سام هاريس .. عن القلق و التأمل – القلق وحش يعيقك ويشلّك ويبقيك في حلقة مفرغة من العواطف السلبية الموهنة، حتى حينما تريد الخروج منها بشدة. ما هي الأسباب؟ ماذا يمكن للمرء أن يفعل ليساعد نفسه؟ ما الخطوات التي يمكن اقتراحها لذلك، كبيرة كانت أم صغيرة؟ الفسيولوجيا العصبية عن القلق مفهومة جيدًا، ولكن لا أعتقد أن فهمها بأي شيء من التفصيل قد يساعدك حقًا.
هناك أدوية يمكنك أخذها لتخفيف تأثيرات القلق، يجدر بي القول مباشرة إني لا أملك خبرة سريرية (مَرَضِية عملياتية) وهذا ليس مجالي، ولأحكم إن كان القلق معيقًا حقًا أم لا فهناك دور ما لتلعبه الأدوية؛ سواء كانت (مثبطات البيتا – beta blockers) التي تعيق تأثير الأدرينالين على معدل ضربات القلب كي لا تحصل على حالة نبض القلب المتسارع، أو أدوية مضادة للقلق والتي تعمل على الناقل العصبي GABA (حمض غاما – أمينو البوتريك Gamma-Amino butyric Acid).
ولكن عمومًا، وحسب فهمي عمّن يعالجون القلق، فهم لا ينصحونك أن تأخذ هذه الأدوية، بل أن تقوم بشيء ما شبيه بعلاج إدراكي سلوكي بحيث تعرّض نفسك بطريقة طيّعة (سهلة القيادة والتحكم) للأشياء التي تحرّض القلق وتعيد صياغتها من الناحية النظرية، فتصبح منفتحًا لتأثيرات هذا القلق وتجد أن بإمكانك المضي قدمًا به. وبالتأكيد، يوجد هنا دور التأمل والتبصر ليلعباه في هذا الجزء من العملية.
على سبيل المثال، هناك العديد من الأشخاص يخافون الطيران وحتى من لا يخاف الطيران منا قد يشعر بالقلق عند وجود مطبات هوائية مُعتبرة. فلماذا نشعر بالقلق؟ لأننا نعتقد أن المطبات الهوائية قد تكون خطيرة وترفع من احتمالية تحطم الطائرة، وبالطبع؛ يمكن للمطبات الهوائية القوية حقًا أن تسبب تحطم الطائرة. ولكن، بناءً على ما نعلمه من إحصائيات تحطم الطائرات، فإن هذا شيء نادر جدًا جدًا.
هناك مستويان للإجابة عن هذه التجربة لتخفيف القلق، تخيل أنك في طائرة ثم بدأت هذه الطائرة بالاضطراب. الآن، ما عدا الحالة النادرة الفظيعة (أنك ستُرمى في أرجاء المقصورة لتتعرض للإصابة)؛ فعلى الأرجح لن يكون الاضطراب مؤذيًا فيزيائيًا على اعتبار أنك لا تتعرض للأذية بهذا الشعور، وفي ظروف أخرى قد تعرض نفسك لمطبات أعنف وقد لا تقلق على الإطلاق حول الأمر.
قد تذهب في رحلة إلى مدينة الملاهي التي تمارس عليك قوة أكبر جسديًا، وتفعل هذا لأنك تسعى لهذه التجربة. أما على الطائرة فأنت غير مرحبٍ بهذه التجربة على الإطلاق لأنك خائف من الموت. فإذا أخذت فقط الأحاسيس الخام (الأولية التجريدية) فهي ليست مشكلتك، بل تفسيرك لها هو الذي يقلقك.
المستويان للتعامل مع هذا هما:
أولًا- أن تفكر نظريًا بطبيعة المشكلة ومم تخشى: هل من المنطقي أن تقلق أن طائرتك ستتحطم إن كنت تمر بمطبات هوائية؟ لا في الواقع ليس منطقيًا، فاحتمال الموت بتحطم طائرة ضئيل، وخلال مسار رحلتك عليك أن تبدأ بالقلق عندما تغادر المطار وتستقل سيارة الأجرة أو أن تقود بنفسك للمنزل بسيارتك حين يكون خطر الموت في الذروة. لذا، عندما تتفهم أن كل لحظة في الطائرة تكون في الحقيقة أكثر أمانًا من كل اللحظات العديدة التي قضيتها على الأرض، وبالتأكيد أكثر أمانًا من حين تسير بين المشاة مركزًا على هاتفك الذكي وتخطو إلى ممر المشاة، أو حين تقود سيارتك وتأخذ لمحة سريعة على هاتفك الذكي لترى الرسالة التي وصلتك، فهنا على الأدرينالين أن ينبثق وعلى العرق أن ينضح من جبهتك!
