النكبة الفلسطينية من خلال الصورة: في أحوال اللاجئين
هاني حوراني 22 فبراير 2023
فوتوغراف
مخيم نهر البارد، طرابلس، لبنان، 1952، تصوير ميرتل وينتر
شارك هذا المقال
حجم الخط
لعلّ من أهم المساهمات الحديثة التي تناولت قراءة النكبة الفلسطينية من خلال الصور الفوتوغرافية مقالة د. عصام نصار، الأستاذ في تاريخ الشرق الأوسط في معهد الدوحة للدراسات العليا، والخبير في تاريخ التصوير الفوتوغرافي لفلسطين والشرق الأوسط، والتي حملت عنوان "التصوير الفوتوغرافي والمظلومون: في تصوير اللاجئين الفلسطينيين"، والمنشورةفي المجلة الدولية للتاريخ والثقافة والحداثة، في عام 2020(1).
تتناول المقالة التصوير الفوتوغرافي للاجئين الفلسطينيين من قبل المصورين الذين عملوا لدى وكالة الأمم المتحدة للإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (UNRWA). وقد خلصت المقالة بعد قراءة في عددٍ من صور الوكالة المذكورة إلى أن الأخيرة هدفت منذ البداية إلى توثيق أعمال الإغاثة التي كانت تقوم بها أكثر مما حاولت توثيق حياة اللاجئين أنفسهم.
يعرض نصار باختصار كيف تم توثيق أحداث النكبة من قبل المصورين الصحافيين، مثل جون فيلبس، مصور مجلة لايف (Life) الأميركية، ويبين أنه يمكن العثور على صور الفلسطينيين المهجرين بالإكراه في أرشيفات وكالات الأخبار العالمية، حيث التقطت لهم الصور في الأماكن التي لم يعودوا مواطنين فيها، وإنما كلاجئين إلى أجل غير مسمى.
ومن ناحية أخرى فإن المصورين الذين رافقوا الفصائل العسكرية الصهيونية، ومن ثم القوات الإسرائيلية الرسمية (جيش الدفاع الإسرائيلي)، صوروا الأحداث المتعلقة بالنكبة، ولكن من منظور القوات التي رافقوها، وليس من زاوية أولئك الذين كانوا في طريقهم إلى المنافي وأماكن اللجوء. ويقول: "مع ذلك يمكن استخدام الصور التي تم إنتاجها في دراسة أحداث النكبة". وبعد أن يشير إلى أسماء بعض المصورين الفلسطينيين والعرب الذين وثقوا بعض وقائع الصراع الفلسطيني – الصهيوني، يؤكد نصار أنهم أخفقوا في تصوير النزوح الفلسطيني.
وكما هو معروف، فقد توزع اللاجئون الفلسطينيون على مخيمات في المناطق المتاخمة للأجزاء المتبقية من فلسطين، وخارج السيطرة الإسرائيلية، حيث قامت عدة هيئات دولية لمساعدة هؤلاء، قبل أن تضطر الأمم المتحدة في النهاية إلى التدخل وإنشاء وكالة خاصة بهم، تحت مسمى "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين فلسطين في الشرق الأدنى"، والمعروفة باسم الأونروا. قسم التصوير في "الأونروا": نشأته ودوره
يطرح عصام نصار على نفسه السؤال المركزي الذي يشكل محور مقالته، ألا وهو ما إذا كانت الصور الفوتوغرافية التي التقطها العاملون في وكالة الغوث الدولية – الأونروا خلال عملها على مدار العقود الماضية، قد وسعت معرفتنا بأحوال اللاجئين الفلسطينيين؟!
وكانت الأونروا قد تأسست في كانون الأول/ ديسمبر 1949، بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 302، وباشرت عملها في أيار/ مايو 1950، حيث بدأت بتقديم خدماتها الأساسية في مجال التعليم والصحة والمساعدة الغذائية.
