"جوقة عزيزة".. مسلسل سوري يروي التاريخ بالفن
دراما شعبية عن ليالي الأنس وفترة الاستعمار في الحارات القديمة بدمشق.
الفنانون أهداف المستعمر للتأثير في الشعب
ليس المؤرخ من يكتب التاريخ فحسب بل يشاركه في ذلك المبدع في كل الفنون، فكثيرا ما عرف تاريخ أمة أو شعب من تراثهما الفني. وخلال آلاف السنين عاشت منطقتا الشام ومصر أحداثا عاصفة جمعتهما معا ووثقتها الإنتاجات الموسيقية والسينمائية وحتى الدرامية، وآخرها مسلسل “جوقة عزيزة” وهو مسلسل سوري ضخم الإنتاج يتتبع رواية تاريخ سياسي وفني يخص المنطقة بأسلوب الدراما الشعبية التي تجمع بين الغناء والاستعراض.
على مدى تاريخ طويل سكنت في الوجدان العربي العديد من الملاحم الشعبية التي كانت مرويات حكائية، وجد فيها العوام قصصا عن السياسة والمجتمعات والأديان والفنون. فكانت ملحمة عنترة والزير سالم والسيرة الهلالية والظاهر بيبرس وغيرها. وعلى الشكل ذاته، يقدم منتجو مسلسل “جوقة عزيزة” عملا فنيا يروون فيه تاريخا عميقا ربط بين إقليمين عربيين كبيرين هما مصر وسوريا، وهو من إنتاج شركة “غولدن لاين” التي أرادت بالتعاون مع الكاتب خلدون قتلان والمخرج تامر إسحاق تحقيق معادلة صعبة تكمن في تقديم مسلسل يحمل مقومات العمل الضخم إنتاجيا والذي يقدم سيرة شعبية تاريخية بجو استعراضي مبهج من خلال حكاية فنانة شهيرة هي عزيزة (نسرين طافش) وما يدور حولها من حكايا تتوالد حلقة إثر أخرى.
حكاية بلد وفن
نسرين طافش: عزيزة حالة استعراض وفرجة حققت لي مكانة الفنانة الشاملة
مكان الحكاية مدينة دمشق وزمنها بين عامي 1929 والعام الذي يليه، زمن الاحتلال الفرنسي لسوريا، وحين كان الحراك الوطني مشتعلا من جهة وكذلك الحراك الفني. وبينهما تقاطعات حارة أخذ منها مؤلف العمل ما قدمه في مسلسله، فيكتب عنه “هي حكاية شخوص تبحث عن نفسها وتتمنى أن تعيش تحت سلطة دولة يحكمها رجالها، حكاية دستور يحاول المحتل أن يرسمه كما يريد، وحكاية أحرار يقولون لعدوهم لا لن يكون لك ما تريد، حكاية تناقش الحياة وتجمع بين السياسة والفن والدين والعادات والتقاليد، هي حكاية وجعنا القديم، المعاصر، حكاية نأمل أن تنال استحسان الجمهور”.
وكان لا بد من تأمين مستوى إنتاجي كبير لهذا التوجه لكي يضمن تحقيق مستوى عال من الجودة وبالتالي المنافسة في الموسم الرمضاني القادم. فشيدت للعمل ديكورات خاصة قام بتصميمها إيلي الصفدي وبُني حي شعبي كامل في مدينة تصوير ينتمي عمرانيا إلى مرحلة بدايات القرن العشرين دارت فيه أجزاء من الحكاية، فظهرت أحياء دمشقية عريقة كالشاغور وزقاق البرغل وشارع البدوي وشارع المرقص. كما بني تياترو خاص نفذت عليه كل استعراضات العمل وتمت الاستعانة بمخرج الاستعراض والكليبات اللبناني عادل سرحان ليقوم بتنفيذها بمرافقة فرق احترافية في فنون الرقص.
