حقائق وذكريات بقلم المربي الاستاذ
أحمد عيد الخير
القرداحة : تعد من كبريات القرى في تلك السلسلة الجبلية السورية المصاقبة للبحر المتوسط وهي تنبسط على ربوة فسيحة تشكل قوساً ينفتح غربا . وتتكيء بدلال على سفوح جبال أبية عامرة بالسكان ومكسوة بالغابات ، تسكنها قبيلة و الكلبية » وهي من أعز القبائل العربية ، وأصلبها عوداً ، وأكثرها عدداً ، وقد ظلت القرية في قديمها وحديثها قمة في المنعة والنجدة والدين والايمان بالقومية العربية ، ولذا كان أبناؤها حرباً على كل دخيل أجنبي وإلبا لكل حكم عربي ، فكانوا ضد الجيوش الصليبية ، يترصدونها في شعاف الجبال وبطونها ويغيرون عليها ، ويمزقون كتائبها ، وكانو حرباً على الحكم التركي مدة وجوده ، وملجأ لكل خائف منه يجد فيها أمناً وقرى ، وقد تهيب الأتراك صلابة أبنائها فتجنبوا الإغارة عليهم ، وتغاضوا عن الأسلحة المكدسة في بيوتهم ، وعن مئات الهاربين من الجندية اللاجئين اليهم ، وعن جمع الضرائب منهم .
ولكن أبناء و قرداحة » سرعان ما انضموا إلى ابراهيم باشا وهو يلاحق الجيوش التركية مستجيبين لنداء الدم العربي ، وشاطروا إخوانهم المصريين ضريبة الدم في التحرر وتحرير الوطن العربي من الطغيان التركي ، وقدموا لهم أكبر المساعدات لأنهم أخبر بطرق الجبال ، واجتاحوا معهم سهوب الأناضول ، وهذا ما حمـل ابراهيم باشا على الاناخة في اللاذقية قريباً من تلك الجبال ،
التي وجد في أبنائها القوة والاخلاص ، وأقام فيها ثكنة عسكرية وثوقاً أقوياء أوفياء ، وقد استغلها الفرنسيون مركزاً لقواتهم ، وحولها الحكم الوطني منذ أول عهده إلى معهد علمي لايزال يشرق نوراً بعد أن كان لدى الأجنبي قلعة تنفث ناراً .
وحينما انسحب الجيش المصري ، ضحية التآمر وفي أبناء و قرداحة ، بما تفرضه الأخوة العربية الأجنبي ' من حماية ونجدة ومساعدة في السلاح والطعام وكأنما قد تأصلت أخوة السلاح بين المصريين واخوانهم بالدم المراق على دروب الأناضول إلى جانب الأخوة في القومية .
و كان أبناء القرداحة ، من أخلص المهللين لدولة الوحدة عام 1958 مستجيبين لنداء نجيع أجدادهم | اختلط قبيل أكثر من قرن في مناطق عديدة بالدم المصري دفاعاً عن الحرية والوحدة وبعد ما انهارت دولة الوحدة بدسائس الاستعمار وأطماع الانتهازيين ، جددتها الحركة التصحيحية بقيادة ابن القرداحة » الرجل الانسان و حافظ الأسد . و كان قطافها حرب تشرين 1973 وحروب الاستنزاف أعادت للعرب ذاتيتهم وكرامتهم ، وقد دفع أبناء و قرداحـة ، ثمن إخلاصهم لإخوانهم المصريين بعد انسحابهم ، اذ أصلاهم الاتراك غارات رهيبة ، وأمعنوا في قراهم تقتيلا وتحريقاً ، ولا يزال السلف يروي للخلف قصص تلك الاشتباكات وطرفا عن البطولات .
والسيد الرئيس حافظ الأسد يرقى إلى أسرة عريقة من القبيلة التي استقرت في أكثر حارات القرية ارتفاعاً ووعورة , حارة العيلة ، عرف أبناؤها بالصلابة فكأنهم قدوا من صخور حيهم ، فلم يكن أحد يستطيع الصمود أمامهم ، في غزو خارجي وإذا ماوقع عليهم أي اعتداء تنادي الرجال يرقلون إلى الساح ، وشمرت النساء الفساتين الطويلة بملأنها حجارة ، وجرين وراء الرجال برسان " الزغاريد ويقذفن القنابل بأيديهن المفتولة فلا يعود مجال للتراجع فإما السقوط في الساح وإما النصر ، وإن إحدى قريبات السيد الرئيس جاءها أن إحدى قراها تعرضت للاعتداء وكان الزوج غائباً ، فإذا بها تتقلد السلاح وتركب جوادها ويتلاحق بها شباب القرية ونساؤها إلى مناطق المعتدين الذين فروا لماسمعوا بالزحف ، وأمعنت في التحريق حتى أوغلت في مناطقهم وتوقفت بعد أن أيقنت أنهم لن يفكروا باعتداء آخر .
وكان جد السيد الرئيس نموذجاً لأبناء قريته بجسمه القوي ، وصوته الرهيب ، وذراعيه المفتولتين إلى وداعة في الوجه ، وصفاء في النفس ، وسهولة في المخالفة ، إنه ه سليمان » الذي كانت تخشاه المنطقة كلها وتتحاشى إغضابه ، وقد أخذه الاتراك بحيلة ما . . إلى الجندية وساقوه فوراً إلى الأناضول ، فشم في هضابها روائح دماء قومه يوم جاؤوها مغير بن مـع ابراهيم باشا ولا أخاله إلا وقد ردد قول الشاعر العربي :
ان جئت خرشنـة أسيرا
فلقد نزلت بها مغيرا
وعرف أثناء جنديته بعزة نفسه فكان يبطش بأي جندي أو ضابط تركي يمس كرامته فيعاقب بتجديد الخدمة حتى بلغت سبعة عشر عاماً ، وبلغ من قوته أن رئيسه أوكل إليه مهمة اقتياد ( حصانه الشكس الذي أعيا الجنود ) إلى ( البيطار ) فوقف الحصان يومها على ساقيه ورفع يديه ، فاحتضنه و سليمان الأسد ، بذراعيه وضرب به الأرض ورفسه برجله وأتم البيطار مهمته بسهولة ، ورجع سليمان به ممتطيا صهوته وكأنه حمل وديع .
