كيف شكّل الخيالُ العلميّ الاشتراكية؟
نيك هَبِل 21 أكتوبر 2022
ترجمات
(Getty Images)
شارك هذا المقال
حجم الخط
ترجمة: سارة حبيب
من وليام موريس إلى أورسولا كروبر لي غوين وإيان إم. بانكس، وفّر الخيال العلمي متنفَّسًا للمفكرين الاشتراكيين، مقدِّمًا للقراء استراحةً قصيرة من الواقعية الرأسمالية ومتيحًا لنا تخيّل عالم مختلف اختلافًا شاسعًا.
تتحدى رواية كيم ستانلي روبنسون "وزارة المستقبل" (2020)، سيطرةَ الواقعية الرأسمالية في الشمال العالمي من خلال تقديمها تاريخًا مستقبليًّا تخمينيًّا يضع العملُ الجماعيّ فيه حدًّا للرأسمالية وينقذ العالم من التغيير المناخي. هكذا، وبتخيّل بديل للوضع الراهن، يستأنف روبنسون تقليدًا مبجَّلًا اتّبعه منذ زمن طويل مؤلفو الخيال العلمي اليساريون الذين يكتبون التخييل الطوباوي.
يمتد التقليد على الأقل إلى رواية وليام موريس "أخبار من اللامكان" (1890) التي تروي حكاية ثورةٍ بروليتارية تفضي إلى مجتمع مثالي خالٍ من الفقر والاضطهاد. إن روبنسون وموريس، كلٌّ على طريقته، لهما رؤية مشتركة عن إنسانية تعيش من خلال العمل بوصفه نشاطًا اجتماعيًا يدور في الطبيعة وضدها في الآن ذاته. وكل الأعمال المماثلة، بالإضافة إلى أعمال روائيين طوباويين اشتراكيين مشهورين من هربرت جورج ويلز إلى إيان إم. بانكس، تعزّز قضية الاشتراكية من خلال تزويد القرّاء بتصورات راديكالية عن حياة ما بعد الرأسمالية، وهي تصورات نادرًا ما توجد في أي مكان آخر في وسائل الإعلام.
إن الخيال العلمي الطوباوي لا يزودنا بنسخة تجريبية عن المستقبل وحسب: إنه يقدم أيضًا طريقة جديدة للتفكير بالتاريخ. عام 2020، اقتبس الغلاف الخلفي لواحد من أعداد صحيفة تريبيون عن ماركس بتصرّف قوله: "لكان صنع تاريخ العالم أمرًا سهلًا بالفعل لو أن الصراع لا يُخاض إلا في ظروف مؤاتية". إذًا، ماذا لو كانت هنالك طريقة مفاهيمية لإعادة تشكيل الظروف التي نجد أنفسنا فيها؟ ماذا لو توقفنا عن التفكير كثيرًا بالتاريخ من خلال علاقته بالماضي، وبدأنا التفكير به من منظور المستقبل؟
في كتابه "مُستَقبَلات متخيَّلة" (2019)، يصف ماكس سوندرز نشوءَ "تاريخٍ مستقبليّ" في بريطانيا ما بين الحربين، وهو ما يقصد به تاريخًا للحاضر ومستقبله القريب، مكتوبًا من وجهة نظرِ مستقبلٍ بعيد متخيَّل. كذلك، كان المثقف الشعبي، العالِم والشيوعي، جون بوردون ساندرسون هولدين (أو ج. ب. س. هولدين) قد كتب قسمًا من كتابه "ديدالوس أو العلم والمستقبل" (1923) على شكل مقالةٍ كتبها طالب من عام 2073 يصف فيها كيف أصبحت التطورات البيولوجية، مثل نمو الأجنّة خارج جسم الأم، ممارسةً شائعة.
علاوة على ذلك، قدّم هولدين تنبؤًا بحدوث تحوّل كامل في العلاقات الجنسية التقليدية بوصفه أمرًا واقعًا بسيطًا. هولدين، باتخاذ منظور مستقبلي، ورؤية حاضره كمرحلة من التاريخ سوف يتم إلغاؤها، حرّر نفسه من البوصلة الأخلاقية المقيِّدة التي يشكّلها كل من التقاليد والماضي.
