معاوية بن ابي سفيان
[ ت : ٦٠ ه / ٦٨٠ م ]
إن الله تبارك وتعالى بعث محمداً من مكة ثم إنه لم يرضها له داراً حتى نقله إلى المدينة ، وكانت المدينة داره وقراره إلى أن أدركته الوفاة لا ، والمدينة موضع قبره ومنزله ومنبره ، ثم صار الأمر من بعده إلى أبي بكر ثم إلى عمر ، ثم إلى عثمان - رضي الله عنهم - - فلما قتل أهل المدينة عثمان ، انتقلت الخلافة إلى الشام ، والشام دار الخلافة ) الحصين بن نمير السكوني )
معاوية هو ابن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب ، وكان أبو سفيان كبير رجالات بني أميه ، وأكثرهم ثروة ، وكان قائد القوافل التجارية المكية ، لذلك عند من أرفع زعماء مكة القرشيين ، وهو الذي تزعم قبيلة قريش ، وقاد جندها بعد الهجرة ، وقد أسلم يوم فتح مكة ، واعتبر من المؤلفة قلوبهم . وكان أبو سفيان رجلا مزواجاً ، وكانت هند بنت عتبة إحدى شهيرات نساء قريش ، فتزوجها أبو سفيان ، فكان ثالث أزواجها وآخرهم ، وكان معاوية أول ولد أنجبته لأبي سفيان ، وحدث ذلك قبل البعثة بعامين ، وفي مكة نشأ معاوية ، وتأثر بأبيه ، لكن أثر أمه فيه كان
أشد وأعمق ، وأسلم معاوية مع أبيه و عام الفتح ، فكان يقال له الطليق بن الطليق
وقد فقد أبو سفيان مع بني أمية سلطانهم حين فتحت مكة ، لكن النبي أحسن معاملتهم وعثين رجالاتهم في مراكز بارزة في إدارة الدولة ، وهكذا صار معاوية أحمد كتاب الوحي ، وبعد وفاة الذي توجه إلى الشام تحت لواء أخيه يزيد بن أبي سفيان ، الذي قاد أحد الجيوش الثلاثة التي أرسلها أبو بكر إلى الشام وبعد وفاة أبي بكر ، وعندما أصبح عمر خليفة ، جعل يزيداً واليا على أحد أقسام بلاد الشام سنة ١٨ هـ / ٦٣٩ م عين وبعد وفاة یزید مكانه معاوية وكان معاوية داهية من الرجال موصوفا بجزالة الرأي ، والحلم والأناة والسخاء ، وكان عمر إذا نظر إليه يقول : هذا كسرى العرب ) . وعقب مقتل عمر ، وفي عهد عثمان ، وهو أحد أقارب معاوية ، فوض إليه حكم جميع بلاد الشام ، ثم أضاف إليه ولاية الجزيرة سنة ٢٥هـ / ٦٤٥ ، وولاية الجزيرة كان أقامها عمر لتفصل بين العراق والشام ، وتوازن وتصل ، ذلك أنهما بلدان لهما تاريخ قديم مشترك تحكمت فيه عوامل عديدة أولاها جغرافية ، تمثلت بحرمان العراق من منفذ على المتوسط ، لذلك كان تاريخ البلدان عبارة عن صراعات مستمرة ومعارك على سبيل المثال نجد من المدهش أنه بعد الهجرة بسنوات قلائل انتصرت بيزنطة على فارس في معركة نينوى قرب الموصل ، ثم بعد فترة وجيزة ، وفي ظل الإسلام ، بعد ضم اقليم الجزيرة لحكم والي الشام معاوية ، وزوال أداة الوصل والفصل والتوازن هذة ، قامت معركة طاحنة ، صفين الشهيرة بين الشام والعراق ...
