قوارب فارغة مقلوبة وقصائد أخرى
يوسف برودسكي 16 ديسمبر 2022
ترجمات
يوسف برودسكي
شارك هذا المقال
حجم الخط
ترجمة: محمد الأمين
ولد جوزيف ألكسندروفيتش برودسكي لعائلة يهودية روسية في لينينغراد (سانت بطرسبورغ حاليًا). كان والده، ألكسندر برودسكي، مصورًا محترفًا في البحرية السوفياتية، ووالدته، ماريا فولبرت برودسكايا، مترجمة محترفة. كانوا يعيشون في شقق جماعية، وفي فقر مدقع. في طفولته المبكرة عانى برودسكي من حصار لينينغراد خلال الحرب العالمية الثانية حيث كاد أن يموت وكاد أهله أن يموتوا جوعًا؛ وماتت عمته من الجوع. وقد عانى فيما بعد من مشاكل صحية مختلفة سببها الحصار. عندما كان طالبًا صغيرًا، كان برودسكي "طفلًا جامحًا" معروفًا بسوء سلوكه أثناء الفصول الدراسية. في سن الخامسة عشرة، ترك المدرسة وحاول دخول مدرسة الغواصات دون نجاح. عمل في مهن صغيرة ومتفرقة. في وقت لاحق، بعد أن قرر أن يصبح طبيبًا عمل في مشرحة في سجن كريستي حيث كان يقوم بتقطيع وخياطة الجثث. شغل بعد ذلك مجموعة متنوعة من الوظائف في المستشفيات وفي الرحلات الجيولوجية. في الوقت نفسه، تعلم اللغتين الإنكليزية والبولندية كي يتمكن من ترجمة أعمال الشعراء البولنديين والإنكليز. خلال تلك الفترة اكتسب فهمًا عميقًا بالفلسفة الكلاسيكية والدين والأساطير والشعر الإنكليزي والأميركي.
عام 1955، بدأ برودسكي في كتابة شعره وإنتاج ترجمات أدبية، نشرها سرًا باسم سينتاكس Sintaksis في صحف توزّع سرًا. كان معروفًا جيدًا في الأوساط الأدبية بسبب قصيدتيه "المقبرة اليهودية بالقرب من لينينغراد" و "الحجاج". عندما سئل متى بدأ بكتابة الشعر أجاب: "في عام 1959، في ياكوتسك، عندما كنت أسير في تلك المدينة الرهيبة ذهبت إلى محل لبيع الكتب، وعثرت على نسخة من قصائد إيفيجيني باراتينسكي (1800-1844). لم يكن لدي ما أقرأه، لذلك قرأت هذا الكتاب وفهمت أخيرًا ما كان عليّ أن أفعله في الحياة. شعرت بالإثارة الشديدة، لذا بطريقة ما، يعتبر باراتينسكي مسؤولًا عن كوني شاعرًا".
عام 1960، التقى برودسكي بآنا أخماتوفا التي كانت حاضنة للشعراء الشباب، وشجعته على كتابة الشعر ثم أصبحت معلمته. عام 1962 عرّفته آنا أخماتوفا على الفنانة مارينا باسمانوفا، وهي رسامة شابة من عائلة فنية راسخة كانت ترسم صورة أخماتوفا. بدأ الاثنان بعلاقة. ومع ذلك، كان صديق برودسكي المقرّب والشاعر ديمتري بوبيشيف، مغرمًا بمارينا. بدأت السلطات في ملاحقة برودسكي وتبيّن أن ديمتري بوبيشيف كان مسؤولًا عن إدانته. كرس برودسكي الكثير من شعر الحب لمارينا باسمانوفا.
عام 1963، نددت صحيفة لينينغراد بشعر برودسكي ووصفته بأنه "إباحي ومعاد للسوفيات". تمت مصادرة أوراقه واستجوابه ووضعه مرتين في مصحة عقلية ثم اعتقاله. وأطلقوا عليه لقب "شاعر زائف". حُكم على برودسكي بالسجن لمدة خمس سنوات مع الأشغال الشاقة حيث كان عليه أن يخدم لمدة 18 شهرًا في مزرعة في قرية نورينسكايا على بعد 350 ميلًا من لينينغراد. استأجر كوخًا صغيرًا خاصًا به، وعلى الرغم من أن الكوخ كان بدون تدفئة إلا أن المساحة الخاصة به كانت بمثابة رفاهية رائعة في ذلك الوقت، وهناك كانت تزوره مارينا. كتب صديق برودسكي المقرب وكاتب سيرته الذاتية، ليف لوسيف، أن الأشهر الثمانية عشر في القطب الشمالي من أفضل أوقات حياة برودسكي.
تم تخفيف عقوبة برودسكي في عام 1965 بعد احتجاجات من قبل شخصيات ثقافية سوفياتية وغربية بارزة منهم جان بول سارتر وآنا أخماتوفا. واعتبره الغرب رمزًا للمقاومة الأدبية في مجتمع استبدادي، تمامًا كما هي معلمته أخماتوفا.
ولد ابنه أندريه في 8 تشرين الأول/ أكتوبر 1967، بعد علاقته بمارينا باسمانوفا. تم تسجيل الابن تحت اسم عائلة باسمانوفا لأن برودسكي لم يكن يريد أن يعاني ابنه من الهجمات السياسية التي تعرض لها. تعرضت مارينا باسمانوفا للتهديد من قبل السلطات السوفياتية، والتي منعتها من الزواج من برودسكي أو الانضمام إليه عندما تم نفيه من البلاد. بعد ولادة ابنهما، واصل برودسكي تكريس شعر الحب لباسمانوفا.
غادر برودسكي إلى الولايات المتحدة الأميركية عام 1972 وكان في حقيبته عند سفره آلة كاتبة، وزجاجتين من الفودكا، ومجموعة من قصائد جون دون (1572-1631)، وهي معروضة اليوم في متحف آنا أخماتوفا في سانت بطرسبورغ. عمل برودسكي أستاذًا زائرًا في عدد من الجامعات الأميركية. عام 1978، حصل على درجة الدكتوراه الفخرية في الآداب من جامعة ييل. حصل عام 1981 على جائزة "عبقرية" مؤسسة جون دي وكاثرين تي ماك آرثر. كما حصل على جائزة التميز من المركز الدولي في نيويورك. في عام 1986، فازت مجموعته من المقالات بجائزة نقاد الكتب الوطنية عن النقد وحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب من جامعة أكسفورد.
