طاهر النور: الروايات المكتوبة بالعربية في تشاد ضئيلة للغاية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • طاهر النور: الروايات المكتوبة بالعربية في تشاد ضئيلة للغاية

    طاهر النور: الروايات المكتوبة بالعربية في تشاد ضئيلة للغاية
    صدام الزيدي 26 يناير 2023
    حوارات
    شارك هذا المقال
    حجم الخط



    في رواياته الصادرة بين عامي 2019 و2022 على التوالي: "رماد الجذور"؛ "سيمفونية الجنوب"؛ "مزرعة الأسلاك الشائكة"، يهتم الروائي التشادي، طاهر النور، بتناول التاريخ الاجتماعي والسياسي لتشاد، في إطار لغة سردية جميلة لا تخلو من شاعرية ونفس طويل حيث تنتظم في سياق يحمل المفاجأة والدهشة تباعًا، بما في ذلك روايته الرابعة "قودالا" الفائزة بجائزة توفيق بكار للرواية العربية في تونس، في نسختها الأخيرة.

    ومعلوم أنه حتى ما قبل عام 2004 لم تكن هناك روايات تكتب باللغة العربية في تشاد التي يتحدث سكانها اللغتين الفرنسية والعربية وتعرف بتعدد ثقافاتها وإثنياتها. ويقودنا هذا الحوار لتلمس أحوال المشهد السردي المكتوب بالعربية في تشاد وهو مشهد ينثر ضوءًا خافتًا في عتمةٍ كبيرة حيث مجمل ما صدر من روايات (بالعربية) لا يزيد عن 20 روايةً، كما أن دور نشر الكتاب (بالعربية) شبه غائبة، ونتعرف أيضًا على غياب فاعلية الصحافة الصادرة بالعربية هناك وتجربة "النور" في الصحافة وكتاب جديد له في "أدب الرحلات" يصدر قريبًا.



    جائزة "توفيق بكار"

    (*) لنبدأ الحديث من جائزة "توفيق بكار للرواية العربية" في تونس في نسختها الرابعة 2022، التي فاز مخطوط روايتك "قودالا" بجائزتها الأولى... كيف كانت مشاعرك وأنت تتلقى خبر فوزك بالمركز الأول؟ وهل توقعت الفوز؟

    في الحقيقة كانت مشاعري وقتها متضاربة، بين الشعور بالفرح والامتنان وبين الدهشة. الشعور بالفرح لأني أدركت أن تحقيق الذات ممكن إذا صحبته المثابرة والاستمرار. وبالامتنان، لأن لجنة الجائزة قبلت الاختلاف الذي يأتي من كاتب من وراء الصحراء الكبرى، يحكي عن عوالم وبيئات تختلف كثيرًا عن عوالم وبيئات الإنسان العربي، رغم القرب المسافاتي، والهم الإنسان الواحد. والغريب في الأمر أنني كنت على وشك النوم، حينما تلقيت الخبر عبر صديقة كاتبة أرسلت لي إعلان الفوز، ولم أطلع على إيميل الجائزة إلا في اليوم التالي، لكن الخبر "طيّر نعاسي" كما نقول، في تلك الليلة.

    بصريح العبارة، لم أتوقع الفوز إطلاقًا، لأني أعرف أنني أكتب بشكل مختلف، ومن الصعب على الجوائز العربية أن تتقبل اختلافي بصدر رحب، لذا كنتُ مندهشًا أن لجنة تحكيم جائزة توفيق بكار، لم تر في اختلاف عوالمي حائلًا بيني وبين نيلي لجائزة عربية.

