أبو حنيفة
[ ٨٥ ه/ ٦٩٨ م - ١٥٠ هـ / ٧٦٧ م ]
بعد وفاة النبي ، وأثناء حروب الردة ، قدم إلى المدينة المثنى بن حارثة ، وكان . سادات قبيلة شيان ، فالتقى بأبي بكر ، وأخبره بأن قومه على الاسلام، وأنهم على استعداد للجهاد ضد الفرس ، فأذن أبو بكر له ، وهكذا بدأت فتوحات العراق ، وقد وصلت هذه الفتوحات ذروتها في معركة القادسية التي أدت الى إزالة الامبراطورية الساسانية من الوجود .
وبعد خلاص العراق للعرب اتخذوا لأنفسهم فيه معسكران هما : الكوفة والبصرة ، اللذان ما لبثا أن تطورا إلى مدينتين لها موارد كبرى ، ونشاط اقتصادي وتجاري وسياسي وعقائدي و اجتماعي هائل ، وقام صراع بين الكوفة والبصرة في كافة الميادين ، وقد . هذا الصراع حيناً من الزمن لصالح أهل الكوفة ، خاصة حين اتخذها علي بن أبي طالب عاصمة له ، وبعد معركة حسم الحمد
وقد عرفت الكوفة في تاريخها المبكر ألواناً من الهجرة البشرية إليها من شبه الجزيرة ومن داخل العراق ومن الهضبة الإيرانية ، وقدم إليها الأغنياء والفقراء وجلب إليها أنواع الأسرى والأرقاء ، لذلك كان تاريخ الكوفة
الاجتماعي أشبه ببركان دائم الفوران . وكان من بين الأسرى الذين جلبوا إلى الكوفة أحد نبلاء منطقة كابل وعرف باسم زوطي، وفي الكوفة نال زوطي حريته ، وغدا مولى لبني تيم ابن ولما اتخذ علي ثعلبة ، وذلك بعدما اعتنق الإسلام، وفيها أيضاً حصل ثروة ومكانة لائقة ، بن أبي طالب الكوفة عاصمة له ، اتصل زوطي يعلي وتعلق به وتأثر ، ، وفي أيام علي ولد له ابنه ثابت ، فجاء به الى الامام ، فدعا له بالبركة واستجاب الله تعالى لدعاء ابن عم رسوله ، فكان من صلب ثابت ابنه النعمان فقيه أهل العراق وكبير علماء الشريعة الاسلامية .
وكانت كوفة نهاية القرن الأول للهجرة ثم بداية القرن الثاني خلية حية فيها نشاطات مختلفة : سياسية ملونة، واقتصادية ولغوية وفلسفية ودينية وتاريخية ، وفيها العديد من مشاهير العلماء .
ولد أبو حنيفة النعمان بن ثابت في أسرة مارست تجارة الخز ، وكانت ذات مكانة اقتصادية واجتماعية جيدة، لهذا أتيح لأبي حنيفة الاطلاع على معارف عصره، وبعدما شب احترف صنعة أهله ، وصار يلتقي أثناء عمله وفي ساعات فراغه بعلماء الكوفة والواردين اليها ، ثم أن عمله مكنه من القيام بعدة رحلات أفادته كثيراً .
وكان أبو حنيفة ذكياً ، لفت الأنظار اليه ، لهذا نجد الذين عاشرهم من العلماء يحضونه على الانصراف الى العلم بدلاً من التجارة ، وفعلاً استجاب لذلك ، فأقبل على العلم ، وصار لا يتردد إلى السوق إلا قليلاً ، وقد استهواه في بداية أمره الجدل وصنوفه ، ولكنه عندما تعمق بالمعرفة الإسلامية استولى على لبه الفقه وعلوم الشريعة ، فانصرف إلى ذلك بكليته ، وأقلع عن الجدل لكن رغم ذلك نجده وهو يبحث في الأصول والفروع بقي متأثراً بالجدل
وعلم الكلام ، لذلك اتجه الى اعتماد الرأي في أبحاثه الفقهية . وبعدما جالس أبو حنيفة علماء عصره، اختص بحماد بن أبي سليمان ولازمه مدة تقارب الثمانية عشر عاماً - أي الى السنة التي توفي بها وهي ١٢٠هـ
المسألة من وحيث أن أبا حنيفة كان أبرز تلاميذ حماد بن أبي سليمان فقد حل محل استاذه وتصدر حلقته ، ووفق أبو حنيفة في دروسه ، نظراً لثقافته الواسعة وخبرته العلمية الكبيرة ، والعقله الكبير، وشهر خلال دروسه بقدرته الخارقة على المناظرة ، وكان نافذ البصيرة ، محيطاً بدقائق الأمور ، وكان العمل في حلقة أبي حنيفة أشبه ما كان بحلقات سقراط الحكيم أو تلميذه أفلاطون ، على شكل محاورات ، حيث كانت تعرض المسائل ، ويتم النقاش حولها ، وكان النقاش يتناول المسألة كمضمون ، كما يتناول طريقة عرضها، وأصول مناقشتها بشكل خاص ، ثم بشكل عام ، فكل مسألة يتولد عنها مسائل وهكذا ....
