حديث مع أول طالب في الثانوية
الاستاذ جلال شومان
لقد كان أول طالب وطئت قدماه أرض المدرسة التجهيزية في اللاذقية جول جمال حالياً ـ
هو جلال شومان الصحافي والأديب والشاعر الذي غنى حرب تشرين التحريرية فقال :
وإذا الجـولان وهضبتهـا
في قبضة جيش لا يكسر
جيش لا يرهب أو يخشى
بل يهزأ بالموت و يسخر
جيش عربي عملاق
للحق وللشرق استنفر
ومضى للباطل يصرعه
ولعزة أمته يثأر
تحميه صدور مؤمنة
و عيون ترعاه و تسهر
وكان لنا لقاء مع الصحافي والأديب والشاعر الذي تلقى دراسته الأولى في هذا الصرح التربوي الكبير لنسأله :
- هل صحيح بأنك كنت من الطلاب الأوائل الذين
التحقوا بالثانوية التجهيزية ؟
وعاد إلى ملاعب ذكرياته الأولى وقال : لم أكن من أوائل الطلاب الذين التحقوا بها ، بل كنت أول طالب وطئت قدماه أرضها .
ومتى كان ذلك ؟
في عام ١٩٢٤ ، وكنت آنئذ أتابع دراستي الابتدائية في مدرسة قديمة جدرانها متصدعة متداعيـة وأخشاب سقوفها بالية متدلية ، غرفها صغيرة مظلمة لا يدخلها الهواء ولايتسرب إليهـا النور ، فهي براد في الشتاء وتنور في الصيف .
- وكيف التحقت بالمدرسة التجهيزية ؟
كان ذلك في صبيحة يوم من أيام العام المذكور حين دوى في أرجاء البنـاء القديم المتداعي ، صوت كنا نخشى صاحبه إذا هدد أو توعد ، ونرتاح إليه إذا ابتسم أو تحدث ، وهو صوت المربي الكبير الأستاذ حکمت خواج وهـو يدعونا إلى الوقوف في صف طويل منتظم تمهيداً للزحف على البناء الجديد - المدرسة التي لا تبعد عناء أكثر من مئة متر والتي سميت في عام 1956 باسم الضابط العربي السوري التجهيزية ا جول جمال » تخليداً لذكرى استشهاده في معركة الشرف ضد قراصنة العدوان الثلاثي على مصر العربية .
وما هي إلا دقائق حتى صدر إلينا أمر المدير بالتحرك نحو الهدف الجديد فسرنا وكنت في طليعـة السائربن ، وقطعنا المسافـة القصيرة التي تفصل بين الكهف المخيف والقصر المنيف ، فإذا نحن أمام بناء ضخم شامخ عملاق طالما منينا النفس بلقائه ، وعللناها بدخول فنائه .
دخلناه ، وكنت أول الداخلين بل أول من وطئت قدماه أرض هذا المصنع الكبير الذي قدم للوطن على مدى خمسين عاماً آلاف الرجال والشباب الوطني القومي المؤمن وفي طليعة هؤلاء جميعا الرجل المناضل الثائر السيد الرئيس حافظ الأسد -
وكيف كان شعوركم وأنتم تدخلون هذا الصرح التربوي الجديد ؟
لقـد انطلقنا ننشد ونزغرد ونرقص تعبيراً عن فرحتنا بالخروج من « القفص الخشبي » القديم الذي كنا نعيش به وإعلاناً عن سعادتنـا بدخولنا و القفص الذهبي ، الجديد .
– هل كنت طالباً في المدرسة التجهيزية الجديدة عندما خربتها الصاعقة ؟
نعم ؛ ، وكان ذلك في يوم من أيام شتاء العام الدراسي ۱۹۲۸ – ۱۹۲۹ عندما دوى صوت انفجار عنيف اهتز له الجانب الشمالي من مدينة اللاذقية إثر انقضاض صاعقة على السطح الغربي من بناء المدرسة فثقبته واستقرت في أرض الصف الرابع الابتدائي الذي كنت من طلابه
وماذا نتج عن هذه الصاعقة ؟ . . من أضرار . . ؟
لقد أصيب عدد كبير من الأساتذة والطلاب الذين كانوا فيه وفي بعض الصفوف القريبة المجاورة نقلوا على أثرها إلى المستشفى الوطني لإسعافهم ، وما ان انتشر الخبر في المدينة حتى ذعر الأهل وتراكضوا إلى المدرسة يستطلعون الحقيقة التي كانوا بجهلونها إذ كان يعتقد كل واحد منهم أن ولده هو الضحية .