عندما تكون على طائرة وتبدأ بالتأرجح، من غير المنطقي في الحقيقة أن تقلق من أنّ التأرجح قد يعني أي شيء. إن تفهّمت ذلك، فيمكن أن يكون له أثر لتصبح مستعدًا لاختبار الأحاسيس الخام (الأولية التجريدية) فقط للمطبات الهوائية، ثم ستتمكن من التوقف عن تفسير التجربة كإشارة لخطر فعلي.
ثانيًا- أن تتبصر بشعور القلق نفسه: ما هو؟ ما الذي يعنيه؟ إنه مجرد إحساس، مجرد نمط من الطاقة في جسمك، وفي الواقع لا يعني أي شيء في مرحلة الإحساس الخام (الأولي التجريدي). قد تكون لديك أفكار عنه، ومن المحتمل جدًا أن أكثر تفكيرك عنه في تلك اللحظة مركّز على محاولةٍ لمعرفة كيفية عدم الشعور بهذه الطريقة، أو محاولة عدم جعله أسوأ. ولكن، إذا كنت ستخطو خارج أفكارك وتصبح فقط راغبًا بأن تشعر الأحاسيس الخام (الأولية التجريدية) بالقلق، يجب أن تسلّم له دون مقاومة، اشعر به فقط كطاقة، حينها، يمكن أن يفقد معناه، ويمكن أن يصبح تمييزه صعبًا جدًا عما يمكن اعتباره في سياق آخر تجربة إيجابية كالحماسة.
كيف تعلم الفرق بين أن تكون قلقًا حيال شيء ما على وشك الحدوث، وأن تكون متحمسًا؟
على الأرجح، إنها الأفكار التي تفكر بها عندما تشعر بتلك الإثارة؛ إذ هناك طبقة إدراكية مفاهيمية تغلف ذلك الإحساس الخام (الأولي التجريدي).
يمكنك أن تغيّر الأشياء واعيًا بها، أو يمكنك أن تخطو خارجها جميعًا وأن تشعر فقط بالطاقة الخام من هذه التجربة. وعندما تقوم بذلك، يمكن للقلق أن يصبح مثل أي تجربة أخرى ليس لها معنى لك كشخص؛ فهي حقًا لا تعني أي شيء عنك شخصيًا، كعسر الهضم أو الحكة، أو لنقل أنه لديك طفح جلدي على مرفقك وأنه يحكك، إن هذا لا يوحي بأي شيء عميق عنك له آثار نفسية، قد يكون مزعجًا وبشدة أيضًا، ولكنه لا يصل إلى إحساسك بمن تكون أنت.
أعمق طريقة للتعامل مع القلق -ومرة أخرى أنا لا أقول إنه لا توجد حالات تكون فيها الأدوية ذات قيمة أو حتى ضرورية- وحالاته الاعتيادية أكثر هي أن تصبح مستعدًا لأن تشعر به لتتوقف عن تفسيره كضرورة وأن تحافظ على فعاليتك خلال المرور به وبعد ذلك سوف ينتهي. فالقلق يعلو ويهبط مثل أي شعور آخر، وإن كنت لا تفكر باستمرار بالأفكار التي تجعلك قلقًا فلا يمكنه أن يبقى معك لفترة طويلة، وهذا صحيح أيضًا في حالة المشاعر المزعجة الأخرى كالغضب والحزن التي تُبثّ باستمرار عبر أفكارنا. ونحن نصرف جلّ وقتنا نفكر دون أن نعلم أننا نفكر.
لذا، التبصر بالتحديد مضاد جيد جدًا لهذه المشكلة، ولكن الحيلة هي أنه لا يمكنك تطبيقه كمضاد، لا يمكنك أن تكون متبصرًا بالقلق لكي يذهب بعيدًا، لا يمكنك أن تدفعه بعيدًا بالتأمل، أو عالأقل إن هذه المحاولة على الأرجح فاشلة. ولكن في الحقيقة، ستكون بعد هذه اللحظات في حالة اتزان صادق وتقبّل حقيقي لطاقة هذا الشعور، وتصبح مهتمًا به وراغبًا أن تشعر به وأن تدعه يحترق متوهجًا بداخلك، وتكتشف أنه لا يهم، فهو ببساطة يأتي ويذهب وبإمكانك أن تبقى فعالًا خلال مرورك به.
