ذكرت دراسة سعودية، أن هناك تشابها في المفردات الزخرفية من حيث التجريد بين زخارف الفن الإسلامي وزخارف القط (النقش) العسيري بمنطقة عسير، وأن القيم الفنية والجمالية للزخارف الإسلامية وزخارف القط العسيري تلتقي في نقاط مشتركة، منها التجريد والتكرار والوحدة والتنوع والإيقاع، وأن العقيدة الإسلامية أثرت على الزخارف الشعبية في السعودية.
وأعدت الدراسة الدكتورة مسعودة عالم جان قربان، الأكاديمية في جامعة الملك سعود في السعودية، ويسرى سعيد القحطاني الباحثة في جامعة الملك سعود، وحملت عنوان "التجريد بين زخارف الفن الإسلامي وزخارف القط العسيري في منطقة عسير.. دراسة مقارنة"، وجرى النشر العلمي لها ضمن بحوث سلسلة المؤتمرات العلمية لكلية الفنون الجميلة في جامعة الأقصر المصرية.
وسعت الدراسة إلى توضيح أوجه التشابه والاختلاف في مفهوم التجريد بين الزخارف الإسلامية وزخارف القط العسيري بمنطقة عسير في المملكة العربية السعودية. وكذلك تسليط الضوء على جماليات الزخارف الإسلامية والزخارف الشعبية في منطقة عسير، كما عملت على توضيح أثر الفن الإسلامي -الذي يشير إلى التوحيد ويعبر عنه بالتجريد لا التجسيد الفني- على الفنون الشعبية في المملكة.
تنوع وثراء المفردات الزخرفية الجمالية
وأوضحت الدراسة أن الفن الإسلامي من المصادر التي تتميز بتنوع وثراء المفردات الزخرفية الجمالية، وتفردها بحلول إبداعية لمعالجة المساحات الشكلية لجميع مجالات الفنون الإسلامية من عمارة ونسيج وزجاج ومعادن وغيرها. وأشارت إلى أن الفنان المسلم أبدع في إنتاجه الفني مستمدا فكره من روح العقيدة الإسلامية، وأخضع كل أشكاله الزخرفية لفلسفة الفكر الإسلامي مما كوّن لنا مصدرا غنيا ورافدا حضاريا يحمل في طياته لغة بصرية وشكلية مغايرة تحمل قيما فنية وجمالية وتتسم بخصائص تميزها عن غيرها من الفنون.
وأكدت الدراسة على أن التجريد يعد من أهم سمات الفن الإسلامي، وهو القاعدة الأساسية التي قام عليها فن التصوير الإسلامي، فجاء التصوير الإسلامي مقيدا التشخيص، فأصبح ذا نزعة تجريدية، فهو لا يقوم على المحاكاة من الطبيعة، فاتجه الفنان المسلم إلى خلق عالم من العلاقات التجريدية، وامتلك القدرة على تخليص الصيغ المشتركة بين العناصر والجزيئات.
وبيّنت الدراسة تأكيد الفنون الإسلامية على التجريد لما تضفيه من الصفة الروحية على الأعمال الفنية والمعمارية التي تضم التصاميم الزخرفية التي تتكون من عناصر متنوعة.
ووفق الدكتورة قربان، والباحثة القحطاني، فإن العمارة الاسلامية تُعد من أبرز المجالات في الفن الإسلامي التي كانت تزخر بالزخارف الإسلامية المجردة سواء كانت هندسية أو نباتية، وإنه منذ أن ظهر المسجد أخذ الفن المعماري الإسلامي عموما، وفن الزخرفة الإسلامية خصوصا، طريقهما إلى النمو والازدهار، فحين تطلبت العقيدة بيوتا لممارسة العبادة، سرعان ما أصبحت تلك البيوت مجالا للتفنن والإبداع.
حلقة وصل بين العالمين المادي والمطلق
واعتبرت الباحثتان، أن التزيين المتأثر بالإسلام يُعبر عن روحانية مؤكدة جسدها إبداع الفنان المسلم، فهو يربط السكون باللانهائية، ويشكل حلقة وصل بين العالم المادي والعالم المطلق، من خلال النماذج التزيينية المنسجمة، والألوان البراقة المشرقة، والتي تظهر تقنية متقدمة للتعبير عن الكمال المركزي ووسيلة للوصول إلى الجمال السامي.
