معرض القاهرة للكتاب 2023: لقطات مختارة
وائل سعيد 7 فبراير 2023
هنا/الآن
شارك هذا المقال
حجم الخط
على مدار 13 يومًا، دارت فعاليات الدورة 54 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب في الفترة من 25 يناير/ كانون الثاني وحتى السادس من الشهر الجاري، وذلك بمركز مصر للمعارض الدولية بالتجمع الخامس، تحت شعار "على اسم مصر" وتحل المملكة الأردنية ضيف الشرف فيما يمثل الشاعر صلاح جاهين "شخصية المعرض" جنبًا إلى جنب مع كامل الكيلاني "شخصية معرض الطفل"، بمشاركة 1047 ناشرًا من حوالي خمسين دولة عربية وأجنبية.
اقتصر اليوم الأول كالعادة على حفل افتتاح رئيس الوزراء ووزيرة الثقافة د. نيفين الكيلاني في أولى دوراتها مع المعرض، حيث تولت حقيبة الوزارة في أغسطس/ آب الماضي خلفًا للدكتورة إيناس عبد الدايم. ينطبق الأمر نفسه أيضًا على رئيس المعرض، د. أحمد البهي، فهذه أول سنة له في رئاسة هيئة الكتاب خلفًا لهيثم الحاج، لكنها ليست المرة الأولى له مع تجربة المعرض فقد عمل كنائب رئيس على مدار السنوات القليلة الماضية.
سجلت أيام المعرض معدلًا كبيرًا للزوار، ربما لم يكن متوقعًا، سواء على مستوى الناشرين أو من قبل الزائرين أنفسهم، لكن الفضل يعود في الأساس إلى عطلة منتصف العام الدراسي التي لعبت دورًا مهمًا وأتاحت الفرصة للشباب؛ النسبة الأكبر من مرتادي المعرض كل عام. إلى جانب ذلك ومن خلال المعايشة اليومية يمكنك تلمس عودة مظاهر قديمة كانت قد اختفت مثل الرحلات الجماعية حتى أن بعض المحافظات أطلقت أوتوبيسات لزيارة المعرض، بالإضافة إلى إقبال الأُسر الذين توزعوا بين القاعات والحدائق وطرقات المعرض.
التسليع الثقافي ومعدل التضخم
تتبارى دور النشر سنويًا في تقديم عدد من الخصومات والعروض لرواد المعرض، إلا أن الجرعة المتاحة هذا العام من التسهيلات تتجاوز كثيرًا الأعوام السابقة، نظرًا للارتفاع المتوالي للأسعار الذي تعاني منه مصر بوطأة كبيرة خلال الفترة الأخيرة، على كافة أنواع السلع والخدمات الاستهلاكية فما بالك والمنتج الثقافي في الأساس يأتي في ذيل القائمة، ربما لهذا بادرت دور النشر لتقدم عروضها الترويجية بسخاء خشية كساد المبيعات في ظل الظروف الراهنة، منها من أقام مسابقات وسحوبات يومية للقراء خصوصًا وأن المعرض شهد إقبالًا كبيرًا على مدار أيامه.
تشهد السوق المصرية حاليًا واحدة من أسوأ فترات التضخم التي تخطت نسبته 20% بحسب تصريحات البنك المركزي، ثمة عوامل عديدة وراء هذا الوضع ربما يأتي في مقدمتها السياسات المالية في تحرير سعر صرف الجنيه في مقابل الدولار الذي أسفر عن حالة من السعار لدى الجميع، لذا لم تجد وزارة الثقافة بدا من زيادة القيمة الإيجارية للعارضين ما يقارب 5% عن العام الماضي، وهو ما انعكس سلبًا على سعر الكتاب فضلًا عن كافة العوامل الأخرى.