وما حقق للمسلسل مزيدا من الثقل مشاركة الكثير من الفنانين فيه منهم بطلته نسرين طافش وسلوم حداد وأيمن رضا وسعد مينة ونورا رحال وسليم صبري وحسام تحسين بك وعاصم الحواط ووفاء موصلي ويزن الخليل ووائل زيدان وروبين عيسى وسالي بسمة وكرم الشعراني وغسان عزب وهبة نور وعدنان أبوالشامات وزيناتي قدسية وطارق الشيخ. وشارك من مصر الشاب محمد أسامة صاحب الأغنية الشهيرة “الغزالة رايقة” التي ظهرت في الفيلم المصري “من أجل زيكو”. وحل أسامة ضيفا على مسلسل “جوقة عزيزة” في مشاهد جمعته على التياترو كضيف مع عزيزة وفي أغنية خاصة به أعدت لمشاركته. ووضع ألحان الأغنيات المؤلف الموسيقي السوري إياد الريماوي وعمل في التصوير عبدالإله الروابدة.
الفن يكتب التاريخ
خلدون قتلان: لكل منا جوقته الخاصة وكل يغني على ليلاه
يرى خلدون قتلان مؤلف المسلسل أن الفن لا يمكن فصله عن السياسة، وكثيرا ما أثّر أحدهما في الآخر، ويبيّن في حديث لـ”العرب” دور الفن في كتابة التاريخ، قائلا إن “الفن مرتبط بشكل وثيق بالسياسة ولا ينفصل عنها أبداً، وإذا خضنا في غمار التاريخ سيعيدنا إلى أبي خليل القباني الذي كان الفن السبب الرئيس في نفيه خارج سوريا، حاله كحال سلامة الأغواني رائد المونولوج السوري، فالفن يعبر عن موقف سياسي واجتماعي ويشكل موروثا ثقافيا مهما وهو يؤرخ بطريقة أو بأخرى للأحداث السياسية وهو محفز وملهم للشعوب في لحظاتها الحرجة، فإيقاع الطبول هو رمز للحرب، وكم من صوت شجي تغنى بحب الأوطان. في ‘جوقة عزيزة’ الفن جزء من حكاية تدور أحداثها في دمشق عام 1929 فهناك زمان ومكان محددان، وشكل سياسي مفروض وهو سلطة الانتداب ومن حالفها”.
ويتابع “الفن هنا جانب من قصة العمل التي تسلط الضوء على تأثير الفنون في الحالة السياسية، فالمستعمر يعلم أن الفنون قادرة على التأثير في العقل الجمعي وهذا ما يرفضه فيسعى لتطويع رسالة الفنون حسب ما يريد، مصدرا إلى الواجهة رجال الدين، فمن السهل أن تقود المجتمعات من خلالهم، مهمّشا دور الثقافة والفنون في بناء المجتمع”.
وعن اختياره لشكل الدراما الشعبية يقول قتلان لـ”العرب”، “كان هذا الشكل من الكتابة الدرامية خياري الوحيد للعودة بعد غيابي عن المسلسلات لعدة سنوات، فمن الطبيعي لأي مؤلف أن يدرس جيداً ما سوف يقدمه بعد غياب، لهذا كان خياري الحالة الشعبية التي من خلالها أستطيع أن أمرر رسائل النص الذي سنكتشف في نهايته أن لكل منا جوقته الخاصة وكلّ يغني على ليلاه”.
وعن ترابط الفن في مصر وسوريا وكيف وثق ذلك في هذا العمل يشير المؤلف “ستظهر في المسلسل أسماء عمالقة الفن في ذلك الوقت، فمن سوريا ستظهر فيروز ماميش وأحمد الفقش وأبوخليل القباني وسلامة الأغواني وبديعة مصابني التي اشتهرت في الديار المصرية. ومن مصر سيظهر سيد درويش وسلامة حجازي ومنيرة المهدية وزوجها محمود جبر، وشفيقة القبطية، وعزيز عيد وفاطمة رشدي. فحالة التأثر الفني بين الشعبين يطرحها النص بقوة ومن هنا جاءت فكرة مشاركة الفنان الشاب محمد أسامة في أغنية كضيف قادم من مصر الشقيقة”.
فرجة جديدة
نسرين أو عزيزة.. نقاط تشابه كثيرة
يقدم المخرج تامر إسحاق مسلسله الجديد بكثير من الحماس، ذلك أنه عمل مع فريق العمل على تقديم تفاصيل جديدة ستكون كما بيّن لـ”العرب” سببا أكيدا في متابعته من قبل الجمهور.