وفي عام 1952 أنشأت الوكالة قسمًا خاصًا بالتصوير، كما يكتب نصار، حيث كلفت ميرتل وينتر (Myrtle Winter)، الموظفة السابقة في السفارة البريطانية بالقاهرة، بهذه المهمة، وكانت هذه مصورة هاوية، سبق لها أن التقطت صورًا لمخيم للاجئين في شمال لبنان ويبدو أنها لفتت انتباه إدارة الأونروا. وقد قامت وينتر بتوظيف عدد من الموظفين ودربتهم على التصوير الفوتوغرافي، وبمرور السنين ضم القسم عددًا من المصورين المهمين الذين تركوا بصماتهم على التصوير الفوتوغرافي والفن التشكيلي في الإقليم. كما نما أرشيف الصور الفوتوغرافية الخاص بمخيمات اللاجئين الفلسطينيين التي وصل عددها إلى 62 مخيمًا، موزعةً ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن وسورية ولبنان. وقد توزع هذا الأرشيف الضخم لصور المخيمات، والذي ضم آلاف الصور، ما بين مقار الأونروا في كل من عمان وغزة وفيينا. وقد استخدمت الوكالة الصور الفوتوغرافية المجمعة لديها من اجل توثيق أنشطتها من ناحية ومن أجل استخدامها في حملات جمع التبرعات لصالح عملها.
ينتقد عصام نصار بشكل عابر مؤرخي الشعب الفلسطيني، لعدم انتباههم لأهمية الصور كمصادر وثائقية لدراساتهم، بمن فيهم أولئك الذين أعدوا دراسات خاصة بتجربة اللاجئين الفلسطينيين. لكنه في الوقت نفسه يشير إلى أن الفنانين والحركات السياسية استخدموا صور الأونروا على نطاق واسع لأغراض دعائية، كما أن الفصائل الفلسطينية ومنظمات التضامن مع الشعب الفلسطيني (وكذلك الأونروا ذاتها) استخدمت تلك الصور في ملصقاتها ومطبوعاتها المختلفة.
11 ألف صورة للتعريف بمعاناة اللاجئين أم لتوثيق أنشطة الأونروا؟!
يطرح هنا كاتب المقالة سؤالًا عما حققه هذا الأرشيف الضخم من الصور (يصل حسب المقالة إلى 11 ألف صورة) للتعريف بمحنة اللاجئين الفلسطينيين وحياتهم في مخيمات اللجوء، خاصة وأنه الأرشيف الأضخم عن الفلسطينيين – واللاجئين منهم خاصة – منذ النكبة وحتى اليوم.
وللإجابة فإن عصام نصار يميز ما بين مستويين مختلفين من المعرفة التي كان يمكن لهذا الأرشيف الضخم أن يقدمه، الأول هو المستوى العام، أو الأرشيف بمجمله، والثاني هو المستوى الجزئي أو المنفرد لكل "صورة أو مقطع فيلم"، حيث يمكن أن "ينيرنا عن حياة المخيمات ومحنة اللاجئين في كل فترة زمنية محددة".
في مقاربته لدور الأرشيف العام لصور الأونروا، يرى أن الأرشيف يقدم للمشاهدين مجموعة متنوعة من الروايات حول أوضاع اللاجئين، وكذلك حول التغيرات التي استجدت عليها على مدار عقود سابقة. ويقول: "تعمل مجموعة الصور الفوتوغرافية، كأرشيف على مستويين من المكان والزمان، لكن هناك مستوى أو وظيفة ثالثة تتعلق بالسلطة". فهي لا تحدد المكان والتاريخ والسرد، وإنما تعمل أيضًا وفقًا للنظام والقانون. ويستعين بالفيلسوف الفرنسي جاك دريدا Jacques Derrida، ليحدد الوظيفة الأخيرة، في حالة أرشيف الأونروا، ألا وهي دورها كوكالة دولية تخضع لهيكل ووظيفة مؤسسها، أي الأمم المتحدة، حيث تتجلى قوة الوكالة بوضوح في كل صورة من مجموعتها الفوتوغرافية.
يعود عصام نصار أيضًا إلى الفيلسوف والناقد الفرنسي رولان بارت (Roland Barthes)، الذي كان قد اقترح التمييز بين ما أسماه "studium، punctum". ويقصد بـ "Studium" النظر إلى الصورة من منظور الاهتمام العام بموضوعها، أما "Punctum" فيتعلق "بالعنصر الذي يرتفع من المشهد، وينطلق بما يشبه السهم ويخترق المشاهد". ويفسر نصار ذلك بالتمييز ما بين المشاهدة العرضية للصورة، بسبب الاهتمام بموضوعها العام، وبين وجود خاصية خاصة داخل الصورة نفسها تجبر المشاهد على النظر إليها.
