كنوز الممالك الغابرة تحط رحالها في معرض التشكيلي جهاد أبوسليمان

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كنوز الممالك الغابرة تحط رحالها في معرض التشكيلي جهاد أبوسليمان

    كنوز الممالك الغابرة تحط رحالها في معرض التشكيلي جهاد أبوسليمان


    عالم تشكيلي يتقوقع على ذاته مبتعدا عن الجحيم الخارجي.
    الجمعة 2023/02/10
    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    كائنات أبوسليمان لا تتأثر بالعالم الخارجي

    حرر الفنان اللبناني جهاد أبوسليمان أفكاره وأعاد تشكيلها بريشاته وألوانه ليخلق عالما متحررا من الحاضر والمحيط الخارجي وأزماته، يستعيد كنوز الممالك الغابرة وأمجادها ليبعث في الآخر الأمل بحياة أفضل لا تشبه الجحيم الخارجي ولا تسمح له بالتأثير فيها.

    افتتحت صالة “أرت سكوب” في بيروت منذ مطلع فبراير الحالي معرضا للفنان التشكيلي اللبناني جهاد أبوسليمان واستمر حتى الثامن منه. جاء المعرض تحت عنوان “بُسط من المملكات الضائعة”، وضم مجموعة من الأعمال الفنية مشغولة بمادة الأكريليك وذات أحجام متوسطة.

    في وسط جوّ من النشاط التشكيلي العامر في مدينة تحت أثر الأزمات والعواصف الطبيعية، برز معرض الفنان التشكيلي اللبناني أبوسليمان كواحة حيّة من الهدوء والدفء تغلق أجفانها عن كل ما يحصل خارجها لتحتضن برفق كنوزها الساحرة خوفا عليها من العالم الخارجي.

    مسافة بعيدة عن الجحيم المحيط أنشأها الفنان عبر مجموعة من الأعمال الفنية أخذتنا إلى عالم ساحر مسكون بقطع تشكيلية وامضة كالبسط السحرية التي تعمر بها القصص الخرافية وتذكرنا بأعمال الفنان الفرنسي الشهير بول كلي المتأثر بالفن الإسلامي.



    مما ذكر البيان الصحافي المرافق للمعرض أن في لوحات الفنان أبوسليمان “طيور تعبر السماء، أشكال هندسية متهدجة. حيوانات تتجاور بسلام على خلفيات مُشبعة بألوان التلال والأشجار والحقول المتحولة تحت تأثير تبدل الفصول وأوقات النهار”. كل هذا وأكثر حضر في لوحات الفنان. العناصر المُنمنمة والمُكررة في لوحاته هي أبرز ما يلفت النظر. عناصر كالأحصنة الأسطورية والأشجار متساوية الطول والحجم لعبت دورا كبيرا في جعل الهدوء سيد اللوحات على الرغم من الزخم اللوني الذي تتمتع به. كما أخذتنا أعماله إلى قصص الأطفال حيث “الهدهدة” هي سيدة الموقف وحيث تجوب الكائنات اللطيفة والأزهار المتوردة في الحدائق العجائبية، حيث لعب الضوء وخفوته والظلال واشتدادها وفتور قوتها دورا أساسيا في جعل الأعمال بعيدة كل البعد عن الأعمال التزيينية.

    في هذا السياق نذكر أن العديد من أهل الفن ينظرون إلى هكذا أعمال نظرة “متعالية”، إذا صح التعبير. فهم إن لم يعتبروها تزيينية للتخفيف من قيمتها الفنية، يعتبرونها خارج العصر وهمومه ومتجاهلة للوجع الإنساني لاسيما في منطقتنا العربية. غير أن في هذا المنطق إجحاف كبير. فكما هناك فن يصور الألم ويعبّر عنه ويغوص في تفاصيله حتى إقامة عوالم مرعبة تفوق في أحيان الواقع، هناك فن مُضاد للألم ليس تجاهلا لوجوده، بل مبلسما للجراح الإنسانية. هذا إذا لم نذكر البراعة والحساسية الفنية التي تتمتع بها أعمال كثيرة من هذا النوع ومنها أعمال الفنان أبوسليمان.

