أعجمي ، فمع الثورة العباسية ثم بمرور جزء كبير من الطور العباسي الاول ظهر الى الوجود معالم ما ندعوه الآن باسم الوطن العربي حاويا للعراق والشام ومصر والغرب الاسلامي مع شبه الجزيرة ، كما جاء الى الوجود معالم الأوطان الأعجمية
كانت معركة معقدة ، وفي غاية الخطورة ، لم تسبر أرضيتها بعد أقلام الباحثين ، نعم انتصرت مرو على بغداد ، وقام المأمون بمسايرة قوى خراسان، لكنه ما لبث أن انقلب عليها ، وقرر ترك مرو ، والذهاب الى بغداد ، وفي بغداد ، ورغم التجربة المريرة التي مر بها المأمون في مرو، استمر يفتش عن ايدولوجية جديدة غير ايدولوجية بغداد ، وكان الآن لنشأته ونوعية الثقافة التي نالها أثر حاسم في عملية الاختيار ، آخذين بعين الاعتبار أنه لم يكن قد بقي أمام المأمون ما يختاره سوى التيار الفلسفي ، الذي تجسد الآن في حركة المعتزلة وحزبهم .
وكان العصر العباسي الذي عاشه المأمون في العالم الاسلامي والعالمين المسيحيين الشرقي والغربي، عصر الاباطرة المتفتحين على الفلسفة ، والذين يسعون الى اقامة مجتمعات لكل منها ايدولوجية واحدة لحزب واحد ، وهكذا تحالف المأمون المعتزلة ، وفور قيام هذا التحالف ، كثر التيار الفلسفي عن أنيابه وأظهر العداوة الجهرية للاسلام ، وتوجهت رماياته أولا نحو السنة النبوية ، ثم ركزت على القرآن ، والاسلام بـــلا قرآن ، يكاد يكون لاشيء مع
وكما فعل غلاة الفرق والمتطرفين من قبل حين أغنوا صفات الامام واستعاروا من الافلاطونية المحدثة والغنوصية تجاربها حول العلم الباطني وتأويل النصوص المقدسة ، فقالوا بأن الامام عنده علم الباطن والتفرد بتأويل آيات القرآن الكريم، ثم تدرجوا في عمليات تعطيل الشريعة
هذا ان وصل الامر بالفرقة السبعية الى القول بأن الانبياء ذوي العزم هم سبعة : آدم . نوح . ابراهيم . موسى . عيسى . محمد ، والقائم ، وهو آخرهم واعظمهم مكانة ، فهو الذي سيعلن القيامة العظمى ، ومعنى تعطيل الشريعة والمجيء بشريعة جديدة غير الاسلام ، وفي ذلك خروج من مأزق أن النبي محمد آخر الانبياء ، والقرآن الكريم آخر الكتب المنزلة ، وكذلك فعل التيار ( الفلسفي » حيث بدأ بالتشكيك ، كتعطيل جزئي تم الى أن وصل الى التعطيل الكلي باعلان فكرة خلق القرآن الكريم ، ذلك أن كل مخلوق ميت لا محالة تدرج
هذه مسألة خطيرة منعرج عليها ثانية - (١) لاشك ان الامـ 6 العراق ولا في هنة الشافعي بعقلة العظيم ، ووعيه الكبير ، قد أدركها أكثر من ادراكنا وحيث أن زعامة فكر الاسلام قد آلت اليه ، نجده لا يقر له قرار في الحجاز ، حيث رأى أن يهاجر الى قاعدة اكثر ضمانـــــا لعمله ، وأن يترك في بغداد المهزومة من يتابع المقاومة من تلامذته ، واقتضى أمر الهجرة اختيار موقع يمكن الدفاع ، والاستمرار في حمل أعباء الرسالة ، وكانت بلدان الحجاز آنئذ غير مؤهلة لذلك ، ثم بلاد الشام ، منذ قيام الثورة العباسية وظهور بواكير انقسام العالم الاسلامي الى عالمين : عربي وأعجمي ، كانت هذه البلاد أيضاً غير مؤهلة ولا تحمل الصفات والشروط المطلوبة، وتوفرت هذه الصفات في مصر ، وكانت شخصية مصر الاسلامية النازعة نحو الاستقلال والزعامة قد اخذت بالظهور ، وأهلها لذلك موقعها الممتاز ، وطبيعة مجتمعها المتجانس ، وتراثها ، وثرواتها الطائلة ، لهذا اختار الشافعي أرض الكنانة ، تاركاً العظيم
(1) لدى الحديث عن الحاكم بأمر الله . احمد بن حنبل .