على ضوء ما مرّ فإن نصار يقارن ما بين صور الوكالة والتعليقات التوضيحية التي تضعها وكالة الغوث عليها، ليخلص إلى أن تعليقات الوكالة لا تعكس ما تقدمه الصور فيما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين، بقدر ما تعكس دورها كمنظمة مكلفة برعاية شؤونهم وتحسين أوضاعهم المعيشية.
تقدم مقالة عصام نصار أمثلة نموذجية على الكيفية التي يمكن لتعليقات الأونروا على صور المخيمات الفلسطينية أن تحرف المشاهد عن اللاجئين أنفسهم، من خلال التركيز على الصورة، باعتبارها الدليل على نشاط الوكالة، وفي الوقت نفسه تتجاهل ألم اللاجئين أنفسهم وتجعله غير مرئي تمامًا.
ومن هذه الأمثلة قراءته لصورة شهيرة لمخيم نهر البارد، شمال لبنان، عام 1952، وهي صورة جميلة جدًا وتشبه اللوحات الكلاسيكية، حيث السماء مغطاة بطبقات من الغيوم، وتحتل الثلث الأعلى من الصورة، وفي الثلثين الأدنى من الصورة نشاهد خيام اللاجئين الفلسطينيين على مد النظر. وإن القيمة الجمالية للصورة تكاد تصرف الأنظار عن بعض التفاصيل فيها، ولا تبقى سوى "شظايا من الحياة داخل المخيم"، حسب تعبير كاتب المقالة، الذي يذهب بعيدًا في تحريها والكشف عنها، من خلال تكبير بعض تفاصيل الصورة، مثل ملابس النساء وهن يحملن الجرار لنقل الماء إلى خيمهن، أو نشاط الرجل العجوز الذي يعمل خارج خيمته، والأطفال الذين يلعبون فيما يبدو في ساحة مدرسة في الخلف، ووجود تلميذ مدرسة يسير وراء النساء الثلاث، وينتهي إلى القول بأن تشريح الصورة نفسها، مع "تنحية القيمة الجمالية والتقنية جانبًا... تمكننا من الكشف عن أدلة تشير إلى تاريخ مجتمع اللاجئين في المخيم، وعنف إقتلاعهم وبؤس حياتهم اليومية".
ويضيف أن هذه الصورة قادرة على اختراقك، كمشاهد، لكن فقط إذا كانت لديك المعرفة المسبقة بموضوعها، وبالمخيم وبالظروف التي أدت إلى إنشائه.
ثمة صورة أخرى يخضعها نصار للفحص واستخلاص المعنى الأكثر تجسيدًا فيها. وهنا يتوقف أمام صورة أمرأه فلسطينية فارة من الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية تعبر نهر الأردن، عبر جسر مؤقت أقيم بعد تدمير جسر أللنبي (جسر الملك حسين لاحقًا)، وتقول قراءته للصورة: "المرأة هي النقطة المحورية للصورة (...) تعابير وجهها تظهر أنها في محنة، الطفل القريب من ركبتها، والمستلقي على الحقائب يبدو متعبًا أيضًا". "إن وجع المرأة هو ما يخرج من هذه الصورة، وليس حاجات الأونروا لجمع التبرعات، ومع ذلك، يمكن أن يكون ألمها أيضًا وسيلة لتحقيق استراتيجية أخرى بجمع التبرعات لصالح الوكالة..!!".
وينتهي إلى أنه على الرغم من أننا لا نعرف شيئًا عن هوية المرأة التي تظهر في الصورة، إلا أن وجودها لديه القدرة على أن يقودنا إلى الحاضر، حيث يوجد العديد من اللاجئين الذاهلين، الذين ما زالوا يواصلون العيش.
