أطالب بالعودة إلى الاغتراب (من أدب المهاجرين الإيطالي)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أطالب بالعودة إلى الاغتراب (من أدب المهاجرين الإيطالي)



    أطالب بالعودة إلى الاغتراب (من أدب المهاجرين الإيطالي)
    كانديلاريا روميرو 4 فبراير 2023
    ترجمات
    كانديلاريا روميرو تمسرح حديقة عامة
    شارك هذا المقال
    حجم الخط

    كانديلاريا روميرو كاتبة وشاعرة وممثلة مسرحية ألِفَ الناس حضورها منذ سنوات، منذ اعتادت أن تقف بمفردها على المنصة، أيّ منصة، على حافة حوض من الزهور في أفنية المباني، أو على أرصفة الشوارع، أو حتى على جذع شجرة، أو مقعد في حديقة عامة، لتقدم عروضها، وهو ما فعلته أيضًا طوال جائحة كورونا. لا يهمها إن كان ثمة جمهور، أم لا، إذ حالما تستخرج من قبعتها السحرية القصص القديمة، قصصها هي، قصص المهاجرين، وقصص العالم، في مزيج من لغات حياتها اليومية، الإسبانية والسويدية والإيطالية، يتوافد المتفرجون من كل مكان، وتطل الرؤوس من النوافذ، وتجتمع العائلات على الشرفات، بدافع الفضول، أو الشغف.
    منذ البداية، أدركت كانديلاريا، وهي طفلة مُجبرة على مغادرة مسقط رأسها، أرجنتين الديكتاتور خورخي رفائيل فيديلا، مع أبويها الشاعرين، أن على المهاجر أن يتعلم كل اللغات الممكنة ليقدم أوراق اعتماده غالبًا إلى من كان سببًا في محنته. ما ابتدعته هو المسرح السردي، أبطال كُثُر ينطقون بفم واحد، وهكذا تصبح القصة الواحدة قصة كل أولئك الذين شرعوا رحلة نحو الذات، أو ما تبقى منها بعد عبور عشرات الخطوط الوهمية، برًّا وبحرًا، قبل أن ينعموا باستقرار تفوح منه رائحة المَنِّ والاعتداد. تقدم كانديلاريا عروضًا تتكون من أبيات شعر وإيماءات، مزيج مثالي من لغتين، الكلمة الشعرية والجسد. إنها محاولة لخلق مساحة مسرح للكلمة. مسرح يعمل على الجسد، وبالتالي ينبغي عليها أن تتجاوز عزلتها وتخلق كل شيء، المشاهد والحوادث والحوار والإيماءات التي تعبر من خلالها عن نفسها، أو عن المنفى الذي يختزل كل حياتها.

    "أدركت كانديلاريا، وهي طفلة مُجبرة على مغادرة مسقط رأسها، أرجنتين الديكتاتور خورخي رفائيل فيديلا، مع أبويها الشاعرين، أن على المهاجر أن يتعلم كل اللغات الممكنة ليقدم أوراق اعتماده غالبًا إلى من كان سببًا في محنته"