في بغداد ، من يتولى شؤون المقاومة ، وسيتجسد ذلك في شخصية الامام أحمد بن حنبل ، أبرز تلامذة الشافعي
ووصل الشافعي الى مصر عام ۱۹۹ هـ ، وفيها وجد بغيته ، فمصر كانت دار الليث بن سعد ، ودار تلامذة الامام مالك ، وللعرب بها سلطان ، وفي مصر نال الشافعي الحظوة والفوز بنشر آرائه وعلمه وفقهه ، انما لسوء الحظ لم تطل اقامة الشافعي في مصر ، ذلك ان المنية عاجلته عام ( - ٢٠٤ » هـ وهو في الرابعة والخمسين من عمره ، وقد قيل فيما قيل بأنه توفي إثر ضربة من عصابة رجل عرف باسم فتيان ، ادعــــــى التعصب لمذهب الامام مالك ، لكن يبدو أن المسألة غير ذلك ... ؟
لقد كان العصر الذي عاش به الشافعي العصر الذهبي بالنسبة للفكر الاسلامي ، فيه عاش عباقرة الفكر ، وبلا شك كان الشافعي ممثل العبقرية الاسلامية في ميادين الفقه والحديث في هذا العصر ، فقد كان في غاية الذكاء بليغاً نهل من العلم طوال حياته وأعطى ما لم يعطه غيره لذلك شغل العلماء في عصره وأقبل عليه التلاميذ ، ومدحه كل من عرفه ، وأثنى عليه خلقا وعلما وتدينا ، واخلاصا في طلب الحقائق ، وقف حياته على العلم الاسلامي ، وعلى العمل لنفي الشوائب التي أريد الحاقها بهذا العلم ، وبالفكر الاسلامي بشكل عام . فعصر الشافعي كان عصر الجدل ، وعلم الكلام ، ونشاط الفرق ، ومناقشة قضايا الامامة والحكم ، وفضائل الصحابه وصفات الله تعالى ومشاكل القول بالقدر وغير ذلك كثير ، وقد اطلع الشافعي على قضايا علم الكلام وسواه ، وكان له مواقف محددة تجاه كل المسائل والقضايا
كانت معركة معقدة ، وفي غاية الخطورة ، لم تسبر أرضيتها بعد أقلام الباحثين ، نعم انتصرت مرو على بغداد ، وقام المأمون بمسايرة قوى خراسان، لكنه ما لبث أن انقلب عليها ، وقرر ترك مرو ، والذهاب الى بغداد ، وفي بغداد ، ورغم التجربة المريرة التي مر بها المأمون في مرو، استمر يفتش عن ايدولوجية جديدة غير ايدولوجية بغداد ، وكان الآن لنشأته ونوعية الثقافة التي نالها أثر حاسم في عملية الاختيار ، آخذين بعين الاعتبار أنه لم يكن قد بقي أمام المأمون ما يختاره سوى التيار الفلسفي ، الذي تجسد الآن في حركة المعتزلة وحزبهم .