قراءة صور "الاونروا": إبحث عن المحتوى
في الختام يقول عصام: إن فحص صور مجموعة الأونروا يتطلب أن يتعمق الباحث في التفاصيل التي قد لا تكاد تكون ظاهرة، إلا من خلال عين كعين عالم الآثار. فمن خلال فحص الصور وتحري تفاصيلها يمكننا تجاوز جمالية الصورة إلى محتواها السياسي: إن صورة ميرتل وينتر عن مخيم نهر البارد، شمال لبنان المشار إليها آنفًا، سواء أكانت صاحبتها مدركة أم لا هي صورة مذهلة، ترفض أن تقتصر على احتمال معنى واحد، وفقط من خلال استجواب الصورة، والبحث في التفاصيل المتضمنة داخلها، وطرح الأسئلة حول ما هو غير موجود داخل إطارها، فيه ما يمنحنا القدرة على إعادة تركيز موضوع الصورة، وهي هنا: اللاجئون، تاريخهم ومحنتهم.
والخلاصة هي أن الإجابات عن الأسئلة الخاصة باللاجئين الفلسطينيين، وكيف توقفوا عن كونهم مواطنين في بلد ما وأصبحوا لاجئين، وماذا يعني كونك لاجئًا، موجودة ليس فقط داخل الصورة إنما أيضًا خارجها.
(1) أنظر عصام نصار في: Photography and the Oppressed On Photographing the Palestinian Refugees, international journal for history, culture and modernity, (2020), 1-20 ,brill.com/hcm
هاني حوراني 22 فبراير 2023
فوتوغراف
مخيم نهر البارد، طرابلس، لبنان، 1952، تصوير ميرتل وينتر
شارك هذا المقال
حجم الخط
لعلّ من أهم المساهمات الحديثة التي تناولت قراءة النكبة الفلسطينية من خلال الصور الفوتوغرافية مقالة د. عصام نصار، الأستاذ في تاريخ الشرق الأوسط في معهد الدوحة للدراسات العليا، والخبير في تاريخ التصوير الفوتوغرافي لفلسطين والشرق الأوسط، والتي حملت عنوان "التصوير الفوتوغرافي والمظلومون: في تصوير اللاجئين الفلسطينيين"، والمنشورةفي المجلة الدولية للتاريخ والثقافة والحداثة، في عام 2020(1).
تتناول المقالة التصوير الفوتوغرافي للاجئين الفلسطينيين من قبل المصورين الذين عملوا لدى وكالة الأمم المتحدة للإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (UNRWA). وقد خلصت المقالة بعد قراءة في عددٍ من صور الوكالة المذكورة إلى أن الأخيرة هدفت منذ البداية إلى توثيق أعمال الإغاثة التي كانت تقوم بها أكثر مما حاولت توثيق حياة اللاجئين أنفسهم.
يعرض نصار باختصار كيف تم توثيق أحداث النكبة من قبل المصورين الصحافيين، مثل جون فيلبس، مصور مجلة لايف (Life) الأميركية، ويبين أنه يمكن العثور على صور الفلسطينيين المهجرين بالإكراه في أرشيفات وكالات الأخبار العالمية، حيث التقطت لهم الصور في الأماكن التي لم يعودوا مواطنين فيها، وإنما كلاجئين إلى أجل غير مسمى.
ومن ناحية أخرى فإن المصورين الذين رافقوا الفصائل العسكرية الصهيونية، ومن ثم القوات الإسرائيلية الرسمية (جيش الدفاع الإسرائيلي)، صوروا الأحداث المتعلقة بالنكبة، ولكن من منظور القوات التي رافقوها، وليس من زاوية أولئك الذين كانوا في طريقهم إلى المنافي وأماكن اللجوء. ويقول: "مع ذلك يمكن استخدام الصور التي تم إنتاجها في دراسة أحداث النكبة". وبعد أن يشير إلى أسماء بعض المصورين الفلسطينيين والعرب الذين وثقوا بعض وقائع الصراع الفلسطيني – الصهيوني، يؤكد نصار أنهم أخفقوا في تصوير النزوح الفلسطيني.
