الإمام مالك
[ ٩٣ ه/ ۷۱۲ م – ۱۷۹ هـ / ٧٩٥ م ]
كانت المدينة المنورة دار هجرة الذي له الا الله وأصحابه ، ومقر العلم الا حيث فيها كمل بناء الشريعة الاسلامية ، وفيها طبقت مبادىء هذه الشريعة أيام النبي والخلفاء الراشدين من بعده ، وفي أيام الذي كان هو المرجع بالنسبة لكل شؤون الأمة ، وبعد وفاته صار أصحابه هم المرجع ، وبعد الصحابة جاء عصر التابعين ، وكانت الدولة الاسلامية العظمى قد قامت ، وانتشر الاسلام في بقاع الأرض ، وبدأ يظهر الى الوجود معالم مدارس الفقه الاسلامي والفكر بشكل عام .
وعرف تاريخ الاسلام عدداً من المدارس منها ما كتب له استمرار الحياة ومنها ما انقرض ، وكان على رأس المدارس المستمرة مدرسة أهل العراق ومدرسة أهل الحجاز . وقد عرفت مدرسة أهل العراق باسم مدرسة أهل الرأي ، في حين شهرت مدرسة أهل الحجاز باسم مدرسة أهل الحديث ، ذلك بسبب أن أهل الحجاز كانوا في القرنين الأول والثاني أعرف الناس بحديث الرسول وأخبر بقوله وعمله وتقريراته ، مع سيرته ومغازيه ، وكانوا أقدر من غيرهم على فهم القرآن ، فهو قد نزل بلغة قريش . ومن بين أهل الحجاز كان سكان المدينة هم الأغنى علماً بالتراث ، وقد برز في المدينة عدد من أقطاب العلماء كان مسلكهم في العمل الفقهي قائم على الوقوف عند النص لكثرة بضاعة أهل بلدهم من النصوص ، ولطبيعة المواريث وسذاجة الحياة وقلة مشاكلها بالمقارنة مع البلدان الاسلامية الأخرى ، ولوجود الكعبة وقبر الرسول الله في الحجاز
السنة جمع من الدقة مكان وقوانينه مع ورأى علماء المدينة أن اتباع الرأي أخذ بالهوى والغرض ، وبالتالي ادخال في دين الله ماليس منه ، لذلك كانوا اذا استفتوا في مسألة عرضوها على كتاب الله ثم سنة رسوله ، فان وجدوا أحاديث مختلفة فاضلوا بينها بالراوي ، أو عرضوا الحلول دون ابداء الرأي في المفاضلة . والاعتماد على الحديث كان له الأثر الأكبر في الانصراف نحو . النبوية ، وتنقيتها من كافة الشوائب بوضع قواعد نقدية كانت . جعلت فيما بعد العمل في ميدان جمع الحديث فناً قائماً بذاته ، وعلماً له قواعده أهدافه ومواضيعه، وبات من المسلم به أيامنا هذه أن ماتوصلت اليه العلوم الحديثة من ابداع لقواعد النقد التاريخي الوثائقي لا يس و لنفس درجة قواعد المحدثين في الدقة والأصالة وسلامة النتائج . من الصعب القيام بتقديم عرض دراسي عن مشاهير الذين أسهموا في بناء أسس مدرسة الحديث، لكن لعل الحديث عن الامام مالك بن أنس يغني عن ذلك ، لا من منطلق تجيد دور الفرد في صناعة التاريخ ، إنما على أساس القول أن عاماً بارزاً كالامام مالك هو في الأصل محصــــلة لدور سابق ، أضيف اليه عبقرية شخصية . فالامام مالك هو أبرز واضعي أسس مدرسة الحديث الفقهية وعلى تراثه بني مذهب المالكية وطور من قبل علماء منهم من أخذ على مالك مباشرة ومنهم من لم يلقه ولم يأخذ عنه مباشرة ، وهذا المذهب هو الصانع الأكبر لحضارة وتاريخ المسلمين في المغرب الاسلامي وأفريقية، وهو أيضاً المؤثر الاسلامي الأكبر في تاريخ التشريعات الأوروبية . وقبل الاستعاراد على هذا النحو ضروري أن نقف عند معالم حياة الامام مالك ، فهو مالك بن أنس، ولد كما هو مرجح في المدينة سنة ٩٣ هـ من أبوين عربين ، من أصل يماني ، وفي طفولته دفع الى من مكنه من حفظ القرآن ، ثم أذن له أهله بحضور مجالس العلماء ، وكانت أمه أشد المتحمسين لتعليمه ، عنيت بثيابه ومظهره الخارجي، وسهرت على اختيار أحسن الأساتذة له ، ووجهته نحو العلماء وساعدته على التنقل في مجالسهم ، وكان ربيعة الرأي وعبد الرحمن بن هرمز أهم شيوخ مالك ، فهو قد لزم ابن هرمز ثلاث عشرة سنة وكان معجباً به ، مقدراً لعامه
طاقته في مع وكان الامام مالك مجداً في طلب العلم ، صبوراً يبذل ما كان الجسمانية والمادية للتحصيل دونما ملل، وكان يضحي بكل شيء في سبيل العلم ، ويتحمل المشاق حدة الشيوخ ، وشغل الامام نفسه بجمع الحديث النبوي ، وكان صارماً مع نفسه أديباً أمام الحديث النبوي ، يطلبه من عند الثقات وأهل الفهم والدراية ، وكان قد أوتي فراسة المؤمن في فهم الرجال وإدراك قوة عقولهم ومقدار فقههم .
