التشكيلية سامية الحلبي تحاول "تفكيك لغز الألوان"

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • التشكيلية سامية الحلبي تحاول "تفكيك لغز الألوان"

    التشكيلية سامية الحلبي تحاول "تفكيك لغز الألوان"


    فنانة تستنطق اللون وتجعله سفيرا لفلسطين وقضاياها.
    الأربعاء 2023/02/08

    المعرض اختزال لعقود من تجربة الفنانة

    حولت الفنانة سامية الحلبي اللون إلى سلاح ناعم تدافع به عن وجودها والوجود الفلسطيني وقضايا بلدها في المهجر، هو لون أشهرته في وجه كل من حاول منعها من الحضور في الساحة الفنية، وهو لون خلقت منه لوحات متميزة حمّلتها العديد من الرسائل المبطنة.

    تستضيف صالة “صفير سميلر” اللبنانية معرضا للفنانة الفلسطينية – الأميركية سامية حلبي ليكون بمثابة احتضان مكثف لمسيرتها الفنية الطويلة التي دامت أكثر من أربعين عاما بعنوان “تفكيك لغز الألوان”. ويستمر المعرض حتى الخامس عشر من شهر أبريل المقبل.

    وكانت الفنانة قد قدمت معرضا في بيروت سنة 2015 وتلاه بعد ذلك معرض سنة 2018 لتعود اليوم إلى بيروت في معرض يكتنز خبرتها الطويلة في الفن.

    الفنانة سامية حلبي متعددة الوسائط ولم تتوقف عن التجريب والبحث في عوالم التشكيل وأسرار الألوان، هي من دون شك غنية عن التعريف. ويشكل المعرض الذي تقيمه صالة “صفير سيملر” تقديما غنيا لها دون أن يحمل منطق الاستعادة بقدر ما يسلط الضوء على تاريخ من عملها الفني في طور التحول تحت سلطة الاختبار والتأمل. ويتضمن المعرض أعمالا متنوعة التقنيات والأحجام نفذتها الفنانة بين سنة 1982 و2022.



    وبالرغم من أن نص الفنانة غني بالألوان وتداخلاتها وانقشاعها عن بعضها البعض، من الصعب النظر إليه على أنه نص عاطفي مرتبط بلحظات أو مواقف شعورية محددة؛ فهو يمتلك زخما يكاد يكون حسابيا قامت الفنانة بتدبير وتقدير أموره وقياس نبراته وتوزيع أضوائه وظلاله لابتكار حالة إبهار تدعو المُشاهد إلى التأمل بعيدا عن “الارتدادات” العاطفية، إن صحّ التعبير.

    وإن كانت الفنانة تعتبر ذاتها مناضلة حقوقية/فلسطينية فإن ذلك لا يتجلى بما تقدمه من أعمال تحمل رسائل مبطنة أو مواضيع تتعلق بالقضية الفلسطينية بشكل مباشر، فنصها الفني هو تعبيري- تجريدي متأثر بالتيار التعبيري الغنائي الأميركي الذي ولد في الخمسينات وبالحروفية العربية ونبراتها الموسيقية اللونية.

    كونها ناشطة فلسطينية يتجلى بشكل خاص في إصرارها على أن يكون الفن الذي ينتجه الفلسطيني حاضرا دوليا. ويذكر أن لها مساهمات في دعم فنانين فلسطينيين وصولا إلى تكريسهم عالميا.

    وفي هذا السياق نذكر أنه سابقا عملت الفنانة سامية حلبي بزخم على تحضير معرض فني لها حمل عنوان “صنع في فلسطين” ورُفض تقديمه في أكثر من 80 محفلا فنيا في الولايات المتحدة رغم أنها استطاعت بإصرارها تحقيقه في متحف هيوستن للفن.

    وما يميّز هذا المعرض الذي يحمل عنوان “تفكيك لغز الألوان” أن منظميه أضافوا إليه زخم الحضور الطازج، إذا صح التعبير، عندما دعوا المهتمين بالفن إلى لقاء الفنانة والتجول معها في أرجاء معرضها. وهكذا تحقق حضور الفنانة من خلال ثلاث قنوات؛ إذ حضرت كفنانة محترفة وكأستاذة في الفن وكناطقة باسم التميّز الفلسطيني.

    وانتقل زوار المعرض مع الفنانة في باحة الصالة الرحبة جدا من بدايات توهج عملها الفني في مطلع الثمانينات، حيث كانت الأشكال الهندسية الملونة تطغى على أعمالها، إلى أعمالها الفنية المتحركة التي احتفظت بالروحية الهندسية والتجريدية في آن واحد والمعبرة عن تأثرها بالمحيط الطبيعيّ المدينيّ الذي عرفته في المدن التي زارتها وعاشت فيها، وحيث حضرت اللوحات كما حضرت المجسمات الهندسية متوسطة الأحجام وشبه الفضائية والمستوعبة للفراغ بين ثناياها.