ويوضح “المسلسل يتعامل مع فنون الغناء والتمثيل والرقص ضمن علاقة خاصة فيها الكثير من التشويق والبهجة، وهو يرصد حياة أهل الفن في دمشق في فترة الثلاثينات، ومن خلال حكايات المسلسل سوف نتعرف على جانب من حياة هؤلاء، والهم الذي يعيشونه. وتجري الأحداث في شارع البدوي بدمشق الذي يضم أول مكان لتعليم الرقص الشرقي في المدينة وكان اسمه شارع المرقص وفيه تياترو ومجموعة من الحانات التي تحتوي على عوالم مختلفة من الحياة وتقدم استعراضات مختلفة المستويات، تنتهي بالتياترو الذي تختص به عزيزة”.
وحسب إسحاق “هذا الشكل السردي غريب وجديد على شكل الدراما السورية بدءا من النص والأسماء والشخوص والحالة المشهدية للعمل. اتجهنا في المسلسل إلى تقديم حالة من الحداثة التي تقدم الجديد وخرجنا عن النمطية والسائد. فالمسلسل يقدم أحداثه في مدينة دمشق لكنه لا يندرج ضمن مسمى البيئة الشامية، هو دراما شعبية تقوم على تقديم حكاية بسيطة بعيدة عن العنف والقتل والمكائد والتخريب ليقدم حالة تشويقية قوامها البهجة”.
تامر إسحاق: خرجنا عن السائد بتقديم شكل غريب وجديد على الدراما السورية
وعن جرعة الحنين التي وجدت في المسلسل تجاه تلك الفترة الزمنية يتابع إسحاق “يحمل المسلسل حالة حنين للماضي، برز ذلك في العديد من الحالات الدرامية والشخصيات المجسدة على الشاشة. كان ذلك من خلال حكايات عنهم أحبها الناس. وكانت لغة القصص شعبية بسيطة لكنها تحمل قيمة فنية عالية. من يعرف دمشق وعاش هذه المراحل سيكون لديه الكثير من الحنين لها من خلال ما سيقدمه المسلسل. العمل ليس وثائقيا، لكن أحداثه تجري في مكان محدد، وترد حوادث سياسية معينة وسوف تظهر تأثيرات لشخصيات حقيقية سياسية وفنية. وسيتابع الجمهور تفاعل أهل الفن بدمشق حينها مع السياسة والحراك الوطني الذي كان على أشده، وكيف همت أقطاب السياسة في سوريا وكذلك سلطات الاحتلال الفرنسي في استقطاب هؤلاء، مستفيدين من شهرتهم ومحبة الناس لهم لتشكيل منابر تمرر من خلالها بعض أفكارهم”.
ويضيف “جوقة عزيزة مسلسل فيه مجموعة خطوط درامية، ففيه معلومات تاريخية ويمكن أن يرى البعض فيه تقاطعا حياتيا وتاريخيا بين زمن الأحداث والفترة الحالية، بمعنى الإسقاط. وفيه من خفة الدم والطرافة ما يجعله عملا سلسا وليس كوميديا. لذلك أرى أن الناس في هذه الفترة سيتابعون العمل كونه يحمل كل تلك الصفات المتنوعة والمبهجة”.
وعن المشاهد البصرية التي يقدمها العمل ومقدار الاختلاف الذي يحمله ويستطيع من خلاله انتشال الناس ولو مؤقتا من الواقع اليومي المثقل بالهموم، يقول المخرج “المسلسل فيه فرجة جديدة ستكون مدهشة للجمهور، فهو يقدم حالة من البهجة بدءا من النص والديكور والإكسسوار والموسيقى والغناء والرقص وغيرها. لست معنيا بمسألة أنه سيكسب الجمهور من الحلقات الأولى، أنا أقوم بواجبي في تقديم أفضل جهد وأكون سعيدا به، أتابع منذ البداية كل المسائل السلبية منها قبل الإيجابية وأستمتع بهذه التفاصيل، وعندما يعرض المسلسل على المشاهد هو من يحدد رأيه. اجتهدت وفريق العمل ونتمنى أن تكون النتائج في صالحنا”.