    (*) حدثنا عن رواية "قودالا"؟

    تدور أحداث رواية " قودالا" في قرية صغيرة في وسط تشاد، تأخذ من حرب ما عرف "بحرب التسعة شهور" 1979 منطلقًا أساسيًا لها، فتبني من حيوات القرى والحرب، مزيجًا غريبًا من الحكايات، والأحداث، والشخصيات المجنونة، والمتخبطة، والعاشقة، والساحرة، وغير السوية. وبالطبع، فإنّ الخراب الذي تتسبب به الحروب يساهم في تسميم الأجواء وانتشار الأوبئة والأمراض المستعصية، وفي النهاية يندر الأمن، وتضيق المساحات المزروعة بالغلال، وتكثر الأراضي القاحلة، وينتج عن كل ذلك الجوع الذي يغدو هو الآخر، كوباء ناتج عن جشع لا يرتوي للقوة والسلطة والنفوذ. وبما أن ثيمة الرواية تعتمد على الخرافة أو الأسطورة فإنه حين تندلع الحرب، وتأكل بنارها الأخضر واليابس، فإنّ على أبطالها في سبيل النجاة، العمل على تفادي الموت، ويستوجب الأمر منهم البحث عن مكان، للخلاص من الفاجعة المرتقبة التي لا سبيل لتفاديها إلا بمواجهتها بقوى خفية، لا قدرة للآلة الحربية الصماء على تخطيها.

    وأكثر من هذا، فإن الرواية تشتمل على تفاصيل كثيرة وصغيرة لأبطالها، يتداخل فيها الطقوسي مع الخرافي والخرافي مع الواقعي والواقعي مع السياسي، لكن بقالب يظهر كل شكل من هذه الأشكال على مستوى ما، بما يخدم النص، ويسير به سيرًا حسنًا.
    "عندما بدأت النشر، لم تكن هناك أي دار نشر عربية في تشاد، هناك دور فرنسية، لكن عالمَيْنا "الفرنكفوني والعربفوني" يعيشان في معزل عن التشارك، ولذلك كنتُ مضطرًا إلى النشر في الخارج"
    غياب دور نشر الكتاب العربي

    (*) اتجهت للنشر في دور نشر عربية... هل النشر في تشاد ممكن أم أن دور نشر الأدب المكتوب بالعربية غائبة؟

    عندما بدأت النشر، لم تكن هناك أي دار نشر عربية في تشاد، هناك دور فرنسية بطبيعة الحال، لكن عالمَيْنا "الفرنكفوني والعربفوني" يعيشان في معزل عن التشارك، ولذلك كنتُ مضطرًا إلى النشر في الخارج، طالما أريد رؤية كتبي مطبوعة. فما كنت أحبذ نشر كتبي على شكل مذكرات، كما فعل بعض الكتّاب، دون أن تحمل كتبهم صيغًا رسمية تحمي حقوقهم الفكرية. وهذا شيء غير ممكن بالنسبة لي، ومن الأجدر البحث عن ناشر خارج الحدود. والنشر في الخارج يساعدني إلى حد كبير، ليس على الظهور وإيجاد قارئ جيّد وناقد جيّد فحسب، وإنما يمكن أن يشكل جسرًا للتنوير والاكتشاف والتواصل مع أجيال مختلفة في دول مختلفة، وكذلك مع التاريخ، مع العلوم، ومختلف تفاصيل الحياة، التي تنبني على التراكم في نظرة الناس إلى الهوية والآداب.






    (*) قبل أقل من عقدين من الآن، وتحديدًا في العام 2004، صدرت أول رواية مكتوبة باللغة العربية في تشاد، بعكس ما يكتب بالفرنسية والذي هو أقدم... في هذه الفترة الوجيزة نوعًا ما كم بلغ عدد الروايات المكتوبة بالعربية وماذا عن مستواها المضموني والفني؟


    على الرغم من مُضيّ ما يقارب العقدين من الزمان على نشر أول رواية عربية في تشاد، فإن ما كُتب يمكن أن يعدّ على الأصابع، ولا يتجاوز عشرين نصًا روائيًا، مختلفًا من حيث التقنيات والحكي والتصوير، بعضها يصل إلى مستوى السرديات الجديرة بالقراءة والاهتمام، وبعضها الآخر يراوح مكانه، لأنه كُتب بشكل متواضع جدًا، بسبب الموهبة أو قلة التراكمات الحياتية أو الثقافية.