    كما انتقلوا مع الفنانة إلى أعمالها التي حضرت فيها الحروفية العربية التي تنهمر كشلال صعودا أو نزولا أو تفشيا في وسط اللوحة وفق النظرة الخاصة بكل مُشاهد، وصولا إلى أعمالها الديجيتالية المتحركة التي كانت سامية حلبي قد ابتكرت برنامجا خاصا لأجل تنفيذها.

    وكل من تابع أعمال الفنانة سيدرك أن هاجسها الأساسي هو استنطاق اللون كمفردة تتخطى هيئتها الظاهرية، وأن الخطوط والأشكال الهندسية المتداخلة تارة والمتجاورة حينا آخر هي في خدمة إظهار ما تريد أن تقوله الألوان عن ذاتها وعن أحوالها المتبدلة كثافة وشفافية، زخما وخفوتا وانبهارا بالضوء الداخل إليها والقادم منها على حد السواء.

    وسيعلم المتابع لأعمالها أن جل ما تسعى إليه سامية حلبي هو أن تظهر ما يكتنز اللون من عوالم حقيقية موازية لعالمنا الرمادي حتى وإن كان في ظاهره ملونا.
    ومما لا شك فيه أن من يظل دون كلل لمدة تفوق الأربعين سنة يحاول “تفكيك لغز الألوان” قد بلغ درجة من الصفاء الروحي والذهني يمكنه من أن يخاطب “اللون” كرديف للحالة الوجودية التي يعيشها الإنسان المُتنبه إلى إنسانيته بالمعنى الإيجابي للكلمة وإن كان الموت هو الآخر حالة لونية لا بد أن يختبرها الإنسان حين يحين حينه.

    هي، أي سامية حلبي، اختارت أن تستمع إلى اللون، أن تصغي إليه، أن تجاوره، أن تكونه انطلاقا من أطراف أصابعها وريشتها وروحها وذهنها المتوقد، أن تجعله آلة موسيقية لا يمكن لمسها لأنها آلة أثيرية.

    واختارت أن تحاول إنصاتنا موسيقى اللون التي تتخطى الحدود الجغرافية، الأرضية حتى وإن كان في بدايته قد انطلق من الطبيعة التي من حولنا أو من الطبيعة التي تذكرها من وطنها الأم: الشمس والبحر والسماء والليل والمطر والخضرة المتدرجة وبنّيّة الخشب والتربة أو تلك التي يجهز عليها البشر لصالح الإسمنت والمنشآت الهندسية المعاصرة، لاسيما في عالمنا العربي.

    أعمال الفنانة سامية حلبي حضرت فيها الحروفية العربية التي تنهمر كشلال صعودا أو نزولا أو تفشيا في وسط اللوحة

    هي اختارت أيضا أن تظهر أحواله وهو متداخل مع أضواء المدن الاصطناعية وكيف يتكسّر ويتفشى ويخفت في الانحناءات والأعماق التي لا يصل إليها النور إلا ضئيلا. اختارت أن تعيش أحواله وأن تهبه، ويحلو أن نقول هذا: أن تهبه هوية فلسطينية عصية على السلب وعصية على التلاشي.

    يُشار إلى أن الفنانة سامية حلبي ولدت في القدس العربية سنة 1936. وذكرت الفنانة في إحدى مقابلاتها مع الصحافة أنها “ولدت خلال الثورة الفلسطينية ضد الانتداب البريطاني. انتقلت في السنة الثالثة من عمرها إلى مدينة يافا، ثم إلى جبال لبنان عام 1948 هرباً من الاضطهاد الإسرائيلي إثر قرار الأمم المتحدة القاضي بتقسيم فلسطين، قبل أن تهاجر وعائلتها إلى الولايات المتحدة”.

    واستطاعت بأعمالها أن تتجاوز عتبات المتاحف وتستوطن قاعاتها منذ عام 1975. وهي حاصلة على الجنسية الأميركية، وناشطة فلسطينية تعيش وتعمل في مدينة نيويورك. شغلت عدة مناصب في جامعات الولايات المتحدة، بعد نيلها شهادة الماجستير في الفن من جامعة ميشيغان في عام 1960، وحصلت على شهادة أخرى في الفنون الجميلة من جامعة إنديانا عام 1963.

    أعمال حلبي الفنية المتنوعة جابت دول أوروبا، واقتنت لوحاتها كبرى المتاحف والمؤسسات مثل متحف سولومن وجوجنهايم ومعرض جامعة ييل والمتحف الوطني الأميركي للفنون في واشنطن، ومعهد شيكاغو للفنون، ومتحف كليفلاند للفنون ومعهد العالم العربي في باريس والمتحف البريطاني. ولها مشاركات في معارض فنية والعديد من المعارض الفردية.


    ميموزا العراوي
    ناقدة لبنانية
يعمل...
X