وكما هو معروف، فقد توزع اللاجئون الفلسطينيون على مخيمات في المناطق المتاخمة للأجزاء المتبقية من فلسطين، وخارج السيطرة الإسرائيلية، حيث قامت عدة هيئات دولية لمساعدة هؤلاء، قبل أن تضطر الأمم المتحدة في النهاية إلى التدخل وإنشاء وكالة خاصة بهم، تحت مسمى "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين فلسطين في الشرق الأدنى"، والمعروفة باسم الأونروا. قسم التصوير في "الأونروا": نشأته ودوره
يطرح عصام نصار على نفسه السؤال المركزي الذي يشكل محور مقالته، ألا وهو ما إذا كانت الصور الفوتوغرافية التي التقطها العاملون في وكالة الغوث الدولية – الأونروا خلال عملها على مدار العقود الماضية، قد وسعت معرفتنا بأحوال اللاجئين الفلسطينيين؟!
وكانت الأونروا قد تأسست في كانون الأول/ ديسمبر 1949، بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 302، وباشرت عملها في أيار/ مايو 1950، حيث بدأت بتقديم خدماتها الأساسية في مجال التعليم والصحة والمساعدة الغذائية.
يبين عصام نصار أنه يمكن العثور على صور الفلسطينيين المهجرين بالإكراه في أرشيفات وكالات الأخبار العالمية، حيث التقطت لهم الصور في الأماكن التي لم يعودوا مواطنين فيها، وإنما كلاجئين إلى أجل غير مسمى! |
ينتقد عصام نصار بشكل عابر مؤرخي الشعب الفلسطيني، لعدم انتباههم لأهمية الصور كمصادر وثائقية لدراساتهم، بمن فيهم أولئك الذين أعدوا دراسات خاصة بتجربة اللاجئين الفلسطينيين. لكنه في الوقت نفسه يشير إلى أن الفنانين والحركات السياسية استخدموا صور الأونروا على نطاق واسع لأغراض دعائية، كما أن الفصائل الفلسطينية ومنظمات التضامن مع الشعب الفلسطيني (وكذلك الأونروا ذاتها) استخدمت تلك الصور في ملصقاتها ومطبوعاتها المختلفة.
أم فلسطينية تعبر من الضفة الغربية إلى الأردن عبر جسر دامية بعيد حرب 1967 وفلسطينيون انتزعوا من مدنهم وقراهم ينتظرون نقلهم إلى مناطق اللجوء، نيسان/ أبريل 1949. تصوير جون فيلبس، مجلة "لايف" الأميركية |
يطرح هنا كاتب المقالة سؤالًا عما حققه هذا الأرشيف الضخم من الصور (يصل حسب المقالة إلى 11 ألف صورة) للتعريف بمحنة اللاجئين الفلسطينيين وحياتهم في مخيمات اللجوء، خاصة وأنه الأرشيف الأضخم عن الفلسطينيين – واللاجئين منهم خاصة – منذ النكبة وحتى اليوم.
وللإجابة فإن عصام نصار يميز ما بين مستويين مختلفين من المعرفة التي كان يمكن لهذا الأرشيف الضخم أن يقدمه، الأول هو المستوى العام، أو الأرشيف بمجمله، والثاني هو المستوى الجزئي أو المنفرد لكل "صورة أو مقطع فيلم"، حيث يمكن أن "ينيرنا عن حياة المخيمات ومحنة اللاجئين في كل فترة زمنية محددة".
في مقاربته لدور الأرشيف العام لصور الأونروا، يرى أن الأرشيف يقدم للمشاهدين مجموعة متنوعة من الروايات حول أوضاع اللاجئين، وكذلك حول التغيرات التي استجدت عليها على مدار عقود سابقة. ويقول: "تعمل مجموعة الصور الفوتوغرافية، كأرشيف على مستويين من المكان والزمان، لكن هناك مستوى أو وظيفة ثالثة تتعلق بالسلطة". فهي لا تحدد المكان والتاريخ والسرد، وإنما تعمل أيضًا وفقًا للنظام والقانون. ويستعين بالفيلسوف الفرنسي جاك دريدا Jacques Derrida، ليحدد الوظيفة الأخيرة، في حالة أرشيف الأونروا، ألا وهي دورها كوكالة دولية تخضع لهيكل ووظيفة مؤسسها، أي الأمم المتحدة، حيث تتجلى قوة الوكالة بوضوح في كل صورة من مجموعتها الفوتوغرافية.
