التربية البدنية ومراحل تطورها
بقلم الاستاذ عطا نعيسة
قبل أن نتناول ولو بكثير من الإيجاز هذه الزاوية الهامة من حياة المدرسة لانرى بدأ من تصويب النور إلى الأمور التالية :
١ - موقع المدرسة في فجر ولادتها ١٩٢٤
۲ – قلة الصفوف التي تألفت منها في السنين الأولى من حياتها .
٣ - إعتبار الرياضة مادة ثانوية في مناهج التعليم ٤ – عدم توفر مدرسين يحملون شهادات إختصاص في تلك الأيام ، وعلى الأخص في الرياضة .
موقع المدرسة :
أقيم بناء مدرسة التجهيز للبنين على أنقاض مقبرة قديمة تقع في الطرف الشمالي من مدينة اللاذقية التي لايزيد عدد سكانها يومذاك عن عشرين ألف نسمة و كانت تتاخمه من عدة جهات المروج والحقول الزراعية مما يسهل تحويل حصة الرياضة إلى نزهة كلما شـاء المعلم وكانت الأحوال الجوية ملائمة .
صفوف المدرسة قليلة :
تكونت المدرسة في أول نشأتها من سبعة صفوف فقط ، يقبل الطلاب في كل منها بدون قيود السن تقريباً . يؤهل الصف السادس للشهادة الابتدائية وكان لها شأن مرموق في مدارج الثقافة المعاصرة وباللغتين العربية والفرنسية . أما الصف السابع والأخير فكان يحمل اسم الصف العالي » cours supérieur ويعد التلاميذ إلى شهادة ثانية تدعى الشهادة العالية certificat supérieur وفعلا كانت أعلى شهادة محلية وتخول حامليها مناصب رفيعة في أجهزة الدولة .
الرياضة من المواد المهملة في البرنامج
أجل كانت هذه المادة مهملة في البداية . وليس أدل على ذلك من كونها غير مقررة في بعض الصفوف أو تقتصر على حصة واحدة في البعض الآخر . وبالنظر لقلة صفوف المدرسة قلنا ، كان مجموع الساعات الأسبوعية لها لايشكل سوى جزء ضئيل من نصاب المعلم الواحد ، الأمر الذي كان يحمل مدير المدرسة على إسنادها إلى معلم أية مادة أخرى ، اللهم إذا بره عن نشاط ملحوظ أو عرف بين الذين مارسوا أو يمارسون بعض الألعاب أو التمارين الرياضية الرائجة حينذاك وبدافع من الإخلاص المسلكي واحترام الواجب كثيراً ما كان هذا المعلم يكرس ما بوسعه من طاقات لتحقيق نجـاح رضي . . . إلا أن جهوده كانت تظل بحدود مردودها الأسباب الآتية :
آ - سوء وضع باحـة المدرسة المملوءة بالحجارة
والحفر لكونها بالأصل مقبرة كما ذكرنا .
ب – عدم وجود صالة رياضية شتوية .
ج - خلو المدرسة حتى والمدينة من ملعب نظامي لإجراء النشاطات الضرورية في الألعاب المعروفة وفي مقدمتها و كرة القدم .
ماذا كان ينجم عن هذا الواقع المتخلف باترى ؟ .
كان من الطبيعي أن يضطر المدرب لإبقاء تلاميذه داخل الصف أيام البرد والمطر ، وفي الأحوال الجوية المناسبة كان يجد نفسه أمام أحد أمرين : إما أن يحول الدرس إلى نزهة كما شرحنا آنفاً وأما أن يختار زاوية صالحة من الباحة لإجراء حركات محدودة وألعاب بسيطة . وفي كلتا الحالتين يبقى مثل هذا الدرس بعيداً عن تحقيق أهدافه التربوية المنشودة .
مع ذلك ، لو ظهر في تلك الظروف رجال يحملون شهادات الاختصاص لما استطاعوا بحسب تقديري أن يحققوا الآمال المرجوة إلا بعد تدارك أمور عدة منها :
۱ – اصلاح باحة المدرسة وتخطيط ملاعب ولو شبه نظامية فيها .
٢ – تأمين الأدوات واللوازم الرياضية الضرورية
٣ – السعي الجاد لدى إدارة المدرسة لاستملاك رقعة أرض قريبـة ، وتحويلها إلى ملعب خاص بانتظـار إنشاء ملعب بلدي عام في المدينـة . والأمر كان في غاية اليسر .
عدم وجود مدرسين يحملون شهادات اختصاص
عالية في البلاد .