على نحو مماثل، طبّقت نعومي ميتشِسون، أخت هولدين، منطقًا مشابهًا على خيالها العلمي النسوي. ووصفها لعملها "لقد تم تحذيرنا" (1935) على أنه "رواية تاريخية تتحدث عن زمني" يدّل على أنها كانت أيضًا تفكّر بحاضرها من منظور مجتمع مستقبليّ أكثر تقدمية. كذلك، تصويرُ الروايةِ لاستيلاء الفاشية على إنكلترا نبّه القراء إلى الحاجة إلى إجراء تغيير في علاقات الطبقة والجندر من أجل تجنب ذلك المصير، والقيام، بدلًا عن ذلك، ببناء مستقبل مأمول يكون فيه الجميع متساويًا.
مع الوقت، طُوِّرت هذه الفكرة - أن حاجات مجتمع المستقبل ترجح على حاجات الماضي وحاجات المجتمعات الحالية- إلى مبدأ أخلاقي من خلال تشابهها مع الإضراب. أشارت ميتشسون إلى أن هنالك ميلًا عامًا للنظر إلى الإضرابات الدائرة أو الحملات السياسية على أنها أفعال عدوانية أو عدائية ضد النظام الاجتماعي القائم. ولم تصبح مثل تلك النزاعات مشروعةً إلا بأثر رجعي من خلال الإدراك المشترك بأنها أنتجت تحسينًا في الظروف المعيشية.
ولهذا، كما قيل، وجب على الاشتراكيين أن يصوروا قيم المستقبل الطوباوي على أنها جيدة أخلاقيًا، ويصوروا ممارسات الطبقة الرأسمالية على أنها فعل معادٍ لذلك "المجتمع الجيد" المستقبلي. كما أن ذلك التصور الخيالي العلمي لمستقبلٍ يستحق المحاربة لأجله، والذي كان تصورًا محتفى به من قبل السياسات الثقافية اليسارية في الثلاثينيات، عزّز مساهمة العمال البريطانيين الحاسمة في الحرب العالمية الثانية وأدى جزئيًا إلى انتخاب حكومة حزب العمال عام 1945.
أما النموذج المفترض لذلك المستقبل التقدميّ، والوارد في معظم التخييل اليساري عن سنوات ما بين الحربين، فكان الاتحاد السوفياتي ما قبل المحاكمات الصورية. وقد صُوِّر في رواية "لقد تم تحذيرنا" من منظور العاملات المتحرّرات المتمتعات بحق التحكم بإنجاب الأطفال أو عدم إنجابهم وحق اختيار من ينجبن أطفالًا معه. (مع هذا، إسهامات ميتشسون في مناقشات التحرر وتحديد النسل، يجب أن ترفَق بتحذير يطلعنا على تورطها مع جمعية تحسين النسل).
في كتابها غير التخييلي "الأساس الأخلاقي للسياسة" (1938)، ناقشت ميتشسون أن الأخلاق الجنسية التقليدية متجذّرةٌ في اقتصاد الندرة، وأن الحرية والمساواة لن تصبحا معيارًا إلا عندما تُلبّى كافة الاحتياجات المادية. ولهذا فقد تنبأت بأن النجاح النهائي للاتحاد السوفياتي، أو فشله النهائي، يتوقف على قدرته على تأسيس مجتمع ما بعد الندرة.
في النهاية، فشل الاتحاد السوفياتي، لكن قصة ذلك الفشل أكثر إثارة للاهتمام وأكثر تعليمًا مما اعترف به خصومه قط. وحكاية فرانسيس سبوفورد الإبداعية الوثائقية "وفرة حمراء" (2010)، والتي تتناول هذه المحاولة السوفياتية لتلبية كل الاحتياجات على نحو علمي، قد وُصِفت على أنها نظير لروايات الخيال العلمي التي كتبها روبنسون أو أورسولا لي غوين.
بصورة أعم، يمكن القول إن فكرة مجتمع ما بعد الندرة الطوباوي تشكّل إطار المجموعة الأكثر استدامة من أعمال الخيال العلمي الاشتراكية التي كُتبت في السنوات الأخيرة: سلسلة إيان إم. بانكس التي حملت عنوان "الثقافة" (1987-2012). إن روايات هذه السلسلة، مجتمعةً، هي تفحّص مطوّل لأخلاقيات التدخل الذي قامت به قوىً اشتراكية، وهو تدخل معدٌّ لمناورة دول لها عادة تسلسل هرمي من أجل دفعها إلى تحرير شعوبها. بانكس، بالكتابة من منظور التاريخ- المستقبلي عن "عقول" الذكاء الصناعي، يزيح من المركز الأيديولوجيا الليبرالية الكلاسيكية التي تسيطر على نقاشات التدخلات الإنسانية اليوم، ويستبدل بها تحليلًا حصيفًا للقيم السياسية التي هي على المحك.