تفاوت حجم المبيعات في دور النشر بتفاوت الأسعار، على سبيل المثال، قدمت دار الكرمة عددًا من الطبعات السابقة بأسعار مخفضة للغاية تتراوح بين 20 و30 جنيه مصري، من أشهرها رسائل المخرج محمد خان لمدير التصوير سعيد شيمي في ثلاثة أجزاء وسرعان ما نفدت الكمية خصوصًا وقد أهدى الشيمي الدار مجموعة من الصور الفوتوغرافية من كواليس أفلام خان توزع كهدية مع الكتب. في نفس الوقت تقدم الدار طبعة من رواية "الشطار" لخيري شلبي بـ 378ج وهي رواية تروى على لسان كلب بصفته شاهدًا على الأحداث، وعن نفس الدار وصل كتاب "نازلي مدكور" لسعر 1200ج وفيه تستعرض الفنانة التشكيلية مسيرتها الفنية من خلال لوحاتها.
رواية أخرى بعنوان "عداء المتاهة" للأميركي جيمس داشنر سعرها 301ج تنتمي إلى أدب الرعب والإثارة وقد صنفت ضمن قائمة النيويورك تايمز للأكثر مبيعًا. لم يقتصر ارتفاع أسعار الكتب على دور النشر الخاصة فحسب؛ فقد سجل المركز القومي للترجمة والمجلس الأعلى أسعارًا مرتفعة أيضًا، فيما وصل ثمن موسوعة "شخصية مصر" للمفكر جمال حمدان لسبعمائة جنيه، في طبعة جديدة عن دار الهلال وهي إحدى قنوات النشر الحكومي التابعة للدولة.
مئويات وضيوف وخلافه
يُصاحب فعاليات معرض الكتاب في كل عام عدد من الندوات والبرامج الفكرية والثقافية، والمتابع لبرنامج المعرض خلال السنوات القليلة الماضية يجد عددًا من الملامح المعتادة، يأتي في مقدمتها التكرار لأسماء مُعدي ومسؤولي البرنامج أنفسهم في كل عام، وهو ما ينطبق أيضًا على أمسيات الشعر التي تستضيف بشكل دوري أسماء مكررة يعلن البعض منهم قبيل المعرض عن اللقاء السنوي، الأمر الذي صبغ البرنامج عبر الدورات الماضية صلابة وفتورًا وأُحادية في الرؤية أيضًا وكأن لا جديد تحت الشمس، الغريب هذا العام أن قاعات الندوات لم تُتح لجمهور المعرض من القراء العاديين واقتصرت على من يحمل شارة المعرض سواء من موظفين وصحافة وأعلام أو عارضين، الأمر الذي أثر بالطبع على أعداد وكثافة الحضور الجماهيري في القاعات حتى وقت قريب لولا أن انتبهت الإدارة وفتحت الباب للجمهور، من بين الضيوف كان الفنان حسين فهمي والشيخ ياسين التهامي.
احتفى البرنامج أيضًا بعدد من المئويات والمناسبات المتنوعة مثل مئوية الميلاد لكل من محمود مرسي ولطيفة الزيات ومحمد حسنين هيكل، ومئوية رحيل فنان الشعب الموسيقار سيد درويش، بالإضافة إلى مئويتي مفتي مصر السابق الشيخ عبد اللطيف حمزة والبابا شنودة الثالث. وهناك أيضًا مئوية اكتشاف مقبرة توت عنخ أمون في 1922 ومرور 200 عام على أول إصدار من المطابع الأميرية، وهي من أقدم وأكبر المطابع في مصر بنيت في عهد محمد على عام 1820. الملاحظ في الاحتفاليتين (المقبرة والمطابع) هو التأخير في التوقيت حيث تم بالفعل الاحتفاء بالمناسبة الأولى في العام الماضي وبالثانية منذ عامين؛ وهو ما يوضح أيديولوجية اللجان الواضعة لبرنامج المئويات فبرغم أن المناسبات تخضع لفترات زمنية بعينها إلا أن التوافق المقصود في البرنامج لا يخفى على أحد وهي نظرة محاصصية قديمة عفا عليها الزمن.