عام 1987، حصل على جائزة نوبل للآداب. وسئل في مقابلة: "أنت مواطن أميركي تحصل على جائزة الشعر باللغة الروسية. من أنت، أميركي أم روسي؟" أجاب: "أنا يهودي، شاعر روسي، كاتب مقالات إنكليزي وبالطبع مواطن أميركي". وذكرت الأكاديمية أنها منحت الجائزة عن "تأليفه الشامل، المشبع بوضوح الفكر والقوة الشعرية". كما وصفت كتاباته بأنها "غنية وحيوية للغاية" وتتميز بـ "اتساع كبير في الزمان والمكان". قال مازحًا إنها كانت "خطوة كبيرة بالنسبة لي، خطوة صغيرة للبشرية". تزامنت الجائزة مع أول منشور قانوني في روسيا لشعر برودسكي كمنفي.
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991. انضم الابن أندريه باسمانوفا إلى والده في نيويورك. ألقى أندريه قراءات من شعر والده في فيلم وثائقي عن برودسكي ويحتوي الفيلم على قصائد لبرودسكي مخصصة لمارينا باسمانوفا وكُتبت بين عامي 1961 و1982.
توفي برودسكي بنوبة قلبية عن عمر يناهز 55 عامًا، في شقته في بروكلين بنيويورك، في 28 كانون الثاني/ يناير 1996. تم دفنه في قسم غير كاثوليكي بمقبرة إيزولا دي سان ميشيل في البندقية بإيطاليا، وهو أيضًا مكان استراحة عزرا باوند وإيغور سترافينسكي.
هنا ترجمة لعدد من قصائده:
قوارب فارغة مقلوبة
قوارب فارغة مقلوبة
تشبه قبعات الجنود
تجعلك تفكر في الحرب،
والنظر خلسة إلى الموجة.
رغم أنها – بطريقتها الخاصة-
ليست إلا صدى الأجزاء
التي لم يحالفها النجاح
لأجل ذلك هتاف "أورا" بقوة عشرة،
لأن القارب انقلب بالأمس.
أعتقد أن كلماتي ستموت
أعتقد أن كلماتي ستموت
والوقت يبتسم محتفلًا بالنصر،
مصاحبًا لعملي البائس
في الطبيعة الميتة المجاورة
في الماضي، في المستقبل،
في أسرار الوجود، في الفضاء
حيث يتجول رواد الفضاء
في البحار اللامتناهية
في العالم كله
لم أجد لنفسي الحقيقة المغرية.
واجب الشاعر
أن يوحّد الأطراف الممزقة
بين الروح والجسد.
الموهبة - هي الإبرة
فقط الصوت- هو الخيط
وفقط الموت هو الحد النهائي
للخياطة.
أغنية بمرافقة عازف الكمان
عندما لا تملك الحب تتحدب من البرد،
أخرِجْ البندقية من الحقيبة،
أخرجها وأودعها
في مكتب الرهونات.
اشترِ بهذه الأموال
حاكي (1)
وفي مكان ما من هذا العالم أرقص
صوت الرنين يرتفع في مؤخرة الرأس
آه، قبّل مقبض الحاكي.
استمع إلى نصيحة عازف الكمان،
كيف يجب إطلاق النار عند الغضب:
ليس في الرأس بل قرب الكتف!
عش فقط بالبكاء والصراخ!
سأضع قلبي على طبق من الفضة
وأتركه في مكان ما في الفناء.
آه، أيها الأصدقاء
خمنوا من الوجه
لا يمكن إيجاد قلب في حفره،
محفورة في صدر وردي،
فقط الحاكي في المقدمة،
وفقط الخيوط والأوتار والأسلاك
والماء الأحمر في الحلق .
(1) الحاكي: فودافون.
قصيدة عن الموسيقيين المكفوفين
العميان يهيمون في الليل
ففي الليل أكثر سهولة
عبور الميدان...
العميان يتلمسون العيش
اللمس هو تحسس العالم
لا يعرفون الضوء ولا الظل
وبتحسس الحجارة:
من الحجارة يبنون الجدران
خلفها يعيش
رجال.
نساء.
أطفال.
أموال.
بما أنها غير قابلة للتدمير
فالأفضل الالتفاف حول الجدران.
أما الموسيقى – استولت عليهم
تبتلع الحجارة الموسيقى
وتموت فيها .
من السيء أن تموت وأنت تتلمس
هذا يعني أنه من الأسهل للأعمى أن يعبر الميدان.
فقط الرماد يعرف
فقط الرماد يعرف
معنى الاحتراق الكامل
أنا أيضًا أقول، بقصر نظر،
أتطلع إلى الأمام.
ليس كل شيء يمكنها أن تحمل الريح،
ليس كل شيء مكنسة،
آخذها لتنظف بشكل كامل الفناء،
ونحن سنبقى أعقاب سجائر مجعدة،
مبصوقة في الظل تحت المقعد،
حيث لن تسمح الزاوية،
للأشعة بالاختراق
وننحني باحتضانٍ للقذارة
نعد الأيام
في السماء،
في الرواسب،
في الطبقة الثقافية،
رفش للقذارة.
يفتح فمه عالم الآثار ليستفرغ،
ولكن فتوحاته سُيسمع صداها
في كل أنحاء العالم،
مثل عاطفة مدفونة في الأرض،
مثل نسخة عكسية للأهرامات
"جيفة"
يزفر، ممسكًا بطنه،
لكنها بعيدة عنا
أبعد من الأرض عن الطير،
لأن الجيفة هي التحرر من الأقفاص،
التحرر من الكامل:
تأليه الجزيئات...
في ذروة الحرب الباردة
من يجلس بجانب النافذة على كرسي أخضر؟
لباسه في حالة من الفوضى
وفي أفكاره – السخام.
وفي العيون ألوان رصاصة بلا هدف
الاستعداد لأي تغيير في مصير المنظر.
في كل مكان- ضحايا البارومتر
دون انتظار تسديدة
تنهار الممالك من نفسها،
أحمر في النهاية.
كلنا الآن خارج الحدود، إذا ما وقعت غدًا الحرب
أشتري قبعة بحار
لكي لا أخدم في المشاة.
أنا أعرف أننا في الشمال.
منتصف الليل عنقود رماد الجبل (1)
يضيء حواجب الكوخ الصيفي اليتيم.
وعلى الرغم أنك ثلاث مرات غيراي (2) ولكن وجه عبد،
بعد أن تعهدت بتغطيته،
فلا توجد طريقة أخرى لرؤيته.
دائمًا نقول، تمامًا هي طبيعة الدماغ
يريد أن يخبر شيئًا ما،
ولكن لا تحرق دمك.
همسات باللهجة المحلية
فإذا ما كانت شيفرة مورس.
من سيفكها
إذا لم يكن أترنيت السقف.