    (*) عملت سكرتيرًا لتحرير جريدة أنجمينا الجديدة كما عملت في صحيفة الأيام... حدثنا عن هذه التجربة وكيف هو واقع الصحافة المكتوبة بالعربية في تشاد إجمالًا؟

    الكتابة الروائية هي نزهات في عالم السرد، بحسب تعبير الإيطالي إمبرتو إيكو، فعالم الروائي هو عالم الخرائط المتخيّلة أو بالأحرى المُختلقَة، التي يهندسها عن طريق رسم حيوات كثيرة لعدة شخصيات مختلفة، ومتناقضة، يرسم لها بدايات ونهايات، محطات ومصائر، وفي آخر الأمر يضعها على أعتاب مفترقات طرق قد يبقيهم أحياء وقد يميتهم، باعتبار أن الحياة كوميديا سوداء أو ملهاة إنسانية.

    بعد التجربة في الكتابة الصحافية التي قادتني إلى الكتابة السردية، أوافق بشدة على ما قالته الأميركية دوروثي براندي، بأن على الكاتب التدرب على الكتابة الصحافية إن كان ينوي كتابة الأدب، لأن مهنة الصحافة تعطيه درسين على كل كاتب أن يتعلمهما، وهما، أولًا: إمكانية الكتابة لفترة طويلة بدون الاحساس بالتعب، وثانيًا عند ما يتخطى الإنسان مرحلة التعب الأولى، يجد بأن هناك طاقة كامنة لا يمكن تصورها يصل الإنسان خلالها إلى ما يصبو إليه. ولو لم أكتب بالصحافة، لما كنتُ كتبتُ الرواية بهذا النفس الطويل والمتضافر.

    لكن واقع الصحافة التي عملتُ وكتبت فيه، خلال السنوات القليلة الماضية، تغيّر الآن كثيرًا، ولم يعد للصحف العربية أي دور يمكن أن يُذكر، ربما لأن الصحافة الإلكترونية قد طغت على الصحافة الورقية، ومن ثم فقد شعر ملاّكها بالإحباط، لأنهم في الأساس يموّلونها بمصادرهم الخاصة، ولا يحصلون إلا على القليل من الدعم الشخصي وبعض الفُتات من اشتراكات المؤسسات والسفارات، ودفعات هزيلة من الدولة تأتي مرّة في السنة.
    "أوافق بشدة على ما قالته الأميركية دوروثي براندي، بأن على الكاتب التدرب على الكتابة الصحافية إن كان ينوي كتابة الأدب"
    (*) في 2015 حصلت على لقب "قاص الجامعة"، جامعة الملك فيصل في تشاد... ماذا كانت المسابقة؟ وأين هو اهتمامك بكتابة القصة القصيرة؟

    المسابقة تهتم بالطلاب المسجلين لدى الجامعة فقط، ولذلك فإنها محصورة في منتسبيها، وبالإضافة إلى القصة القصيرة فإنها تهتم أيضًا بضروب أخرى، أهمها الشعر، ولكنها في السنوات الأخيرة لم تعد تنظم هذه المسابقة، ربما لعدم وجود الموارد المالية الكافية أو سوء التنظيم أو عدم وجود الرؤيا.

    شخصيًا لست من هواة القصة القصيرة، وربما كتبتها مدفوعًا بالرغبة في السرد، ولمّا وجدت شغفي في الرواية، طلقتها هي الأخرى، كما فعلتُ مع الشعر من قبل.


