نساء ت.إس. إليوت.. الأصوات النسائية المجهولة في "الأرض اليباب"

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • نساء ت.إس. إليوت.. الأصوات النسائية المجهولة في "الأرض اليباب"



    نساء ت.إس. إليوت.. الأصوات النسائية المجهولة في "الأرض اليباب"
    جود روجِرز 24 نوفمبر 2022
    ترجمات
    إليوت وإحدى رسائله إلى إيميلي هيل (Getty)
    شارك هذا المقال
    حجم الخط


    ترجمة: سارة حبيب



    مع بلوغ قصيدة "الأرض اليباب" عامها المئة، تتفحص جود روجرز الشخصيات النسائية الأخّاذة والمثيرة للاهتمام في ذلك العمل، بالإضافة إلى النساء اللاتي ألهمن ت. إس. إليوت، بمن فيهن حبه الأول إيميلي هيل والتي كتب لها أكثر من ألف رسالة.

    ملف أحمر بمزلاج معدني بين دفتيه يجثم قربي في مكتبي، عزيزًا ورثًّا. خلال حياتي في مرحلة الرشد، كان هذا الملف قد تأرجح على الرفوف في عدة منازل، وفيه تقبع أطروحتي الجامعية حول النساء في قصيدة ت. إس. إليوت الأكثر شهرة، "الأرض اليباب"؛ أولئك النساء اللاتي بدت أصواتهن ملحّة بالنسبة إليّ في ذلك الحين ولا تزال تبدو كذلك اليوم.

    بعد نشرها أول مرة منذ مئة عام في شهر تشرين الأول/ أكتوبر عام 1922 في الصحيفة الأدبية الـ"كريتِريون"، اشتهرت قصيدة إليوت المؤلفة من 434 سطرًا على الفور. وقد مزجت شذرات من اللغات والأديان، إحالاتٍ إلى قصائد، كتب، ومسرحيات قديمة، أوبرا ومسرحيات غنائية قديمة، مقاطعَ ذات خطاب بليغ وقصاصات من محادثات يومية. كذلك، ترجمت "الأرض اليباب" الطاقةَ التي لا تهدأ لحركات فنية مثل التكعيبية والمستقبليّة إلى كلمات وأصوات مفعمة بالحيوية، مجتثّةً من الجذور إمكانيات ما يمكن أن يكونه الشعر.

    علاوة على ذلك، أصبحت القصيدة علامة بارزة للحداثة، موغلةً بعمق في مدى الهشاشة التي شعر بها البشر في عالم سريع التغير؛ عالمِ إمبراطوريات ووقائع متشظيّة، لا سيما بعد أهوال الحرب العالمية الأولى. كما أنها عكست حالة إليوت العقلية؛ الحالة المعذّبة جراء موت أبيه المفاجئ عام 1919، زواجه المضطرب واستماتته ليصبح شخصية أدبية معروفة (كان لا يزال يعمل في بنك سيتي في عمر الثالثة والثلاثين عندما أصيب بانهيار، فذهب إلى مارغيت، ثم إلى مصحة في لوزان، ليتلقى العلاج وينهي كتابة "الأرض اليباب").

    رسّخت القصيدة سمعةَ إليوت كشاعر صعب، لكنها أيضًا تواصلت مع الناس على نحو عميق. وكان هذا يعود في جزء منه إلى قوتها القوطية (وهو شيء مغرٍ للمراهقين المتشائمين كالمراهقة التي كنتُها) وإلى سطورها التي تعلق في الأذن والتي لا يزال صداها يتردد في الثقافة الشعبية (في السنوات الأخيرة، لا بدّ أن تكون قد سمعت "نيسان/أبريل أقسى الشهور" في حلقات من مسلسل عائلة سيمبسون وفي أغاني فرق موسيقية مثل "بلوسومز"، "إيربون توكسيك إيفنت"، وفرقة "هوت تشيب").
    "كانت هنالك امرأةٌ كتب إليوت مرة أنها ذكرته بأمه: إيميلي هيل. التقى إليوت بإيميلي أول مرة عندما كان شابًا خجولًا في السابعة عشرة من عمره وكانت هي ممثلة ناشئة في الرابعة عشرة. واعترف إليوت بحبه لها قبل أن يغادر إلى إنكلترا للدراسة عام 1914"
    تضم القصيدة رواة متعددين وشخصيات عديدة يأخذون القارئ عبر مشاهد ومناظر طبيعية متبدلة: صحارى، سهول بلا نهاية، أنهارُ زيتٍ وقطران، غرفٌ مبهرجة، حانات صاخبة، جسور وشوارع في مدينة غير حقيقية. وقد اختلطت حيوات أولئك معًا مع إحالاتٍ إلى الميثولوجيا.