(1) رماد الجبل: نوع من الفاكهة لونها أحمر تسمى أيضًا الغبيراء.
(2) غيراي: أصل القبائل المنغولية منها جنكيزخان.
مرثاة
تكاليف الروح-
صرخات العقل والمنطق،
أنتم بتساوٍ جيدون،
عندما يتجول الشتاء
الأبيض مرة جديدة
بصمت في حقول الروح.
بماذا أفكر وأنا وحيد
لماذا أنظر إليها باهتمام
من الخلف.
هذه المرة توقع لها كانون الأول
شباط أكثر دفئًا،
أي برد ينتظرنا
منذ فترة قديمة لا نتذكر
كيف
كنا بها دافئون،
لا نتذكر كيف تنحدر المدن،
على زفير الشتاء المؤلم.
حقول مجنونة وشريرة!
هدؤهم جنون بلا حدود
إنه ليس سلامًا،
إنها أرض مظلمة
نذكرها بشكل آخر
هناك رعب في هذا البياض
وأنا أرى أن الحياة
تستمر مثل التحدي
سقط العار من الخارج
على هذا القرب الفاقد للوعي.
إلى آنا أخماتوفا
في الضواحي هناك خلف الأسوار
وراء التقاطعات،
نجوم من الزنك
خلف سبعة – سبعمائة قفل
وليس فقط مشقة فرست (1)،
لأن كل الأرض غير مكتملة
لتحية لقالقها
لروسيا كما لو أنها لم تُسق
من دموعي ولا من دمي
هناك مباشرة حيث الطريق
غير مطروقة بعد
في الهواء يرتجف شبابي
وبالقرب وطن بارد
يقع خلف محطة فنلندا (2)
وأنا أنظر إلى المساحات المحيطة
بتوتر مؤلم حقًا
كما لو أن هذه الأحمال
المجهولة عند أحد ما
وليست في الروح
ها أنا ماض،
الاستعراضات تشع
حفيف الشجر خلف السياج،
في باحة قلعة بطرس وبولس
نجلس بهدوء، الليالي البيضاء،
تنتشر سحابة شاحبة
فوق الجسر
حيث تبحر السفن
دون زمير،
لا صفير،
لا صراخ،
حتى نهاية الأرض..
(1) الفرست: وحدة قياس الطول الروس.
(2) محطة فنلندا: هي محطة القطار في سان بطرسبورغ.
من أوديسيوس(1) إلى تليماك(2)
تليماكي حرب طروادة انتهت
من انتصر- لا أتذكر.
يجب أن يكون لدى الإغريق الكثير من القتلى
يمكنهم أن يرموا خارج المنازل
فقط الإغريق...
ومع ذلك الطريق المؤدية إلى البيت
يتبين أنها طويلة جدًا.
كأنها بوسيدون(3)،
ونحن هناك أضعنا الوقت،
هناك ما يمدد المساحة.
أنا لا أعرف أين أنا، ماذا يوجد أمامي
بعض الجزر القذرة
شجيرات ومبانٍ، خنخنة الخنازير،
حديقة مفرطة بالضخامة...
وملكة ما، عشب وحجارة...
عزيزي تليماك
كل الجزر متشابهة
بعضها
لبعض،
عندما تسافر لفترة طويلة.
فالدماغ يضيع في عد الأمواج.
العين تبكي انسداد الأفق
واللحم المائي يحجب السمع،
كم هو عمرك الآن لا أتذكر.
انم لتصبح كبيرًا عزيزي تليماك.
انم... فقط الآلهة تعلم إذا ما كنا سنلتقي مجددًا،
أنت لم تعد ذاك الطفل
الذي أوقفت الثيران لأجله
عندها لولا بالميد (4) كنا عشنا معًا
لكنه قد يكون على حق:
بدوني أنت تحررت من عقد أوديب
وأحلامك عزيزي تليماك بدون خطيئة...
(1) أوديسيوس: أحد أبطال الحرب على طروادة وصاحب فكرة الحصان.
(2) تليماك هو ابن أوديسيوس.
(3) بوسيدون هو إله البحار وابن زيوس.
(4) بالميد أحد أبطال حرب طروادة اتهمه أوديسيوس بالخيانة وحكم بالموت.
آن الأوان منذ زمن
للشكر على كل شيء
آن الأوان منذ زمن
للشكر على كل شيء.
على كل ما لا يمكن إهداؤه
في يوم ما، لأحد ما منكم .
ويبتسم، كأنها المرة الأولى
عند بابك، رحل الحب
لكن لا يمكنك أن تبتسم مجددًا.
الوداع، الوداع
همست عند انصرافي،
وسط شوارع مألوفة أعود مرة أخرى إليها.
الزجاج يهتز فوقي، تزداد في ذلك المكان الضوضاء اليومية
المألوفة.
مطفأة الأضواء فوق المداخل
-وداعًا، حبي
اتصل في وقت ما
انظر للوراء في وقت ما
يققون في المنزل بأعين ضيقة
وبجوارهم كل عام
يسير الموكب على الرصيف.
شرب الشاي
الليلة حلمتُ ببتروف.
آه، كأنه حي
واقفًا فوق رأسي.
فكرت أن أسأله عن صحته،
لكن استدركت كم هي مبتذلة هذه الكلمات."
هي تنهدت وألقت نظرة على لوحة
في إطار خشبي
حيث رجل في قبعة من القش
يرافق ثورًا متجهمًا.
كان بتروف متزوجًا من أختها
لكنه أحب أخت زوجته.
هذا ما أعترف لها به قبل الصيف الماضي،
عند ذهابه في إجازة حيث غرق في الدينيستر (1).
ثور.
حقل أرز.
قبة السماء.
سائق.
محراث.
تحت الثلم الجديد
مثل حبوب:
"في ذكرى إيفانوفا"
والباقي غير مقروء تمامًا
"من..."
شربت الشاي.
نهضت عن الطاولة.
في بؤبؤ عينيها تلمع نقطة
نجوم، فهم كل ذلك.
لو كان قد قام من الموت لأعطته
هي تنزل خلفي إلى الدار
بالسر توجه نظرة حالمة،
الأصح،
مسلحة بنظرة إلى نجم،
بحساب رياضي بعيد.
(1) الدينيستر نهر ينبع من قرب مولدوفا ويمر بأوكرانيا حيث يصب في البحر الأسود.
جسر الغسيل
إلى ف. و. (1)
على جسر الغسيل (2)
حيث نحن معًا
تشابهنا مثل أسهم قرص الهاتف،
متعانقين عند الثانية عشرة
قبل أن نفترق ليس ليوم بل
إلى الأبد.