كذلك، يقوم مجال هذا النوع من روايات الخيال العلمي المسمى "أوبرا الفضاء" بتبيان حدود قيم الطبقة الحاكمة. وكما أشار الناقد الماركسي فريدريك جيمسون، الرواية التقليدية هي شكل أدبي برجوازي متكّل بنيويًا على قرار رسمي، مثل قيام واحدة من بطلات جين أوستن بإبرام عقد زواج، وهو ما يدعم علاقات الملكية والنظام الاجتماعي.
بالمقابل، الخيال العلمي هو نوع أدبي يرغب بتخطي ذلك النوع من القيود تخطيًا جريئًا. وهو، بإزاحته مقياس الفعل من تحديدات الحياة الحديثة- المعرّفة بظروف المولد وفرص العمل- إلى عالم لا متناه، يفتح آفاقَ استكشافِ إمكانياتٍ فردية واجتماعية من دون حدود. فما إن تشاهد أشعة سيزيوم تلمع في الظلام قرب بوابة تانهويزر (في فيلم الخيال العلمي "بليد رانر" للمخرج ريدلي سكوت)، لا يكون ثمة رجعة لحياة الرأسمالية السلبية القديمة.
بالنتيجة، ما نجده في إرث ما يزيد عن القرن من أعمال الخيال العلمي الاشتراكي هو دليلٌ هادٍ إلى بعض التغييرات الضرورية في المنظور، تلك التي نحتاجها لكي نتحرّر من قيود الحاضر الأيديولوجية ونمضي في مهمة صنع التاريخ. إن هذه الروايات لا تمنحنا الأمل والإلهام للأوقات المضطربة وحسب، بل كذلك شعورًا متجدّدًا بالاندهاش ممّا يمكن لمجتمع مساواةٍ حقيقي أن يحقّقه.
نيك هَبِل: أستاذ في اختصاص اللغة الإنكليزية الحديثة والمعاصرة في جامعة برونيل (بريطانيا). من كتبه: "الملاحظة الجماهيرية والحياة اليومية: الثقافة، التاريخ، النظرية" (2006)، "الإجابة البروليتارية عن السؤال الحداثوي" (2017). وهو كذلك مؤلف مشارك في عدة كتب منها: "الخيال العلمي عند إيان إم. بانكس" (2018)، و"كتابة الطبقة العاملة: النظرية والتطبيق (2018)، و"التقدم في السن مع دولة الرفاهية" (2019).
رابط النص الأصلي:
https://jacobin.com/2020/12/utopian-...FtQhb2MUzqqDaI
نيك هَبِل 21 أكتوبر 2022
ترجمات
(Getty Images)
شارك هذا المقال
حجم الخط
ترجمة: سارة حبيب
من وليام موريس إلى أورسولا كروبر لي غوين وإيان إم. بانكس، وفّر الخيال العلمي متنفَّسًا للمفكرين الاشتراكيين، مقدِّمًا للقراء استراحةً قصيرة من الواقعية الرأسمالية ومتيحًا لنا تخيّل عالم مختلف اختلافًا شاسعًا.
تتحدى رواية كيم ستانلي روبنسون "وزارة المستقبل" (2020)، سيطرةَ الواقعية الرأسمالية في الشمال العالمي من خلال تقديمها تاريخًا مستقبليًّا تخمينيًّا يضع العملُ الجماعيّ فيه حدًّا للرأسمالية وينقذ العالم من التغيير المناخي. هكذا، وبتخيّل بديل للوضع الراهن، يستأنف روبنسون تقليدًا مبجَّلًا اتّبعه منذ زمن طويل مؤلفو الخيال العلمي اليساريون الذين يكتبون التخييل الطوباوي.
يمتد التقليد على الأقل إلى رواية وليام موريس "أخبار من اللامكان" (1890) التي تروي حكاية ثورةٍ بروليتارية تفضي إلى مجتمع مثالي خالٍ من الفقر والاضطهاد. إن روبنسون وموريس، كلٌّ على طريقته، لهما رؤية مشتركة عن إنسانية تعيش من خلال العمل بوصفه نشاطًا اجتماعيًا يدور في الطبيعة وضدها في الآن ذاته. وكل الأعمال المماثلة، بالإضافة إلى أعمال روائيين طوباويين اشتراكيين مشهورين من هربرت جورج ويلز إلى إيان إم. بانكس، تعزّز قضية الاشتراكية من خلال تزويد القرّاء بتصورات راديكالية عن حياة ما بعد الرأسمالية، وهي تصورات نادرًا ما توجد في أي مكان آخر في وسائل الإعلام.