وكان الامام مالك يتلقي العلوم بوعي وعقل ، بحيث كان لا يز درد ما يلقى اليه از دراداً ، بل كان يفحصه ويمحصه، فيقبل بعضه ويرفض بعضه الآخر وبعد تحصيل طويل ، وشهادة العلماء بالعلم له ، جلس في المسجد النبوي يحدث ويملي، وقد اختار من المسجد المكان الذي كان عمر بن الخطاب يجلس به ، كما اتخذ من الدار التي كانت لعبد الله بن مسعود دارا له ...
كان الامام مالك لفترة من حياته يدرس في المسجد وفي بيته ، انما اضطر بسبب مرض ألم به الى التزام بيته فقط ، وكانت أيام عمله مبرمجة ، بحيث خصص أوقاتاً للحديث وأخرى للإفتاء في النوازل . واستمر هكذا مدة خمسين عاماً ـ أي حتى وفاته عام ١٧٩ هـ ـ وكان في مجلسه يأخذ نفسه أخذاً
شديداً ، كان جاداً كل الجد، متواضعاً وكريماً الى أبعد الحدود ، وكان لا يجيب في نازلة إلا بعد فحص وتريث، ولا يخجل أن يقول : لا أعرف ، رغم أنه كان أعلم أهل زمانه ، ومرد هذا الى كونه كان قوي العزم، حديد الارادة قهر أهواء النفس وأمات شهواتها لذلك لم يضعف إلا أمام الخالق . ها به كل ذي سلطان حتى المنصور العباسي نفسه ، وكان زهده وإيمانه وسلوكه محمديا ، بحيث أنه اعتنى بمظهره بلا تفاخر أو رياء ، واعتنى بأثاث بيته وملبسه ونظافته
ومعروف أن الامام مالك شهد نهاية الدولة الأموية ثم قيام الخلافة العباسية وفي أيام المنصور سعى : هذا الخليفة نحو تطبيق سياسة دينية خاصة استهدفت تقريب العلماء ليكونوا احدى أدوات السلطة ، واعتبر المنصور كل من لا يتعاون معه يمكن أن يكون مرتبطاً بقوة معادية له. وقد تشدد في هذا الموقف أيام ثورة النفس الزكية ، وصدف أن أفتى الامام مالك أثناء الثورة بحديث ( ليس على مستكره يمين ، فرأت السلطة العباسية في ذلك تقديم تسهيلات للثورة ، فاعتقلت الامام وعرضته للإهانة والعذاب ، وكان لهذا الأمر وقع شديد على المسلمين ، فسارع المنصور بإصدار أمره بإطلاق سراح الامام مالك ، وفي الموسم جاء المدينة واجتمع بالامام ، واعتذر له وكلفه بتدوين كتاب الفقه والحديث فاستجاب الامام وصنف كتاب الموطاً . والموطأ أول كتاب من نوعه تم تدوينه ، رغم ان محاولات جمع السنة وتدوينها أقدم منه ، وهو كتاب فقه وحديث ذكر فيه الامام مالك المواضيع الفقهية ومع كل موضوع الاحاديث الواردة حوله. ثم عمل أهل المدينة، ثم آراء وفتاوى الصحابة والتابعين، ومن عمل الامام في هذا الكتاب يمكن أن نرى قواعد عمله في مذهبه الذي انتشر في الغرب الاسلامي ، ولم يكتب له النجاح في في الشرق.