اليوم هنا على جسر الغسيل
صياد يعاني من عقدة النرجسية،
يحدق متناسيًا العوامة في صورتك المهتزة.
النهر- يظهرها هنا شابة وأحيانًا عجوز.
يُظهر هنا ملامح الشباب
وأحيانًا يطلق التجاعيد في الجبهة.
أخذ مكاننا.
حسنًا إنه على حق!
في الآونة الأخيرة
كل ما في الأمر أنه وحيد.
يرمز إلى عصر آخر،
وهو، الفضاء.
حتى لو كان
ينظر بهدوء إلى مياهنا
وحتى لو كان يعرف نفسه.
النهر - حاليًا بالحق ملكه،
مثل بيت
حملوا إليه مرآة
لكنهم لم يعيشوا فيه.
(1) ف. و.: هو اختصار اسم حبيبة برودسكي البريطانية فايث ويغسيل. ويُعتقد أنه قد عرض عليها الزواج.
(2) جسر الغسيل هو جسر حجري جميل على نهر فانتانكا في مدينة لينينغراد.
بعد ست سنوات
عشنا معًا لفترة طويلة.
مرة أخرى صادف الثاني من كانون الثاني يوم ثلاثاء.
بدهشة رفعت حاجبيها
مثل زجاج سيارة
البواب طرد الفم من الوجه
صافيًا تركه بعيدًا
عشنا معا لفترة طويلة،
لدرجة أنه عندما تتساقط الثلوج
نظن.. إلى الأبد.
وحتى لا تغلق بشدة جفونها
غطيتها بيديّ
وجفوني.
لا أصدق
أنهم يحاولون إنقاذهم
ترنحوا مثل فراشات في قبضة يد.
كم هم غرباء كانوا
أصحاب البدع،
في عناق حميم في حلم.
أهانوا أي تحليل نفسي
إن الشفاه
تسقط على الكتف
مع شمعتين مطفأتين
لا يرون أشياء أخرى، اتحدوا.
عشنا معا لفترة طويلة
مثل الورود
عائلة من ورق الجدران البالي
استبدلت بحديقة كاملة من البتولا،
وظهرت النقود لديهما
وثلاثون يومًا في البحر من الكلام
هدّد الحريق
غروب الشمس التركي.
عشنا معًا لفترة طويلة
بدون كتبٍ، بدون أثاثٍ
بدون أوانٍ قديمة
الأريكة التي قبل أن تصنع
كانت مثلثًا
متعامدًا.
وضعت وقوفًا بشكل معروف
فوق نقطتين مدمجتين.
هكذا عشنا معًا لفترة طويلة
صنعنا من ظلالنا
بابًا لنا
سواء تعمل أو تنام
لكن الظروف لم تتأرجح
غالبًا نحن مررنا بها كاملة
ومن الباب الخلفي
وصلنا إلى المستقبل.
نبوءة
إلى م. ب.(1)
سنعيش معًا على شاطئ
مسيج بسدٍ طويل
بعيدًا عن القارة
في دائرة ضيقة،
مبنى بمصباح من صنع يدنا.
سنحارب بعضنا بعضًا
في لعبة الورق.
ونستمع كيف تجن الأمواج،
سعال وتنهد غير ملحوظين
مع رياح شديدة جدًا.
سأكون كبيرًا في السن
وأنت، أنت فتية. يبدو كمن يعلم صغار الكشافة،
أن الحساب سيستمر لأيام،
وليس لسنوات،
تبقت لنا حتى العصر الجديد
في هولندا، العكس هو الصحيح
سنزرع حديقة معًا
وسنقلي المحار في الخارج
ونأكل الأخطبوط المجفف.
دع المطر يحدث ضوضاء فوق الخيار،
سوف نتشمس معًا
بأسلوب الأسكيمو،
وبحنان تلمسين بأصبعك أماكن بكر، لم تلمس من قبل
سألقي نظرة على الترقوة في المرآة
أحس بموجة خلفي
"وغيغر" (2) قديم في إطار من الصفيح
على حزام باهت تفوح منه رائحة العرق.
سيأتي الشتاء، يلوي بلا رحمة
أعشاب البردى فوق سقفنا الخشبي.
وإذا ما أنجبنا طفلًا
نسميه أندريه أو آنا.
نطّعمه ضد تجعد الوجه.
لا تنس
كانت الأبجدية الروسية
من تملك أول صوت
مع الزفير يمتد،
سيتم التأكيد عليه في المستقبل
سوف نحارب في لعبة الورق
والآن سوف تحملنا الأوراق الرابحة
من الشاطئ مع انسيابية المد والجزر.
وطفلنا سيبقى صامتًا
ينظر لا يفهم شيئًا
كيف أن البرغشة تضرب المصباح.
حتى يحين وقته
لكي يعود أدراجه
من خلال السد.
(1) م. ب: حبيبته ماريانا بسماتافا.
(2) غيغر هو جهاز لقياس الطاقة النووية ابتكره هانز غيغر.
أورانيا (1)
إلى إي. ك (2)
لكل شيءٍ حدود:
بما في ذلك الحزن.
علقت النظرة في النافذة
مثل ورقة في السياج.
ممكنٌ صب الماء،
رنين المفاتيح.
الوحدة هي رجل في مربع.
هكذا جمل وحيد السنم
يشم، يكشر
لسكة الحديد.
ينفتح الفراغ كالستارة.
نعم، فما هو الفضاء،
إذا لم يكن غياب
في كل نقطة من الجسد؟
لهذا السبب أورانيا
أكبر من كليو (3)
نهارًا وعلى ضوء سرج الزيت العمياء.
كما ترى: هي لم تخف شيئًا،
وعندما تنظر إلى الكرة الأرضية
تنظر إلى الرقبة.
ها هي تلك الغابات المليئة بالتوت،
الأنهار التي تصاد بها البيلوغا (4) باليد.
أو، المدينة التي
في دليل هاتفها لم تعد مدرجًا.
بعدها أقصى الجنوب أي الجنوب شرقي
تتحول الجبال إلى اللون البني.
تتجول الخيول في حقل البردي
تمضغ
وجوه تصفر،
وبعدها – تبحر البوارج،
ويزرق الفضاء
مثل الثياب ذات الدانتيل.
(1) أورانيا هي إحدى آلهات الإغريق ابنة زيوس.
(2) هذا الشعر هو إهداء للفنانة الإسبانية إيني كينيل.
(3) كليو هي أخت أورانيا وابنة زيوس.
(4) البيلوغا: نوع من السمك الروسي.
