عائشة
[ ت : ٥٧ هـ / ٦٧٧ م ]
تفجر الثورات الحقيقية الطاقات البشرية جميعها ، وتحرر بني الانسان كل التحرير ، متخطية الفوارق كل الفوارق ، وملغية لها ، حتى الفوارق في الجنس بين الرجل والمرأة تزول ، ولقد كان هذا ما حصل بثورة الإسلام ، فقد حرر هذا الدين الإنسان عقلاً وجسما ، ونظم شؤون الخليقة أروع تنظيم ، فنالت المرأة قسطاً عالياً من الحقوق في عملية التحرير ، حيث ردت لها كرامتها ، وتمت صيانة شرفها ، وأعطيت كل ما تستحقه حتى غدت مساوية الرجل ، لان عماد الحياة الرجل والمرأة، والحياة لا تقوم بشكل صحيح وطبيعي الا عليها معا متساويين في
كل المجالات
وحين نقرأ أخبار السيرة النبوية نرى عياناً مدى الأثر لعدد من النساء في أحداثها بدءاً بالسيدة خديجة التي ظهر أثرها على النبي وبان عظيم عونها له في الفترة المكية ، وفي الفترة المدنية وفي أخبار المغازي نقرأ عن مشاركة عدد من النساء في المعارك ، وقيامهن بمختلف الوظائف ، ونحن عندما نطالع سيرة النبي لا نجد في البداية أن السيدة خديجة كانت حتى وفاتها الأولى في حياته ، وبعد الهجرة صارت السيدة عائشة ابنة أبي بكر أعظم النساء مكانة في بيته وحياته - مائة أوائل
وعائشة ولدت لأبي بكر بعد المبعث ، ولدت وأبويها قد اعتنقا الإسلام ، لذلك نشأت مسلمة ، وكان أبوها أعظم الرجال مكانة لدى النبي ، وأول الأحرار إسلاماً ، كما أنه كان سامي المكانة في قريش ، عليها بأخبارها وأنسابها مع أخبار العرب وأنسابها بشكل عام
وهاجرت السيدة عائشة إلى المدينة مع من هاجر من المسلمين ، وفي المدينة بنى بها النبي الله وهي ما تزال صبية ، وبذلك ولدت مسلمة وترعرعت في مهبط الوحي وبيت النبوة ، ومنبع العلم وكانت على غاية من الذكاء والفطنة والجرأة والثقة بالنفس والعزة ، وكانت تعي كل ما تسمعه ، وتفهم كل ما تراه ويجري أمامها ، لهذا عندما توفي النبي ، ولحق به بعد عامين والدها الصديق ، صارت عائشة مرجعاً للمسلمين وحجة يعود إليها الكبار والصغار وحين يبحث المرء في أخبار الفترة المدنية من المغازي المحمدية يكاد يرى لعائشة أثراً في كل حادثة من الحوادث أو ذكراً ، ولكن بعد وفاة النبي وفي عهد كل من أبيها الصديق عمر بن الخطاب لا يكاد يسمع لها نشاط يذكر في مجالات الحياة العامة ، خاصة السياسية منها . واستمر الحال هكذا في بداية عصر عثمان بن عفان ، لكن عندما تفجرت الأزمات على عثمان ، ظهرت شخصيتها إلى الوجود ، على رأس المحرضين على عثمان ، والثائرين على سياسته ، وقد روي أنها حين شكى الناس سياسته ، تجاوبت نفسها محامياً عن الصالح العام ، وأخذت تسمع صرتها البعيد والداني ، وقد أثار هذا عثمان ضدها، كما أن عدداً من المسلمين لم يرق لهم تدخلها في السياسة ، وكانوا يرددون : ما للنساء وهذا ؟! . وبرزت نداءات الشكايه ، ونصبت مع عدد من مع وفي نفس الوقت أعجب بموقفها عدد لا بأس به من المسلمين ، ورضوا بتصرفها ، ويمكن القول بأنه منذ ذلك الوقت بدأ يتكون حولها نواة حزب ، هو الذي ستتزعمه يوم الجمل ، وقد انضوى إلى هـذا الحزب كبار الصحابة ورجالات المسلمين وعظماء القوم ، ولهذا الأمر دلالات واسعة من كافة الجوانب ويمكن القول أنه أيام الفتنة الكبرى ظهرت إلى الوجود مطامح السيدة عائشة السياسية والقيادية ، وتجاوب هذه المطامح من لا ينكر مكانته بين المسلمين من قريش وسواها . وعظم دور السيدة عائشة أيام الفتنة الأولى وأثناء حصار عثمان حتى ليقال بأنها كانت تخرج على الناس وبيدها قميص رسول الله فتخطبهم وتقول : هذا قميص رسول الله لم يبل بعد ، وقد بليت سنته على يد عثمان ، اقتلوا نمثلا قتله الله .