مملكة لقد أتاحت الأزمات التي حدثت في عهد عثمان الفرصة أمام معاوية لا لينفرد بحكم الشام ، بل ليظهر بمظهر الحاكم المطلق لهذه الولاية وبعد مصرع عثمان استغل معاوية ذلك لصالحه خیر استغلال ، فتصدى للخليفة الجديد ، وتزعم جماعة المطالبين بدم عثمان ، فكانت معركة صفين ثم قضية التحكيم . وتبع ذلك انشغال علي بأمور العراق ، ثم اغتياله على يد أحمد الخوارج ، ثم تنازل الحسن بن علي له ، ومكن هذا كله معاوية من استحواذ المركز الأول في ديار الإسلام ، وجعله قادراً على أن يوقع الهزيمة بني هاشم ، ويعيد زعامة أسرته ، ويقيم وراثية عاشت قرابة قرن هذا وقد أسهب المؤرخون في الحديث عن معاوية ، فوصفوا شخصيته الفذة ، فذكروا أن أبرز ما كان يميزها الحلم ، والدهاء ، وحسن السياسة ، والكرم ، وهذه الصفات ما تزال مقترنة باسم معاوية حتى هذا اليوم ، وليس ثمة شك أن صفاتاً كهذه مع ما تميز به الرجل من طموح كبير كانت وراء نجاحه في بلوغ أهدافه ، ولقد أعطت مواهبه في الحكم ثمارها خلال الفترة الطويلة التي حكم فيها الشام ، وهي طويلة امتدت عبر ثلاثة من الخلفاء الراشدين، استطاع خلالها تأكيد سلطانه ، وبناء جيش قوي مطواع بقوة السلاح استولى معاوية على السلطة ، الخلافة ، وأسس أسرة مالكة ، وليس بموجب أي حق شرعي مسوغ ، أو دعوى قانونية صحيحة ، لذلك لاقى حكمه وحكم أسرته معارضة شديدة دائمة ، فاضطر إلى الابقاء على استخدام القوة المسلحة ، وكان لهذا نتائج في غاية الخطورة ، لعل من أهمها زيادة عدد الجند الشامي ، وزيادة نفق اته ، مما سبب تسخير موارد فترة وانتزع لنفسه منصب
وجري الجند وراء الربح السريع، أثر على سياسة الفتوح ، ويمكنه أن يفسر صورة الخط البياني لها ، ويعلل ما آلت إليه الأمور ، كما أن استئثار الجند الشامي بموارد الدولة جعل قوات بقية الأمصار خاصة في العراق تثور بشكل حاد ، لهذا كان العراق الشغل الشاغل للحكم ، ووجد هذا الحكم أن مشكلة المعارضة العراقية لا تحل إلا بنفي جنده إلى خراسان وفعلا حدث هذا ، وأوجد هذا النفي في خراسان قواتا ساخطة ، ستتمكن في المستقبل من إسقاط الدولة الأموية تحت لواء أبي مسلم الخراساني . الأموي
الدولة له ، ونظراً لوجود الإلحاح المالي الدائم ، فقد اضطرت الدولة إلى حرمان معظم فئات الجند غير الشامي ، ثم اضطرت إلى انتهاج سياسة مالية قاسية فيها استغلال وحيف ، والحاجة إلى المال كانت وراء عدد من الثورات ، ووراء عدم التشجيع على الدخول في الإسلام شعوب الأمم المفتوحة
وزيادة الاعتماد على الجند الشامي، سبب تدخل هذا الجند في شؤون الدولة ، ونظراً لأن هذا الجند جاء من قبائل الشام العربية ، فقد عظم دور هذه القبائل ، وتحول قادتها إلى ارستقراطية خاصة ، وقام تناحر بين هؤلاء القادة ، وتكونت بالشام قوى متصارعة على التحكم بالسلطة ) وهو ما سيدعى بالعصبية القبلية )