لقطات
في العام الماضي، أثارت دار "هن" الجدل بإصدارها طبعة جديدة للرواية الخالدة "الغريب" أشهر مؤلفات الفرنسي ألبير كامو، كان مبعث الخلاف هو صدور الرواية باللهجة العامية المصرية وانقسمت الأراء وقتئذ بين معارض ومؤيد للفكرة وإن كانت نسبة الرفض هي الأوسع، خصوصًا وأن الترجمة يبدو أنها عن العربية في الأساس وليس عن النسخة الفرنسية، في "الغريب" يُسجل كامو واحدًا من أشهر وأقسى المشاهد الافتتاحية في الروايات، خوّل له أن يكون عرّابًا شرعيًا للعبثية الوجودية لدى الإنسان المعاصر من خلال تلقيه خبر وفاة أمه: "النهارده، ماما ماتت. أو يمكن إمبارح، مش عارف. وصلني تلغراف من الدار بيقول: الوالدة إتوفت. بكرة الدفن. البقية في حياتك".
لا شك في أن الكتابة بالعامية المصرية تجربة شديدة الصعوبة وهي كذلك في الشعر فما بالك بالروايات، من أجل ذلك قالوا عن صلاح جاهين أن الله حباه بتقليب العامية في يديه بقدرة قادر، وربما لا توجد رواية مكتوبة بالعامية نالت شهرة واسعة بقدر "قنطرة الذي كفر" لمصطفى مشرفة، وهي واحدة من أهم وأميز التجارب السردية في الرواية المصرية. في هذا العام، تستمر "هن" في نهجها بإصدار جديد وهذه المرة من أميركا ورائعة أديب نوبل الأشهر هيمنجواي "العجوز والبحر"، ولا شك في أن للصياد سانتياغو ملايين المعجبين على مستوى العالم ومعاناته في رحلة وجودية أخرى بين العبث والحياة، "كان عارف انه خلاص انهزم المرة دي وبشكل نهائي ومافيش خط رجعه، في الضلمة لقى ازازة ميه وشرب منها شوية، وبعدين رقد على السرير".
"مصر بعيون طفلة" كتاب من تأليف أصغر كاتبة في المعرض؛ فريدة محمد، عشر سنوات، قامت فريدة بتقديم ورشة حكي ضمن أنشطة جناح الطفل حازت الإعجاب والتقدير، حيث ازدحم الأطفال حولها يستمعون لما تحكيه بشغف. ازدحام آخر ولكن من نوع مختلف لفت الأنظار بشدة هذا العام حين ارتصت الصفوف إلى ما يقارب بوابات المعرض أمام كشك التوقيعات، وفي الداخل جلس اليوتيوبر الشاب يحيى عزام يوقع روايته الأحدث "مركب عم جابر" التي كتبها بالمشاركة مع محمد عصمت، أحد أشهر كتاب الرعب بين الشباب.
في تاريخ الكتابة الأدبية، ظهر نوعان من السرد؛ الأول يتسم بالرصانة والفنية والعمق أما الآخر فعلى العكس تمامًا ولذلك يطلق عليه "كتابة استهلاكية"، الغريب في الأمر أنه وبرغم اختلاف اللغات والثقافات سجل هذا النوع الاستهلاكي أعلى المبيعات وعددًا من الطبعات المتوالية، محققًا لكتابه النجومية والانتشار الجماهيري أيضًا، بينما ظل النوع الأول يتحرك في دائرة محدودة قوامها المثقفون والنخبة ومن يبحثون عن الثمين بين الغث والرخيص. يقول يحيى عزام إن الرواية تقدم "ميكس" جديدًا يخلط الكوميديا بالرعب، وفي سؤال لمحمد عصمت عن الهدف الذي يرغب في توصيله للقارئ سواء من هذه الرواية أو من الكتابة في عمومها، أجاب بأن هدفه الأساسي هو انبساط القارئ، فليس هناك أغلى على كل قلب كاتب من مقولة على لسان قارئ "لقد استمتعت وكفى!".
