حلب الشهباء سنة ١٩٤٦
وموجزها أن لجاناً خاصة من طلاب الثانوية حملت الطبعة الثانية من كتابي « حسنات الأضطهاد » لبيعه في المدن السورية الكبرى لصالح الصندوق التعاوني في ثانوية جول جمال وميتمي اللاذقية وبوقا ، ودار الحضانة فلقيت من المسؤولين تشجيعاً منقطع النظير في كل مكان إلا لدى محافظ حلب ، فإنه راوغ اللجنة الخاصة بحلب ثلاثة أيام حتى لها بمقابلته ، وأخيراً خيب أملها مشروع إنساني يعود ريعه على الطلاب الفقراء . فعادت اللجنة إلى اللاذقية مقهورة و مكسورة الخاطر ، لتبعث له بنص البرقية التالية :
دخلنا قصركم العاجي في الشهباء وفي يدنا كتاب حسنات الاضطهاد ، فخرجنا منه بفضل عطفكم على الفقراء وفي يدنا اضطهاد الحسنات . .
فيجن جنون محافظ حلب ويحيل البرقية إلى زميله محافظ اللاذقية السيد عادل العظمة لتأديب هؤلاء الطلاب المتطاولين على مقامه الرفيع . إلا أن الأستاذ العظمة الذكي الفؤاد البارع الظرف ، أخذ الأمر بالمرونة والملاينة فطوى البرقية لأنه رأى في طيها ما هو أحمد في العقبى ، وأسلم .
، وعلى النقيض كان طلاب هذه الثانويـة الشجعان يقفون مع المحافظين الوجدانيين موقف المعزز المؤيد ، ومن مواقفهم الوطنية الرائعة المذهلة أنهم أ أبرقوا إلى السيد إحسان الجابري يوم أخرجته السلطة الفرنسية من محافظة اللاذقية لتحل محله محافظاً موالياً للانتداب البرقية التالية :
استنفرتنا إلى الحرية فنفرنا منك ، وعدلت بيننا فعدلنا عنك ، فاحمل صليب شقائنا في معركة جديدة » .
بمثل هذا الهزج الملحمي الهدار ، كان طلاب ثانوية جول جمال يمشون بأقدام من لحم ودم على رؤوش المصائب والنكبات ، وبمثل هذه الشجاعة الأدبيـة كانوا يخططون للحكم الديموقراطي الاشتراكي التعاوني الذي انتصر في نهاية المطاف على الذين يأكلون ولا يعملون .
موقف من مواقف أريحية ووفاء : وبعد فلا أحسبني أخرج عن موضوع و كتاب ذكرى اليوبيل الذهبي لثانوية جول جمال » إذا ما أشرت هنا بكل زهو واعتزاز إلى ظاهرة خلقية نبيلة وبتعبير آخر إلى ظاهرة و عوفية سموءلية ( 1 ) كأبعد ما يكون النبل ألا الوفاء بالعهد والحفاظ عليه في زمن أظلم فيه الحس ، واكتاب فيه وجه المروءة . .