المصدر:.ibelieveinsci
هناك أدوية يمكنك أخذها لتخفيف تأثيرات القلق، يجدر بي القول مباشرة إني لا أملك خبرة سريرية (مَرَضِية عملياتية) وهذا ليس مجالي، ولأحكم إن كان القلق معيقًا حقًا أم لا فهناك دور ما لتلعبه الأدوية؛ سواء كانت (مثبطات البيتا – beta blockers) التي تعيق تأثير الأدرينالين على معدل ضربات القلب كي لا تحصل على حالة نبض القلب المتسارع، أو أدوية مضادة للقلق والتي تعمل على الناقل العصبي GABA (حمض غاما – أمينو البوتريك Gamma-Amino butyric Acid).
ولكن عمومًا، وحسب فهمي عمّن يعالجون القلق، فهم لا ينصحونك أن تأخذ هذه الأدوية، بل أن تقوم بشيء ما شبيه بعلاج إدراكي سلوكي بحيث تعرّض نفسك بطريقة طيّعة (سهلة القيادة والتحكم) للأشياء التي تحرّض القلق وتعيد صياغتها من الناحية النظرية، فتصبح منفتحًا لتأثيرات هذا القلق وتجد أن بإمكانك المضي قدمًا به. وبالتأكيد، يوجد هنا دور التأمل والتبصر ليلعباه في هذا الجزء من العملية.
على سبيل المثال، هناك العديد من الأشخاص يخافون الطيران وحتى من لا يخاف الطيران منا قد يشعر بالقلق عند وجود مطبات هوائية مُعتبرة. فلماذا نشعر بالقلق؟ لأننا نعتقد أن المطبات الهوائية قد تكون خطيرة وترفع من احتمالية تحطم الطائرة، وبالطبع؛ يمكن للمطبات الهوائية القوية حقًا أن تسبب تحطم الطائرة. ولكن، بناءً على ما نعلمه من إحصائيات تحطم الطائرات، فإن هذا شيء نادر جدًا جدًا.
هناك مستويان للإجابة عن هذه التجربة لتخفيف القلق، تخيل أنك في طائرة ثم بدأت هذه الطائرة بالاضطراب. الآن، ما عدا الحالة النادرة الفظيعة (أنك ستُرمى في أرجاء المقصورة لتتعرض للإصابة)؛ فعلى الأرجح لن يكون الاضطراب مؤذيًا فيزيائيًا على اعتبار أنك لا تتعرض للأذية بهذا الشعور، وفي ظروف أخرى قد تعرض نفسك لمطبات أعنف وقد لا تقلق على الإطلاق حول الأمر.
قد تذهب في رحلة إلى مدينة الملاهي التي تمارس عليك قوة أكبر جسديًا، وتفعل هذا لأنك تسعى لهذه التجربة. أما على الطائرة فأنت غير مرحبٍ بهذه التجربة على الإطلاق لأنك خائف من الموت. فإذا أخذت فقط الأحاسيس الخام (الأولية التجريدية) فهي ليست مشكلتك، بل تفسيرك لها هو الذي يقلقك.
المستويان للتعامل مع هذا هما:
أولًا- أن تفكر نظريًا بطبيعة المشكلة ومم تخشى: هل من المنطقي أن تقلق أن طائرتك ستتحطم إن كنت تمر بمطبات هوائية؟ لا في الواقع ليس منطقيًا، فاحتمال الموت بتحطم طائرة ضئيل، وخلال مسار رحلتك عليك أن تبدأ بالقلق عندما تغادر المطار وتستقل سيارة الأجرة أو أن تقود بنفسك للمنزل بسيارتك حين يكون خطر الموت في الذروة. لذا، عندما تتفهم أن كل لحظة في الطائرة تكون في الحقيقة أكثر أمانًا من كل اللحظات العديدة التي قضيتها على الأرض، وبالتأكيد أكثر أمانًا من حين تسير بين المشاة مركزًا على هاتفك الذكي وتخطو إلى ممر المشاة، أو حين تقود سيارتك وتأخذ لمحة سريعة على هاتفك الذكي لترى الرسالة التي وصلتك، فهنا على الأدرينالين أن ينبثق وعلى العرق أن ينضح من جبهتك!