لقد حوصر عثمان في داره من قبل ثوار قدم جلهم من الكوفة وأقلهم في مصر وسواها ، ولم يقف أهل المدينة مع عثمان ولا موقف الحياد ، فقد كان أكثريتهم ضده ، لكن يبدو أن العداء لعثمان جمع بين أهل المدينة والثوار إنما لم يوحدهما تحت زعامة واحدة ، فقد أراد الكوفيون والمصريون تزعيم علي بن أبي طالب ، في حين أن غالبية أهل المدينة كانوا يلجؤون إلى طلحة والزبير ، وهذان كانا تحت زعامة عائشة أم المؤمنين ، إنما بشيء من التحرج كما وأثناء الحصار أخذ علي بن أبي طالب يقود الناس في صلواتهم في المسجد النبوي ، وهذا مما كفته ، وطبعاً لم يكن بإمكان عائشة أن بأداء هذه الوظيفة ، وتحرج الموقف في المدينة وأدركت عائشة أن نهاية عثمان قد دنت ، وأن الظروف غير مواتية لبقائها في المدينة ، لهذا انتهزت فرصة حلول موسم الحج ، فقررت التوجه نحو یروی ..
مع وفي أثناء وجودها في مكة أقدم الثوار على اقتحام دار عثمان ، و اقترفوا جريمة قتله ، بعد ذلك بدأوا يبحثون عن خليفة جديد ، وكان أمام الناس علي بن أبي طالب من جانب وطلحة والزبير من جانب آخر ، وأراد الثوار اختيار علي ، في حين أراد غيرهم من أهل المدينة طلحة أو الزبير ، وكان الثوار يسيطرون على الحال في المدينة، وفقد طلحة والزبير زمام المبادرة لغياب عائشة ، لهذا تمت بيعة علي ، و بايعاه هما بعد تردد ، وخشية البطش بها ، لكن أول فرصة التحقا بمكة
مكرة بحجة أداء الفريضة ، وخلفت وراءها في المدينة كل من طلحة والزبير
كانت العلاقة الشخصية بين علي بن أبي طالب وعائشة غير ودية ، فعائشة دخلت بيت النبي وفاطمة ابنته من خديجة في ذلك البيت شابة ولاشك في أن فاطمة لم تكن راضية أن تحتل عائشة مكان أمها ، والزعامة في بيت أبيها ، وتزوجت فاطمة من علي فيما بعد أن علياً شاطر زوجته مشاعرها ، وظهرت هذه المشاعر جلية يوم حادثة الأفك ، حيث أن علياً أشار على النبي من التخلي عن عائشة والزواج من سواها ، وبلغ ذلك عائشة ، فحملته في قلبها و من جديد ساءت الأحوال بين عائشة وآلها من جهة ، وبين فاطمة وزوجها من جهة أخرى ، وذلك إثر وفاة النبي وبيعة أبي بكر فقد كانت فاطمة تريد الخلافة لزوجها ، ثم إنها طالبت بميراثها من أبيها فمنعها منه أبو بكر الصديق على أساس أن الأنبياء لا يورثون، وقد أغضب هذا فاطمة ، وواضح أن عائشة أيدت موقف أباها وهكذا استمرت الأحوال إلى أن وقعت الفتنة الكبرى ويبدو
[ ت : ٥٧ هـ / ٦٧٧ م ]
تفجر الثورات الحقيقية الطاقات البشرية جميعها ، وتحرر بني الانسان كل التحرير ، متخطية الفوارق كل الفوارق ، وملغية لها ، حتى الفوارق في الجنس بين الرجل والمرأة تزول ، ولقد كان هذا ما حصل بثورة الإسلام ، فقد حرر هذا الدين الإنسان عقلاً وجسما ، ونظم شؤون الخليقة أروع تنظيم ، فنالت المرأة قسطاً عالياً من الحقوق في عملية التحرير ، حيث ردت لها كرامتها ، وتمت صيانة شرفها ، وأعطيت كل ما تستحقه حتى غدت مساوية الرجل ، لان عماد الحياة الرجل والمرأة، والحياة لا تقوم بشكل صحيح وطبيعي الا عليها معا متساويين في