    في هذا الخليط، ثمة الكثير من النساء وقد غنين لي أول مرة وبإغواء قوي في عمر السابعة عشرة. كنّ فرقة متنافرة لم أتوقع قط أن أصادفها في الشعر: "فتاة زهرة الياقوتية" الحالمة، امرأةٌ مجنونة قلقة "كانت أعصابها في حالة سيئة هذه الليلة"، نساء ثرثارات من الطبقة العاملة في حانات، وعاملةُ آلة كاتبة صامتة تتمشى حول شقتها، وحيدة، بعد تعرضها للاعتداء. بالنتيجة، الإلحاحية التي احتفظت بها أصوات تلك النساء في حياتي، وحدسي بأنهن قد هُمِشّن في الدراسات النقدية، قادني لأن أستكشفهن على نحو أكثر عمقًا لأجل وثائقي في راديو BBC الرابعة حمل عنوان: "تشبثوا جيدًا: نساء الأرض اليباب" وبُثّ في أوائل تشرين الثاني/نوفمبر هذا العام.

    بينما كنت أصنع ذلك الوثائقي، أدهشني عدد النساء اللاتي من شأنهن أن يكشفن آفاقًا جديدة حول إليوت اليوم. يشمل هذا المخرجة سوزانا وايت والمنتجة روزي أليسون اللتين قدمتا وثائقيًا رائعًا على قناة BBC الثانية بعنوان "ت. س. إليوت: إلى داخل الأرض اليباب" (متوفر الآن على BBC iPlayer). قدّم الوثائقي استقصاءً شاملًا للجذور الشخصيّة للقصيدة، وجاء مزدحمًا بنساء مثل الممثلة فيونا شو التي تتذكر تأديتها للنص سبعين مرة خلال خمسة وثلاثين يومًا، الشاعرة هانا سوليفان وعارضة الأزياء فليش. أما أنا، فقد أجريتُ لأجل برنامجي مقابلةً مع ناقدات وكاتبات سيرة ذاتية وأكاديميات أصغر سنًا، مستكشفة علاقات إليوت الهامة مع النساء. كتب إليوت رسائل حميمة، عاطفية، لعدد من أولئك النسوة، وبعض تلك الرسائل يُظهر رؤى جديدة ومدهشة حول "الأرض اليباب" ذاتها.

    إليوت مع إيميلي هيل في فيرمونت (الولايات المتحدة الأميركية) عام 1946 (The Guardian)
    ولد إليوت عام 1888 في سانت لويس، ميزوري، ونشأ محاطًا بالنساء. كان الأصغر بين سبعة أولاد، بينهن أربع أخوات أكبر منه سنًا (توفيت الخامسة ثيودورا في عمر 16 شهرًا، قبل سنتين من ولادته). كانت أمه شارلوت عاملة اجتماعية محترمة ومصلحةَ عدالةٍ اجتماعية، تخلّت عن أحلامها بأن تصبح شاعرة بعد إنهاء دراستها. وكانت أمًا حريصة على حماية أبنائها (كان ابنها مصابًا بالفتاق منذ ولادته وارتدى حزامَ فتاقٍ طوال حياته)، لكنها كانت أيضًا قاسية. عندما كان إليوت في عمر السابعة، أصاب ثالث أكثر الأعاصير فتكًا في تاريخ الولايات المتحدة سانت لويس، وقتل على الأقل 255 شخصًا. وفي الصباح التالي، حشدت أمه عائلتها خارجًا لالتقاط صورةٍ بدت فيها مفعمةً بالقدرة على التكيف. كلما قرأتُ نهاية "الأرض اليباب"، حيث يسبق عاصفة هائلة "همهمةُ نواحٍ أموميّ"، أفكر بها.