عندما تكون على طائرة وتبدأ بالتأرجح، من غير المنطقي في الحقيقة أن تقلق من أنّ التأرجح قد يعني أي شيء. إن تفهّمت ذلك، فيمكن أن يكون له أثر لتصبح مستعدًا لاختبار الأحاسيس الخام (الأولية التجريدية) فقط للمطبات الهوائية، ثم ستتمكن من التوقف عن تفسير التجربة كإشارة لخطر فعلي.
ثانيًا- أن تتبصر بشعور القلق نفسه: ما هو؟ ما الذي يعنيه؟ إنه مجرد إحساس، مجرد نمط من الطاقة في جسمك، وفي الواقع لا يعني أي شيء في مرحلة الإحساس الخام (الأولي التجريدي). قد تكون لديك أفكار عنه، ومن المحتمل جدًا أن أكثر تفكيرك عنه في تلك اللحظة مركّز على محاولةٍ لمعرفة كيفية عدم الشعور بهذه الطريقة، أو محاولة عدم جعله أسوأ. ولكن، إذا كنت ستخطو خارج أفكارك وتصبح فقط راغبًا بأن تشعر الأحاسيس الخام (الأولية التجريدية) بالقلق، يجب أن تسلّم له دون مقاومة، اشعر به فقط كطاقة، حينها، يمكن أن يفقد معناه، ويمكن أن يصبح تمييزه صعبًا جدًا عما يمكن اعتباره في سياق آخر تجربة إيجابية كالحماسة.
كيف تعلم الفرق بين أن تكون قلقًا حيال شيء ما على وشك الحدوث، وأن تكون متحمسًا؟
على الأرجح، إنها الأفكار التي تفكر بها عندما تشعر بتلك الإثارة؛ إذ هناك طبقة إدراكية مفاهيمية تغلف ذلك الإحساس الخام (الأولي التجريدي).
يمكنك أن تغيّر الأشياء واعيًا بها، أو يمكنك أن تخطو خارجها جميعًا وأن تشعر فقط بالطاقة الخام من هذه التجربة. وعندما تقوم بذلك، يمكن للقلق أن يصبح مثل أي تجربة أخرى ليس لها معنى لك كشخص؛ فهي حقًا لا تعني أي شيء عنك شخصيًا، كعسر الهضم أو الحكة، أو لنقل أنه لديك طفح جلدي على مرفقك وأنه يحكك، إن هذا لا يوحي بأي شيء عميق عنك له آثار نفسية، قد يكون مزعجًا وبشدة أيضًا، ولكنه لا يصل إلى إحساسك بمن تكون أنت.
أعمق طريقة للتعامل مع القلق -ومرة أخرى أنا لا أقول إنه لا توجد حالات تكون فيها الأدوية ذات قيمة أو حتى ضرورية- وحالاته الاعتيادية أكثر هي أن تصبح مستعدًا لأن تشعر به لتتوقف عن تفسيره كضرورة وأن تحافظ على فعاليتك خلال المرور به وبعد ذلك سوف ينتهي. فالقلق يعلو ويهبط مثل أي شعور آخر، وإن كنت لا تفكر باستمرار بالأفكار التي تجعلك قلقًا فلا يمكنه أن يبقى معك لفترة طويلة، وهذا صحيح أيضًا في حالة المشاعر المزعجة الأخرى كالغضب والحزن التي تُبثّ باستمرار عبر أفكارنا. ونحن نصرف جلّ وقتنا نفكر دون أن نعلم أننا نفكر.
لذا، التبصر بالتحديد مضاد جيد جدًا لهذه المشكلة، ولكن الحيلة هي أنه لا يمكنك تطبيقه كمضاد، لا يمكنك أن تكون متبصرًا بالقلق لكي يذهب بعيدًا، لا يمكنك أن تدفعه بعيدًا بالتأمل، أو عالأقل إن هذه المحاولة على الأرجح فاشلة. ولكن في الحقيقة، ستكون بعد هذه اللحظات في حالة اتزان صادق وتقبّل حقيقي لطاقة هذا الشعور، وتصبح مهتمًا به وراغبًا أن تشعر به وأن تدعه يحترق متوهجًا بداخلك، وتكتشف أنه لا يهم، فهو ببساطة يأتي ويذهب وبإمكانك أن تبقى فعالًا خلال مرورك به.
المصدر:.ibelieveinsci