وإن أنس لا أنسى صوتاً نبهني من نومي فجر ليلة من ليالي أوائل تموز ١٩٤٧ يقول : في الساحة سيارة كبيرة فيها شباب من اللاذقية يسألون عنك ، فأسرعت وإذا بي أمام ما يزيد عن الثلاثين طالباً من طلاب ثانوية جول جمال ، مابين جامعي وثانوي ، جاؤوا فدتهم برياها الخزامي ، وقد تركوا وراء ظهورهم الانتخابات النيابية في الميادين الشمالية ، وجاؤوا يشدون أزري في میدان صافيتا الانتخابي ، فشهقت من الفرح ، وعرثي أمام هذه الأريحية الفذة ، وهذا الوفاء الكبير هزة كما انتفض العصفور بلله القطر ، ولم أملك نفسي وأنا أقبلهم واحداً واحداً من البكاء . وخضنا على مائدة الفطور في حديث مشقق , أي يشق بعضه من بعض ، وقد أفضى بنا إلى أن الانتخابات في العهد الوطني لاتختلف عنها في عهد الانتداب ، وأن المجلس النيابي في العهدين لايركب كراسيه إلا أصحاب الرؤوس المزدوجة ، والوجوه المزدوجة من الفرسان التقليديين المزمنين . ...... وبتعبير أوجز هي معركة بين الأدب والذهب ، وأن معظم الأبواب لاتنفتح إلا في وجه المرشح الذي يقرعها بيد مملوءة بالأصفر والأبيض . . وسمع في تلك الحلقة الذهبية صوت يتقد في نبرته العزم وجناح الأدب ، من والإيمان يقول : ان الأدب السماء ، سينتصر على الذهب بإذن الله كما انتصر في و ثانوية جول جمال ، على الاستعمار ، فيدوي المكان تحت هذا النغم الملحمي الهدار بالتصفيق ، وكان هذا الصوت صوت الطالب علي قبلان الذي تخطفته يد الموت القاسية بعد عشرين سنة من تلك الليلة . . . وينتصر الذهب في امتحانات 7 تموز 1947 على الأدب في كل مكان ، وليت المرحوم علي قبلان عاش قليلا ليرى قبل أن يطبق الموت جفونه مصرع الذهب أمام مواكب التحول الاشتراكي وأمام الأدب الأزلي الخالد .
وأعود بعد هذه الوقفة الحزينـة على ذكرى المرحوم علي قبلان لأقول : ان من رأى هؤلاء الطلاب تحركون كالعاصفة في أرجاء صافيتا بمطرون الجماهير بمناشيرهم ، ( ويخطبونها ) بالسنة من لهب ويدعونها ، على حد تعبيرهم ، لتغليب من يزن الدنيا بميزان الحق على من يزن الحق بميزان الدنيا . . . .
إن من كان يرى يومئذ العزم النافذ والهمة الشماء، في هؤلاء الطلاب الأوفياء لغدا على يقين جازم بأن المرء إذا أراد أن يتصف بالرجولة ، والمروءة ، والوفاء ، وجب أن يكون من طلاب ثانوية جول جمال ...
كان ذلك الوفاء منهم ، والبلاد على كف عفريت ، خبيث منكر فما بالك بوفائهم ، وقد عقدوا عليه اللواء لرفيق لهم كان في ثانويـة جول جمال عينا ، في جناح فغدا بفضل الله وسمو همته ، ووفاء رفاقه ومضاء جنوده ، وإخلاص بلاده سيفا في كفـاح حول عرين الأسد وأسد العرين غابـة من رماح تصد " ماسهب عليهمـا من عواصف الأيام وكيد الأنام والمرء في موقع القوة يكون أقدر على الوفاء منه في موقع الضعف ولست هنا في سبيل الكشف ، أمر من وراء الطاقة ، عما أسبغه السيد الرئيس وهو ورفاقه من مدنيين وعسكريين على كرام المواطنين من نفحات وصالحات
وحسب حافظ في ساحة الوفاء ، والحفاظ على الذمة والعهد أنه أقام بيديه في قلـب ثانوية جول جمال مهرجاناً سحابة أسبوع كامل ليثني فيه على جميل من علموا أجيال الشباب في أحلك الليالي ثناء الزهر على القطر ويخلع على الأعناق التي رفعت الأعناق قلائد الشكر وأطواق الحمائم .
وما كتاب ذكرى اليوبيل الذهبي لثانوية جول جمال ١٩٢٤ – ١٩٧٤ ، الذي بين يديك و , الشيك ، الذي قدمه وزير الداخلية السيد علي ظاظا باسم سيادة الرئيس إلى مدير الثانوية الحالي السيد محمد عضيمة بمبلغ ثلاثمائة ألف ليرة لينفقه على إصلاح حال تلك الثانوية الرائدة التي صنعت بيديها المباركتين بنصف جيل عشرة أجيال من الشباب الجواهر .