ويجمع المسلسل الثنائي سلوم حداد ونسرين طافش باعتبارهما بطلين رئيسيين للعمل، وعن ذلك يعلق إسحاق “في عملنا سيتعرف الجمهور على حجم التلاقي الإنساني والفني بين الجميع وسيلمس المحبة التي كانت موجودة بينهم. سلوم حداد فنان كبير وصاحب مكانة هامة في الفن السوري ونسرين طافش فنانة موهوبة لها مكانة محببة وهامة عند الجمهور، وقد أدهشتني بما قدمته في هذا الدور المميز والصعب والمتنوع “.
طموح الفن الشامل
كان خيارا فنيا صعبا على بطلة العمل نسرين طافش أن تتفرغ للعمل على مسلسل مجهد سيأخذ منها طاقة وجهدا ووقتا كبيرا ويمنعها حتما من المشاركة في أعمال موازية محليا أو عربيا، لكن الطموح والرغبة بولوج باب الفن الشامل حيث تعدد المواهب والفنون دفعها إلى المضي في التجربة والرهان، خاصة وأن تقاطعات نفسية وفنية تجمع بين شخصية نسرين الحقيقية من حيث شغفها وتمكنها من عدة فنون، وعزيزة الشخصية البطلة في المسلسل.
المسلسل يتعامل مع الفنون ضمن علاقة خاصة من التشويق والبهجة راصدا حياة أهل الفن في دمشق فترة الثلاثينات
وتقول نسرين طافش لـ”العرب”، “بين شخصيتي عزيزة ونسرين العديد من نقاط التلاقي والخلاف، فهما تلتقيان في الشغف بالفن والرقص والموسيقى، فأنا أشارك عزيزة بحبي للفنون. وهي شخصية غير عادية واستثنائية ونارية سريعة الانفعال وحيوية، تحب الناس والصخب والازدحام، وهي شخصية قيادية تمتلك الذكاء الفطري والطرافة وخفة الظل، ‘مشعلانية’ كما نسميها باللهجة العامية، كل هذه الخصال صنعت لها كاريزما خاصة جعلتها مشهورة في زمنها. ومع ذلك فأنا أخالفها في مسألة حب الضجة والصخب والازدحام، فأنا لست منعزلة لكنني أحب أن أقضي وقتا طويلا مع نفسي وأهتم بالقراءة والهدوء والإقامة في الأماكن الطبيعية”.
وعن ملامح الشخصية والجديد الذي وجدته فيها، تتابع “هي شخصية جذابة وغير تقليدية تشكل طموحا لأي ممثلة بتقديم مثلها، وأنا حريصة على تقديم الجديد دائما في عملي، ففي العام الماضي قدمت في مصر مسلسل ‘المداح’ من خلال شخصية رحاب الفتاة المحجبة البسيطة التي تتحول إلى إنسانة قوية لكي تستعيد حقها. لكن شخصية عزيزة تختلف عنها تماما، فهي مختلفة كليا وقيادية وتحدد تصرفاتها بقوة”.
وترى نسرين طافش أن فرصتها بالمشاركة في بطولة عمل يحقق لها ميزة الفن الشامل قد توفرت فعلا في هذا المسلسل، فتقول “شخصية عزيزة حققت لي طموحي بموضوع الفنانة الشاملة لأن الدور يقوم على فنون مجتمعة هي التمثيل والغناء والرقص، وقمت بها جميعا. الأغاني التي صنعت للعمل كانت بين الطربي الذي كان رائجا والطقطوقة الأخف والنفس الشعبي، وكان الهدف وجود طيف كبير في المزاج الغنائي حسب المراحل المختلفة التي عاشتها عزيزة. التنوع الغنائي والاستعراضات الراقصة والأداء التمثيلي صنعت منها حالة استعراضية وفرجة مدهشة ومبهرة وجميلة وممتعة وهذا ما سيلمسه الجمهور، هذا الدور حقق لي فعلا مكانة الفنانة الشاملة”.