كل المجالات
وحين نقرأ أخبار السيرة النبوية نرى عياناً مدى الأثر لعدد من النساء في أحداثها بدءاً بالسيدة خديجة التي ظهر أثرها على النبي وبان عظيم عونها له في الفترة المكية ، وفي الفترة المدنية وفي أخبار المغازي نقرأ عن مشاركة عدد من النساء في المعارك ، وقيامهن بمختلف الوظائف ، ونحن عندما نطالع سيرة النبي لا نجد في البداية أن السيدة خديجة كانت حتى وفاتها الأولى في حياته ، وبعد الهجرة صارت السيدة عائشة ابنة أبي بكر أعظم النساء مكانة في بيته وحياته - مائة أوائل
وعائشة ولدت لأبي بكر بعد المبعث ، ولدت وأبويها قد اعتنقا الإسلام ، لذلك نشأت مسلمة ، وكان أبوها أعظم الرجال مكانة لدى النبي ، وأول الأحرار إسلاماً ، كما أنه كان سامي المكانة في قريش ، عليها بأخبارها وأنسابها مع أخبار العرب وأنسابها بشكل عام
وهاجرت السيدة عائشة إلى المدينة مع من هاجر من المسلمين ، وفي المدينة بنى بها النبي الله وهي ما تزال صبية ، وبذلك ولدت مسلمة وترعرعت في مهبط الوحي وبيت النبوة ، ومنبع العلم وكانت على غاية من الذكاء والفطنة والجرأة والثقة بالنفس والعزة ، وكانت تعي كل ما تسمعه ، وتفهم كل ما تراه ويجري أمامها ، لهذا عندما توفي النبي ، ولحق به بعد عامين والدها الصديق ، صارت عائشة مرجعاً للمسلمين وحجة يعود إليها الكبار والصغار وحين يبحث المرء في أخبار الفترة المدنية من المغازي المحمدية يكاد يرى لعائشة أثراً في كل حادثة من الحوادث أو ذكراً ، ولكن بعد وفاة النبي وفي عهد كل من أبيها الصديق عمر بن الخطاب لا يكاد يسمع لها نشاط يذكر في مجالات الحياة العامة ، خاصة السياسية منها . واستمر الحال هكذا في بداية عصر عثمان بن عفان ، لكن عندما تفجرت الأزمات على عثمان ، ظهرت شخصيتها إلى الوجود ، على رأس المحرضين على عثمان ، والثائرين على سياسته ، وقد روي أنها حين شكى الناس سياسته ، تجاوبت نفسها محامياً عن الصالح العام ، وأخذت تسمع صرتها البعيد والداني ، وقد أثار هذا عثمان ضدها، كما أن عدداً من المسلمين لم يرق لهم تدخلها في السياسة ، وكانوا يرددون : ما للنساء وهذا ؟! . وبرزت نداءات الشكايه ، ونصبت مع عدد من مع وفي نفس الوقت أعجب بموقفها عدد لا بأس به من المسلمين ، ورضوا بتصرفها ، ويمكن القول بأنه منذ ذلك الوقت بدأ يتكون حولها نواة حزب ، هو الذي ستتزعمه يوم الجمل ، وقد انضوى إلى هـذا الحزب كبار الصحابة ورجالات المسلمين وعظماء القوم ، ولهذا الأمر دلالات واسعة من كافة الجوانب ويمكن القول أنه أيام الفتنة الكبرى ظهرت إلى الوجود مطامح السيدة عائشة السياسية والقيادية ، وتجاوب هذه المطامح من لا ينكر مكانته بين المسلمين من قريش وسواها . وعظم دور السيدة عائشة أيام الفتنة الأولى وأثناء حصار عثمان حتى ليقال بأنها كانت تخرج على الناس وبيدها قميص رسول الله فتخطبهم وتقول : هذا قميص رسول الله لم يبل بعد ، وقد بليت سنته على يد عثمان ، اقتلوا نمثلا قتله الله .