معلوم ان مدرستنا قد بدأت مسيرتها الأولى في عهد الانتداب الفرنسي الذي فرض تعليم أكثر المواد بلغة بلاده كما فرض اختيار المعلمين من مواطنيه بالذات أو من أبناء العرب الذين يتقنون هذه اللغة أمثال المغفور له الأستاذ و ادوار مرقص » نجم اللغة العربية المتألق في ذلك الزمن والمرحوم « خليل مرقص » الذي لمع في تدريس الرياضيات بالإضافة إلى المرحوم مصطفى الزين ، وقد تولى إدارة المدرسة سنوات الأستاذ عديدة عين بعدها مفتشاً ثم مديراً للمعارف والسيد حكمت خواج الذي عهد إليه تعليم الاجتماعيات وإلى جانبها الرياضة البدنية التي نحن في صددها ولعله أقدم معلمي هذه المادة في تجهيزنا ، سمي فيما بعد مديراً للدروس العربية فيها ثم مديراً أصيلا لها واستأنف هذه المهمة حتى نهاية حياته المسلكية .
وجدير بالذكر أنه لم يكن بين هؤلاء المدرسين الأجانب والعرب من يحمل شهادة جامعية عالية في أية مادة وعلى الأخص في التربية البدنية التي يندب في البداية مدربون من العسكريين . ومما لاريب فيه أن أمثال هذه الشهادات كان في تلك الأيام نادر الوجود حتى في العالم الغربي للمتحضر .
ولوجه الحق أقول : لايسعني وقد أكثر هؤلاء المربين وجه ربهم – إلا أن أعترف بأنهم كانوا بالإجمال مزودين بثقافة شخصية واسعة إلى جانب بعض الخبرة في التعليم ، يدعمهمـا وجدان مسلكي حي و شعور واف بالمسؤولية .
وهكذا استطاعوا أن يؤدوا الرسالة بشكل خير معطاء . « واعتقادي جازم بأن العالم بأسره يحترم ويقدر قيمة الخبرة التي تزداد مع القدم ممارسة أي عمل » . وقد تحدث علماء التربية طويلا هذا الموضوع .
بيد أن هذه الثقافات كلها ما كانت لتحقق الأهداف المنشودة في ميادين التربية الرياضية لأن الرياضة علم قائم بذاته ، بل فن يحتم على من يتولى شؤونه في المدرسة توفر مؤهلات وقابليات جسمية ونفسية خاصة تعززهـا . معرفة كافية في كثير من العلوم .
ويدعم الجميع وجود ملعب مناسب وأجهزة رياضية متنوعة . لكن من هذه المتطلبات جميعها ماكنا نجد ما يشفي الغليل ياللأسف .
تمر الأيام وتتعاقب الأعوام فتولد مدارس جديدة ويزيد عدد صفوف المدرسة ذاتها ويبدأ مفهوم الرياضة بالانتقال من الظلمة إلى النور فيتسرب إلى الأذهان وينساب إلى بعض الضمائر ، مما أدى إلى خروج هذه الحركة الهامة من جمودها وتنشقها نسيم الحياة وبالتالي إلى خلق روح المنافسة البناءة بين المكلفين بتعليمها وحثهم على مضاعفة الجهود لتطوير مؤهلاتهم وتوسيع معلوماتهم سعيا وراء نجاحات أفضل .
وعندما وافانا العام الدراسي ۱۹۳۲/۹۳۱ احتفلت تجهيزنا بميلاد حدث غاية في الأهمية . إفتتاح معهد للمعلين فيها .
وشاء القدر أن أكون من طلاب فوجه الأول كما يظهر في الرسم . . . . وها أجدني مضطراً للتوقف لحظة أستعرض فيها فترة دراستي الماضية بكاملها فأراني أتمتع بحيوية ملحوظة يسرت لي سبل التفوق ـ ولافخر – بسائر الدروس والألعاب الرياضية الدارجة ... فاكتفيت بذلك .
أما اليوم فقد خلق في نفسي ميل شديد لمطالعة أي كتاب حتى وقراءة أي مقال رياضي وكذلك للاشتراك في أية لعبة تهيئها لي الظروف داخل المدرسة أو خارجها .
كما شعرت بعد مدة قصيرة برغبة ملحة لتنظيم جدول تمرينات صحية أمارسها صباح كل وأختمها بحمام بالماء الطبيعي البارد ففعلت . وما زلت أذكر بفائق السرور انني كنت طوال هذه الحقبة من الزمن أتمتع بصحة جيدة وبنية صلبة سليمة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو من أين وكيف ولدت هذه الميول وبالتالي كيف نمت تدريجياً وخلقت مثل هذه المؤهلات الرياضية المتواضعة ؟
ـ أعتقد أن الإجابة الموضوعية عن هذا السؤال ستكشف عن أبعاد جديدة للمفهوم الرياضي الصحيح من جهة وتعزز الحكمة القائلة الدهر أكبر معلم للإنسان ، من جهة أخرى .
