هل معدلات الإنتحار مرتفعة حقاً في السويد؟ ما أصل هذه المعلومة وما مدى صحتها؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • هل معدلات الإنتحار مرتفعة حقاً في السويد؟ ما أصل هذه المعلومة وما مدى صحتها؟

    واحدةُ من أكثر الشّائعات المنتشرة حول المملكة السوّيدية هو أن معدّلات انتحار سُكّانها مرتفعةٌ بسبب الرفاهيّة الزائدة التي يعيشُها مواطنوها، في هذا المقال استعراضٌ لأصل هذه المعلومة ومدى صحّتها.


    من المسؤول عن معلومة كون معدلات الانتحار مرتفعة جداً في السويد


    بدأ انتشار هذه المعلومة عام 1960 م من الولايات المتّحدة الأمريكيّة وتحديداً من رئيسها في ذلك الوقت، دوايت أيزنهاور، الذي شهدت فترته الرئاسيّة تقدّماً اقتصاديّاً ملحوظاً، وكان أيزنهاور كثيراً ما يقدّم الخطب الحماسية للشعب، وعُرفَ عنهُ شدّة الانضباط وإعجابه بالمثابرين، هناك مصفوفةٌ لإدارة الوقت والمهام تُدرّس في كتب التنمية البشريّة باسمه تُعرف بـ”مصفوفة أيزنهاور لإدارة الوقت والمهام”.

    في أحد خُطَبهِ عام 1960م، قال: “المعاصي، والتعرّي، والسّكر، والانتحار، كلّها موجودة في السّويد بسبب الرفاهيّة الزائدة”..

    ومنذ ذلك الحينُ، أصبحت هذه المعلومات شائعةً ومتداولة عن مملكة السّويد.
    ما هي معدّلات الانتحارِ في السّويد


    كان الرّئيسُ أيزنهاورْ مُحقّاً في جلّ كلامه، فمعدّلات الانتحار في السّويد في ذلك الوقت كانت بالفعل أعلى منها في الولايات المتّحدة الأمريكية، لكنّها بالتأكيد لم تكن بسبب الأسباب التي ذكرها (الرفاهيّة الزائدة)، الرسم البيانيّ التالي يوضّح معدّلات الانتحار في سبع دولٍ وهي اليابان، وهولندا، ونيوزيلندا، والنرويج، والسّويد، وسويسرا، والولايات المتحدة الأمريكية من الستينيات حسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD).





    نسب الانتحار في بعض البلدان



    كما تلاحِظون،نِسبُة الانتحار في السّويد عام 1960 كانت حوالي 16 شخصاً من كلّ مئة ألف، استمرّت هذه النسبة بالصّعود حتى أوائل السبعينيّات ومن ثم بدأت بالانخفاض بعد ذلك. ووصلت إلى حوالي 11.7 شخصاً من كل مئة ألف في عام 2016 حسب التقارير والإحصائيات الرسميّة لمنظّمة الصحة العالمية التي يمكنك مشاهدتها عبر الضغط هنا، والمُلاحظ هنا أن النسبة قلّت تقريباً ب 4 أشخاص لكل مئة ألف.

    أما نسبة الانتحار في أمريكا فكانت 11 شخصاً من كلّ مئة ألف شخص تقريباً، أما اليوم، فقد وصلت النسبة إلى 13.7 عام من كل مئة ألف شخص في عام 2016، أي أن النسبة ارتفعت عمّا كانت عليه! وهي أكبر من النّسبة الحاليّة للسويد!

    ولكن، إحدى الأمور المهمة التي يجب أخذها بعين الاعتبار، أن عدد سكان السويد في عام 1960 لم يكن يتجاوز 8 ملايين فرد، بينما في الولايات المتحدة الأمريكية فكان التعداد حوالي 180 مليون شخصاً، وهو ما يعني أن عدد المنتحرين في أمريكا كان أكبر بكثير من نظيره في السّويد، لقد حاول أيزنهاور من خلال خطابه تبرير هذه المعدّلات بمقارنتها مع السّويد.
    لماذا كانت نسبة الانتحارِ مرتفعةً في الستينيات في السّويد؟


    هناك عددٌ من الأبحاثِ والتقارير التي حاولت دراسة أسباب هذه النسبة المرتفعة، البروفيسور بو رونيسون المتخصص في الطب النفسي في جامعةِ ستوكهولم، قال بأنه من الصعب جدّاً قياس وتوثيق أمورٍ مثل نسبة الاكتئاب في المجتمعات وأسباب الانتحار لكلّ شخص.