وطارت شهرة أبي حنيفة ، وقصده التلاميذ من كل حدب ، منهم من لازمه طويلا فاختص به ومنهم من أخذ عنه حظاً وغادره ، وسهر أبو حنيفة على تلامذته : تربية وعلماً وسلوكاً ، وضرب لهم بشخصه المثل الأعلى ، ذلك أنه كان رفيع الخلق ، مسلماً قولاً وعملاً ، ضابطاً لنفسه ، هادئاً في عمله ، له أحاسيس مرهفة وعميقة ، شجاعاً ، ثابت الجأش ، رابط الجنان ، فيه نزاهة واستقامة ، حاضر البديهة ، له جاذبية ومهابة ، كما ملك فراسة المؤمن . لهذا كله حاز مكانة لم يجزها غيره من فقهاء العراق ، فعد مؤسس مدرسة العراق ، وهي مدرسة كانت وما زالت من أغنى مدارس الفقه الاسلامي وأغناها بالعطاء
ولقد اتم أبو حنيفة بالأمانة والسمو الخلقي والإباء لذلك لم يقبل عطية حاكم من الحكام ، وعاش من موارده الخاصة، ورفض دائماً العمل لدى ذي سلطان ، وعرضه هذا مع حبه لآل البيت وعطفه على قضاياهم مع شجاعته لسخط رجال الحكم الأموي ، ثم الخليفة المنصور العباسي فيما بعد وهكذا ذاق مرارة المحنة ، لكن ذلك لم يغير من خلقه وطباعه ، فظل ورعاً بلا تزمت يعيش في حدود المعقول وينفق في حدود الحاجة .
[ ٨٥ ه/ ٦٩٨ م - ١٥٠ هـ / ٧٦٧ م ]
بعد وفاة النبي ، وأثناء حروب الردة ، قدم إلى المدينة المثنى بن حارثة ، وكان . سادات قبيلة شيان ، فالتقى بأبي بكر ، وأخبره بأن قومه على الاسلام، وأنهم على استعداد للجهاد ضد الفرس ، فأذن أبو بكر له ، وهكذا بدأت فتوحات العراق ، وقد وصلت هذه الفتوحات ذروتها في معركة القادسية التي أدت الى إزالة الامبراطورية الساسانية من الوجود .
وبعد خلاص العراق للعرب اتخذوا لأنفسهم فيه معسكران هما : الكوفة والبصرة ، اللذان ما لبثا أن تطورا إلى مدينتين لها موارد كبرى ، ونشاط اقتصادي وتجاري وسياسي وعقائدي و اجتماعي هائل ، وقام صراع بين الكوفة والبصرة في كافة الميادين ، وقد . هذا الصراع حيناً من الزمن لصالح أهل الكوفة ، خاصة حين اتخذها علي بن أبي طالب عاصمة له ، وبعد معركة حسم الحمد
وقد عرفت الكوفة في تاريخها المبكر ألواناً من الهجرة البشرية إليها من شبه الجزيرة ومن داخل العراق ومن الهضبة الإيرانية ، وقدم إليها الأغنياء والفقراء وجلب إليها أنواع الأسرى والأرقاء ، لذلك كان تاريخ الكوفة
الاجتماعي أشبه ببركان دائم الفوران . وكان من بين الأسرى الذين جلبوا إلى الكوفة أحد نبلاء منطقة كابل وعرف باسم زوطي، وفي الكوفة نال زوطي حريته ، وغدا مولى لبني تيم ابن ولما اتخذ علي ثعلبة ، وذلك بعدما اعتنق الإسلام، وفيها أيضاً حصل ثروة ومكانة لائقة ، بن أبي طالب الكوفة عاصمة له ، اتصل زوطي يعلي وتعلق به وتأثر ، ، وفي أيام علي ولد له ابنه ثابت ، فجاء به الى الامام ، فدعا له بالبركة واستجاب الله تعالى لدعاء ابن عم رسوله ، فكان من صلب ثابت ابنه النعمان فقيه أهل العراق وكبير علماء الشريعة الاسلامية .