    كانت هنالك أيضًا امرأةٌ كتب إليوت مرة أنها ذكرته بأمه: إيميلي هيل. التقى إليوت بإيميلي أول مرة عندما كان شابًا خجولًا في السابعة عشرة من عمره وكانت هي ممثلة ناشئة في الرابعة عشرة. واعترف إليوت بحبه لها قبل أن يغادر إلى إنكلترا للدراسة عام 1914. لاحقًا في ذلك العام، كتب إلى الشاعر كونراد إيكين: "أنا متّكلٌ كثيرًا على النساء... وأشعر بالحرمان في أكسفورد". بعد ذلك بوقت قصير، التقى إليوت، وتزوج سريعًا، زوجته الأولى المفعمة بالحيوية فيفيان هيغ وود، التي عانت من مشاكل صحية جسدية وعقلية لمعظم حياتها.

    أثناء انهيار زواجه الأول، أعاد إليوت إشعال العلاقة مع هيل من خلال الرسائل التي بلغ مجملها 1131 رسالة بين عامي 1930 و1956. وبعد ثلاثة أشهر من تراسلهما، قال إليوت إن الرسائل كانت المستندات الوحيدة التي "أنارت" حياته وعمله. وفي عام 1956، كلّفت هيل صديقًا لها في جامعة برنستون بأن يحتفظ برسائل إليوت في أرشيف الجامعة، مع تعليمات بأن لا يتم فتحها إلا بعد مرور خمسين سنة على موتها أو موت إليوت. توفيت هيل عام 1969، بعد أربع سنوات من موت إليوت. وفي الثاني من كانون الثاني/ يناير عام 2020، فُتِحت أخيرًا الثلاثة عشر صندوقًا التي تحوي الرسائل، مع صندوق يحوي أوراق ومذكرات قصيرة.
    "أثناء انهيار زواجه الأول، أعاد إليوت إشعال العلاقة مع هيل من خلال الرسائل التي بلغ مجملها 1131 رسالة بين عامي 1930 و1956. وبعد ثلاثة أشهر من تراسلهما، قال إليوت إن الرسائل كانت المستندات الوحيدة التي "أنارت" حياته وعمله"
    تكشف تلك الرسائل عن الكثير. على سبيل المثال، تستذكر إحداها، وقد كُتبت عام 1930، رحلة قام بها إليوت مع هيل عام 1913 لمشاهدة أوبرا فاغنر التي حملت عنوان "تريستان وإيزولده"، والتي كان إليوت بعدها "شاعرًا تمامًا" بالحب "ومهزوزًا إلى درجة كبيرة".

    كذلك نلاحظ أن جزءًا من قصيدة غنائية ألمانية من تلك الأوبرا، قبل حوالي دقيقة من وقوع الشخصيات في الحب، يظهر في الجزء الأول من "الأرض اليباب" المعنون: "دفن الموتى". ومباشرة بعد ذلك، تظهر في "الأرض اليباب" شخصيةٌ ذات شعر مبلول وذراعاها مليئتان بالزهور، تدعو نفسها "فتاةَ زهرةِ الياقوتية". ولعقود طويلة، اعتقدت كاتبة السيرة ليندل غوردون، مؤلفة الكتاب الجديد "فتاة زهرة الياقوتية: ت. إس. إليوت وملهمته"، أن إيميلي هيل كانت مصدر استلهام هذه الشخصية. "لقد مثّلت واحدة من اللحظات القليلة في القصيدة التي ليست أرضًا يبابًا بالنسبة إلى إليوت؛ لحظة أعطته أملًا بالخروج منها". علمت غوردون بأمر رسائل هيل أول مرة عام 1972، عندما كانت طالبة دكتوراه في جامعة كولومبيا، ثم حاضنةً للنسوية (حضرت غوردون أول محاضرة عامة للنسوية كيت ميليت)، لكن هذا النوع من الأفكار لم يكن يتسرب إلى الأوساط الأكاديمية، كما تقول غوردون. "التفكير بالنساء ذوات الصلة بحياة إليوت، كما كنتُ أفعل، لم يكن يُعتبر في ذلك الحين إلهاءً أو خارجًا عن الموضوع فحسب بل شيئًا بغيضًا كذلك".