هل أصبت أنت نتيجة هذه الصاعقة ؟
لقد كنت ولحسن الحظ في ذلك الوقت اقوم مع بعض الزملاء بتنفيذ عملية هروب » من المدرسة في إحدى صالات السينما ، وكان من الطبيعي أن يكون والدي في مقدمة الآباء الذين أقلقهم الحادث لاسيما بعد معرفته أن الصاعقـة سقطت في الصف الذي كنت من طلابه ، وراح يسأل ويفتش ولكن دون فائدة ولم يكن أمامه إلا الانطلاق إلى المستشفى الوطني للبحث عني بين المصابين .
وكيف عرفت بالحادث بعد ذلك ؟
لقد علمت به من زملائي الهاربين معي ونحن في دار السينما ، فخرجنا نركض في الشوارع متجهين نحو المدرسة ، فالتقيت فجأة بوالدي فتملكني الخوف وتأكدت أن ضربات يديه ستنهال على وجهي أمام الرفاق والمارة . .
وكيف كان شعوره عندما رآك سليماً ؟
لقد أقبل علي وضمني إلى صدره وأخذ يكثر من تقبيلي ويسألني أين كنت ؟
فأجبته بصدق . . في السينما . . فقال الحمد الله الذي ألهمك الذهاب إليها فعدت برفقته إلى البيت حيث كانت والدتي بانتظاري على أحر من الجمر والدموع تنهمر من عينيها ، وعندما علمت بأنني كنت هارباً من المدرسة وملتجئاً إلى السينما قالت : الحمد لله الذي أبعدك ونجاك . . . وأعتقد بأنها المرة الأولى التي يعبر فيها الوالدان عن فرحهما وسرورهما وارتياحهما لهروب ولدهما من المدرسة .
– بعد تلك الذكريات الطريفة ، ماهي الأمنية الغالية التي تريدها أن تتحقق ؟
أن أعيش لأرى السيد حافظ الأسد طالب المدرسة التجهيزية سابقاً ورئيس البلاد حالياً يصلي في المسجد الأقصى ، وقد سبق وقلت له في قصيدتي عن حرب تشرين التحريرية :
يا أسـد العرب أعدت لنا
حقاً قد أوشـك أن يهـدر
وحفظـت كرامـة أمتنـا
وصنعت لها المجد الأكبر
ومحـوت العـار فأصبحنـا
نعتز ونختـال ونفخـر
فاضرب أعـداءك في عـزم
من منك بضربهم أجـدر
وازحف للقـدس وطهرهـا
مـن بـاغ أسرف واستكبر
الاستاذ جلال شومان
لقد كان أول طالب وطئت قدماه أرض المدرسة التجهيزية في اللاذقية جول جمال حالياً ـ
هو جلال شومان الصحافي والأديب والشاعر الذي غنى حرب تشرين التحريرية فقال :
وإذا الجـولان وهضبتهـا
في قبضة جيش لا يكسر
جيش لا يرهب أو يخشى
بل يهزأ بالموت و يسخر
جيش عربي عملاق
للحق وللشرق استنفر
ومضى للباطل يصرعه
ولعزة أمته يثأر
تحميه صدور مؤمنة
و عيون ترعاه و تسهر
وكان لنا لقاء مع الصحافي والأديب والشاعر الذي تلقى دراسته الأولى في هذا الصرح التربوي الكبير لنسأله :
- هل صحيح بأنك كنت من الطلاب الأوائل الذين
التحقوا بالثانوية التجهيزية ؟
وعاد إلى ملاعب ذكرياته الأولى وقال : لم أكن من أوائل الطلاب الذين التحقوا بها ، بل كنت أول طالب وطئت قدماه أرضها .
ومتى كان ذلك ؟
في عام ١٩٢٤ ، وكنت آنئذ أتابع دراستي الابتدائية في مدرسة قديمة جدرانها متصدعة متداعيـة وأخشاب سقوفها بالية متدلية ، غرفها صغيرة مظلمة لا يدخلها الهواء ولايتسرب إليهـا النور ، فهي براد في الشتاء وتنور في الصيف .
- وكيف التحقت بالمدرسة التجهيزية ؟
كان ذلك في صبيحة يوم من أيام العام المذكور حين دوى في أرجاء البنـاء القديم المتداعي ، صوت كنا نخشى صاحبه إذا هدد أو توعد ، ونرتاح إليه إذا ابتسم أو تحدث ، وهو صوت المربي الكبير الأستاذ حکمت خواج وهـو يدعونا إلى الوقوف في صف طويل منتظم تمهيداً للزحف على البناء الجديد - المدرسة التي لا تبعد عناء أكثر من مئة متر والتي سميت في عام 1956 باسم الضابط العربي السوري التجهيزية ا جول جمال » تخليداً لذكرى استشهاده في معركة الشرف ضد قراصنة العدوان الثلاثي على مصر العربية .