وائل سعيد 7 فبراير 2023
هنا/الآن
شارك هذا المقال
حجم الخط
على مدار 13 يومًا، دارت فعاليات الدورة 54 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب في الفترة من 25 يناير/ كانون الثاني وحتى السادس من الشهر الجاري، وذلك بمركز مصر للمعارض الدولية بالتجمع الخامس، تحت شعار "على اسم مصر" وتحل المملكة الأردنية ضيف الشرف فيما يمثل الشاعر صلاح جاهين "شخصية المعرض" جنبًا إلى جنب مع كامل الكيلاني "شخصية معرض الطفل"، بمشاركة 1047 ناشرًا من حوالي خمسين دولة عربية وأجنبية.
اقتصر اليوم الأول كالعادة على حفل افتتاح رئيس الوزراء ووزيرة الثقافة د. نيفين الكيلاني في أولى دوراتها مع المعرض، حيث تولت حقيبة الوزارة في أغسطس/ آب الماضي خلفًا للدكتورة إيناس عبد الدايم. ينطبق الأمر نفسه أيضًا على رئيس المعرض، د. أحمد البهي، فهذه أول سنة له في رئاسة هيئة الكتاب خلفًا لهيثم الحاج، لكنها ليست المرة الأولى له مع تجربة المعرض فقد عمل كنائب رئيس على مدار السنوات القليلة الماضية.
سجلت أيام المعرض معدلًا كبيرًا للزوار، ربما لم يكن متوقعًا، سواء على مستوى الناشرين أو من قبل الزائرين أنفسهم، لكن الفضل يعود في الأساس إلى عطلة منتصف العام الدراسي التي لعبت دورًا مهمًا وأتاحت الفرصة للشباب؛ النسبة الأكبر من مرتادي المعرض كل عام. إلى جانب ذلك ومن خلال المعايشة اليومية يمكنك تلمس عودة مظاهر قديمة كانت قد اختفت مثل الرحلات الجماعية حتى أن بعض المحافظات أطلقت أوتوبيسات لزيارة المعرض، بالإضافة إلى إقبال الأُسر الذين توزعوا بين القاعات والحدائق وطرقات المعرض.
التسليع الثقافي ومعدل التضخم
تتبارى دور النشر سنويًا في تقديم عدد من الخصومات والعروض لرواد المعرض، إلا أن الجرعة المتاحة هذا العام من التسهيلات تتجاوز كثيرًا الأعوام السابقة، نظرًا للارتفاع المتوالي للأسعار الذي تعاني منه مصر بوطأة كبيرة خلال الفترة الأخيرة، على كافة أنواع السلع والخدمات الاستهلاكية فما بالك والمنتج الثقافي في الأساس يأتي في ذيل القائمة، ربما لهذا بادرت دور النشر لتقدم عروضها الترويجية بسخاء خشية كساد المبيعات في ظل الظروف الراهنة، منها من أقام مسابقات وسحوبات يومية للقراء خصوصًا وأن المعرض شهد إقبالًا كبيرًا على مدار أيامه.
"تتبارى دور النشر سنويًا في تقديم الخصومات والعروض لرواد المعرض، إلا أن الجرعة المتاحة هذا العام من التسهيلات تتجاوز كثيرًا الأعوام السابقة، نظرًا للارتفاع المتوالي للأسعار الذي تعاني منه مصر" |
تفاوت حجم المبيعات في دور النشر بتفاوت الأسعار، على سبيل المثال، قدمت دار الكرمة عددًا من الطبعات السابقة بأسعار مخفضة للغاية تتراوح بين 20 و30 جنيه مصري، من أشهرها رسائل المخرج محمد خان لمدير التصوير سعيد شيمي في ثلاثة أجزاء وسرعان ما نفدت الكمية خصوصًا وقد أهدى الشيمي الدار مجموعة من الصور الفوتوغرافية من كواليس أفلام خان توزع كهدية مع الكتب. في نفس الوقت تقدم الدار طبعة من رواية "الشطار" لخيري شلبي بـ 378ج وهي رواية تروى على لسان كلب بصفته شاهدًا على الأحداث، وعن نفس الدار وصل كتاب "نازلي مدكور" لسعر 1200ج وفيه تستعرض الفنانة التشكيلية مسيرتها الفنية من خلال لوحاتها.