نضال قوشحة
كاتب سوري
دراما شعبية عن ليالي الأنس وفترة الاستعمار في الحارات القديمة بدمشق.
الفنانون أهداف المستعمر للتأثير في الشعب
ليس المؤرخ من يكتب التاريخ فحسب بل يشاركه في ذلك المبدع في كل الفنون، فكثيرا ما عرف تاريخ أمة أو شعب من تراثهما الفني. وخلال آلاف السنين عاشت منطقتا الشام ومصر أحداثا عاصفة جمعتهما معا ووثقتها الإنتاجات الموسيقية والسينمائية وحتى الدرامية، وآخرها مسلسل “جوقة عزيزة” وهو مسلسل سوري ضخم الإنتاج يتتبع رواية تاريخ سياسي وفني يخص المنطقة بأسلوب الدراما الشعبية التي تجمع بين الغناء والاستعراض.
على مدى تاريخ طويل سكنت في الوجدان العربي العديد من الملاحم الشعبية التي كانت مرويات حكائية، وجد فيها العوام قصصا عن السياسة والمجتمعات والأديان والفنون. فكانت ملحمة عنترة والزير سالم والسيرة الهلالية والظاهر بيبرس وغيرها. وعلى الشكل ذاته، يقدم منتجو مسلسل “جوقة عزيزة” عملا فنيا يروون فيه تاريخا عميقا ربط بين إقليمين عربيين كبيرين هما مصر وسوريا، وهو من إنتاج شركة “غولدن لاين” التي أرادت بالتعاون مع الكاتب خلدون قتلان والمخرج تامر إسحاق تحقيق معادلة صعبة تكمن في تقديم مسلسل يحمل مقومات العمل الضخم إنتاجيا والذي يقدم سيرة شعبية تاريخية بجو استعراضي مبهج من خلال حكاية فنانة شهيرة هي عزيزة (نسرين طافش) وما يدور حولها من حكايا تتوالد حلقة إثر أخرى.
حكاية بلد وفن
نسرين طافش: عزيزة حالة استعراض وفرجة حققت لي مكانة الفنانة الشاملة
مكان الحكاية مدينة دمشق وزمنها بين عامي 1929 والعام الذي يليه، زمن الاحتلال الفرنسي لسوريا، وحين كان الحراك الوطني مشتعلا من جهة وكذلك الحراك الفني. وبينهما تقاطعات حارة أخذ منها مؤلف العمل ما قدمه في مسلسله، فيكتب عنه “هي حكاية شخوص تبحث عن نفسها وتتمنى أن تعيش تحت سلطة دولة يحكمها رجالها، حكاية دستور يحاول المحتل أن يرسمه كما يريد، وحكاية أحرار يقولون لعدوهم لا لن يكون لك ما تريد، حكاية تناقش الحياة وتجمع بين السياسة والفن والدين والعادات والتقاليد، هي حكاية وجعنا القديم، المعاصر، حكاية نأمل أن تنال استحسان الجمهور”.
وكان لا بد من تأمين مستوى إنتاجي كبير لهذا التوجه لكي يضمن تحقيق مستوى عال من الجودة وبالتالي المنافسة في الموسم الرمضاني القادم. فشيدت للعمل ديكورات خاصة قام بتصميمها إيلي الصفدي وبُني حي شعبي كامل في مدينة تصوير ينتمي عمرانيا إلى مرحلة بدايات القرن العشرين دارت فيه أجزاء من الحكاية، فظهرت أحياء دمشقية عريقة كالشاغور وزقاق البرغل وشارع البدوي وشارع المرقص. كما بني تياترو خاص نفذت عليه كل استعراضات العمل وتمت الاستعانة بمخرج الاستعراض والكليبات اللبناني عادل سرحان ليقوم بتنفيذها بمرافقة فرق احترافية في فنون الرقص.