وموجزها أن لجاناً خاصة من طلاب الثانوية حملت الطبعة الثانية من كتابي « حسنات الأضطهاد » لبيعه في المدن السورية الكبرى لصالح الصندوق التعاوني في ثانوية جول جمال وميتمي اللاذقية وبوقا ، ودار الحضانة فلقيت من المسؤولين تشجيعاً منقطع النظير في كل مكان إلا لدى محافظ حلب ، فإنه راوغ اللجنة الخاصة بحلب ثلاثة أيام حتى لها بمقابلته ، وأخيراً خيب أملها مشروع إنساني يعود ريعه على الطلاب الفقراء . فعادت اللجنة إلى اللاذقية مقهورة و مكسورة الخاطر ، لتبعث له بنص البرقية التالية :
دخلنا قصركم العاجي في الشهباء وفي يدنا كتاب حسنات الاضطهاد ، فخرجنا منه بفضل عطفكم على الفقراء وفي يدنا اضطهاد الحسنات . .
فيجن جنون محافظ حلب ويحيل البرقية إلى زميله محافظ اللاذقية السيد عادل العظمة لتأديب هؤلاء الطلاب المتطاولين على مقامه الرفيع . إلا أن الأستاذ العظمة الذكي الفؤاد البارع الظرف ، أخذ الأمر بالمرونة والملاينة فطوى البرقية لأنه رأى في طيها ما هو أحمد في العقبى ، وأسلم .
، وعلى النقيض كان طلاب هذه الثانويـة الشجعان يقفون مع المحافظين الوجدانيين موقف المعزز المؤيد ، ومن مواقفهم الوطنية الرائعة المذهلة أنهم أ أبرقوا إلى السيد إحسان الجابري يوم أخرجته السلطة الفرنسية من محافظة اللاذقية لتحل محله محافظاً موالياً للانتداب البرقية التالية :
استنفرتنا إلى الحرية فنفرنا منك ، وعدلت بيننا فعدلنا عنك ، فاحمل صليب شقائنا في معركة جديدة » .
بمثل هذا الهزج الملحمي الهدار ، كان طلاب ثانوية جول جمال يمشون بأقدام من لحم ودم على رؤوش المصائب والنكبات ، وبمثل هذه الشجاعة الأدبيـة كانوا يخططون للحكم الديموقراطي الاشتراكي التعاوني الذي انتصر في نهاية المطاف على الذين يأكلون ولا يعملون .
موقف من مواقف أريحية ووفاء : وبعد فلا أحسبني أخرج عن موضوع و كتاب ذكرى اليوبيل الذهبي لثانوية جول جمال » إذا ما أشرت هنا بكل زهو واعتزاز إلى ظاهرة خلقية نبيلة وبتعبير آخر إلى ظاهرة و عوفية سموءلية ( 1 ) كأبعد ما يكون النبل ألا الوفاء بالعهد والحفاظ عليه في زمن أظلم فيه الحس ، واكتاب فيه وجه المروءة . .
