هل من علاقة بين التغيرات المناخية والصحة النفسية؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • هل من علاقة بين التغيرات المناخية والصحة النفسية؟

    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	1028478347-384x253.jpg 
مشاهدات:	6 
الحجم:	30.8 كيلوبايت 
الهوية:	71548


    يرتبط مصطلح الاحتباس الحراري عادةً بالتغيرات التي تطرأ على مؤشراتٍ معيّنة للأرصاد الجوية من قبيل درجات الحرارة و(الترسبات – precipitation)، وذلك على مدار مدةٍ زمنيةٍ محدّدة وفي منطقةٍ جغرافيةٍ ما.




    لا ريب أنَّ هذا النوع من التغيّرات المناخية يشكّل تحديًا عالميًا جدّيًا، وبالأخص نظرًا لما تكشفه البيانات عن كون الإنسان المسؤولَ الأولَ عن هكذا تغيّراتٍ مناخية (وفق تقديرات البعض: انظر مثلًا McMichael et al., 2006).

    وفق الملاحظات العلمية، ارتفعت درجة حرارة الكرة الأرضية عمومًا بنحو نصف درجةٍ مئويةٍ بفضل (انبعاثاتٍ غازيةٍ بشرية المنشأ – anthropogenic emissions).

    تشير التقديرات إلى أنّه وبحلول عام 2100، ستزيد درجة حرارة الكرة الأرضية بما يقارب (2.4 – 5.8) درجة مئوية.

    لا ريب أنّ مثل هذه التغيّرات التدريجية ستؤدي إلى عدة تغيّراتٍ جغرافية (ذوبان الجليد القطبيّ وبعض الكوارث البيئية)؛ ما سيؤدي بدوره إلى التأثير على الصحة العامة للإنسان، ولا تُستثنى من ذلك الصحة النفسية (وأعني بالصحة عمومًا هنا حالة من اكتمال السلامة بدنيًا، عقليًا واجتماعيًا).






    أحاول هنا -في ضوء الدراسات العلمية- أن أجيب عن السؤال: كيف يؤثّر الاحتباس الحراري والتغيّرات المناخية المصاحبة على الصحة النفسية للإنسان؟
    أولًا: الارتفاع المتزايد في درجات الحرارة والصحة النفسية


    لعل أحد أبرز الظواهر المنوطة بالاحتباس الحراري هي ظاهرة الارتفاع الملحوظ في درجات الحرارة، وهذا بدوره له تأثيراتٌ على سلامة الصحة النفسية كما تشير الدراسات في هذا السياق.

    تذهب بعض الدراسات -مثلًا- إلى أنَّ الارتفاع المتزايد في درجات الحرارة يؤدي إلى تزايد السلوك العنيف لدى الإنسان (Anderson, 2001).

    إذ قُورنت عمليات الإجرام والعنف بدرجات الحرارة العامة للطقس، فخرج الباحثون باستنتاجٍ مفاده أنَّ هناك علاقة إحصائية واضحة بين المتغيّرين.






    ومن المثير للاهتمام أنَّ بعض الدراسات الأخرى تربط ما بين الارتفاع الأخير في درجات الحرارة العالمية وحالات الانتحار بين الناس، إذ تعتبر هذه الدراسات أنَّ معدل حالات الانتحار (وخاصة العنيفة منها) يزداد بازدياد درجات حرارة الطقس (Lin et al., 2008).

    من جانبٍ آخر، يربط الباحثون بين الارتفاع في درجات الحرارة والاضطرابات السلوكية والنفسية.

    تشير دراسةٌ أسترالية -على سبيل المثال- إلى وجود علاقةٍ بين الاضطرابات النفسية والذهنية، ومعدّلات حرارة الطقس عمومًا، وتتزامن هذه العلاقة أيضًا مع اضطراباتٍ جسدية (مثل تلك التي ترتبط بأمراض القلب والأوعية والكلى) (Nitschke et al., 2011).
    ثانيًا: التداعيات النفسية والعقلية للكوارث البيئية المرتبطة بالاحتباس الحراري


    تشير بعض الدراسات إلى أنَّ عديدًا من الكوارث البيئية المرتبطة بالاحتباس الحراري تساهم في تفاقم بعض الحالات النفسية والعقلية.