رواية أخرى بعنوان "عداء المتاهة" للأميركي جيمس داشنر سعرها 301ج تنتمي إلى أدب الرعب والإثارة وقد صنفت ضمن قائمة النيويورك تايمز للأكثر مبيعًا. لم يقتصر ارتفاع أسعار الكتب على دور النشر الخاصة فحسب؛ فقد سجل المركز القومي للترجمة والمجلس الأعلى أسعارًا مرتفعة أيضًا، فيما وصل ثمن موسوعة "شخصية مصر" للمفكر جمال حمدان لسبعمائة جنيه، في طبعة جديدة عن دار الهلال وهي إحدى قنوات النشر الحكومي التابعة للدولة.
مئويات وضيوف وخلافه
يُصاحب فعاليات معرض الكتاب في كل عام عدد من الندوات والبرامج الفكرية والثقافية، والمتابع لبرنامج المعرض خلال السنوات القليلة الماضية يجد عددًا من الملامح المعتادة، يأتي في مقدمتها التكرار لأسماء مُعدي ومسؤولي البرنامج أنفسهم في كل عام، وهو ما ينطبق أيضًا على أمسيات الشعر التي تستضيف بشكل دوري أسماء مكررة يعلن البعض منهم قبيل المعرض عن اللقاء السنوي، الأمر الذي صبغ البرنامج عبر الدورات الماضية صلابة وفتورًا وأُحادية في الرؤية أيضًا وكأن لا جديد تحت الشمس، الغريب هذا العام أن قاعات الندوات لم تُتح لجمهور المعرض من القراء العاديين واقتصرت على من يحمل شارة المعرض سواء من موظفين وصحافة وأعلام أو عارضين، الأمر الذي أثر بالطبع على أعداد وكثافة الحضور الجماهيري في القاعات حتى وقت قريب لولا أن انتبهت الإدارة وفتحت الباب للجمهور، من بين الضيوف كان الفنان حسين فهمي والشيخ ياسين التهامي.
احتفى البرنامج أيضًا بعدد من المئويات والمناسبات المتنوعة مثل مئوية الميلاد لكل من محمود مرسي ولطيفة الزيات ومحمد حسنين هيكل، ومئوية رحيل فنان الشعب الموسيقار سيد درويش، بالإضافة إلى مئويتي مفتي مصر السابق الشيخ عبد اللطيف حمزة والبابا شنودة الثالث. وهناك أيضًا مئوية اكتشاف مقبرة توت عنخ أمون في 1922 ومرور 200 عام على أول إصدار من المطابع الأميرية، وهي من أقدم وأكبر المطابع في مصر بنيت في عهد محمد على عام 1820. الملاحظ في الاحتفاليتين (المقبرة والمطابع) هو التأخير في التوقيت حيث تم بالفعل الاحتفاء بالمناسبة الأولى في العام الماضي وبالثانية منذ عامين؛ وهو ما يوضح أيديولوجية اللجان الواضعة لبرنامج المئويات فبرغم أن المناسبات تخضع لفترات زمنية بعينها إلا أن التوافق المقصود في البرنامج لا يخفى على أحد وهي نظرة محاصصية قديمة عفا عليها الزمن.