لقد حوصر عثمان في داره من قبل ثوار قدم جلهم من الكوفة وأقلهم في مصر وسواها ، ولم يقف أهل المدينة مع عثمان ولا موقف الحياد ، فقد كان أكثريتهم ضده ، لكن يبدو أن العداء لعثمان جمع بين أهل المدينة والثوار إنما لم يوحدهما تحت زعامة واحدة ، فقد أراد الكوفيون والمصريون تزعيم علي بن أبي طالب ، في حين أن غالبية أهل المدينة كانوا يلجؤون إلى طلحة والزبير ، وهذان كانا تحت زعامة عائشة أم المؤمنين ، إنما بشيء من التحرج كما وأثناء الحصار أخذ علي بن أبي طالب يقود الناس في صلواتهم في المسجد النبوي ، وهذا مما كفته ، وطبعاً لم يكن بإمكان عائشة أن بأداء هذه الوظيفة ، وتحرج الموقف في المدينة وأدركت عائشة أن نهاية عثمان قد دنت ، وأن الظروف غير مواتية لبقائها في المدينة ، لهذا انتهزت فرصة حلول موسم الحج ، فقررت التوجه نحو یروی ..
مع وفي أثناء وجودها في مكة أقدم الثوار على اقتحام دار عثمان ، و اقترفوا جريمة قتله ، بعد ذلك بدأوا يبحثون عن خليفة جديد ، وكان أمام الناس علي بن أبي طالب من جانب وطلحة والزبير من جانب آخر ، وأراد الثوار اختيار علي ، في حين أراد غيرهم من أهل المدينة طلحة أو الزبير ، وكان الثوار يسيطرون على الحال في المدينة، وفقد طلحة والزبير زمام المبادرة لغياب عائشة ، لهذا تمت بيعة علي ، و بايعاه هما بعد تردد ، وخشية البطش بها ، لكن أول فرصة التحقا بمكة
مكرة بحجة أداء الفريضة ، وخلفت وراءها في المدينة كل من طلحة والزبير
كانت العلاقة الشخصية بين علي بن أبي طالب وعائشة غير ودية ، فعائشة دخلت بيت النبي وفاطمة ابنته من خديجة في ذلك البيت شابة ولاشك في أن فاطمة لم تكن راضية أن تحتل عائشة مكان أمها ، والزعامة في بيت أبيها ، وتزوجت فاطمة من علي فيما بعد أن علياً شاطر زوجته مشاعرها ، وظهرت هذه المشاعر جلية يوم حادثة الأفك ، حيث أن علياً أشار على النبي من التخلي عن عائشة والزواج من سواها ، وبلغ ذلك عائشة ، فحملته في قلبها و من جديد ساءت الأحوال بين عائشة وآلها من جهة ، وبين فاطمة وزوجها من جهة أخرى ، وذلك إثر وفاة النبي وبيعة أبي بكر فقد كانت فاطمة تريد الخلافة لزوجها ، ثم إنها طالبت بميراثها من أبيها فمنعها منه أبو بكر الصديق على أساس أن الأنبياء لا يورثون، وقد أغضب هذا فاطمة ، وواضح أن عائشة أيدت موقف أباها وهكذا استمرت الأحوال إلى أن وقعت الفتنة الكبرى ويبدو
تعليق