    تشمل هذه الكوارث البيئية: الفيضانات، الأعاصير العاتية، حرائق الغابات وسواها.

    من المعلوم بين الباحثين أنَّ الأفراد الذين تعرّضوا لكوارث مشابهة هم أكثر عرضةً لتداعياتٍ نفسيةٍ جدّية لاحقًا، من قبيل (اضطراب ما بعد الصدمة – Posttraumatic stress disorder) (DeSalvo et al., 2007).

    تشمل أعرض هذا الاضطراب ذكرياتٍ مزعجة راسخة من الحدث ومحاولات الشخص تجنّب أي شيءٍ مرتبطٍ بالحدث، يمكن أن تستمر هذه الأعراض على مدى أشهر وسنوات بعد اختبار الشخص للحدث (الكارثة البيئية في هذه الحالة) (John et al., 2007).

    يمتدّ تأثير مثل هذه الكوارث البيئية ليشمل اضطراباتٍ نفسية أخرى من قبيل اضطراب التوتر والقلق العام، وقد يصل الأمر في بعض الحالات إلى تطوّر أنواعٍ من (الذهان العقلي – Psychosis) (North et al., 2014).






    ونظرًا إلى أنَّ العديد من الأفراد في مثل هذه الظروف البيئية الكارثية يفقدون بيوتهم، أقاربهم، وأغلب ممتلكاتهم، فمن المرجّح أن يُعانوا أيضًا من الاكتئاب بأنواعه، بالإضافة إلى مجموعةٍ من الاضطرابات والاعتلالات النفسية المصاحبة (Parry et al., 2007).
    ثالثًا: الجفاف والتصحّر وعلاقتهما بحالات المزارعين النفسية


    أضحى من المعلوم أنَّ أحد المؤشرات المرتبطة بالاحتباس الحراري والتغيرات المناخية العالمية هو التصحّر والجفاف.

    ولعلّ ما يلفت الاهتمام هو أنَّ بعض الدراسات العلمية تشير إلى علاقةٍ وثيقةٍ بين الجفاف والتصحر والحالات النفسية المتدنّية للمزارعين، وخصوصًا تزايد نسب الانتحار بينهم (Hanigan et al., 2012)؛ إذ لاحظ الباحثون أنَّ هناك نزعة لتطوّر اضطراباتٍ نفسيةٍ جدّية بين المزارعين الذين يعملون في مناطق تعرّضت للتصحر، ويشمل ذلك مناطق في الدول النامية والمتقدمة على حد سواء.

    قد نفسّر ذلك بمجموعةٍ من الأسباب كما يلي: أولًا؛ يؤدي التصحر إلى تدنّي المدخول الماديّ للمزارع، ما قد يعني أنَّ المزارع معرّض للديون وعدم المقدرة على سدادها.






    ثانيًا؛ تؤدي هذه الحالة إلى تزايد أسعار الغذاء في منطقة المُزارع، ما يشكّل عبئًا مادّيًا إضافيًا عليه.

    ثالثًا، يؤدي العيش في منطقةٍ تعاني من التصحّر إلى التعرّض لدرجات حرارةٍ أعلى من المعدّل الطبيعيّ، ما يؤدي إلى

    اضطراباتٍ نفسيةٍ متعددة (كما أشرنا أعلاه).

    إذن، يقودنا هذا إلى تفسير بعض حالات الانتحار بين المواطنين وخصوصًا في مناطق الريف في البلدان العربية في السنوات الأخيرة، وهو موضوعٌ يتطلّب مزيدًا من البحث في السياق الفلسطينيّ نظرًا لأهميته وندرة معالجته.