يوسف برودسكي 16 ديسمبر 2022
ترجمات
يوسف برودسكي
شارك هذا المقال
حجم الخط
ترجمة: محمد الأمين
ولد جوزيف ألكسندروفيتش برودسكي لعائلة يهودية روسية في لينينغراد (سانت بطرسبورغ حاليًا). كان والده، ألكسندر برودسكي، مصورًا محترفًا في البحرية السوفياتية، ووالدته، ماريا فولبرت برودسكايا، مترجمة محترفة. كانوا يعيشون في شقق جماعية، وفي فقر مدقع. في طفولته المبكرة عانى برودسكي من حصار لينينغراد خلال الحرب العالمية الثانية حيث كاد أن يموت وكاد أهله أن يموتوا جوعًا؛ وماتت عمته من الجوع. وقد عانى فيما بعد من مشاكل صحية مختلفة سببها الحصار. عندما كان طالبًا صغيرًا، كان برودسكي "طفلًا جامحًا" معروفًا بسوء سلوكه أثناء الفصول الدراسية. في سن الخامسة عشرة، ترك المدرسة وحاول دخول مدرسة الغواصات دون نجاح. عمل في مهن صغيرة ومتفرقة. في وقت لاحق، بعد أن قرر أن يصبح طبيبًا عمل في مشرحة في سجن كريستي حيث كان يقوم بتقطيع وخياطة الجثث. شغل بعد ذلك مجموعة متنوعة من الوظائف في المستشفيات وفي الرحلات الجيولوجية. في الوقت نفسه، تعلم اللغتين الإنكليزية والبولندية كي يتمكن من ترجمة أعمال الشعراء البولنديين والإنكليز. خلال تلك الفترة اكتسب فهمًا عميقًا بالفلسفة الكلاسيكية والدين والأساطير والشعر الإنكليزي والأميركي.
عام 1955، بدأ برودسكي في كتابة شعره وإنتاج ترجمات أدبية، نشرها سرًا باسم سينتاكس Sintaksis في صحف توزّع سرًا. كان معروفًا جيدًا في الأوساط الأدبية بسبب قصيدتيه "المقبرة اليهودية بالقرب من لينينغراد" و "الحجاج". عندما سئل متى بدأ بكتابة الشعر أجاب: "في عام 1959، في ياكوتسك، عندما كنت أسير في تلك المدينة الرهيبة ذهبت إلى محل لبيع الكتب، وعثرت على نسخة من قصائد إيفيجيني باراتينسكي (1800-1844). لم يكن لدي ما أقرأه، لذلك قرأت هذا الكتاب وفهمت أخيرًا ما كان عليّ أن أفعله في الحياة. شعرت بالإثارة الشديدة، لذا بطريقة ما، يعتبر باراتينسكي مسؤولًا عن كوني شاعرًا".
عام 1960، التقى برودسكي بآنا أخماتوفا التي كانت حاضنة للشعراء الشباب، وشجعته على كتابة الشعر ثم أصبحت معلمته. عام 1962 عرّفته آنا أخماتوفا على الفنانة مارينا باسمانوفا، وهي رسامة شابة من عائلة فنية راسخة كانت ترسم صورة أخماتوفا. بدأ الاثنان بعلاقة. ومع ذلك، كان صديق برودسكي المقرّب والشاعر ديمتري بوبيشيف، مغرمًا بمارينا. بدأت السلطات في ملاحقة برودسكي وتبيّن أن ديمتري بوبيشيف كان مسؤولًا عن إدانته. كرس برودسكي الكثير من شعر الحب لمارينا باسمانوفا.
عام 1963، نددت صحيفة لينينغراد بشعر برودسكي ووصفته بأنه "إباحي ومعاد للسوفيات". تمت مصادرة أوراقه واستجوابه ووضعه مرتين في مصحة عقلية ثم اعتقاله. وأطلقوا عليه لقب "شاعر زائف". حُكم على برودسكي بالسجن لمدة خمس سنوات مع الأشغال الشاقة حيث كان عليه أن يخدم لمدة 18 شهرًا في مزرعة في قرية نورينسكايا على بعد 350 ميلًا من لينينغراد. استأجر كوخًا صغيرًا خاصًا به، وعلى الرغم من أن الكوخ كان بدون تدفئة إلا أن المساحة الخاصة به كانت بمثابة رفاهية رائعة في ذلك الوقت، وهناك كانت تزوره مارينا. كتب صديق برودسكي المقرب وكاتب سيرته الذاتية، ليف لوسيف، أن الأشهر الثمانية عشر في القطب الشمالي من أفضل أوقات حياة برودسكي.
تم تخفيف عقوبة برودسكي في عام 1965 بعد احتجاجات من قبل شخصيات ثقافية سوفياتية وغربية بارزة منهم جان بول سارتر وآنا أخماتوفا. واعتبره الغرب رمزًا للمقاومة الأدبية في مجتمع استبدادي، تمامًا كما هي معلمته أخماتوفا.
ولد ابنه أندريه في 8 تشرين الأول/ أكتوبر 1967، بعد علاقته بمارينا باسمانوفا. تم تسجيل الابن تحت اسم عائلة باسمانوفا لأن برودسكي لم يكن يريد أن يعاني ابنه من الهجمات السياسية التي تعرض لها. تعرضت مارينا باسمانوفا للتهديد من قبل السلطات السوفياتية، والتي منعتها من الزواج من برودسكي أو الانضمام إليه عندما تم نفيه من البلاد. بعد ولادة ابنهما، واصل برودسكي تكريس شعر الحب لباسمانوفا.
غادر برودسكي إلى الولايات المتحدة الأميركية عام 1972 وكان في حقيبته عند سفره آلة كاتبة، وزجاجتين من الفودكا، ومجموعة من قصائد جون دون (1572-1631)، وهي معروضة اليوم في متحف آنا أخماتوفا في سانت بطرسبورغ. عمل برودسكي أستاذًا زائرًا في عدد من الجامعات الأميركية. عام 1978، حصل على درجة الدكتوراه الفخرية في الآداب من جامعة ييل. حصل عام 1981 على جائزة "عبقرية" مؤسسة جون دي وكاثرين تي ماك آرثر. كما حصل على جائزة التميز من المركز الدولي في نيويورك. في عام 1986، فازت مجموعته من المقالات بجائزة نقاد الكتب الوطنية عن النقد وحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب من جامعة أكسفورد.