    عام 1977، نشرت غوردون كتاب "سنوات إليوت المبكرة"، وهو كتاب ثاقب يضع عمل إليوت في سياق حياته. لكن المراجعات التي كُتبت عنه كانت شرسة: قال أحد النقاد الذكور في مجلة الـ"نيو ستيتسمان" إن الكتاب مليء بــِ"الثرثرة والذكريات...النتيجة كارثية". تقول غوردون: "عرفتُ حالًا أنني لم أرد إلا أن أعيش إلى اليوم الذي ستُفتح فيه الرسائل". وقد كانت هنالك فعلًا في الثاني من كانون الثاني/ يناير عام 2020، في عمر الثامنة والسبعين، في غرفة المجموعات الخاصة في برينستون. والسطر الأخير من مقدمة كتابها الجديد يقول الكثير: "لم يخب ظني".

    إليوت وزوجته الأولى فيفيان هيغ وود التي كانت القارئة الأولى له والمحررة الأولى لعمله (TS Eliot Foundation)
    تصرّح رسالة إليوت الثانية إلى هيل، في تشرين الثاني/نوفمبر عام 1930، بحبه لها وبأهمية ذلك الحب الكبيرة خلال حياته؛ كان زواجه الأول يتداعى حينها، وكان لا يزال يرتدي رباط الحداد على أمه التي توفيت في العام السابق. يطلب إليوت من هيل أن تعيد قراءة سطور "الأرض اليباب" التي تتحدث عن فتاة زهرة الياقوتية، بالإضافة إلى السطور التي تدفع القصيدة نحو نهايتها الساعية للسلام. هذه السطور، يقول إليوت، سوف تثبت أن حبه لها قد نما و"سأكتب دومًا في المقام الأول لكِ".

    كشفت رسائل إليوت إلى هيل أيضًا أن شخصية ماري من السطور الافتتاحية للأرض اليباب كانت مبنية على شخص حقيقي: ماري فون موريتز التي صادقها إليوت صيف عام 1911 في ميونيخ. كانت فون موريتز قد أخبرت إليوت عن تزلقها على الجبال في طفولتها، كيف شغلت ليالي وحدتها بالقراءة، وأنها ستسافر جنوبًا في الشتاء. وقد اعترف إليوت لهيل بأنه نقل ذكريات ماري فون موريتز "حرفيًا تقريبًا" في القصيدة.

    من ناحية أخرى، أثر هيغ وود على "الأرض اليباب" معروفٌ أكثر: لقد استهلم منها إليوت شخصيةَ المرأة المجنونة القلقة في القسم الثاني من القصيدة المعنون "لعبة شطرنج". لكن الذي ليس معروفًا كثيرًا هو كيف وافقت على المقطع: كتبت هيغ وود "رائع" في هوامش المسودات المنشورة للقصيدة، والتي أعيد إصدارها هذا العام بطبعة بالألوان الكاملة بمناسبة الذكرى المئوية. كانت هيغ وود أيضًا القارئة الأولى لإليوت والمحررة الأولى لعمله، وهي التي شذّبت أحد مقاطعي المفضلة الذي تثرثر فيه امرأة مجهولة الاسم بلجهة كوكنية عريضة عن امرأة تدعى لِيل عاد زوجها مؤخرًا من الحرب.

