The Butterfly Effect.. تأثير الفراشة ونظرية الفوضى24/9/2019
قيل بأن شيئاً بسيطاً كرفرفة جناحي فراشة، يمكن أن يسبب دمارا في أقصى أنحاء العالم، فتأثير الفراشة أو The butterfly effect مصطلح أدبي استعمله إدوارد لورينتز أول مرة في عام 1963، وهو تعبير يصف الترابط والتأثير المتبادل أو المتواتر والناتج عن فعل تافه، بمعنى أن فعل صغير جداً ينتج عنه سلسلة أحداث متتابعة ومترابطة، مثالاً على ذلك الدومينو فدفع واحدة كفيل بجعل الكل يسقط تباعا بدون استثناء، فنظام تأثير الفراشة يصور سلوك ديناميكية الكون ففرق بسيط يمكن أن يسبب سلسلة من الكوارث، فمثلا على رأس جبل ثلجي كرة ثلجية صغيرة متدحرجة يمكن أن تولد لنا دمارا.
كنت قد شاهدت فيلم The butterfly effect وهو يمثل بامتياز كما مذكور في اسمه نظرية تأثير الفراشة عبر قصة شاب اسمه إيڤان تريبون، كان يعاني في طفولته من مشكلة في الذاكرة بحيث أن بعض الأحداث المهمة لا يستطيع تذكرها حتى وهو تحت تأثير التنويم الإيحائي، وبهذا ينصحه طبيبه بكتابة مذكراته. وعندما يكبر بعد 13 عاما يكتشف قدرته على تذكر الأحداث بل والعيش فيها بشكل حقيقي لدرجة قدرته على تغييرها واللعب على مجرياتها، وبالتالي استطاع إنقاذ حبيبته كيلي من الانتحار عبر تغيير حدث كان له وقع كبير على نفسيتها سببه أبيها المنحرف، لكن الأمور لا تجري كلها كما يريد، فيضطر كل مرة إلى الرجوع إلى الماضي وتغييره مما يغير الواقع أيضا، والنتائج ليست جيدة في كل الأحيان، فالأحداث تتمادى في السوء.
فيزيائياً، نيوتن سنة 1687 شرح لنا قوانين الجاذبية في كتابه الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية Principa Mathematica وثلاثة من قوانين الحركة، القانون الأول يقول: "الجسم الساكن سيظل ساكناً ما لم تؤثر عليه قوى خارجية"، والقانون الثاني هو معادلة تربط القوة بالكتلة بالتسارع، فهذه المعادلات تستطيع معرفة المستقبل، ولا تحتاج أن تكون عرافاً أو صاحب قوى خارقة، وليس فقط المستقبل القريب لكن البعيد أيضا وهذا بوضع كل شيء في الكون بعين الاعتبار. نظرياً بهذه المعلومات كلها تستطيع معرفة أي شيء في المستقبل. لكن، هنا تدخل ميكانيكا الكم لتخبرنا أنه هناك أشياء عشوائية بطبعها، فمعرفة مكان كل ذرة وسرعتها والعوامل المؤثرة عليها من الأشياء التي لا يستطيع الإنسان فعلها. وهذا يؤكده هايزنبرغ مكتشفا أن معرفة مكان وسرعة الإلكترون في نفس الوقت من المستحيلات، ما يُدخلنا في العشوائية لأن عدم معرفة المعلومات كاملة يجعل النظرية السابقة صعبة التطبيق.
اعتاد المرء الاعتقاد بأن الأحداث التي غيرت العالم كانت أموراً على شاكلة قنابل مدمرة وسياسيين مهووسين وزلازل مروعة أو هجرات سكانية ضخمة، لكننا أدركنا الآن أنها وجهة نظر قديمة جداً يتمسك بها الناس البعيدون كل البعد عن الفكر الحديث. الأشياء التي تغيّر العالم وفقاً لنظرية الفوضى هي الأشياء الصغيرة. فراشة ترفرف بجناحيها في الغابة الأمازونية، وينتج على إثرها عاصفة تدمر نصف أوروبا" (من رواية "بشائر الخير" لتيري براتشت ونيل غايمن).
تبدأ نظرية الفوضى كما جاء في كتاب "الفوضى – علم اللامتوقع" لجايمس غليك من الحدود التي يتوقف عندها العالم التقليدي ويعجز، فمنذ شرع العلم في حل ألغاز الكون عانى دوماً من الجهل بشأن ظاهرة الاضطراب مثل تقلبات المناخ، وحركة أمواج البحر، والتقلبات في الأنواع الحية وأعدادها، والتذبذب في عمل القلب والدماغ. إن الجانب غير المنظم من الطبيعة، غير المنسجم وغير المتناسق والمفاجئ والإنقلابي قد أعجز العلم دوماً. وشرعت تلك الصورة في التغير تدريجياً في سبعينات القرن العشرين، عندما همت كوكبة من العلماء الأميركيين والأوروبيين للاجتماع بأمر الاضطراب وفوضاه، وتألفت تلك الكوكبة من علماء الفيزياء والرياضيات والبيولوجيا والكيمياء، سعوا للإمساك بالخيوط التي تجمع ظواهر الفوضى كلها، من هذه الزاوية لن تستطيع النظر إلى العالم بالطريقة التي اعتدت أن تراه بها. إذاً نستنتج من هذه النظرية أنّ الواقع والحياة كنظام ديناميكي معقد ماهو إلا "توازن دقيق بين قوى الاستقرار والفوضى". نظرية الفوضى نظرية لكل العلوم، منحت الإنسان نظرة ورؤى مختلفة للعالم والأشياء من حوله.