بقلم الاستاذ عطا نعيسة
قبل أن نتناول ولو بكثير من الإيجاز هذه الزاوية الهامة من حياة المدرسة لانرى بدأ من تصويب النور إلى الأمور التالية :
١ - موقع المدرسة في فجر ولادتها ١٩٢٤
۲ – قلة الصفوف التي تألفت منها في السنين الأولى من حياتها .
٣ - إعتبار الرياضة مادة ثانوية في مناهج التعليم ٤ – عدم توفر مدرسين يحملون شهادات إختصاص في تلك الأيام ، وعلى الأخص في الرياضة .
موقع المدرسة :
أقيم بناء مدرسة التجهيز للبنين على أنقاض مقبرة قديمة تقع في الطرف الشمالي من مدينة اللاذقية التي لايزيد عدد سكانها يومذاك عن عشرين ألف نسمة و كانت تتاخمه من عدة جهات المروج والحقول الزراعية مما يسهل تحويل حصة الرياضة إلى نزهة كلما شـاء المعلم وكانت الأحوال الجوية ملائمة .
صفوف المدرسة قليلة :
تكونت المدرسة في أول نشأتها من سبعة صفوف فقط ، يقبل الطلاب في كل منها بدون قيود السن تقريباً . يؤهل الصف السادس للشهادة الابتدائية وكان لها شأن مرموق في مدارج الثقافة المعاصرة وباللغتين العربية والفرنسية . أما الصف السابع والأخير فكان يحمل اسم الصف العالي » cours supérieur ويعد التلاميذ إلى شهادة ثانية تدعى الشهادة العالية certificat supérieur وفعلا كانت أعلى شهادة محلية وتخول حامليها مناصب رفيعة في أجهزة الدولة .
الرياضة من المواد المهملة في البرنامج
أجل كانت هذه المادة مهملة في البداية . وليس أدل على ذلك من كونها غير مقررة في بعض الصفوف أو تقتصر على حصة واحدة في البعض الآخر . وبالنظر لقلة صفوف المدرسة قلنا ، كان مجموع الساعات الأسبوعية لها لايشكل سوى جزء ضئيل من نصاب المعلم الواحد ، الأمر الذي كان يحمل مدير المدرسة على إسنادها إلى معلم أية مادة أخرى ، اللهم إذا بره عن نشاط ملحوظ أو عرف بين الذين مارسوا أو يمارسون بعض الألعاب أو التمارين الرياضية الرائجة حينذاك وبدافع من الإخلاص المسلكي واحترام الواجب كثيراً ما كان هذا المعلم يكرس ما بوسعه من طاقات لتحقيق نجـاح رضي . . . إلا أن جهوده كانت تظل بحدود مردودها الأسباب الآتية :
آ - سوء وضع باحـة المدرسة المملوءة بالحجارة
والحفر لكونها بالأصل مقبرة كما ذكرنا .
ب – عدم وجود صالة رياضية شتوية .
ج - خلو المدرسة حتى والمدينة من ملعب نظامي لإجراء النشاطات الضرورية في الألعاب المعروفة وفي مقدمتها و كرة القدم .
ماذا كان ينجم عن هذا الواقع المتخلف باترى ؟ .
كان من الطبيعي أن يضطر المدرب لإبقاء تلاميذه داخل الصف أيام البرد والمطر ، وفي الأحوال الجوية المناسبة كان يجد نفسه أمام أحد أمرين : إما أن يحول الدرس إلى نزهة كما شرحنا آنفاً وأما أن يختار زاوية صالحة من الباحة لإجراء حركات محدودة وألعاب بسيطة . وفي كلتا الحالتين يبقى مثل هذا الدرس بعيداً عن تحقيق أهدافه التربوية المنشودة .
مع ذلك ، لو ظهر في تلك الظروف رجال يحملون شهادات الاختصاص لما استطاعوا بحسب تقديري أن يحققوا الآمال المرجوة إلا بعد تدارك أمور عدة منها :
۱ – اصلاح باحة المدرسة وتخطيط ملاعب ولو شبه نظامية فيها .
٢ – تأمين الأدوات واللوازم الرياضية الضرورية
٣ – السعي الجاد لدى إدارة المدرسة لاستملاك رقعة أرض قريبـة ، وتحويلها إلى ملعب خاص بانتظـار إنشاء ملعب بلدي عام في المدينـة . والأمر كان في غاية اليسر .
عدم وجود مدرسين يحملون شهادات اختصاص
عالية في البلاد .