عام 1987، حصل على جائزة نوبل للآداب. وسئل في مقابلة: "أنت مواطن أميركي تحصل على جائزة الشعر باللغة الروسية. من أنت، أميركي أم روسي؟" أجاب: "أنا يهودي، شاعر روسي، كاتب مقالات إنكليزي وبالطبع مواطن أميركي". وذكرت الأكاديمية أنها منحت الجائزة عن "تأليفه الشامل، المشبع بوضوح الفكر والقوة الشعرية". كما وصفت كتاباته بأنها "غنية وحيوية للغاية" وتتميز بـ "اتساع كبير في الزمان والمكان". قال مازحًا إنها كانت "خطوة كبيرة بالنسبة لي، خطوة صغيرة للبشرية". تزامنت الجائزة مع أول منشور قانوني في روسيا لشعر برودسكي كمنفي.
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991. انضم الابن أندريه باسمانوفا إلى والده في نيويورك. ألقى أندريه قراءات من شعر والده في فيلم وثائقي عن برودسكي ويحتوي الفيلم على قصائد لبرودسكي مخصصة لمارينا باسمانوفا وكُتبت بين عامي 1961 و1982.
توفي برودسكي بنوبة قلبية عن عمر يناهز 55 عامًا، في شقته في بروكلين بنيويورك، في 28 كانون الثاني/ يناير 1996. تم دفنه في قسم غير كاثوليكي بمقبرة إيزولا دي سان ميشيل في البندقية بإيطاليا، وهو أيضًا مكان استراحة عزرا باوند وإيغور سترافينسكي.
هنا ترجمة لعدد من قصائده:
قوارب فارغة مقلوبة
قوارب فارغة مقلوبة
تشبه قبعات الجنود
تجعلك تفكر في الحرب،
والنظر خلسة إلى الموجة.
رغم أنها – بطريقتها الخاصة-
ليست إلا صدى الأجزاء
التي لم يحالفها النجاح
لأجل ذلك هتاف "أورا" بقوة عشرة،
لأن القارب انقلب بالأمس.
أعتقد أن كلماتي ستموت
أعتقد أن كلماتي ستموت
والوقت يبتسم محتفلًا بالنصر،
مصاحبًا لعملي البائس
في الطبيعة الميتة المجاورة
في الماضي، في المستقبل،
في أسرار الوجود، في الفضاء
حيث يتجول رواد الفضاء
في البحار اللامتناهية
في العالم كله
لم أجد لنفسي الحقيقة المغرية.
واجب الشاعر
أن يوحّد الأطراف الممزقة
بين الروح والجسد.
الموهبة - هي الإبرة
فقط الصوت- هو الخيط
وفقط الموت هو الحد النهائي
للخياطة.
أغنية بمرافقة عازف الكمان
عندما لا تملك الحب تتحدب من البرد،
أخرِجْ البندقية من الحقيبة،
أخرجها وأودعها
في مكتب الرهونات.
اشترِ بهذه الأموال
حاكي (1)
وفي مكان ما من هذا العالم أرقص
صوت الرنين يرتفع في مؤخرة الرأس
آه، قبّل مقبض الحاكي.
استمع إلى نصيحة عازف الكمان،
كيف يجب إطلاق النار عند الغضب:
ليس في الرأس بل قرب الكتف!
عش فقط بالبكاء والصراخ!
سأضع قلبي على طبق من الفضة
وأتركه في مكان ما في الفناء.
آه، أيها الأصدقاء
خمنوا من الوجه
لا يمكن إيجاد قلب في حفره،
محفورة في صدر وردي،
فقط الحاكي في المقدمة،
وفقط الخيوط والأوتار والأسلاك
والماء الأحمر في الحلق .
(1) الحاكي: فودافون.
قصيدة عن الموسيقيين المكفوفين
العميان يهيمون في الليل
ففي الليل أكثر سهولة
عبور الميدان...
العميان يتلمسون العيش
اللمس هو تحسس العالم
لا يعرفون الضوء ولا الظل
وبتحسس الحجارة:
من الحجارة يبنون الجدران
خلفها يعيش
رجال.
نساء.
أطفال.
أموال.
بما أنها غير قابلة للتدمير
فالأفضل الالتفاف حول الجدران.
أما الموسيقى – استولت عليهم
تبتلع الحجارة الموسيقى
وتموت فيها .
من السيء أن تموت وأنت تتلمس
هذا يعني أنه من الأسهل للأعمى أن يعبر الميدان.
فقط الرماد يعرف
فقط الرماد يعرف
معنى الاحتراق الكامل
أنا أيضًا أقول، بقصر نظر،
أتطلع إلى الأمام.
ليس كل شيء يمكنها أن تحمل الريح،
ليس كل شيء مكنسة،
آخذها لتنظف بشكل كامل الفناء،
ونحن سنبقى أعقاب سجائر مجعدة،
مبصوقة في الظل تحت المقعد،
حيث لن تسمح الزاوية،
للأشعة بالاختراق
وننحني باحتضانٍ للقذارة
نعد الأيام
في السماء،
في الرواسب،
في الطبقة الثقافية،
رفش للقذارة.
يفتح فمه عالم الآثار ليستفرغ،
ولكن فتوحاته سُيسمع صداها
في كل أنحاء العالم،
مثل عاطفة مدفونة في الأرض،
مثل نسخة عكسية للأهرامات
"جيفة"
يزفر، ممسكًا بطنه،
لكنها بعيدة عنا
أبعد من الأرض عن الطير،
لأن الجيفة هي التحرر من الأقفاص،
التحرر من الكامل:
تأليه الجزيئات...
في ذروة الحرب الباردة
من يجلس بجانب النافذة على كرسي أخضر؟
لباسه في حالة من الفوضى
وفي أفكاره – السخام.
وفي العيون ألوان رصاصة بلا هدف
الاستعداد لأي تغيير في مصير المنظر.
في كل مكان- ضحايا البارومتر
دون انتظار تسديدة
تنهار الممالك من نفسها،
أحمر في النهاية.
كلنا الآن خارج الحدود، إذا ما وقعت غدًا الحرب
أشتري قبعة بحار
لكي لا أخدم في المشاة.
أنا أعرف أننا في الشمال.
منتصف الليل عنقود رماد الجبل (1)
يضيء حواجب الكوخ الصيفي اليتيم.
وعلى الرغم أنك ثلاث مرات غيراي (2) ولكن وجه عبد،
بعد أن تعهدت بتغطيته،
فلا توجد طريقة أخرى لرؤيته.
دائمًا نقول، تمامًا هي طبيعة الدماغ
يريد أن يخبر شيئًا ما،
ولكن لا تحرق دمك.
همسات باللهجة المحلية
فإذا ما كانت شيفرة مورس.
من سيفكها
إذا لم يكن أترنيت السقف.
(1) رماد الجبل: نوع من الفاكهة لونها أحمر تسمى أيضًا الغبيراء.