    رابعًا: التغيرات الاقتصادية المرتبطة بالتغيرات المناخية وعلاقتها بالصحة النفسية لعلَّ أحد أبرز القطاعات التي ترتبط بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشر بالتغيرات المناخية هو القطاع الاقتصادي.

    إذ إنَّ ارتفاع معدلات الجفاف والتصحر يؤدي حتمًا إلى أزماتٍ اقتصادية ومالية مرتبطة بتدنّي مستوى إنتاج المحاصيل الزراعية في المناطق المتضررة.

    ومن هنا، ترتبط هذه الأزمات والمشاكل الاقتصادية بمشاكل وتفاقمات نفسية للمواطنين عمومًا (Dohrenwend, 2000).

    فعلى سبيل المثال، لاحظ الباحثون أنَّ هناك علاقة ما بين الأزمات الاقتصادية الناجمة عن التصحّر واحتمالية الإصابة باضطراباتٍ ذات صلة بالتوتر والاكتئاب، وتُعتبر فئة المراهقين الأكثر عرضة لمثل هذه التداعيات النفسية السلبية غير المحمودة (Dean et al., 2010).






    كما يُلاحَظ أنه -وبسبب المشاكل الاقتصادية التي ذكرناها سابقًا- يصعُب على المواطنين طلب الاستشارات الصحية والنفسية تحديدًا، ما يعني أنَّ العلاج النفسي يصبح أصعب في الفترات التي تعاني منها المنطقة من تداعياتٍ بيئيةٍ مرتبطة بالتغيرات المناخية والاحتباس الحراري (Quatromoni et al., 2008).
    خامسًا: المشاكل الجسدية المرتبطة بالاحتباس الحراري والتغيّرات المناخية والصحة النفسية


    من المعلوم أنَّ المشاكل النفسية والعقلية ترتبط أيضًا بالوضع الجسمانيّ للإنسان، إذ إنَّ أي إشكالٍ جسدي قد يؤدي في كثيرٍ من الحالات إلى مضاعفاتٍ نفسية ذات صلة (Prince et al., 2007).

    لا شك أنَّ للتغيرات المناخية غير الطبيعية تداعياتٍ على وظائف الأعضاء الجسمانية لدى الإنسان، إذ إنَّ درجات الحرارة المرتفعة، الجفاف، وباقي العوامل المرتبطة تؤثر على صحة القلب، الاضطرابات المعديّة والمعوية، مشاكل الكلى وسواها (Bosello et al., 2006).

    ترتبط جميع هذه المشاكل الصحية في النهاية بمشاكل نفسية مرافقة، والتي تتشكّل بسبب ضعف قدرة الفرد على تحمل ظرفه الصحيّ.






    ومن هنا، يمكننا القول إنّ للاحتباس الحراري والتغيرات المناخية المُصاحبة تأثيراتٍ ضارة لا تقتصر على الصحة الجسدية بل تطال صحة الفرد النفسية كذلك، وبشكلٍ واضح.
    خلاصة:


    درجت العادة -بالنسبة لدراسة الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية المرافقة- على دراسة الآثار الاقتصادية والبيئية العامة المترتّبة.

    إلا أنَّ التوجّه الحديث يأخذ صحة الإنسان بعين الاعتبار، وخصوصًا صحّته النفسية، وهذا شأنٌ قلّما طُرق في السياق العربيّ.

    يعتبرُ الباحثون -في الشأن النفسيّ- أنَّ غالبية الأمراض والاضطرابات النفسية لدى الفلسطينيين إنّما تنشأ من الظروف الاجتماعية والسياسية أساسًا، ولم نرَ أيّ اعتبارٍ لتأثير التغيرات المناخية على سلامة النفس والدماغ، وهو شأنٌ تعيرهُ الجهات العالمية حاليًا اهتمامًا خاصًا

    المصدر:.ibelieveinsci
يعمل...
X