وما هي إلا دقائق حتى صدر إلينا أمر المدير بالتحرك نحو الهدف الجديد فسرنا وكنت في طليعـة السائربن ، وقطعنا المسافـة القصيرة التي تفصل بين الكهف المخيف والقصر المنيف ، فإذا نحن أمام بناء ضخم شامخ عملاق طالما منينا النفس بلقائه ، وعللناها بدخول فنائه .
دخلناه ، وكنت أول الداخلين بل أول من وطئت قدماه أرض هذا المصنع الكبير الذي قدم للوطن على مدى خمسين عاماً آلاف الرجال والشباب الوطني القومي المؤمن وفي طليعة هؤلاء جميعا الرجل المناضل الثائر السيد الرئيس حافظ الأسد -
وكيف كان شعوركم وأنتم تدخلون هذا الصرح التربوي الجديد ؟
لقـد انطلقنا ننشد ونزغرد ونرقص تعبيراً عن فرحتنا بالخروج من « القفص الخشبي » القديم الذي كنا نعيش به وإعلاناً عن سعادتنـا بدخولنا و القفص الذهبي ، الجديد .
– هل كنت طالباً في المدرسة التجهيزية الجديدة عندما خربتها الصاعقة ؟
نعم ؛ ، وكان ذلك في يوم من أيام شتاء العام الدراسي ۱۹۲۸ – ۱۹۲۹ عندما دوى صوت انفجار عنيف اهتز له الجانب الشمالي من مدينة اللاذقية إثر انقضاض صاعقة على السطح الغربي من بناء المدرسة فثقبته واستقرت في أرض الصف الرابع الابتدائي الذي كنت من طلابه
وماذا نتج عن هذه الصاعقة ؟ . . من أضرار . . ؟
لقد أصيب عدد كبير من الأساتذة والطلاب الذين كانوا فيه وفي بعض الصفوف القريبة المجاورة نقلوا على أثرها إلى المستشفى الوطني لإسعافهم ، وما ان انتشر الخبر في المدينة حتى ذعر الأهل وتراكضوا إلى المدرسة يستطلعون الحقيقة التي كانوا بجهلونها إذ كان يعتقد كل واحد منهم أن ولده هو الضحية .
هل أصبت أنت نتيجة هذه الصاعقة ؟
لقد كنت ولحسن الحظ في ذلك الوقت اقوم مع بعض الزملاء بتنفيذ عملية هروب » من المدرسة في إحدى صالات السينما ، وكان من الطبيعي أن يكون والدي في مقدمة الآباء الذين أقلقهم الحادث لاسيما بعد معرفته أن الصاعقـة سقطت في الصف الذي كنت من طلابه ، وراح يسأل ويفتش ولكن دون فائدة ولم يكن أمامه إلا الانطلاق إلى المستشفى الوطني للبحث عني بين المصابين .
وكيف عرفت بالحادث بعد ذلك ؟
لقد علمت به من زملائي الهاربين معي ونحن في دار السينما ، فخرجنا نركض في الشوارع متجهين نحو المدرسة ، فالتقيت فجأة بوالدي فتملكني الخوف وتأكدت أن ضربات يديه ستنهال على وجهي أمام الرفاق والمارة . .
وكيف كان شعوره عندما رآك سليماً ؟
لقد أقبل علي وضمني إلى صدره وأخذ يكثر من تقبيلي ويسألني أين كنت ؟
فأجبته بصدق . . في السينما . . فقال الحمد الله الذي ألهمك الذهاب إليها فعدت برفقته إلى البيت حيث كانت والدتي بانتظاري على أحر من الجمر والدموع تنهمر من عينيها ، وعندما علمت بأنني كنت هارباً من المدرسة وملتجئاً إلى السينما قالت : الحمد لله الذي أبعدك ونجاك . . . وأعتقد بأنها المرة الأولى التي يعبر فيها الوالدان عن فرحهما وسرورهما وارتياحهما لهروب ولدهما من المدرسة .
– بعد تلك الذكريات الطريفة ، ماهي الأمنية الغالية التي تريدها أن تتحقق ؟
أن أعيش لأرى السيد حافظ الأسد طالب المدرسة التجهيزية سابقاً ورئيس البلاد حالياً يصلي في المسجد الأقصى ، وقد سبق وقلت له في قصيدتي عن حرب تشرين التحريرية :
يا أسـد العرب أعدت لنا
حقاً قد أوشـك أن يهـدر
وحفظـت كرامـة أمتنـا
وصنعت لها المجد الأكبر
ومحـوت العـار فأصبحنـا
نعتز ونختـال ونفخـر
فاضرب أعـداءك في عـزم
من منك بضربهم أجـدر
وازحف للقـدس وطهرهـا
مـن بـاغ أسرف واستكبر
تعليق