    وقد أخبرنا الفنان خلال حديث مقتضب معه أنه يعتبر أن الفن بشكل أساسي هو ضرورة، وهو “الصرخة الوحيدة بمواجهة الموت. لو لم يكن الموت موجودا لما كانت هناك ضرورة وحاجة إلى ممارسة الفن. إنها صرخة أمام المطلق ومسألة الجدلية القائمة ما بين الماضي والحاضر والمستقبل”.

    يأخذنا قول الفنان هذا إلى ما قاله يوما الشاعر الفلسطيني محمود درويش “هزمتك يا موت الفنون جميعها”. وفن أبوسليمان هو بكل أحواله احتفال بالحياة على أنها في مواجهة دائمة مع الموت والخراب وأيضا مع الشعور بالغربة حتى وإن كنا في قلب الوطن.


    جهاد أبوسليمان: الفن بشكل أساسي هو ضرورة، وهو “الصرخة الوحيدة بمواجهة الموت


    يُذكر في هذا السياق أن للفنان لوحات تشكيلية لا تشبه مجموعته التي قدمها في صالة “آرت سكوب” إلا في زخم ألوانها وشاعريتها وتأثرها بالمشاهد الطبيعية لاسيما تلك التي عرفها الفنان في قريته مجدلونا، الواقعة في إقليم الخروب في منطقة الشوف ضمن محافظة جبل لبنان.

    وللفنان مجموعة من اللوحات توثق عشقه وشوقه لقريته أطلق عليها عنوان “مجدلونا” (1991 – 2015).

    لوحاته فسحات من الأمل تومض في قلبه، تنتقل إلى يده وصولا إلى ريشة ألوانه. وحين يحدث هذا تبدأ كائناته المنمنمة بالظهور على قماش اللوحات. وتبدأ الحكايات بالتكون كما تبدأ كل القصص ذات النهايات السعيدة. ليس بين أي كائن أو آخر أي توتر، بل وئام وسلام. وكم نحن نحتاج إلى أن نرى أمامنا عالم لا تتقاتل فيه الوحوش ولا يسيطر عليه الجشع.

    وتذكرنا أعمال أبوسليمان بما جرت عليه العادة في النصوص القديمة حيث يبدأ النص الحكائي المكتوب بحرف كبير ومزخرف وملون تجري بعده الكلمات والفقرات الكتابية بشكل عادي وبسيط. “كان يا ما كان في قديم الزمان” ولكن بالصيغة الغربية.

    صحيح بأن أعماله تذكر بتصاميم السجاجيد (وتصميم السجاجيد فن قائم بذاته وله تاريخ عريق) غير أنه من الصعب التوقف فقط عند الجانب الجمالي للأعمال. وإن كانت لوحاته بدايات لقصص بصرية/خرافية خافتة، فهي ليست فقط ملك الفنان.

    المُشاهد سيجد ذاته منجذبا لأن ينسج منها قصصا خاصة به. قصص مُبلسمة جلّ ما تنطق به بنبرة مُطمئنة “كل شيء سيكون على ما يرام. كل حزن سيزول وكل أمر سيستقيم”.


    سلام يستشعره الفنان من ذاته


    هكذا تكون أعمال الفنان موقفا ضد القتل والحزن والألم. لوحات الفنان يسهل أن نراها على جدران منازل تريد أن تنسى القهر وأن تؤمن بأن الحب هو السلطان الوحيد الذي سينتصر على كل جرائم العالم.

    يُذكر أن الفنان جهاد أبوسليمان حائز على ماجستير في تاريخ الفن من جامعة السوربون الفرنسية وشهادة عليا للدراسات المعمّقة في تاريخ الفنّ من جامعة أمستردام. كما هو حاصل على شهادة في الفلسفة من الجامعة اللبنانية. حمل هموم الفنان العربي المهاجر عندما نظّم عدة معارض لفنانين عرب، بينها المعرضان الجماعيان الأول والثاني للفنانين العرب في هولندا.

    للفنان مشاركات عديدة في معارض جماعية، كما أقام معارض فردية داخل لبنان وفي الأردن والسويد وأمستردام. توجد أعمال الفنان ضمن مجموعات فنية عالمية عامة وخاصة، بينها متحف فان لون (أمستردام) ودارة رئيسة القصر الملكي الهولندي، ومكتب رئيس مجلس الوزراء الأسكتلندي.


    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    ميموزا العراوي
    ناقدة لبنانية
يعمل...
X