    (*) أنت حاصل على شهادة "ميتريز" في الحقوق، من جامعة الملك فيصل بتشاد، سنة 2015، وحصلت كذلك على دبلوم في القضاء من "المدرسة الوطنية للتكوين القضائي"، حيث تعمل الآن في محاكم تشادية... بين وظيفة القضاء وطقوس الكتابة وهمومها كيف توزع وقتك؟

    صحيح أن عملي يتناقض تمامًا مع شغفي بالكتابة السردية، لكني استطعتُ أن أواصل الكتابة وأن أخلع عني صفة القانوني وأدع كل شيء في أروقة المحاكم. ربما يكون من الصعب إيجاد الوقت، بيد أن طبيعتي في العزلة وعدم حبي للأنشطة الاجتماعية، وقدرتي على التكيّف مع وحدتي، أشياء ساعدتني كثيرًا على مواجهة الإغراءات بالخروج للنوادي أو مشاركة الآخرين هواياتهم. وكل ما أنا في حاجة إليه هو "غرفة تخص المرء وحده"، بتعبير فرجينيا وولف، تساعدني على مقارعة هذه العوالم الروائية المعقدة. يقول كونديرا: "إن روح الرواية هي روح التعقيد، وإن كل رواية تقول للقارئ: إن الأشياء أكثر تعقيدًا مما تظن". نعم، كتابة رواية جيدة، أكثر تعقيدًا مما يظن القارئ الذي يطلع على عمل شبه متكامل، ويحسب أن الكاتب، تلقى الإلهام الذي وضع له كل شيء على طبق من فضة.


    تشادي في لبنان

    (*) بعيدًا عن السرد الروائي، يصدر لك قريبًا كتاب بعنوان "حكاية الأرض للسماء، أيام في لبنان" وهو يندرج ضمن أدب الرحلات، كيف هي تجربة هذا النوع من الكتابة وما هو محتوى الكتاب وكيف جاءتك الفكرة؟

    خلال عملي في الصحافة كنت أقرأ كثيرًا في أدب الرحلات، ولطالما أحببت ارتياد الآفاق (أستعير هنا التوصيف من السلسلة العربية الشهيرة الخاصة بأدب الرحلة) والقيام بتجربة مماثلة لتجربة أنيس منصور أو محمود السعدني أو ابن بطوطة أو ابن عمر التونسي. غير أن هذا يتطلب مالًا، وروحًا أكثر جرأة على خوض المجهول من روحي. وعند ما سنحت لي الفرصة كتبتُ أول رحلة لي في عام 2016، وهي رحلة داخلية حدودية، قمت بها بصحبة مؤسس ومدير جريدة أنجمينا الجديدة، الراحل آدم عبد الله، ولم يقيّض لي نشرها حتى الآن. أما "حكاية الأرض للسماء، أيام في لبنان" التي نتجت عن سفري إلى لبنان بمنتصف 2017، فقد كتبتها بعد عودتي مباشرة، وأرسلتها لدار نشر مصرية أجلت نشرها بسبب التملص والتبرير والكثير من الحجج، وفي نهاية المطاف تبنّتْها دار المصورات السودانية، بعد أن فسختُ العقد مع الدار المصرية بالتراضي.

    شخصيًا أتفانى في أي مجال أخوض فيه، فأنا أمارس الكتابة من باب الشغف والتوق والنشوة والسعادة، وسأتوقف عندما أرى أنه لا يمكنني ضخ مياه جديدة في بحر الكلمة المبدعة، سيرًا على قصيدة الشاعر الأميركي تشارلز بوكوفسكي المعنونة "تريد أن تصبح كاتبا"، ومن ضمن ما يقول: (إذا لم تخرج متفجّرة منك، برغم كل شيء فلا تفعلها./ إذا لم تخرج منك دون سؤال، من قلبك ومن عقلك ومن فمك ومن أحشائك فلا تفعلها./... إذا كنتَ تفعلها للمال أو الشهرة، فلا تفعلها./ لا تفعلها إلا إن كانت تخرج من روحك كالصاروخ،/ إلا إن كان سكونك سيقودك للجنون أو للانتحار أو القتل".

    والكاتب يلعب دور الخالق، لأنه يخلق. وينبغي أن نحب ما نخلقه، وأن نصبغه بالحياة، بالألم والأحلام الجديدة.


يعمل...
X