[ ٩٣ ه/ ۷۱۲ م – ۱۷۹ هـ / ٧٩٥ م ]
كانت المدينة المنورة دار هجرة الذي له الا الله وأصحابه ، ومقر العلم الا حيث فيها كمل بناء الشريعة الاسلامية ، وفيها طبقت مبادىء هذه الشريعة أيام النبي والخلفاء الراشدين من بعده ، وفي أيام الذي كان هو المرجع بالنسبة لكل شؤون الأمة ، وبعد وفاته صار أصحابه هم المرجع ، وبعد الصحابة جاء عصر التابعين ، وكانت الدولة الاسلامية العظمى قد قامت ، وانتشر الاسلام في بقاع الأرض ، وبدأ يظهر الى الوجود معالم مدارس الفقه الاسلامي والفكر بشكل عام .
وعرف تاريخ الاسلام عدداً من المدارس منها ما كتب له استمرار الحياة ومنها ما انقرض ، وكان على رأس المدارس المستمرة مدرسة أهل العراق ومدرسة أهل الحجاز . وقد عرفت مدرسة أهل العراق باسم مدرسة أهل الرأي ، في حين شهرت مدرسة أهل الحجاز باسم مدرسة أهل الحديث ، ذلك بسبب أن أهل الحجاز كانوا في القرنين الأول والثاني أعرف الناس بحديث الرسول وأخبر بقوله وعمله وتقريراته ، مع سيرته ومغازيه ، وكانوا أقدر من غيرهم على فهم القرآن ، فهو قد نزل بلغة قريش . ومن بين أهل الحجاز كان سكان المدينة هم الأغنى علماً بالتراث ، وقد برز في المدينة عدد من أقطاب العلماء كان مسلكهم في العمل الفقهي قائم على الوقوف عند النص لكثرة بضاعة أهل بلدهم من النصوص ، ولطبيعة المواريث وسذاجة الحياة وقلة مشاكلها بالمقارنة مع البلدان الاسلامية الأخرى ، ولوجود الكعبة وقبر الرسول الله في الحجاز
السنة جمع من الدقة مكان وقوانينه مع ورأى علماء المدينة أن اتباع الرأي أخذ بالهوى والغرض ، وبالتالي ادخال في دين الله ماليس منه ، لذلك كانوا اذا استفتوا في مسألة عرضوها على كتاب الله ثم سنة رسوله ، فان وجدوا أحاديث مختلفة فاضلوا بينها بالراوي ، أو عرضوا الحلول دون ابداء الرأي في المفاضلة . والاعتماد على الحديث كان له الأثر الأكبر في الانصراف نحو . النبوية ، وتنقيتها من كافة الشوائب بوضع قواعد نقدية كانت . جعلت فيما بعد العمل في ميدان جمع الحديث فناً قائماً بذاته ، وعلماً له قواعده أهدافه ومواضيعه، وبات من المسلم به أيامنا هذه أن ماتوصلت اليه العلوم الحديثة من ابداع لقواعد النقد التاريخي الوثائقي لا يس و لنفس درجة قواعد المحدثين في الدقة والأصالة وسلامة النتائج . من الصعب القيام بتقديم عرض دراسي عن مشاهير الذين أسهموا في بناء أسس مدرسة الحديث، لكن لعل الحديث عن الامام مالك بن أنس يغني عن ذلك ، لا من منطلق تجيد دور الفرد في صناعة التاريخ ، إنما على أساس القول أن عاماً بارزاً كالامام مالك هو في الأصل محصــــلة لدور سابق ، أضيف اليه عبقرية شخصية . فالامام مالك هو أبرز واضعي أسس مدرسة الحديث الفقهية وعلى تراثه بني مذهب المالكية وطور من قبل علماء منهم من أخذ على مالك مباشرة ومنهم من لم يلقه ولم يأخذ عنه مباشرة ، وهذا المذهب هو الصانع الأكبر لحضارة وتاريخ المسلمين في المغرب الاسلامي وأفريقية، وهو أيضاً المؤثر الاسلامي الأكبر في تاريخ التشريعات الأوروبية . وقبل الاستعاراد على هذا النحو ضروري أن نقف عند معالم حياة الامام مالك ، فهو مالك بن أنس، ولد كما هو مرجح في المدينة سنة ٩٣ هـ من أبوين عربين ، من أصل يماني ، وفي طفولته دفع الى من مكنه من حفظ القرآن ، ثم أذن له أهله بحضور مجالس العلماء ، وكانت أمه أشد المتحمسين لتعليمه ، عنيت بثيابه ومظهره الخارجي، وسهرت على اختيار أحسن الأساتذة له ، ووجهته نحو العلماء وساعدته على التنقل في مجالسهم ، وكان ربيعة الرأي وعبد الرحمن بن هرمز أهم شيوخ مالك ، فهو قد لزم ابن هرمز ثلاث عشرة سنة وكان معجباً به ، مقدراً لعامه
طاقته في مع وكان الامام مالك مجداً في طلب العلم ، صبوراً يبذل ما كان الجسمانية والمادية للتحصيل دونما ملل، وكان يضحي بكل شيء في سبيل العلم ، ويتحمل المشاق حدة الشيوخ ، وشغل الامام نفسه بجمع الحديث النبوي ، وكان صارماً مع نفسه أديباً أمام الحديث النبوي ، يطلبه من عند الثقات وأهل الفهم والدراية ، وكان قد أوتي فراسة المؤمن في فهم الرجال وإدراك قوة عقولهم ومقدار فقههم .