(2) غيراي: أصل القبائل المنغولية منها جنكيزخان.
مرثاة
تكاليف الروح-
صرخات العقل والمنطق،
أنتم بتساوٍ جيدون،
عندما يتجول الشتاء
الأبيض مرة جديدة
بصمت في حقول الروح.
بماذا أفكر وأنا وحيد
لماذا أنظر إليها باهتمام
من الخلف.
هذه المرة توقع لها كانون الأول
شباط أكثر دفئًا،
أي برد ينتظرنا
منذ فترة قديمة لا نتذكر
كيف
كنا بها دافئون،
لا نتذكر كيف تنحدر المدن،
على زفير الشتاء المؤلم.
حقول مجنونة وشريرة!
هدؤهم جنون بلا حدود
إنه ليس سلامًا،
إنها أرض مظلمة
نذكرها بشكل آخر
هناك رعب في هذا البياض
وأنا أرى أن الحياة
تستمر مثل التحدي
سقط العار من الخارج
على هذا القرب الفاقد للوعي.
عام 1960، التقى برودسكي بآنا أخماتوفا التي كانت حاضنة للشعراء الشباب، وشجعته على كتابة الشعر ثم أصبحت معلمته |
في الضواحي هناك خلف الأسوار
وراء التقاطعات،
نجوم من الزنك
خلف سبعة – سبعمائة قفل
وليس فقط مشقة فرست (1)،
لأن كل الأرض غير مكتملة
لتحية لقالقها
لروسيا كما لو أنها لم تُسق
من دموعي ولا من دمي
هناك مباشرة حيث الطريق
غير مطروقة بعد
في الهواء يرتجف شبابي
وبالقرب وطن بارد
يقع خلف محطة فنلندا (2)
وأنا أنظر إلى المساحات المحيطة
بتوتر مؤلم حقًا
كما لو أن هذه الأحمال
المجهولة عند أحد ما
وليست في الروح
ها أنا ماض،
الاستعراضات تشع
حفيف الشجر خلف السياج،
في باحة قلعة بطرس وبولس
نجلس بهدوء، الليالي البيضاء،
تنتشر سحابة شاحبة
فوق الجسر
حيث تبحر السفن
دون زمير،
لا صفير،
لا صراخ،
حتى نهاية الأرض..
(1) الفرست: وحدة قياس الطول الروس.
(2) محطة فنلندا: هي محطة القطار في سان بطرسبورغ.
من أوديسيوس(1) إلى تليماك(2)
تليماكي حرب طروادة انتهت
من انتصر- لا أتذكر.
يجب أن يكون لدى الإغريق الكثير من القتلى
يمكنهم أن يرموا خارج المنازل
فقط الإغريق...
ومع ذلك الطريق المؤدية إلى البيت
يتبين أنها طويلة جدًا.
كأنها بوسيدون(3)،
ونحن هناك أضعنا الوقت،
هناك ما يمدد المساحة.
أنا لا أعرف أين أنا، ماذا يوجد أمامي
بعض الجزر القذرة
شجيرات ومبانٍ، خنخنة الخنازير،
حديقة مفرطة بالضخامة...
وملكة ما، عشب وحجارة...
عزيزي تليماك
كل الجزر متشابهة
بعضها
لبعض،
عندما تسافر لفترة طويلة.
فالدماغ يضيع في عد الأمواج.
العين تبكي انسداد الأفق
واللحم المائي يحجب السمع،
كم هو عمرك الآن لا أتذكر.
انم لتصبح كبيرًا عزيزي تليماك.
انم... فقط الآلهة تعلم إذا ما كنا سنلتقي مجددًا،
أنت لم تعد ذاك الطفل
الذي أوقفت الثيران لأجله
عندها لولا بالميد (4) كنا عشنا معًا
لكنه قد يكون على حق:
بدوني أنت تحررت من عقد أوديب
وأحلامك عزيزي تليماك بدون خطيئة...
(1) أوديسيوس: أحد أبطال الحرب على طروادة وصاحب فكرة الحصان.
(2) تليماك هو ابن أوديسيوس.
(3) بوسيدون هو إله البحار وابن زيوس.
(4) بالميد أحد أبطال حرب طروادة اتهمه أوديسيوس بالخيانة وحكم بالموت.
آن الأوان منذ زمن
للشكر على كل شيء
آن الأوان منذ زمن
للشكر على كل شيء.
على كل ما لا يمكن إهداؤه
في يوم ما، لأحد ما منكم .
ويبتسم، كأنها المرة الأولى
عند بابك، رحل الحب
لكن لا يمكنك أن تبتسم مجددًا.
الوداع، الوداع
همست عند انصرافي،
وسط شوارع مألوفة أعود مرة أخرى إليها.
الزجاج يهتز فوقي، تزداد في ذلك المكان الضوضاء اليومية
المألوفة.
مطفأة الأضواء فوق المداخل
-وداعًا، حبي
اتصل في وقت ما
انظر للوراء في وقت ما
يققون في المنزل بأعين ضيقة
وبجوارهم كل عام
يسير الموكب على الرصيف.
شرب الشاي
الليلة حلمتُ ببتروف.
آه، كأنه حي
واقفًا فوق رأسي.
فكرت أن أسأله عن صحته،
لكن استدركت كم هي مبتذلة هذه الكلمات."
هي تنهدت وألقت نظرة على لوحة
في إطار خشبي
حيث رجل في قبعة من القش
يرافق ثورًا متجهمًا.
كان بتروف متزوجًا من أختها
لكنه أحب أخت زوجته.
هذا ما أعترف لها به قبل الصيف الماضي،
عند ذهابه في إجازة حيث غرق في الدينيستر (1).
ثور.
حقل أرز.
قبة السماء.
سائق.
محراث.
تحت الثلم الجديد
مثل حبوب:
"في ذكرى إيفانوفا"
والباقي غير مقروء تمامًا
"من..."
شربت الشاي.
نهضت عن الطاولة.
في بؤبؤ عينيها تلمع نقطة
نجوم، فهم كل ذلك.
لو كان قد قام من الموت لأعطته
هي تنزل خلفي إلى الدار
بالسر توجه نظرة حالمة،
الأصح،
مسلحة بنظرة إلى نجم،
بحساب رياضي بعيد.
(1) الدينيستر نهر ينبع من قرب مولدوفا ويمر بأوكرانيا حيث يصب في البحر الأسود.
جسر الغسيل
إلى ف. و. (1)
على جسر الغسيل (2)
حيث نحن معًا
تشابهنا مثل أسهم قرص الهاتف،
متعانقين عند الثانية عشرة
قبل أن نفترق ليس ليوم بل
إلى الأبد.