وما حقق للمسلسل مزيدا من الثقل مشاركة الكثير من الفنانين فيه منهم بطلته نسرين طافش وسلوم حداد وأيمن رضا وسعد مينة ونورا رحال وسليم صبري وحسام تحسين بك وعاصم الحواط ووفاء موصلي ويزن الخليل ووائل زيدان وروبين عيسى وسالي بسمة وكرم الشعراني وغسان عزب وهبة نور وعدنان أبوالشامات وزيناتي قدسية وطارق الشيخ. وشارك من مصر الشاب محمد أسامة صاحب الأغنية الشهيرة “الغزالة رايقة” التي ظهرت في الفيلم المصري “من أجل زيكو”. وحل أسامة ضيفا على مسلسل “جوقة عزيزة” في مشاهد جمعته على التياترو كضيف مع عزيزة وفي أغنية خاصة به أعدت لمشاركته. ووضع ألحان الأغنيات المؤلف الموسيقي السوري إياد الريماوي وعمل في التصوير عبدالإله الروابدة.
الفن يكتب التاريخ
خلدون قتلان: لكل منا جوقته الخاصة وكل يغني على ليلاه
يرى خلدون قتلان مؤلف المسلسل أن الفن لا يمكن فصله عن السياسة، وكثيرا ما أثّر أحدهما في الآخر، ويبيّن في حديث لـ”العرب” دور الفن في كتابة التاريخ، قائلا إن “الفن مرتبط بشكل وثيق بالسياسة ولا ينفصل عنها أبداً، وإذا خضنا في غمار التاريخ سيعيدنا إلى أبي خليل القباني الذي كان الفن السبب الرئيس في نفيه خارج سوريا، حاله كحال سلامة الأغواني رائد المونولوج السوري، فالفن يعبر عن موقف سياسي واجتماعي ويشكل موروثا ثقافيا مهما وهو يؤرخ بطريقة أو بأخرى للأحداث السياسية وهو محفز وملهم للشعوب في لحظاتها الحرجة، فإيقاع الطبول هو رمز للحرب، وكم من صوت شجي تغنى بحب الأوطان. في ‘جوقة عزيزة’ الفن جزء من حكاية تدور أحداثها في دمشق عام 1929 فهناك زمان ومكان محددان، وشكل سياسي مفروض وهو سلطة الانتداب ومن حالفها”.
ويتابع “الفن هنا جانب من قصة العمل التي تسلط الضوء على تأثير الفنون في الحالة السياسية، فالمستعمر يعلم أن الفنون قادرة على التأثير في العقل الجمعي وهذا ما يرفضه فيسعى لتطويع رسالة الفنون حسب ما يريد، مصدرا إلى الواجهة رجال الدين، فمن السهل أن تقود المجتمعات من خلالهم، مهمّشا دور الثقافة والفنون في بناء المجتمع”.
وعن اختياره لشكل الدراما الشعبية يقول قتلان لـ”العرب”، “كان هذا الشكل من الكتابة الدرامية خياري الوحيد للعودة بعد غيابي عن المسلسلات لعدة سنوات، فمن الطبيعي لأي مؤلف أن يدرس جيداً ما سوف يقدمه بعد غياب، لهذا كان خياري الحالة الشعبية التي من خلالها أستطيع أن أمرر رسائل النص الذي سنكتشف في نهايته أن لكل منا جوقته الخاصة وكلّ يغني على ليلاه”.
وعن ترابط الفن في مصر وسوريا وكيف وثق ذلك في هذا العمل يشير المؤلف “ستظهر في المسلسل أسماء عمالقة الفن في ذلك الوقت، فمن سوريا ستظهر فيروز ماميش وأحمد الفقش وأبوخليل القباني وسلامة الأغواني وبديعة مصابني التي اشتهرت في الديار المصرية. ومن مصر سيظهر سيد درويش وسلامة حجازي ومنيرة المهدية وزوجها محمود جبر، وشفيقة القبطية، وعزيز عيد وفاطمة رشدي. فحالة التأثر الفني بين الشعبين يطرحها النص بقوة ومن هنا جاءت فكرة مشاركة الفنان الشاب محمد أسامة في أغنية كضيف قادم من مصر الشقيقة”.
فرجة جديدة
نسرين أو عزيزة.. نقاط تشابه كثيرة
يقدم المخرج تامر إسحاق مسلسله الجديد بكثير من الحماس، ذلك أنه عمل مع فريق العمل على تقديم تفاصيل جديدة ستكون كما بيّن لـ”العرب” سببا أكيدا في متابعته من قبل الجمهور.