ثم إن الاعتماد الأموي على الجند ، لم يكسب حكم هذه الأسرة صفة الشرعية ، كما حدث للخلافة العباسية فيما بعد ، وباتت منية الدولة مرتبطة بقوة الجند الشامي وتماسكة واخلاصه ، وكان حدوث أي خلل سيؤدي إلى الدمار
واتخذ معاوية من الشام مقراً لخلافته ، وهذه البلاد بحكم موقعها
[ ت : ٦٠ ه / ٦٨٠ م ]
إن الله تبارك وتعالى بعث محمداً من مكة ثم إنه لم يرضها له داراً حتى نقله إلى المدينة ، وكانت المدينة داره وقراره إلى أن أدركته الوفاة لا ، والمدينة موضع قبره ومنزله ومنبره ، ثم صار الأمر من بعده إلى أبي بكر ثم إلى عمر ، ثم إلى عثمان - رضي الله عنهم - - فلما قتل أهل المدينة عثمان ، انتقلت الخلافة إلى الشام ، والشام دار الخلافة ) الحصين بن نمير السكوني )
معاوية هو ابن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب ، وكان أبو سفيان كبير رجالات بني أميه ، وأكثرهم ثروة ، وكان قائد القوافل التجارية المكية ، لذلك عند من أرفع زعماء مكة القرشيين ، وهو الذي تزعم قبيلة قريش ، وقاد جندها بعد الهجرة ، وقد أسلم يوم فتح مكة ، واعتبر من المؤلفة قلوبهم . وكان أبو سفيان رجلا مزواجاً ، وكانت هند بنت عتبة إحدى شهيرات نساء قريش ، فتزوجها أبو سفيان ، فكان ثالث أزواجها وآخرهم ، وكان معاوية أول ولد أنجبته لأبي سفيان ، وحدث ذلك قبل البعثة بعامين ، وفي مكة نشأ معاوية ، وتأثر بأبيه ، لكن أثر أمه فيه كان
أشد وأعمق ، وأسلم معاوية مع أبيه و عام الفتح ، فكان يقال له الطليق بن الطليق
وقد فقد أبو سفيان مع بني أمية سلطانهم حين فتحت مكة ، لكن النبي أحسن معاملتهم وعثين رجالاتهم في مراكز بارزة في إدارة الدولة ، وهكذا صار معاوية أحمد كتاب الوحي ، وبعد وفاة الذي توجه إلى الشام تحت لواء أخيه يزيد بن أبي سفيان ، الذي قاد أحد الجيوش الثلاثة التي أرسلها أبو بكر إلى الشام وبعد وفاة أبي بكر ، وعندما أصبح عمر خليفة ، جعل يزيداً واليا على أحد أقسام بلاد الشام سنة ١٨ هـ / ٦٣٩ م عين وبعد وفاة یزید مكانه معاوية وكان معاوية داهية من الرجال موصوفا بجزالة الرأي ، والحلم والأناة والسخاء ، وكان عمر إذا نظر إليه يقول : هذا كسرى العرب ) . وعقب مقتل عمر ، وفي عهد عثمان ، وهو أحد أقارب معاوية ، فوض إليه حكم جميع بلاد الشام ، ثم أضاف إليه ولاية الجزيرة سنة ٢٥هـ / ٦٤٥ ، وولاية الجزيرة كان أقامها عمر لتفصل بين العراق والشام ، وتوازن وتصل ، ذلك أنهما بلدان لهما تاريخ قديم مشترك تحكمت فيه عوامل عديدة أولاها جغرافية ، تمثلت بحرمان العراق من منفذ على المتوسط ، لذلك كان تاريخ البلدان عبارة عن صراعات مستمرة ومعارك على سبيل المثال نجد من المدهش أنه بعد الهجرة بسنوات قلائل انتصرت بيزنطة على فارس في معركة نينوى قرب الموصل ، ثم بعد فترة وجيزة ، وفي ظل الإسلام ، بعد ضم اقليم الجزيرة لحكم والي الشام معاوية ، وزوال أداة الوصل والفصل والتوازن هذة ، قامت معركة طاحنة ، صفين الشهيرة بين الشام والعراق ...