اليوم هنا على جسر الغسيل
صياد يعاني من عقدة النرجسية،
يحدق متناسيًا العوامة في صورتك المهتزة.
النهر- يظهرها هنا شابة وأحيانًا عجوز.
يُظهر هنا ملامح الشباب
وأحيانًا يطلق التجاعيد في الجبهة.
أخذ مكاننا.
حسنًا إنه على حق!
في الآونة الأخيرة
كل ما في الأمر أنه وحيد.
يرمز إلى عصر آخر،
وهو، الفضاء.
حتى لو كان
ينظر بهدوء إلى مياهنا
وحتى لو كان يعرف نفسه.
النهر - حاليًا بالحق ملكه،
مثل بيت
حملوا إليه مرآة
لكنهم لم يعيشوا فيه.
(1) ف. و.: هو اختصار اسم حبيبة برودسكي البريطانية فايث ويغسيل. ويُعتقد أنه قد عرض عليها الزواج.
(2) جسر الغسيل هو جسر حجري جميل على نهر فانتانكا في مدينة لينينغراد.
بعد ست سنوات
عشنا معًا لفترة طويلة.
مرة أخرى صادف الثاني من كانون الثاني يوم ثلاثاء.
بدهشة رفعت حاجبيها
مثل زجاج سيارة
البواب طرد الفم من الوجه
صافيًا تركه بعيدًا
عشنا معا لفترة طويلة،
لدرجة أنه عندما تتساقط الثلوج
نظن.. إلى الأبد.
وحتى لا تغلق بشدة جفونها
غطيتها بيديّ
وجفوني.
لا أصدق
أنهم يحاولون إنقاذهم
ترنحوا مثل فراشات في قبضة يد.
كم هم غرباء كانوا
أصحاب البدع،
في عناق حميم في حلم.
أهانوا أي تحليل نفسي
إن الشفاه
تسقط على الكتف
مع شمعتين مطفأتين
لا يرون أشياء أخرى، اتحدوا.
عشنا معا لفترة طويلة
مثل الورود
عائلة من ورق الجدران البالي
استبدلت بحديقة كاملة من البتولا،
وظهرت النقود لديهما
وثلاثون يومًا في البحر من الكلام
هدّد الحريق
غروب الشمس التركي.
عشنا معًا لفترة طويلة
بدون كتبٍ، بدون أثاثٍ
بدون أوانٍ قديمة
الأريكة التي قبل أن تصنع
كانت مثلثًا
متعامدًا.
وضعت وقوفًا بشكل معروف
فوق نقطتين مدمجتين.
هكذا عشنا معًا لفترة طويلة
صنعنا من ظلالنا
بابًا لنا
سواء تعمل أو تنام
لكن الظروف لم تتأرجح
غالبًا نحن مررنا بها كاملة
ومن الباب الخلفي
وصلنا إلى المستقبل.
نبوءة
إلى م. ب.(1)
سنعيش معًا على شاطئ
مسيج بسدٍ طويل
بعيدًا عن القارة
في دائرة ضيقة،
مبنى بمصباح من صنع يدنا.
سنحارب بعضنا بعضًا
في لعبة الورق.
ونستمع كيف تجن الأمواج،
سعال وتنهد غير ملحوظين
مع رياح شديدة جدًا.
سأكون كبيرًا في السن
وأنت، أنت فتية. يبدو كمن يعلم صغار الكشافة،
أن الحساب سيستمر لأيام،
وليس لسنوات،
تبقت لنا حتى العصر الجديد
في هولندا، العكس هو الصحيح
سنزرع حديقة معًا
وسنقلي المحار في الخارج
ونأكل الأخطبوط المجفف.
دع المطر يحدث ضوضاء فوق الخيار،
سوف نتشمس معًا
بأسلوب الأسكيمو،
وبحنان تلمسين بأصبعك أماكن بكر، لم تلمس من قبل
سألقي نظرة على الترقوة في المرآة
أحس بموجة خلفي
"وغيغر" (2) قديم في إطار من الصفيح
على حزام باهت تفوح منه رائحة العرق.
سيأتي الشتاء، يلوي بلا رحمة
أعشاب البردى فوق سقفنا الخشبي.
وإذا ما أنجبنا طفلًا
نسميه أندريه أو آنا.
نطّعمه ضد تجعد الوجه.
لا تنس
كانت الأبجدية الروسية
من تملك أول صوت
مع الزفير يمتد،
سيتم التأكيد عليه في المستقبل
سوف نحارب في لعبة الورق
والآن سوف تحملنا الأوراق الرابحة
من الشاطئ مع انسيابية المد والجزر.
وطفلنا سيبقى صامتًا
ينظر لا يفهم شيئًا
كيف أن البرغشة تضرب المصباح.
حتى يحين وقته
لكي يعود أدراجه
من خلال السد.
(1) م. ب: حبيبته ماريانا بسماتافا.
(2) غيغر هو جهاز لقياس الطاقة النووية ابتكره هانز غيغر.
أورانيا (1)
إلى إي. ك (2)
لكل شيءٍ حدود:
بما في ذلك الحزن.
علقت النظرة في النافذة
مثل ورقة في السياج.
ممكنٌ صب الماء،
رنين المفاتيح.
الوحدة هي رجل في مربع.
هكذا جمل وحيد السنم
يشم، يكشر
لسكة الحديد.
ينفتح الفراغ كالستارة.
نعم، فما هو الفضاء،
إذا لم يكن غياب
في كل نقطة من الجسد؟
لهذا السبب أورانيا
أكبر من كليو (3)
نهارًا وعلى ضوء سرج الزيت العمياء.
كما ترى: هي لم تخف شيئًا،
وعندما تنظر إلى الكرة الأرضية
تنظر إلى الرقبة.
ها هي تلك الغابات المليئة بالتوت،
الأنهار التي تصاد بها البيلوغا (4) باليد.
أو، المدينة التي
في دليل هاتفها لم تعد مدرجًا.
بعدها أقصى الجنوب أي الجنوب شرقي
تتحول الجبال إلى اللون البني.
تتجول الخيول في حقل البردي
تمضغ
وجوه تصفر،
وبعدها – تبحر البوارج،
ويزرق الفضاء
مثل الثياب ذات الدانتيل.
(1) أورانيا هي إحدى آلهات الإغريق ابنة زيوس.
(2) هذا الشعر هو إهداء للفنانة الإسبانية إيني كينيل.
(3) كليو هي أخت أورانيا وابنة زيوس.
(4) البيلوغا: نوع من السمك الروسي.
- المترجم: محمد الأمين