إن الخيال العلمي الطوباوي لا يزودنا بنسخة تجريبية عن المستقبل وحسب: إنه يقدم أيضًا طريقة جديدة للتفكير بالتاريخ. عام 2020، اقتبس الغلاف الخلفي لواحد من أعداد صحيفة تريبيون عن ماركس بتصرّف قوله: "لكان صنع تاريخ العالم أمرًا سهلًا بالفعل لو أن الصراع لا يُخاض إلا في ظروف مؤاتية". إذًا، ماذا لو كانت هنالك طريقة مفاهيمية لإعادة تشكيل الظروف التي نجد أنفسنا فيها؟ ماذا لو توقفنا عن التفكير كثيرًا بالتاريخ من خلال علاقته بالماضي، وبدأنا التفكير به من منظور المستقبل؟
من وليام موريس (من اليسار) إلى أورسولا كروبر لي غوين وإيان إم. بانكس وفّر الخيال العلمي متنفَّسًا للمفكرين الاشتراكيين |
في كتابه "مُستَقبَلات متخيَّلة" (2019)، يصف ماكس سوندرز نشوءَ "تاريخٍ مستقبليّ" في بريطانيا ما بين الحربين، وهو ما يقصد به تاريخًا للحاضر ومستقبله القريب، مكتوبًا من وجهة نظرِ مستقبلٍ بعيد متخيَّل. كذلك، كان المثقف الشعبي، العالِم والشيوعي، جون بوردون ساندرسون هولدين (أو ج. ب. س. هولدين) قد كتب قسمًا من كتابه "ديدالوس أو العلم والمستقبل" (1923) على شكل مقالةٍ كتبها طالب من عام 2073 يصف فيها كيف أصبحت التطورات البيولوجية، مثل نمو الأجنّة خارج جسم الأم، ممارسةً شائعة.
علاوة على ذلك، قدّم هولدين تنبؤًا بحدوث تحوّل كامل في العلاقات الجنسية التقليدية بوصفه أمرًا واقعًا بسيطًا. هولدين، باتخاذ منظور مستقبلي، ورؤية حاضره كمرحلة من التاريخ سوف يتم إلغاؤها، حرّر نفسه من البوصلة الأخلاقية المقيِّدة التي يشكّلها كل من التقاليد والماضي.
"إن الخيال العلمي الطوباوي لا يزودنا بنسخة تجريبية عن المستقبل وحسب: إنه يقدم أيضًا طريقة جديدة للتفكير بالتاريخ" |
مع الوقت، طُوِّرت هذه الفكرة - أن حاجات مجتمع المستقبل ترجح على حاجات الماضي وحاجات المجتمعات الحالية- إلى مبدأ أخلاقي من خلال تشابهها مع الإضراب. أشارت ميتشسون إلى أن هنالك ميلًا عامًا للنظر إلى الإضرابات الدائرة أو الحملات السياسية على أنها أفعال عدوانية أو عدائية ضد النظام الاجتماعي القائم. ولم تصبح مثل تلك النزاعات مشروعةً إلا بأثر رجعي من خلال الإدراك المشترك بأنها أنتجت تحسينًا في الظروف المعيشية.
وصفت رواية "وفرة حمراء" لفرانسيس سبوفورد على أنها نظير لروايات الخيال العلمي التي كتبها روبنسون أو أورسولا لي غوين |
أما النموذج المفترض لذلك المستقبل التقدميّ، والوارد في معظم التخييل اليساري عن سنوات ما بين الحربين، فكان الاتحاد السوفياتي ما قبل المحاكمات الصورية. وقد صُوِّر في رواية "لقد تم تحذيرنا" من منظور العاملات المتحرّرات المتمتعات بحق التحكم بإنجاب الأطفال أو عدم إنجابهم وحق اختيار من ينجبن أطفالًا معه. (مع هذا، إسهامات ميتشسون في مناقشات التحرر وتحديد النسل، يجب أن ترفَق بتحذير يطلعنا على تورطها مع جمعية تحسين النسل).