"في تاريخ الكتابة الأدبية، ظهر نوعان من السرد؛ الأول يتسم بالرصانة والفنية والعمق أما الآخر فعلى العكس تمامًا ولذلك يطلق عليه "كتابة استهلاكية"، الغريب في الأمر أنه وبرغم اختلاف اللغات والثقافات سجل هذا النوع الاستهلاكي أعلى المبيعات" |
في العام الماضي، أثارت دار "هن" الجدل بإصدارها طبعة جديدة للرواية الخالدة "الغريب" أشهر مؤلفات الفرنسي ألبير كامو، كان مبعث الخلاف هو صدور الرواية باللهجة العامية المصرية وانقسمت الأراء وقتئذ بين معارض ومؤيد للفكرة وإن كانت نسبة الرفض هي الأوسع، خصوصًا وأن الترجمة يبدو أنها عن العربية في الأساس وليس عن النسخة الفرنسية، في "الغريب" يُسجل كامو واحدًا من أشهر وأقسى المشاهد الافتتاحية في الروايات، خوّل له أن يكون عرّابًا شرعيًا للعبثية الوجودية لدى الإنسان المعاصر من خلال تلقيه خبر وفاة أمه: "النهارده، ماما ماتت. أو يمكن إمبارح، مش عارف. وصلني تلغراف من الدار بيقول: الوالدة إتوفت. بكرة الدفن. البقية في حياتك".
لا شك في أن الكتابة بالعامية المصرية تجربة شديدة الصعوبة وهي كذلك في الشعر فما بالك بالروايات، من أجل ذلك قالوا عن صلاح جاهين أن الله حباه بتقليب العامية في يديه بقدرة قادر، وربما لا توجد رواية مكتوبة بالعامية نالت شهرة واسعة بقدر "قنطرة الذي كفر" لمصطفى مشرفة، وهي واحدة من أهم وأميز التجارب السردية في الرواية المصرية. في هذا العام، تستمر "هن" في نهجها بإصدار جديد وهذه المرة من أميركا ورائعة أديب نوبل الأشهر هيمنجواي "العجوز والبحر"، ولا شك في أن للصياد سانتياغو ملايين المعجبين على مستوى العالم ومعاناته في رحلة وجودية أخرى بين العبث والحياة، "كان عارف انه خلاص انهزم المرة دي وبشكل نهائي ومافيش خط رجعه، في الضلمة لقى ازازة ميه وشرب منها شوية، وبعدين رقد على السرير".
"مصر بعيون طفلة" كتاب من تأليف أصغر كاتبة في المعرض؛ فريدة محمد، عشر سنوات، قامت فريدة بتقديم ورشة حكي ضمن أنشطة جناح الطفل حازت الإعجاب والتقدير، حيث ازدحم الأطفال حولها يستمعون لما تحكيه بشغف. ازدحام آخر ولكن من نوع مختلف لفت الأنظار بشدة هذا العام حين ارتصت الصفوف إلى ما يقارب بوابات المعرض أمام كشك التوقيعات، وفي الداخل جلس اليوتيوبر الشاب يحيى عزام يوقع روايته الأحدث "مركب عم جابر" التي كتبها بالمشاركة مع محمد عصمت، أحد أشهر كتاب الرعب بين الشباب.
في تاريخ الكتابة الأدبية، ظهر نوعان من السرد؛ الأول يتسم بالرصانة والفنية والعمق أما الآخر فعلى العكس تمامًا ولذلك يطلق عليه "كتابة استهلاكية"، الغريب في الأمر أنه وبرغم اختلاف اللغات والثقافات سجل هذا النوع الاستهلاكي أعلى المبيعات وعددًا من الطبعات المتوالية، محققًا لكتابه النجومية والانتشار الجماهيري أيضًا، بينما ظل النوع الأول يتحرك في دائرة محدودة قوامها المثقفون والنخبة ومن يبحثون عن الثمين بين الغث والرخيص. يقول يحيى عزام إن الرواية تقدم "ميكس" جديدًا يخلط الكوميديا بالرعب، وفي سؤال لمحمد عصمت عن الهدف الذي يرغب في توصيله للقارئ سواء من هذه الرواية أو من الكتابة في عمومها، أجاب بأن هدفه الأساسي هو انبساط القارئ، فليس هناك أغلى على كل قلب كاتب من مقولة على لسان قارئ "لقد استمتعت وكفى!".