    حتى أنها، في لحظة معينة، تطلب، تحت طائلة عقوبة الموت، العودة إلى الاغتراب.
    روميرو لها شغف كبير بالمسرح. تركت بلدها الأصلي وهي لا تزال طفلة، وبعد تجربة المنفى الأول في بوليفيا، وصلت إلى السويد في عام 1979، حيث تمكنت من الالتحاق بمدرسة مرموقة للفنون الدرامية، هي مدرسة ستوكهولم للفنون. بعد التجربة السويدية، وصلت كانديلاريا روميرو إلى إسبانيا، وأتيحت لها هناك الفرصة لتكريس نفسها لدورات تدريبية في المسرح والرقص. وتدربت لاحقًا في "أودين تياتريت" في الدنمارك. وصلت إلى إيطاليا عام 1992: منذ الطفولة كان لديها شغف كبير بالشعر، ولكنه لم يتجسّد إلّا بعد إقامتها في إيطاليا، حيث بدأ الشعر يمثل لها فرصة مهمة للخلاص، فبنت عالمًا شاعريًا تمكنت من منحه بصمة شخصية خاصة. تُعبّر قصائدها عن شعرية مبتكرة تستمد شريان الحياة من الفضاء المسرحي الواسع الذي تراه جزءًا لا يتجزأ من حياتها. قصائد تجمع بين لغات عدة تكون فيها الإيماءات المسرحية مصحوبة بالشفهية، وحيث يتداخل الجسد والفنون المرئية مع بعضهما بعضًا، وهو ما ترجمته عمليًا من خلال عروضها المنفردة في أفنية المباني السكنية خلال جائحة كورونا، مثلما ذكرنا. في الوقت نفسه، تتعاون مع منظمة العفو الدولية في تقديم مسرحية "أبناء" في جميع أنحاء إيطاليا، حول مشكلة اللاجئين، ومسرحية "الدمى" حول العنف ضد المرأة، وهي مسرحيات من تأليفها وإخراجها وأدائها. قامت، بالتعاون مع أوليفيرو بييلا، بنشر كتاب لحساب "تعاونية العالم الثالث"، و"تعاونية أماندلا ـ متجر التجارة العادلة" في بيرغامو، وهو كتاب مزود بأقراص مدمجة يحتوي على أغانٍ وقصصٍ للأطفال من جميع أنحاء العالم. شاركت مع عدد من الكتّاب في تأسيس المجلة الإلكترونية "القبلي" لنشر وتعميم أدب المهاجرين في إيطاليا.

    كانديلاريا روميرو في فناء منزل
    منفى 1 ـ 2 ـ 3



    منفى 1
    هذا البيت مسكون من كلمات أخرى
    لا تنتمي إليّ
    ولا مكان لي فيه
    أُنَمّي السرعة وأركض
    أنا خفيفة
    رغم أن الحذاء مفكوك الرباط
    والسروال بنصف ساق
    خفيفة أنطلق بسرعة
    الطرقات بلا جدران
    ولا تسحق النَفَس
    تستقبل أجسادًا في المنفى.


    منفى 2
    في السجن
    عندما يأخذون السجين بعيدًا لتعذيبه
    بهدوء يُصفِّرُ رفاق الزنزانة
    ترنيمة الفرح
    ليبثّوا الشجاعة في الميت الوشيك.

    لقد عزفوها اليوم في فيينا
    لحفلة الأول من العام
    حاولت عبثًا تجريد النوتات
    من الذاكرة القديمة
    أرغب في ثوب جديد لهذه الموسيقى
    ولكن يبدو أنها ستبقى هكذا دائمًا
    بحلّتها من ظِلٍّ خَطّته القضبان.


    منفى 3
    عند المساء
    بينما يوصد الجميع الباب
    للنوم في أمان
    يدير والدي المزلاج على الجانب الآخر
    ويترك كل شيء على مصراعيه.

    إني أعِدُّ خطّة للهروب، يقول
    وفي عمق الليل
    فريسة للكوابيس
    يهرب منطلقًا في الغابة
    ويصرخ بأعلى صوته
    إلى أن يُبْعِدَ
    مُسُوخ الليل.


    أطلب الترحيل
    على هامش هذا الزمن
    تارة مسالمًا وتارة يمور
    مواسم منهمكة في مسعى للتخلص من بعضها بعضًا
    من هنا
    من مركز الإيواء هذا
    أطالب
    بحزم
    تحت طائلة عقوبة الموت
    بالعودة إلى الاغتراب
    إلى شخص عديم الجنسية.

    أطلب قرار طرد
    طردٌ مكبّل اليدين
    وإرغامٌ على العيش كالغجر.

    أطلب
    مرافقتي إلى الحدود
    أتوسّل إليكم أن تدعوني أذهب
    لأعود وأشهد حقولي من دون سؤال
    وما له صلة بأي سؤال
    تحت طائلة عقوبة الموت
    أكرّر
    تحت طائلة عقوبة الموت
    أدعو
    إلى الاعتراف بي الآن أو مطلقًا
    في هيئتي المتشردة
    بما يضغط على اللعاب واللسان
    إلى الاعتراف بي في الكلِّ وفي العدم
    نقيض نفسي
    في المَحْيايَنِ المتعاكسين
    لهذا الخريف الشتوي بشمس وبلا شمس.


    [ترجمة وتقديم: يوسف وقاص – ميلانو]
    • المترجم: يوسف وقاص
يعمل...
X