وكان الامام مالك يتلقي العلوم بوعي وعقل ، بحيث كان لا يز درد ما يلقى اليه از دراداً ، بل كان يفحصه ويمحصه، فيقبل بعضه ويرفض بعضه الآخر وبعد تحصيل طويل ، وشهادة العلماء بالعلم له ، جلس في المسجد النبوي يحدث ويملي، وقد اختار من المسجد المكان الذي كان عمر بن الخطاب يجلس به ، كما اتخذ من الدار التي كانت لعبد الله بن مسعود دارا له ...
كان الامام مالك لفترة من حياته يدرس في المسجد وفي بيته ، انما اضطر بسبب مرض ألم به الى التزام بيته فقط ، وكانت أيام عمله مبرمجة ، بحيث خصص أوقاتاً للحديث وأخرى للإفتاء في النوازل . واستمر هكذا مدة خمسين عاماً ـ أي حتى وفاته عام ١٧٩ هـ ـ وكان في مجلسه يأخذ نفسه أخذاً
شديداً ، كان جاداً كل الجد، متواضعاً وكريماً الى أبعد الحدود ، وكان لا يجيب في نازلة إلا بعد فحص وتريث، ولا يخجل أن يقول : لا أعرف ، رغم أنه كان أعلم أهل زمانه ، ومرد هذا الى كونه كان قوي العزم، حديد الارادة قهر أهواء النفس وأمات شهواتها لذلك لم يضعف إلا أمام الخالق . ها به كل ذي سلطان حتى المنصور العباسي نفسه ، وكان زهده وإيمانه وسلوكه محمديا ، بحيث أنه اعتنى بمظهره بلا تفاخر أو رياء ، واعتنى بأثاث بيته وملبسه ونظافته
ومعروف أن الامام مالك شهد نهاية الدولة الأموية ثم قيام الخلافة العباسية وفي أيام المنصور سعى : هذا الخليفة نحو تطبيق سياسة دينية خاصة استهدفت تقريب العلماء ليكونوا احدى أدوات السلطة ، واعتبر المنصور كل من لا يتعاون معه يمكن أن يكون مرتبطاً بقوة معادية له. وقد تشدد في هذا الموقف أيام ثورة النفس الزكية ، وصدف أن أفتى الامام مالك أثناء الثورة بحديث ( ليس على مستكره يمين ، فرأت السلطة العباسية في ذلك تقديم تسهيلات للثورة ، فاعتقلت الامام وعرضته للإهانة والعذاب ، وكان لهذا الأمر وقع شديد على المسلمين ، فسارع المنصور بإصدار أمره بإطلاق سراح الامام مالك ، وفي الموسم جاء المدينة واجتمع بالامام ، واعتذر له وكلفه بتدوين كتاب الفقه والحديث فاستجاب الامام وصنف كتاب الموطاً . والموطأ أول كتاب من نوعه تم تدوينه ، رغم ان محاولات جمع السنة وتدوينها أقدم منه ، وهو كتاب فقه وحديث ذكر فيه الامام مالك المواضيع الفقهية ومع كل موضوع الاحاديث الواردة حوله. ثم عمل أهل المدينة، ثم آراء وفتاوى الصحابة والتابعين، ومن عمل الامام في هذا الكتاب يمكن أن نرى قواعد عمله في مذهبه الذي انتشر في الغرب الاسلامي ، ولم يكتب له النجاح في في الشرق.
تعليق