    وأضاف بأن معدّلات الانتحار الموثّقة في السّويد هي ليست مرتفعة أصلأ، بل هي متوسّطة وأقل من المعدّل العام للبلدان.

    بعض التقارير التي درست هذه الظّاهرة أيضاً قالت بأن معظم المنتحرين هم من المهاجرين الذين قدموا إلى السّويد، حيث يصطدم هؤلاء بالجو البارد جدّاً للبلاد، الذي يجبر المواطنين في معظم أوقات السنة على البقاء في المنزل على عكس ما كانوا معتادين عليه في بلادهم الأمّ، كما أن هناك عدداً من الأبحاث التي درست العلاقة ما بين تغيّر درجات الحرارة طوال السنة ونسبة الانتحارْ، منها هذا البحث(اضغط هنا لقراءته) الذي يوضّح أن عدد المنتحرين في كل من السويد وفنلندا يصل إلى ذروته مرّتين في السنة، في شهري مايو وأكتوبر، ويربط هذه النتائج مع التغيّرات في درجات الحرارة.

    كما ورد، أبحاث وتقاريرُ كثيرةٌ حاولت دراسة الأسباب لكن أيّاً منها قد ذهب في اتجاه أن الأسباب هي “رفاهيّةٌزائدة”.
    أيزنهاور يقدّم اعتذاره لمملكة السّويد


    بعد سنتين من الخطاب، وتحديداً في عام 1962م، زار الرئيس أيزنهاور المملكة السويدية وقدّم خطاباً تخلله اعتذارٌ على كلماته التي قالها قبل سنتين، أيزنهاور قدّم اعتذاراً، وهو الآن ميّت، لكنّ كلماته التي قالها حول المعدّلات المرتفعة للانتحار في السّويد لا زالت تُرَدد حتى اليوم، الكلمات التالية مقتبسة من أحد التقارير التي تتحدث عن الموضوع:




    “This phenomenon is not new. Indeed, Trump is not the first American president to malign Sweden for the sake of scoring domestic political points. In 1960, President Eisenhower gave a speech to fellow Republicans in which he used Sweden as an example of the failure of socialism. “This country has a tremendous record for socialistic operation… and the record shows that their rate of suicide has gone up almost unbelievably,” said the president. “Now, they have more than twice our rate. Drunkenness has gone up. Lack of ambition is discernible on all sides.
    In fact, the rate of suicide had fallen since the introduction of socialist policies. Two years later, on a trip to Sweden, Eisenhower graciously apologized for the statement, but the notion that Sweden has a high suicide rate is still alive almost six “decades later.
    معدّلات الانتحار حول العالم


    حسب الإحصائيّات الرسميّة لمنظّمة الصّحة العالميّة (WHO) لمعدّلات الانتحار حولَ العالم عام 2016م، فإنّ دولة غينيا تحتلّ الصّدارة بمعدّل انتحارٍ بلغ 30.2 للجنسين من كل مئة ألف، وكذلك فإن دولاً مثل روسيا وبلجيكا واليابان وفنلندا والولايات المتّحدة الأمريكية وفرنسا قد سبقت السّويد التي تحتّل المرتبة 51، وجاءت أول دولة عربيّة في التصنيف في المرتبة 78 وهي الجمهوريّة اليمنيّة بمعدّل انتحارٍ بلغ9.8.

    السّويد تردّ بشكل رسميّ: بالرّغم من التقّدم العلميّ والإحصائيات الرسميّة لمنظّمة الصحّة العالميّة، لا زالت خُرافةُ الانتحارِ تلاحقُ السّويدييّن، وهو ما دَفعَ السّويد إلى كتابة هذا المقال الذي يتضمّن أكثرَ 10 خرافاتٍ شائعة عن المملكة، إحداها هي المذكورة هنا.


يعمل...
X