ويوضح “المسلسل يتعامل مع فنون الغناء والتمثيل والرقص ضمن علاقة خاصة فيها الكثير من التشويق والبهجة، وهو يرصد حياة أهل الفن في دمشق في فترة الثلاثينات، ومن خلال حكايات المسلسل سوف نتعرف على جانب من حياة هؤلاء، والهم الذي يعيشونه. وتجري الأحداث في شارع البدوي بدمشق الذي يضم أول مكان لتعليم الرقص الشرقي في المدينة وكان اسمه شارع المرقص وفيه تياترو ومجموعة من الحانات التي تحتوي على عوالم مختلفة من الحياة وتقدم استعراضات مختلفة المستويات، تنتهي بالتياترو الذي تختص به عزيزة”.
وحسب إسحاق “هذا الشكل السردي غريب وجديد على شكل الدراما السورية بدءا من النص والأسماء والشخوص والحالة المشهدية للعمل. اتجهنا في المسلسل إلى تقديم حالة من الحداثة التي تقدم الجديد وخرجنا عن النمطية والسائد. فالمسلسل يقدم أحداثه في مدينة دمشق لكنه لا يندرج ضمن مسمى البيئة الشامية، هو دراما شعبية تقوم على تقديم حكاية بسيطة بعيدة عن العنف والقتل والمكائد والتخريب ليقدم حالة تشويقية قوامها البهجة”.
تامر إسحاق: خرجنا عن السائد بتقديم شكل غريب وجديد على الدراما السورية
وعن جرعة الحنين التي وجدت في المسلسل تجاه تلك الفترة الزمنية يتابع إسحاق “يحمل المسلسل حالة حنين للماضي، برز ذلك في العديد من الحالات الدرامية والشخصيات المجسدة على الشاشة. كان ذلك من خلال حكايات عنهم أحبها الناس. وكانت لغة القصص شعبية بسيطة لكنها تحمل قيمة فنية عالية. من يعرف دمشق وعاش هذه المراحل سيكون لديه الكثير من الحنين لها من خلال ما سيقدمه المسلسل. العمل ليس وثائقيا، لكن أحداثه تجري في مكان محدد، وترد حوادث سياسية معينة وسوف تظهر تأثيرات لشخصيات حقيقية سياسية وفنية. وسيتابع الجمهور تفاعل أهل الفن بدمشق حينها مع السياسة والحراك الوطني الذي كان على أشده، وكيف همت أقطاب السياسة في سوريا وكذلك سلطات الاحتلال الفرنسي في استقطاب هؤلاء، مستفيدين من شهرتهم ومحبة الناس لهم لتشكيل منابر تمرر من خلالها بعض أفكارهم”.
ويضيف “جوقة عزيزة مسلسل فيه مجموعة خطوط درامية، ففيه معلومات تاريخية ويمكن أن يرى البعض فيه تقاطعا حياتيا وتاريخيا بين زمن الأحداث والفترة الحالية، بمعنى الإسقاط. وفيه من خفة الدم والطرافة ما يجعله عملا سلسا وليس كوميديا. لذلك أرى أن الناس في هذه الفترة سيتابعون العمل كونه يحمل كل تلك الصفات المتنوعة والمبهجة”.
وعن المشاهد البصرية التي يقدمها العمل ومقدار الاختلاف الذي يحمله ويستطيع من خلاله انتشال الناس ولو مؤقتا من الواقع اليومي المثقل بالهموم، يقول المخرج “المسلسل فيه فرجة جديدة ستكون مدهشة للجمهور، فهو يقدم حالة من البهجة بدءا من النص والديكور والإكسسوار والموسيقى والغناء والرقص وغيرها. لست معنيا بمسألة أنه سيكسب الجمهور من الحلقات الأولى، أنا أقوم بواجبي في تقديم أفضل جهد وأكون سعيدا به، أتابع منذ البداية كل المسائل السلبية منها قبل الإيجابية وأستمتع بهذه التفاصيل، وعندما يعرض المسلسل على المشاهد هو من يحدد رأيه. اجتهدت وفريق العمل ونتمنى أن تكون النتائج في صالحنا”.