تقدم مقالة نصار أمثلة نموذجية على الكيفية التي يمكن لتعليقات الأونروا على صور المخيمات الفلسطينية أن تحرف المشاهد عن اللاجئين أنفسهم، من خلال التركيز على الصورة، باعتبارها الدليل على نشاط الوكالة، وفي الوقت نفسه تتجاهل ألم اللاجئين أنفسهم وتجعله غير مرئي |
على ضوء ما مرّ فإن نصار يقارن ما بين صور الوكالة والتعليقات التوضيحية التي تضعها وكالة الغوث عليها، ليخلص إلى أن تعليقات الوكالة لا تعكس ما تقدمه الصور فيما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين، بقدر ما تعكس دورها كمنظمة مكلفة برعاية شؤونهم وتحسين أوضاعهم المعيشية.
تقدم مقالة عصام نصار أمثلة نموذجية على الكيفية التي يمكن لتعليقات الأونروا على صور المخيمات الفلسطينية أن تحرف المشاهد عن اللاجئين أنفسهم، من خلال التركيز على الصورة، باعتبارها الدليل على نشاط الوكالة، وفي الوقت نفسه تتجاهل ألم اللاجئين أنفسهم وتجعله غير مرئي تمامًا.
مخيم الجلزون للاجئين الفلسطينيين، شمال رام الله، الضفة الغربية، 1949، والصورة تعود للصليب الأحمر الدولي |
ويضيف أن هذه الصورة قادرة على اختراقك، كمشاهد، لكن فقط إذا كانت لديك المعرفة المسبقة بموضوعها، وبالمخيم وبالظروف التي أدت إلى إنشائه.
ثمة صورة أخرى يخضعها نصار للفحص واستخلاص المعنى الأكثر تجسيدًا فيها. وهنا يتوقف أمام صورة أمرأه فلسطينية فارة من الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية تعبر نهر الأردن، عبر جسر مؤقت أقيم بعد تدمير جسر أللنبي (جسر الملك حسين لاحقًا)، وتقول قراءته للصورة: "المرأة هي النقطة المحورية للصورة (...) تعابير وجهها تظهر أنها في محنة، الطفل القريب من ركبتها، والمستلقي على الحقائب يبدو متعبًا أيضًا". "إن وجع المرأة هو ما يخرج من هذه الصورة، وليس حاجات الأونروا لجمع التبرعات، ومع ذلك، يمكن أن يكون ألمها أيضًا وسيلة لتحقيق استراتيجية أخرى بجمع التبرعات لصالح الوكالة..!!".
وينتهي إلى أنه على الرغم من أننا لا نعرف شيئًا عن هوية المرأة التي تظهر في الصورة، إلا أن وجودها لديه القدرة على أن يقودنا إلى الحاضر، حيث يوجد العديد من اللاجئين الذاهلين، الذين ما زالوا يواصلون العيش.
قراءة صور "الاونروا": إبحث عن المحتوى
في الختام يقول عصام: إن فحص صور مجموعة الأونروا يتطلب أن يتعمق الباحث في التفاصيل التي قد لا تكاد تكون ظاهرة، إلا من خلال عين كعين عالم الآثار. فمن خلال فحص الصور وتحري تفاصيلها يمكننا تجاوز جمالية الصورة إلى محتواها السياسي: إن صورة ميرتل وينتر عن مخيم نهر البارد، شمال لبنان المشار إليها آنفًا، سواء أكانت صاحبتها مدركة أم لا هي صورة مذهلة، ترفض أن تقتصر على احتمال معنى واحد، وفقط من خلال استجواب الصورة، والبحث في التفاصيل المتضمنة داخلها، وطرح الأسئلة حول ما هو غير موجود داخل إطارها، فيه ما يمنحنا القدرة على إعادة تركيز موضوع الصورة، وهي هنا: اللاجئون، تاريخهم ومحنتهم.
والخلاصة هي أن الإجابات عن الأسئلة الخاصة باللاجئين الفلسطينيين، وكيف توقفوا عن كونهم مواطنين في بلد ما وأصبحوا لاجئين، وماذا يعني كونك لاجئًا، موجودة ليس فقط داخل الصورة إنما أيضًا خارجها.
(1) أنظر عصام نصار في: Photography and the Oppressed On Photographing the Palestinian Refugees, international journal for history, culture and modernity, (2020), 1-20 ,brill.com/hcm