وإن أنس لا أنسى صوتاً نبهني من نومي فجر ليلة من ليالي أوائل تموز ١٩٤٧ يقول : في الساحة سيارة كبيرة فيها شباب من اللاذقية يسألون عنك ، فأسرعت وإذا بي أمام ما يزيد عن الثلاثين طالباً من طلاب ثانوية جول جمال ، مابين جامعي وثانوي ، جاؤوا فدتهم برياها الخزامي ، وقد تركوا وراء ظهورهم الانتخابات النيابية في الميادين الشمالية ، وجاؤوا يشدون أزري في میدان صافيتا الانتخابي ، فشهقت من الفرح ، وعرثي أمام هذه الأريحية الفذة ، وهذا الوفاء الكبير هزة كما انتفض العصفور بلله القطر ، ولم أملك نفسي وأنا أقبلهم واحداً واحداً من البكاء . وخضنا على مائدة الفطور في حديث مشقق , أي يشق بعضه من بعض ، وقد أفضى بنا إلى أن الانتخابات في العهد الوطني لاتختلف عنها في عهد الانتداب ، وأن المجلس النيابي في العهدين لايركب كراسيه إلا أصحاب الرؤوس المزدوجة ، والوجوه المزدوجة من الفرسان التقليديين المزمنين . ...... وبتعبير أوجز هي معركة بين الأدب والذهب ، وأن معظم الأبواب لاتنفتح إلا في وجه المرشح الذي يقرعها بيد مملوءة بالأصفر والأبيض . . وسمع في تلك الحلقة الذهبية صوت يتقد في نبرته العزم وجناح الأدب ، من والإيمان يقول : ان الأدب السماء ، سينتصر على الذهب بإذن الله كما انتصر في و ثانوية جول جمال ، على الاستعمار ، فيدوي المكان تحت هذا النغم الملحمي الهدار بالتصفيق ، وكان هذا الصوت صوت الطالب علي قبلان الذي تخطفته يد الموت القاسية بعد عشرين سنة من تلك الليلة . . . وينتصر الذهب في امتحانات 7 تموز 1947 على الأدب في كل مكان ، وليت المرحوم علي قبلان عاش قليلا ليرى قبل أن يطبق الموت جفونه مصرع الذهب أمام مواكب التحول الاشتراكي وأمام الأدب الأزلي الخالد .
وأعود بعد هذه الوقفة الحزينـة على ذكرى المرحوم علي قبلان لأقول : ان من رأى هؤلاء الطلاب تحركون كالعاصفة في أرجاء صافيتا بمطرون الجماهير بمناشيرهم ، ( ويخطبونها ) بالسنة من لهب ويدعونها ، على حد تعبيرهم ، لتغليب من يزن الدنيا بميزان الحق على من يزن الحق بميزان الدنيا . . . .
إن من كان يرى يومئذ العزم النافذ والهمة الشماء، في هؤلاء الطلاب الأوفياء لغدا على يقين جازم بأن المرء إذا أراد أن يتصف بالرجولة ، والمروءة ، والوفاء ، وجب أن يكون من طلاب ثانوية جول جمال ...
كان ذلك الوفاء منهم ، والبلاد على كف عفريت ، خبيث منكر فما بالك بوفائهم ، وقد عقدوا عليه اللواء لرفيق لهم كان في ثانويـة جول جمال عينا ، في جناح فغدا بفضل الله وسمو همته ، ووفاء رفاقه ومضاء جنوده ، وإخلاص بلاده سيفا في كفـاح حول عرين الأسد وأسد العرين غابـة من رماح تصد " ماسهب عليهمـا من عواصف الأيام وكيد الأنام والمرء في موقع القوة يكون أقدر على الوفاء منه في موقع الضعف ولست هنا في سبيل الكشف ، أمر من وراء الطاقة ، عما أسبغه السيد الرئيس وهو ورفاقه من مدنيين وعسكريين على كرام المواطنين من نفحات وصالحات
وحسب حافظ في ساحة الوفاء ، والحفاظ على الذمة والعهد أنه أقام بيديه في قلـب ثانوية جول جمال مهرجاناً سحابة أسبوع كامل ليثني فيه على جميل من علموا أجيال الشباب في أحلك الليالي ثناء الزهر على القطر ويخلع على الأعناق التي رفعت الأعناق قلائد الشكر وأطواق الحمائم .
وما كتاب ذكرى اليوبيل الذهبي لثانوية جول جمال ١٩٢٤ – ١٩٧٤ ، الذي بين يديك و , الشيك ، الذي قدمه وزير الداخلية السيد علي ظاظا باسم سيادة الرئيس إلى مدير الثانوية الحالي السيد محمد عضيمة بمبلغ ثلاثمائة ألف ليرة لينفقه على إصلاح حال تلك الثانوية الرائدة التي صنعت بيديها المباركتين بنصف جيل عشرة أجيال من الشباب الجواهر .
تعليق