ولفتت الدراسة إلى أن المسلمين أبدعوا في بناء وتزيين عمائرهم الدينية والمدنية مثل القصور في العصور الإسلامية التي بدأت في الاستقرار منذ العهد الأموي وما تبعها من العصور، وأن عمارات المسلمين بدأت تظهر للعيان هنا وهناك وأصبح لهذه العمائر شخصية معروفة تختلف من حيث الأسلوب والطراز عن تلك التي وجدوها قائمة في البلاد التي تم لهم فتحها، واستخدمت الكتابات والأشكال الهندسية والنباتية لتكوين الزخارف والنقوش المعمارية والتي أصبحت ميزة تنعم بها العمارة الإسلامية أكثر من غيرها.
واستمرت العمارة خلال العصور الإسلامية المتعاقبة، وتغيرت وتطورت عما كانت عليه في السابق واختلفت وفق المكان والزمان والظروف البيئية وثقافة المجتمع السائدة.
تراث منطقة عسير
ورصدت الدراسة مظاهر الاهتمام بتزيين العمارة في البيوت التقليدية بمنطقة عسير جنوب المملكة العربية السعودية، وهو ما يطلق عليه فن "القط العسيري"، الذي يزين العمارة الداخلية في تلك المنطقة، وهي زخارف مجردة ومستلهمة من البيئة المحيطة بهم.
ووفقا للدراسة، فإن تلك المنطقة، من المناطق الغنية بتراثها التشكيلي المميز، وبيئتها الفريدة وتضاريسها المتنوعة التي ساهمت بشكل مباشر في تشكيل فنون ونقوش شعبية لها خصوصيتها.
وتشير الدراسة لكون زخارف القط العسيري من الفنون الشعبية التي تبدعها النساء في منطقة عسير وهو فن مقتصر على النساء فقط، حيث يأتي دورها بعد انتهاء الرجل من بناء المنزل، فتقوم بتجميليه وزخرفته من الداخل ويكون ذلك على مراحل؛ فتبدأ أولا بمعالجة أسطح الجدران بطبقة جصية وبعد جفافها يقمن بإعداد الألوان من مكونات البيئة، وذلك "لتوفر المواد الأساسية لصنع هذه الألوان، إذ تعد منطقة عسير مادة غنية بتوفر النباتات والأحجار الملونة. فاللون الأخضر يؤخذ من نبات البرسيم، واللون الأصفر من الهرد، واللون الأحمر من حجر المشقة، واللون الأزرق من النيلة، واللون الأبيض من الجص، واللون الأسود من الفحم، واللون الأصفر من قشر الرمان، تسحق جميعها ويخلط كل لون على حده مع الصمغ العربي المستخرج من الأشجار ليكون أكثر ثباتا وتماسكا".
وتوقفت الدراسة عند استخدام النساء في منطقة عسير السعودية أدوات بدائية لنقش الزخارف على الجدران فيستخدمن شعر الضأن وذيول الماعز والريش فرشا للطلاء، إضافة إلى استخدام قطع القماش بعد لفها على رؤوس أعواد من الخشب ثم تربط بخيط فتصبح جاهزة للطلاء، ويكون عدد الفرش بعدد الألوان فتخصص كل فرشاة للون مستقل حتى لا تختلط الألوان.
غنى فني وثراء تشكيلي زخرفي
وكما تقول الدراسة، فإن المتأمل للمفردات الزخرفية في القط العسيري يجد أنها تحتوي على أشكال هندسية مجردة تمتاز بغنى فني وثراء تشكيلي زخرفي، فكانت الطبيعة من حول المرأة في عسير هي مصدر الإلهام الأول، فحاولت محاكاة وترجمة ما يحيط بها من نباتات وجمادات وصياغتها كمفردات رمزية، تتسم بالفطرية والتلقائية.
وتقول الدراسة إن الناظر إلى زخارف القط العسيري يجدها لا تخلو من الخطوط بأنواعها المختلفة فقد برعت الفنانات الشعبيات في استخدامها للخطوط المتنوعة لتكوين تصميمها للزخرفة الشعبية، ومن هنا فإن الخطوط تعد من أهم العناصر المستخدمة في زخارف القط العسيري.
ورأت الدكتورة قربان والباحثة القحطاني في دراستهما أنه من خلال المقارنة بين المفردات الزخرفية في الفن الإسلامي والمفردات الزخرفية في القط العسيري، وجد تشابه كبير من حيث السمات الشكلية للزخارف من خلال توظيف الوحدات الهندسية والنباتية والكتابية في شرائط زخرفية، واشتراك الفن الإسلامي والقط العسيري في أنهما يعتمدان على مبدأ التجريد والتحوير لعناصر البيئة الطبيعة فيحولانها إلى هيئة رموز قائمة على توظيف خطوط ونقاط وأشكال نباتية وهندسية مجردة، وأن القط العسيري قد يكون امتدادا زمنيا لزخارف الفن الإسلامي بالرغم من الفارق الزمني الكبير بينهما نظرا لوجود تشابه كبير في سماتهما.