معلوم ان مدرستنا قد بدأت مسيرتها الأولى في عهد الانتداب الفرنسي الذي فرض تعليم أكثر المواد بلغة بلاده كما فرض اختيار المعلمين من مواطنيه بالذات أو من أبناء العرب الذين يتقنون هذه اللغة أمثال المغفور له الأستاذ و ادوار مرقص » نجم اللغة العربية المتألق في ذلك الزمن والمرحوم « خليل مرقص » الذي لمع في تدريس الرياضيات بالإضافة إلى المرحوم مصطفى الزين ، وقد تولى إدارة المدرسة سنوات الأستاذ عديدة عين بعدها مفتشاً ثم مديراً للمعارف والسيد حكمت خواج الذي عهد إليه تعليم الاجتماعيات وإلى جانبها الرياضة البدنية التي نحن في صددها ولعله أقدم معلمي هذه المادة في تجهيزنا ، سمي فيما بعد مديراً للدروس العربية فيها ثم مديراً أصيلا لها واستأنف هذه المهمة حتى نهاية حياته المسلكية .
وجدير بالذكر أنه لم يكن بين هؤلاء المدرسين الأجانب والعرب من يحمل شهادة جامعية عالية في أية مادة وعلى الأخص في التربية البدنية التي يندب في البداية مدربون من العسكريين . ومما لاريب فيه أن أمثال هذه الشهادات كان في تلك الأيام نادر الوجود حتى في العالم الغربي للمتحضر .
ولوجه الحق أقول : لايسعني وقد أكثر هؤلاء المربين وجه ربهم – إلا أن أعترف بأنهم كانوا بالإجمال مزودين بثقافة شخصية واسعة إلى جانب بعض الخبرة في التعليم ، يدعمهمـا وجدان مسلكي حي و شعور واف بالمسؤولية .
وهكذا استطاعوا أن يؤدوا الرسالة بشكل خير معطاء . « واعتقادي جازم بأن العالم بأسره يحترم ويقدر قيمة الخبرة التي تزداد مع القدم ممارسة أي عمل » . وقد تحدث علماء التربية طويلا هذا الموضوع .
بيد أن هذه الثقافات كلها ما كانت لتحقق الأهداف المنشودة في ميادين التربية الرياضية لأن الرياضة علم قائم بذاته ، بل فن يحتم على من يتولى شؤونه في المدرسة توفر مؤهلات وقابليات جسمية ونفسية خاصة تعززهـا . معرفة كافية في كثير من العلوم .
ويدعم الجميع وجود ملعب مناسب وأجهزة رياضية متنوعة . لكن من هذه المتطلبات جميعها ماكنا نجد ما يشفي الغليل ياللأسف .
تمر الأيام وتتعاقب الأعوام فتولد مدارس جديدة ويزيد عدد صفوف المدرسة ذاتها ويبدأ مفهوم الرياضة بالانتقال من الظلمة إلى النور فيتسرب إلى الأذهان وينساب إلى بعض الضمائر ، مما أدى إلى خروج هذه الحركة الهامة من جمودها وتنشقها نسيم الحياة وبالتالي إلى خلق روح المنافسة البناءة بين المكلفين بتعليمها وحثهم على مضاعفة الجهود لتطوير مؤهلاتهم وتوسيع معلوماتهم سعيا وراء نجاحات أفضل .
وعندما وافانا العام الدراسي ۱۹۳۲/۹۳۱ احتفلت تجهيزنا بميلاد حدث غاية في الأهمية . إفتتاح معهد للمعلين فيها .
وشاء القدر أن أكون من طلاب فوجه الأول كما يظهر في الرسم . . . . وها أجدني مضطراً للتوقف لحظة أستعرض فيها فترة دراستي الماضية بكاملها فأراني أتمتع بحيوية ملحوظة يسرت لي سبل التفوق ـ ولافخر – بسائر الدروس والألعاب الرياضية الدارجة ... فاكتفيت بذلك .
أما اليوم فقد خلق في نفسي ميل شديد لمطالعة أي كتاب حتى وقراءة أي مقال رياضي وكذلك للاشتراك في أية لعبة تهيئها لي الظروف داخل المدرسة أو خارجها .
كما شعرت بعد مدة قصيرة برغبة ملحة لتنظيم جدول تمرينات صحية أمارسها صباح كل وأختمها بحمام بالماء الطبيعي البارد ففعلت . وما زلت أذكر بفائق السرور انني كنت طوال هذه الحقبة من الزمن أتمتع بصحة جيدة وبنية صلبة سليمة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو من أين وكيف ولدت هذه الميول وبالتالي كيف نمت تدريجياً وخلقت مثل هذه المؤهلات الرياضية المتواضعة ؟
ـ أعتقد أن الإجابة الموضوعية عن هذا السؤال ستكشف عن أبعاد جديدة للمفهوم الرياضي الصحيح من جهة وتعزز الحكمة القائلة الدهر أكبر معلم للإنسان ، من جهة أخرى .
تعليق