأب تنوخي من جند حمص ، وجلبه أبوه . من الشام إلى القيروان ، وفي إفريقية نشأ ، وتلقى العلم على أبرز علماء معه . بلده وتأثر ، وخاصة بما حمله أسد بن الفرات من المشرق ، ودونه في أسديته عن الإمام مالك وعن أهل العراق من أصحاب أبي حنيفـــــه ، وعندما قارب الثلاثين من عمره رحل سحنون في طلب العلم ، فقصد بالدان المشرق ، ولقي علماء القرن الثاني فيه وأخذ عنهم ، ولازم في مصر كبار تلاميذ الإمام مالك بن أنس ، وعلى رأسهم ابن القاسم .
یری من الجهاد وعلى ابن القاسم عرض سحنون المدونة الأسدية ، فعدلها وزاد عليها فأخذها معه عند عودته إلى القيروان وجعلها مدونة جديدة ، حملها عنه الناس ، وعم انتشارها ، ذلك أنه عقب عودته إلى القيروان أقبل عليه التلاميذ وسواهم ينهلون من معارفه ، فقد حظي الامام سحنون بمكانة سامية للغاية ، وتمكن من ذلك بفضل عامه ، فهو رجل كان يطلب العلم لله عز وجل، وكان أن العلم أولى ، وأكثر ثوابا ، لذلك تمكن من الشريعة الاسلامية حتى قيل في حقه : « لم يكن بين مالك و سحنون أحد أفقه من سحنون ، ، وبفضل ما اتسم به من خلق وسلوك قام الصادق ، والصرامة الحق ، ، والزهادة في الدنيا والتخشن في الملبس والمطعم ، والسماحة ، والكرم ، ورفض الهدايا ، وعطايا السلطان وغيره ، لذلك كان شجاعاً لا يهاب سلطاناً في حق يقوله، وكان سليم الصدر للمؤمن ، شديداً على أهل الزيغ والبدع لقد احتاج الامام سحنون إلى مال كثير ينفقه على نفسه وعيــــــاله وطلبته وبعض أصدقائه ، لذلك كان يخرج إلى منطقة الساحل حيث ملك قطعة من الأرض ، فكان يحرثها بنفسه ويقوم بخدمتها ثم يعود إلى القيروان، وضاق بعض طلبته بذلك ، فبلغه أحد أصدقائة الشكوى بقوله : يا أبا سعيد كيف يسعك في دينك ان تدع الطلبة وحاجتهم إليك وتخرج الى البادية ، فتقبم بها الشهور الكثيرة ؟ فأجابه : تريد أن ترى كتبي في هذا على الورع في .
هذا الغدير الغدير - وأشار الى ماء بين يديه ؟ فقال له صديقه : وكيف ذلك ؟ قال : أحتاج الى دراهم هؤلاء القوم - يريد الملوك - فآخذها ، فإذا أخذتها، فارموا كتبي في
ورغم موقف الامام سحنون هذا بالنسبة لأخذ المال من الملوك ، ورغم قوله : هو عند الأمير ، هو عند الوزير ، هو عند القاضي ، رغم هذا کله نجده يقبل سنة ٢٣٤ هـ ، وهو في الرابعة والسبعين من عمره ، تسلم منصب القضاء في القيروان ، وذلك بعد تردد شديد ، ومعارضـــــة قاسية من بعض تلاميذه وأصدقائه
مع ان استلام الامام سحنون لمنصب القضاء له دلالالة ، فمن الملاحظ أن الأئمة الأوائل رفضوا تسلم مناصب القضاء أو سواها ، لكن تلامذتهم، أقدموا على التعاون السلطات الحاكمة ، ملاحظين أن هذا التعاون لا يقدح في دينهم وأمانتهم ، ويقدم خدمات كبرى للمسلمين ، وفي نفس الوقت يسهل انتشار مذهبهم والأخذ بأفكاره ، ولعلنا نجد مصداق هذا في سيرة كل من أبي يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني صاحي الامام أبي حنيفة . لقد بقي الامام سحنون في منصب القضاء حتى وفاته سنة / ٢٤٠ ٥ / وسجل التاريخ له مواقف شجاعة للغاية احقاق الحق وانصاف المظلوم ، وإقامة ناموس الشريعة ، ولاشك أن هذا زاد من شهرته ، ومن سمو مكانته ، وجاء ذلك كسابقة يمكن حذوها ، وهذا ما صنعه کبار علماء المالكية من تلاميذ سحنون بعده ، ولاشك أن هذا العمل يوضح سبيباً من الأسباب العظمى التي مكنت المالكية من الانتشار في الغرب الإسلامي ، ومن شغل الدور الأهم في صنع وتوجيه الجزء الأكبر تاريخ الاسلام وحضارته ليس فقط في شمال أفريقية والأندلس، أحداث من
وإنما في القارة الأفريقية كلها .
تعليق