    في أواخر العقد الثاني من القرن العشرين، كانت عائلة إليوت تسكن مباشرة قبالة ما هو اليوم حانة ليريك في مارليبون، في غرب لندن، وكانوا غالبًا يتركون نوافذهم مفتوحة لصوت الثرثرة القادم من الشوارع. في ذلك الحين، كانت لديهم خادمة تدعى إيلين كيلوند ألهمت لكنتها ولهجتها أيضًا هذا القسم. قيل لنا في القصيدة إن "لِيل" كانت على وشك الموت أثناء الولادة وإنها أجهضت. وقد أضافت هيغ وود السطور التالية: "أقراص الدواء التي أخذتُها لأتم الأمر" و"لماذا تتزوجون إذا كنتم لا تريدون أطفالًا؟" ولا تزال هذه السطور تبدو مستفزِّة اليوم.
    "استهلم إليوت من زوجته الأولى شخصيةَ المرأة المجنونة القلقة في القسم الثاني من القصيدة المعنون "لعبة شطرنج". لكن الذي ليس معروفًا كثيرًا هو كيف وافقت على المقطع.. كتبت هيغ وود "رائع" في هوامش المسودات المنشورة للقصيدة"
    الأكاديمية الأميركية ميغان كويجلي هي أحد الباحثين الذين يناقشون قلة الاهتمام في الماضي بالذوات النسائية في الدراسات التي تناولت إليوت. حررت كويجلي الأنطولوجيا التي ستصدر عن دار بلومزبري بعنوان "إليوت اليوم". وقد أشارت في مقالة لها من عام 2019 أن نسخة "قصائد مجمَّعة" لإليوت التي صدرت عام 2015، وأضاف إلها ملاحظاتٍ توضيحية باحثان من الذكور هما كريستوفر ريكس وجيم ماكيو، تقدّم "تعليقًا شاملًا (ويمكن القول زائدًا)" على ألفاظ في القصيدة مثل "فندق متروبول" و"يد آليّة"، لكنها لا تحتوي إلا القليل جدًا عن إسهامات هيغ وود في عمل زوجها أو في قسم القصيدة الذي يشير إلى الإجهاض.

    "ماذا يعني ألا تعني 'أقراص الدواء' أي شيء تقريبًا؟" كتبتْ كويجلي. "إن عملية التحرير تظهر قيمنا؛ الشيء الذي نعتقد أنه من الهام أن يعرفه الباحثون ويتعلّمه الطلاب". وبدايات القرن العشرين كانت، بالطبع، زمنًا تُغيّر فيه حقوق النساء وحركة سوفراجيت (المطالبات بحق النساء بالاقتراع) حيوات النساء وتطلعاتهن. "عندما كنتُ تلميذة، قيل لنا إن الدراسة الصحيحة للأرض اليباب هي تلك التي تستكشف الإحالات إلى الميثولوجيا، الدين والأدب. لكن، بالطبع، ربطُ هذه المواضيع بحياة إليوت، وكيفية تلقّينا لها في الوقت الحاضر، هي أيضًا كاشفةٌ حقًا".

    تشير الشخصيات الميثولوجية في القصيدة مثل سيبيل وفيلوميل إلى العنف المرتكب ضد النساء المعاصرات في القصيدة أيضًا، كما ترى كويجلي. تُغتَصب فيلوميل ويُقطَع لسانها، بينما تظهر لاحقًا عاملةُ آلة كاتبة، اعتُدي عليها من قبل رجل، وهي تستجيب من غير انفعال، وتكون بعد ذلك سعيدة بأن الفعل قد انتهى. يركّز طلاب كويجلي اليوم، وهو أمرٌ يمكن فهمه، على لحظات الاعتداء الجنسي والتحرش في "الأرض اليباب"، تقول كويجلي، "لا سيما وقد أصبحت هذه المظالم أكثر ظهورًا بكثير في حرم الجامعات في السنوات الأخيرة". يناقش الطلاب أيضًا في كثير من الأحيان أن كراهية النساء الظاهرة عند إليوت وبعض أقسام المسودات بغيضةٌ بشكل خاص في ذلك الصدد. كذلك، يتضمن أحد أقسام القصيدة شخصيةً تدعى فريسكا تحلم بالـ"حب والاغتصابات المُلذَّة" بينما تخفي "الروائح" الفرنسية "نتانتها الأنثوية القوية".