ويجمع المسلسل الثنائي سلوم حداد ونسرين طافش باعتبارهما بطلين رئيسيين للعمل، وعن ذلك يعلق إسحاق “في عملنا سيتعرف الجمهور على حجم التلاقي الإنساني والفني بين الجميع وسيلمس المحبة التي كانت موجودة بينهم. سلوم حداد فنان كبير وصاحب مكانة هامة في الفن السوري ونسرين طافش فنانة موهوبة لها مكانة محببة وهامة عند الجمهور، وقد أدهشتني بما قدمته في هذا الدور المميز والصعب والمتنوع “.
طموح الفن الشامل
كان خيارا فنيا صعبا على بطلة العمل نسرين طافش أن تتفرغ للعمل على مسلسل مجهد سيأخذ منها طاقة وجهدا ووقتا كبيرا ويمنعها حتما من المشاركة في أعمال موازية محليا أو عربيا، لكن الطموح والرغبة بولوج باب الفن الشامل حيث تعدد المواهب والفنون دفعها إلى المضي في التجربة والرهان، خاصة وأن تقاطعات نفسية وفنية تجمع بين شخصية نسرين الحقيقية من حيث شغفها وتمكنها من عدة فنون، وعزيزة الشخصية البطلة في المسلسل.
المسلسل يتعامل مع الفنون ضمن علاقة خاصة من التشويق والبهجة راصدا حياة أهل الفن في دمشق فترة الثلاثينات
وتقول نسرين طافش لـ”العرب”، “بين شخصيتي عزيزة ونسرين العديد من نقاط التلاقي والخلاف، فهما تلتقيان في الشغف بالفن والرقص والموسيقى، فأنا أشارك عزيزة بحبي للفنون. وهي شخصية غير عادية واستثنائية ونارية سريعة الانفعال وحيوية، تحب الناس والصخب والازدحام، وهي شخصية قيادية تمتلك الذكاء الفطري والطرافة وخفة الظل، ‘مشعلانية’ كما نسميها باللهجة العامية، كل هذه الخصال صنعت لها كاريزما خاصة جعلتها مشهورة في زمنها. ومع ذلك فأنا أخالفها في مسألة حب الضجة والصخب والازدحام، فأنا لست منعزلة لكنني أحب أن أقضي وقتا طويلا مع نفسي وأهتم بالقراءة والهدوء والإقامة في الأماكن الطبيعية”.
وعن ملامح الشخصية والجديد الذي وجدته فيها، تتابع “هي شخصية جذابة وغير تقليدية تشكل طموحا لأي ممثلة بتقديم مثلها، وأنا حريصة على تقديم الجديد دائما في عملي، ففي العام الماضي قدمت في مصر مسلسل ‘المداح’ من خلال شخصية رحاب الفتاة المحجبة البسيطة التي تتحول إلى إنسانة قوية لكي تستعيد حقها. لكن شخصية عزيزة تختلف عنها تماما، فهي مختلفة كليا وقيادية وتحدد تصرفاتها بقوة”.
وترى نسرين طافش أن فرصتها بالمشاركة في بطولة عمل يحقق لها ميزة الفن الشامل قد توفرت فعلا في هذا المسلسل، فتقول “شخصية عزيزة حققت لي طموحي بموضوع الفنانة الشاملة لأن الدور يقوم على فنون مجتمعة هي التمثيل والغناء والرقص، وقمت بها جميعا. الأغاني التي صنعت للعمل كانت بين الطربي الذي كان رائجا والطقطوقة الأخف والنفس الشعبي، وكان الهدف وجود طيف كبير في المزاج الغنائي حسب المراحل المختلفة التي عاشتها عزيزة. التنوع الغنائي والاستعراضات الراقصة والأداء التمثيلي صنعت منها حالة استعراضية وفرجة مدهشة ومبهرة وجميلة وممتعة وهذا ما سيلمسه الجمهور، هذا الدور حقق لي فعلا مكانة الفنانة الشاملة”.
نضال قوشحة
كاتب سوري