مملكة لقد أتاحت الأزمات التي حدثت في عهد عثمان الفرصة أمام معاوية لا لينفرد بحكم الشام ، بل ليظهر بمظهر الحاكم المطلق لهذه الولاية وبعد مصرع عثمان استغل معاوية ذلك لصالحه خیر استغلال ، فتصدى للخليفة الجديد ، وتزعم جماعة المطالبين بدم عثمان ، فكانت معركة صفين ثم قضية التحكيم . وتبع ذلك انشغال علي بأمور العراق ، ثم اغتياله على يد أحمد الخوارج ، ثم تنازل الحسن بن علي له ، ومكن هذا كله معاوية من استحواذ المركز الأول في ديار الإسلام ، وجعله قادراً على أن يوقع الهزيمة بني هاشم ، ويعيد زعامة أسرته ، ويقيم وراثية عاشت قرابة قرن هذا وقد أسهب المؤرخون في الحديث عن معاوية ، فوصفوا شخصيته الفذة ، فذكروا أن أبرز ما كان يميزها الحلم ، والدهاء ، وحسن السياسة ، والكرم ، وهذه الصفات ما تزال مقترنة باسم معاوية حتى هذا اليوم ، وليس ثمة شك أن صفاتاً كهذه مع ما تميز به الرجل من طموح كبير كانت وراء نجاحه في بلوغ أهدافه ، ولقد أعطت مواهبه في الحكم ثمارها خلال الفترة الطويلة التي حكم فيها الشام ، وهي طويلة امتدت عبر ثلاثة من الخلفاء الراشدين، استطاع خلالها تأكيد سلطانه ، وبناء جيش قوي مطواع بقوة السلاح استولى معاوية على السلطة ، الخلافة ، وأسس أسرة مالكة ، وليس بموجب أي حق شرعي مسوغ ، أو دعوى قانونية صحيحة ، لذلك لاقى حكمه وحكم أسرته معارضة شديدة دائمة ، فاضطر إلى الابقاء على استخدام القوة المسلحة ، وكان لهذا نتائج في غاية الخطورة ، لعل من أهمها زيادة عدد الجند الشامي ، وزيادة نفق اته ، مما سبب تسخير موارد فترة وانتزع لنفسه منصب
وجري الجند وراء الربح السريع، أثر على سياسة الفتوح ، ويمكنه أن يفسر صورة الخط البياني لها ، ويعلل ما آلت إليه الأمور ، كما أن استئثار الجند الشامي بموارد الدولة جعل قوات بقية الأمصار خاصة في العراق تثور بشكل حاد ، لهذا كان العراق الشغل الشاغل للحكم ، ووجد هذا الحكم أن مشكلة المعارضة العراقية لا تحل إلا بنفي جنده إلى خراسان وفعلا حدث هذا ، وأوجد هذا النفي في خراسان قواتا ساخطة ، ستتمكن في المستقبل من إسقاط الدولة الأموية تحت لواء أبي مسلم الخراساني . الأموي
الدولة له ، ونظراً لوجود الإلحاح المالي الدائم ، فقد اضطرت الدولة إلى حرمان معظم فئات الجند غير الشامي ، ثم اضطرت إلى انتهاج سياسة مالية قاسية فيها استغلال وحيف ، والحاجة إلى المال كانت وراء عدد من الثورات ، ووراء عدم التشجيع على الدخول في الإسلام شعوب الأمم المفتوحة
وزيادة الاعتماد على الجند الشامي، سبب تدخل هذا الجند في شؤون الدولة ، ونظراً لأن هذا الجند جاء من قبائل الشام العربية ، فقد عظم دور هذه القبائل ، وتحول قادتها إلى ارستقراطية خاصة ، وقام تناحر بين هؤلاء القادة ، وتكونت بالشام قوى متصارعة على التحكم بالسلطة ) وهو ما سيدعى بالعصبية القبلية )
ثم إن الاعتماد الأموي على الجند ، لم يكسب حكم هذه الأسرة صفة الشرعية ، كما حدث للخلافة العباسية فيما بعد ، وباتت منية الدولة مرتبطة بقوة الجند الشامي وتماسكة واخلاصه ، وكان حدوث أي خلل سيؤدي إلى الدمار
واتخذ معاوية من الشام مقراً لخلافته ، وهذه البلاد بحكم موقعها
تعليق