    إليوت وزوجته الثانية فاليري فليتشر (Getty 16/8/1958)
    تعترف كويجلي بأنها، كقارئة، تجد هذه اللحظات "صعبة للغاية". "لكن ثمة أيضًا تعاطف وحنو تجاه النساء في مكان آخر من القصيدة". عندما تعرضت عاملة الآلة الكاتبة للاعتداء، تكون محط مراقبةِ شخصية ميثولوجية متعاطفة، تيريسياس، تقول كويجلي، وهي تجسد كلًّا من جنسي الذكر والأنثى. وسينظر كتاب كويجلي القادم في موقع إليوت في الدراسات التي تتناول مغايري الهوية الجنسية.

    لم يعامل إليوت النساء بشكل جيد على الدوام. اعتقدت هيل أنه قد يتزوجها بعد وفاة هيغ وود عام 1947. لكن في عام 1957، تزوج سرًّا من سكرتيرته، فاليري فليتشر، التي تصغره بثمان وثلاثين سنة، وكانت لزمن طويل من المعجبين بأعماله. وفي عام 1960، وبعد معرفته بأن هيل تنوي أن تنشر رسائله بعد وفاتها، طلب إليوت من زميل له أن يحرق الرسائل التي أرسلتها إليه. كما ترك ملاحظة مع الأوصياء على ممتلكاته مع تعليمات بأن تفتَح الملاحظة في اليوم ذاته الذي تخرج فيه رسائل هيل.
    "لم يعامل إليوت النساء بشكل جيد على الدوام. اعتقدت هيل أنه قد يتزوجها بعد وفاة هيغ وود عام 1947. لكن في عام 1957، تزوج سرًّا من سكرتيرته، فاليري فليتشر، التي تصغره بثمان وثلاثين سنة"
    في هذه الملاحظة، ينكر إليوت أهمية هيل في حياته، قائلًا إنهما لم يخوضا أبدًا أي علاقة جنسية، وإنه أدرك بعد موت هيغ وود أنه كان واقعًا في حب ذكرى هيل الأصغر عمرًا وحسب، مضيفًا: "كانت إيميلي هيل لتقتل الشاعر فيّ". لقد أغفل إليوت ذكر واحدة من أعظم قصائده، بِرنت نورتون من عمله "الرباعيات الأربع"، والتي تشير إشارة مباشرة إلى رحلة قام بها مع هيل عام 1935 إلى منزل ريفي في غلوسترشير حمل اسم القصيدة، وحديقة ورود هناك كانت تمثّل حبهما.

    إن على أيّ محب لشعر إليوت أن يبحر في هذه المناطق المراوغة، بالإضافة إلى الأمثلة العديدة عن العنصرية ومعاداة السامية في هذا العمل. بالنسبة إليّ، أجد معظم مظاهر كراهية النساء عند إليوت غير محتملة، لكن مشاهد أخرى كثيرة تصور النساء عنده تظل تخاطبني بأصالة حزينة، مفعمة بالحيوية. ويبدو أن أصواتًا مثل صوت إيميلي، صوت ماري، وصوت فيفيان، قد ظلّت مع إليوت، وبالتعبير عن تجاربهن، بعث إليوت فيهن الحركة ليحلّقن بحرية.