وكان العصر العباسي الذي عاشه المأمون في العالم الاسلامي والعالمين المسيحيين الشرقي والغربي، عصر الاباطرة المتفتحين على الفلسفة ، والذين يسعون الى اقامة مجتمعات لكل منها ايدولوجية واحدة لحزب واحد ، وهكذا تحالف المأمون المعتزلة ، وفور قيام هذا التحالف ، كثر التيار الفلسفي عن أنيابه وأظهر العداوة الجهرية للاسلام ، وتوجهت رماياته أولا نحو السنة النبوية ، ثم ركزت على القرآن ، والاسلام بـــلا قرآن ، يكاد يكون لاشيء مع
وكما فعل غلاة الفرق والمتطرفين من قبل حين أغنوا صفات الامام واستعاروا من الافلاطونية المحدثة والغنوصية تجاربها حول العلم الباطني وتأويل النصوص المقدسة ، فقالوا بأن الامام عنده علم الباطن والتفرد بتأويل آيات القرآن الكريم، ثم تدرجوا في عمليات تعطيل الشريعة
هذا ان وصل الامر بالفرقة السبعية الى القول بأن الانبياء ذوي العزم هم سبعة : آدم . نوح . ابراهيم . موسى . عيسى . محمد ، والقائم ، وهو آخرهم واعظمهم مكانة ، فهو الذي سيعلن القيامة العظمى ، ومعنى تعطيل الشريعة والمجيء بشريعة جديدة غير الاسلام ، وفي ذلك خروج من مأزق أن النبي محمد آخر الانبياء ، والقرآن الكريم آخر الكتب المنزلة ، وكذلك فعل التيار ( الفلسفي » حيث بدأ بالتشكيك ، كتعطيل جزئي تم الى أن وصل الى التعطيل الكلي باعلان فكرة خلق القرآن الكريم ، ذلك أن كل مخلوق ميت لا محالة تدرج
هذه مسألة خطيرة منعرج عليها ثانية - (١) لاشك ان الامـ 6 العراق ولا في هنة الشافعي بعقلة العظيم ، ووعيه الكبير ، قد أدركها أكثر من ادراكنا وحيث أن زعامة فكر الاسلام قد آلت اليه ، نجده لا يقر له قرار في الحجاز ، حيث رأى أن يهاجر الى قاعدة اكثر ضمانـــــا لعمله ، وأن يترك في بغداد المهزومة من يتابع المقاومة من تلامذته ، واقتضى أمر الهجرة اختيار موقع يمكن الدفاع ، والاستمرار في حمل أعباء الرسالة ، وكانت بلدان الحجاز آنئذ غير مؤهلة لذلك ، ثم بلاد الشام ، منذ قيام الثورة العباسية وظهور بواكير انقسام العالم الاسلامي الى عالمين : عربي وأعجمي ، كانت هذه البلاد أيضاً غير مؤهلة ولا تحمل الصفات والشروط المطلوبة، وتوفرت هذه الصفات في مصر ، وكانت شخصية مصر الاسلامية النازعة نحو الاستقلال والزعامة قد اخذت بالظهور ، وأهلها لذلك موقعها الممتاز ، وطبيعة مجتمعها المتجانس ، وتراثها ، وثرواتها الطائلة ، لهذا اختار الشافعي أرض الكنانة ، تاركاً العظيم
(1) لدى الحديث عن الحاكم بأمر الله . احمد بن حنبل .
في بغداد ، من يتولى شؤون المقاومة ، وسيتجسد ذلك في شخصية الامام أحمد بن حنبل ، أبرز تلامذة الشافعي
ووصل الشافعي الى مصر عام ۱۹۹ هـ ، وفيها وجد بغيته ، فمصر كانت دار الليث بن سعد ، ودار تلامذة الامام مالك ، وللعرب بها سلطان ، وفي مصر نال الشافعي الحظوة والفوز بنشر آرائه وعلمه وفقهه ، انما لسوء الحظ لم تطل اقامة الشافعي في مصر ، ذلك ان المنية عاجلته عام ( - ٢٠٤ » هـ وهو في الرابعة والخمسين من عمره ، وقد قيل فيما قيل بأنه توفي إثر ضربة من عصابة رجل عرف باسم فتيان ، ادعــــــى التعصب لمذهب الامام مالك ، لكن يبدو أن المسألة غير ذلك ... ؟
لقد كان العصر الذي عاش به الشافعي العصر الذهبي بالنسبة للفكر الاسلامي ، فيه عاش عباقرة الفكر ، وبلا شك كان الشافعي ممثل العبقرية الاسلامية في ميادين الفقه والحديث في هذا العصر ، فقد كان في غاية الذكاء بليغاً نهل من العلم طوال حياته وأعطى ما لم يعطه غيره لذلك شغل العلماء في عصره وأقبل عليه التلاميذ ، ومدحه كل من عرفه ، وأثنى عليه خلقا وعلما وتدينا ، واخلاصا في طلب الحقائق ، وقف حياته على العلم الاسلامي ، وعلى العمل لنفي الشوائب التي أريد الحاقها بهذا العلم ، وبالفكر الاسلامي بشكل عام . فعصر الشافعي كان عصر الجدل ، وعلم الكلام ، ونشاط الفرق ، ومناقشة قضايا الامامة والحكم ، وفضائل الصحابه وصفات الله تعالى ومشاكل القول بالقدر وغير ذلك كثير ، وقد اطلع الشافعي على قضايا علم الكلام وسواه ، وكان له مواقف محددة تجاه كل المسائل والقضايا
تعليق