"وصف عمل نعومي ميتشِسون "لقد تم تحذيرنا" (1935) على أنه "رواية تاريخية تتحدث عن زمني" يدّل على أنها كانت أيضًا تفكّر بحاضرها من منظور مجتمع مستقبليّ أكثر تقدمية" |
في النهاية، فشل الاتحاد السوفياتي، لكن قصة ذلك الفشل أكثر إثارة للاهتمام وأكثر تعليمًا مما اعترف به خصومه قط. وحكاية فرانسيس سبوفورد الإبداعية الوثائقية "وفرة حمراء" (2010)، والتي تتناول هذه المحاولة السوفياتية لتلبية كل الاحتياجات على نحو علمي، قد وُصِفت على أنها نظير لروايات الخيال العلمي التي كتبها روبنسون أو أورسولا لي غوين.
سلسلة إيان إم. بانكس التي حملت عنوان "الثقافة" (1987-2012) مجتمعةً، هي تفحّص مطوّل لأخلاقيات التدخل الذي قامت به قوى اشتراكية |
بصورة أعم، يمكن القول إن فكرة مجتمع ما بعد الندرة الطوباوي تشكّل إطار المجموعة الأكثر استدامة من أعمال الخيال العلمي الاشتراكية التي كُتبت في السنوات الأخيرة: سلسلة إيان إم. بانكس التي حملت عنوان "الثقافة" (1987-2012). إن روايات هذه السلسلة، مجتمعةً، هي تفحّص مطوّل لأخلاقيات التدخل الذي قامت به قوىً اشتراكية، وهو تدخل معدٌّ لمناورة دول لها عادة تسلسل هرمي من أجل دفعها إلى تحرير شعوبها. بانكس، بالكتابة من منظور التاريخ- المستقبلي عن "عقول" الذكاء الصناعي، يزيح من المركز الأيديولوجيا الليبرالية الكلاسيكية التي تسيطر على نقاشات التدخلات الإنسانية اليوم، ويستبدل بها تحليلًا حصيفًا للقيم السياسية التي هي على المحك.
كذلك، يقوم مجال هذا النوع من روايات الخيال العلمي المسمى "أوبرا الفضاء" بتبيان حدود قيم الطبقة الحاكمة. وكما أشار الناقد الماركسي فريدريك جيمسون، الرواية التقليدية هي شكل أدبي برجوازي متكّل بنيويًا على قرار رسمي، مثل قيام واحدة من بطلات جين أوستن بإبرام عقد زواج، وهو ما يدعم علاقات الملكية والنظام الاجتماعي.
بالمقابل، الخيال العلمي هو نوع أدبي يرغب بتخطي ذلك النوع من القيود تخطيًا جريئًا. وهو، بإزاحته مقياس الفعل من تحديدات الحياة الحديثة- المعرّفة بظروف المولد وفرص العمل- إلى عالم لا متناه، يفتح آفاقَ استكشافِ إمكانياتٍ فردية واجتماعية من دون حدود. فما إن تشاهد أشعة سيزيوم تلمع في الظلام قرب بوابة تانهويزر (في فيلم الخيال العلمي "بليد رانر" للمخرج ريدلي سكوت)، لا يكون ثمة رجعة لحياة الرأسمالية السلبية القديمة.
بالنتيجة، ما نجده في إرث ما يزيد عن القرن من أعمال الخيال العلمي الاشتراكي هو دليلٌ هادٍ إلى بعض التغييرات الضرورية في المنظور، تلك التي نحتاجها لكي نتحرّر من قيود الحاضر الأيديولوجية ونمضي في مهمة صنع التاريخ. إن هذه الروايات لا تمنحنا الأمل والإلهام للأوقات المضطربة وحسب، بل كذلك شعورًا متجدّدًا بالاندهاش ممّا يمكن لمجتمع مساواةٍ حقيقي أن يحقّقه.
نيك هَبِل: أستاذ في اختصاص اللغة الإنكليزية الحديثة والمعاصرة في جامعة برونيل (بريطانيا). من كتبه: "الملاحظة الجماهيرية والحياة اليومية: الثقافة، التاريخ، النظرية" (2006)، "الإجابة البروليتارية عن السؤال الحداثوي" (2017). وهو كذلك مؤلف مشارك في عدة كتب منها: "الخيال العلمي عند إيان إم. بانكس" (2018)، و"كتابة الطبقة العاملة: النظرية والتطبيق (2018)، و"التقدم في السن مع دولة الرفاهية" (2019).
رابط النص الأصلي:
https://jacobin.com/2020/12/utopian-...FtQhb2MUzqqDaI
- المترجم: سارة حبيب