    لم تكن هيل المرأة الوحيدة التي توقعت من صداقة إليوت أكثر مما حصلت عليه. يستكشف كتاب آخر نُشِر في تشرين الأول/ أكتوبر 2022 بعنوان: "ماري والسيد إليوت: قصة حب نوعًا ما" رسائل إليوت الحميمة، وجبات العشاء وزيارات الكنيسة مع ماري تريفيليان التي أسست دار الطلاب الدولي، داعمة الشباب في الخارج وفي بريطانيا. استنادًا إلى مذكرات تريفيليان عن صداقتها التي دامت عشرين عامًا مع إليوت منذ عام 1938 فصاعدًا، صدر كتابها "بابا ساحة راسل" (وهو الاسم الذي كان يطلق على إليوت من باب المزاح). وقد كُتِب بالمشاركة مع الكاتبة والناقدة الأميركية إريكا فاغنر التي تقدم تعليقًا إلى جانب قصص تريفيليان المفعمة بالحيوية وتفاصيل لقاءاتها مع إليوت. وجدت فاغنر أن حكايات تريفيليان عن إليوت وهو يمسك يدها لوقت طويل وسؤاله غالبًا عن أمها هي علامات واضحة عن تلاعبه بمشاعرها. "الرجال، هَهْ؟" تضحك فاغنر. "وجدتُ ما تحمّلَته شيئًا محبطًا في أغلب الأحيان، لكن البشر لا يزالون يتحمّلون أشياء من ذلك القبيل يوميًا".
    "بعد معرفته بأن هيل تنوي أن تنشر رسائله بعد وفاتها، طلب إليوت من زميل له أن يحرق الرسائل التي أرسلتها إليه. كما ترك ملاحظة مع الأوصياء على ممتلكاته ينكر فيها أهمية هيل في حياته، قائلًا إنهما لم يخوضا أبدًا أي علاقة جنسية، وإنه أدرك بعد موت هيغ وود أنه كان واقعًا في حب ذكرى هيل الأصغر عمرًا وحسب، مضيفًا: "كانت إيميلي هيل لتقتل الشاعر فيّ""
    مع هذا، كسبت تريفيليان الكثير من صداقتها مع إليوت، تقول فاغنر، وبالنسبة إلى إليوت، من الواضح أنها منحته الراحة: "كان ذلك شيئًا يحتاجه إليوت. أعتقد أنه كان رجلًا يعاني طوال حياته. لكن، كان على تلك الراحة أن تكون وفق شروطه". غير أن تريفيليان أرادت أيضًا أن تُسمَع كلماتها، تقول فاغنر التي تمتعت بالعمل مع عائلة تريفيليان لتحقق تلك الأمنية. "كنتُ مسرورة للغاية بمساعدتها". ثمة المزيد من النساء اللاتي كنّ مساعداتٍ في حياة إليوت: الليدي ماري روذيرمير التي موّلت طباعة صحيفة الـ"كريتِريون" التي حررها إليوت؛ هوب ميرليس، وهي صديقة لاحقة لإليوت تبشّر قصيدتها النثرية "باريس" من عام 1920، على نحو غريب بقصيدة "الأرض اليباب"؛ وفيرجينيا وولف، وهي الصديقة الداعمة التي نشرت دارها "هوغارث بريس" قصيدة "الأرض اليباب" على شكل كتاب أول مرة عام 1923. كذلك، كان أكثر ما أدهشني أثناء إعداد الوثائقي الإذاعي هو كم كانت الأكاديميات والكاتبات داعمات لعمل واحدتهن الأخرى حول حياة إليوت.

    كلير ريهيل التي تدير ممتلكات إليوت، قالت لي شيئًا رائعًا عن زوجة إليوت الثانية، فاليري. فاليري التي خصّصت الست وأربعين سنة من حياتها بعد موت زوجها لتحرير عمله (توفيت فاليري عام 2012)، عبّرت عن خيبة أملها لمعرفتها أنها لن تعيش طويلًا بما يكفي لترى رسائل إيميلي هيل. "كانت تعرف كم كانت هيل تعني له"، قالت ريهيل. "كانت تود لو تقرأ الرسائل".

    ربما كان هذا ليفاجئ زوجها الراحل، لكنه يؤكد ما تعترف به الكثير من النساء الأخريات اليوم، بعد قرن من كتابة "الأرض اليباب": أن أصوات النساء الكثيرات اللاتي يتحدثن معًا يمكن أن تساعد شعرَ الشخص على الغناء بطرق جديدة مُثرية. شعرتُ بهذا في أعماقي في عمر السابعة عشرة ولا أزال أشعر به اليوم. عسى أن تستمرّ نساء إليوت بالغناء لنا لزمن طويل.



    جود روجِرز (1978- ): صحافية بريطانية، مذيعة، محررة، وناقدة فنية لا سيما في مجال الموسيقى. قدمت برامج إذاعية عديدة عن صناعة الموسيقى وكانت عضو لجنة تحكيم عدة جوائز موسيقية. كما أعدت العديد من البرامج الوثائقية للراديو منها "الصدمة". تنشر بانتظام في الغارديان والنيو ستيتسمان وغيرهما. تقيم اليوم في ويلز.

    رابط النص الأصلي:

    https://www.theguardian.com/books/20...box=1667176009
    • المترجم: سارة حبيب
يعمل...
X