وكانت كوفة نهاية القرن الأول للهجرة ثم بداية القرن الثاني خلية حية فيها نشاطات مختلفة : سياسية ملونة، واقتصادية ولغوية وفلسفية ودينية وتاريخية ، وفيها العديد من مشاهير العلماء .
ولد أبو حنيفة النعمان بن ثابت في أسرة مارست تجارة الخز ، وكانت ذات مكانة اقتصادية واجتماعية جيدة، لهذا أتيح لأبي حنيفة الاطلاع على معارف عصره، وبعدما شب احترف صنعة أهله ، وصار يلتقي أثناء عمله وفي ساعات فراغه بعلماء الكوفة والواردين اليها ، ثم أن عمله مكنه من القيام بعدة رحلات أفادته كثيراً .
وكان أبو حنيفة ذكياً ، لفت الأنظار اليه ، لهذا نجد الذين عاشرهم من العلماء يحضونه على الانصراف الى العلم بدلاً من التجارة ، وفعلاً استجاب لذلك ، فأقبل على العلم ، وصار لا يتردد إلى السوق إلا قليلاً ، وقد استهواه في بداية أمره الجدل وصنوفه ، ولكنه عندما تعمق بالمعرفة الإسلامية استولى على لبه الفقه وعلوم الشريعة ، فانصرف إلى ذلك بكليته ، وأقلع عن الجدل لكن رغم ذلك نجده وهو يبحث في الأصول والفروع بقي متأثراً بالجدل
وعلم الكلام ، لذلك اتجه الى اعتماد الرأي في أبحاثه الفقهية . وبعدما جالس أبو حنيفة علماء عصره، اختص بحماد بن أبي سليمان ولازمه مدة تقارب الثمانية عشر عاماً - أي الى السنة التي توفي بها وهي ١٢٠هـ
المسألة من وحيث أن أبا حنيفة كان أبرز تلاميذ حماد بن أبي سليمان فقد حل محل استاذه وتصدر حلقته ، ووفق أبو حنيفة في دروسه ، نظراً لثقافته الواسعة وخبرته العلمية الكبيرة ، والعقله الكبير، وشهر خلال دروسه بقدرته الخارقة على المناظرة ، وكان نافذ البصيرة ، محيطاً بدقائق الأمور ، وكان العمل في حلقة أبي حنيفة أشبه ما كان بحلقات سقراط الحكيم أو تلميذه أفلاطون ، على شكل محاورات ، حيث كانت تعرض المسائل ، ويتم النقاش حولها ، وكان النقاش يتناول المسألة كمضمون ، كما يتناول طريقة عرضها، وأصول مناقشتها بشكل خاص ، ثم بشكل عام ، فكل مسألة يتولد عنها مسائل وهكذا ....
وطارت شهرة أبي حنيفة ، وقصده التلاميذ من كل حدب ، منهم من لازمه طويلا فاختص به ومنهم من أخذ عنه حظاً وغادره ، وسهر أبو حنيفة على تلامذته : تربية وعلماً وسلوكاً ، وضرب لهم بشخصه المثل الأعلى ، ذلك أنه كان رفيع الخلق ، مسلماً قولاً وعملاً ، ضابطاً لنفسه ، هادئاً في عمله ، له أحاسيس مرهفة وعميقة ، شجاعاً ، ثابت الجأش ، رابط الجنان ، فيه نزاهة واستقامة ، حاضر البديهة ، له جاذبية ومهابة ، كما ملك فراسة المؤمن . لهذا كله حاز مكانة لم يجزها غيره من فقهاء العراق ، فعد مؤسس مدرسة العراق ، وهي مدرسة كانت وما زالت من أغنى مدارس الفقه الاسلامي وأغناها بالعطاء
ولقد اتم أبو حنيفة بالأمانة والسمو الخلقي والإباء لذلك لم يقبل عطية حاكم من الحكام ، وعاش من موارده الخاصة، ورفض دائماً العمل لدى ذي سلطان ، وعرضه هذا مع حبه لآل البيت وعطفه على قضاياهم مع شجاعته لسخط رجال الحكم الأموي ، ثم الخليفة المنصور العباسي فيما بعد وهكذا ذاق مرارة المحنة ، لكن ذلك لم يغير من خلقه وطباعه ، فظل ورعاً بلا تزمت يعيش في حدود المعقول وينفق في حدود الحاجة .
تعليق