وألحق أبو علي سليمان الأسد » بالجيوش المحاربة في اليونان ، فتميز بالحرأة والشجاعة والاستهانة بالموت ، ومر به أحد الضباط يوماً وهو يحرس رفاقه الذين أضنتهم الحرب وكان مستنداً إلى بندقيته شارد الذهن إلى مراتع طفولته ومرابض فتوته يرسل الزفرات حرى كأنه يردد قول الشاعر :
أحقاً عباد الله أن لسـت راجعـا
إلى قريتي يومـاً وأرباضها الغبر ؟
فزجره الضابط قائلا : وماذا يمكن أن يصدر عنك ؟ فأجابه بخشونة سترى . وهب واقفا ونادى أمها العربي : بصوت جهوري قلقل هدوء الليل و الله أكبر .. الله أكبر ، . . ونهض رفاقه إلى السلاح الأبيض يحملونه وينطلقون وراء الأسد الهادر منقضين على خنادق الجيش اليوناني الذي استولى عليه الذعر فخرج الناجون منه هاربين وكان النصر . .
وقد أنهيت خدمته بعد هذه المعركة .
وظلت و قرداحة ، متمسكة باتجاهها القومي أحد من أبنائها الجيش الفرنسي الذي استولى على اللاذقية ، وبقية مدن الساحل واستجابت لدعوة الملك فيصل فانتخبت ممثلا لها في المؤتمر السوري صديقاً لعلي و أبي أحمد ، وهو أحد أبنائها وكان لهذا المندوب موقف مشرف وصوت مسموع في المؤتمر .
وتأييدها لكل حركة وطنية فلم يستقبل .. وعلي أبو أحمد » هذا . . والد السيد الرئيس ، كان يتميز العشيرة بالذكاء وسداد الرأي وسعة المطالعة وحسن الخط في مرحلة زمنية قل فيها من يلم بالقراءة والكتابة ، ولذا كان دائماً هو الذي يكتب الاتفاقات بين العشائر والعائلات المختلفة و كان إلى ذلك شجاعاً . . . وراميا لايجاري . ولا يزال السكان يتذاكرون مهاجمته ببضعة رجال ، سرية تركية تجاوباً مع دعوة الملك فيصل وقد نحصنوا في مكان مسور يطل على الدروب المجاورة ويسردون بإعجاب ما أبداه من ضروب الحرأة والحيلة حتى أجبرهم على الاستسلام وهنا تظهر المروءة العربية ويظهر النبل العربي ، فقدم لهم الطعام وزودهم وترك لهم بعض أسلحتهم ليمتنعوا بها وحملهم كتاباً يشير فيه إلى أنهم في خفارته إلى بلادهم .
وثمة طرق كثيرة تشير إلى جرأته ومروءته منها : أن الفرنسيين عينوا « بديع بك » قائداً عاماً للدرك في حكومة اللاذقية وفوضوه بجمع الضرائب المتراكمة رجاء و قرداحة » فكان في عمله فيها عادياً لأنه عرف عنها الكثير وذهب إلى جبال النواصرة التابعة لها فأسفر عن خمسة طبعه وأظهر من الشدة ما يتناقله السكان إلى الآن . وسمع بذلك , أبو أحمد » وكان الفرنسيون قد عينوه عضواً في المجلس التمثيلي أملا في ضمه إلى جانبهم فثارت ثائرته وحميته ، وتعقبه إلى الجبل ووجه إلى القائد التهديد الشديد وطرده من المنطقة كلها وقد امتدت المحاكمات العسكرية في بيروت طويلا كانت نهاية للقائد و بديع بلك » .
ولما كشف الفرنسيون عن نواياهم الاستعمارية في حكومة اللاذقية خاصة ألف أول جبهة معارضة في الريف وسرعان ما تلاقت مع المعارضين في مدينة اللاذقية قضت على أحلام المستعمر في إثارة الخلافات الطائفية واستغلالها ومشى الريف والمدينة صفاً واحداً حتى الجلاء الفرنسي .
وبعد الجلاء وقع الحكم الوطني في ورطة قاسية بخروج ، سليمان مرشد » عليه وكاد يسيطر سيطرة كاملة على مناطق واسعة من محافظة اللاذقية ولم يكن محافظ الاذقية ولا قائد الشرطة و محمد علي عزمت » ولا حكومة دمشق بقادرين على الصمود أمامه لولا ان و قرداحة » وعشائرها وقفت كعادتها بجانب الحكم الوطني وعلى رأسها « أبو أحمد ، الذي أبدى استهانة غريبة بقوة و المرشد » وتكفل بالقضاء عليها في يوم واحد . فقلق و المرشد » من نتائج هذا الموقف وهو يعرف أن قوة قرداحة ، لا يمكن مقاومتها ولذلك بادر إلى الاتصال بالمسؤولين في اللاذقية واتفق معهم على الانضواء في ظل الحكم الجديـد ولكن الاتفاق قد نقض واعتقل « المرشد » .
أحمد عيد الخير
القرداحة : تعد من كبريات القرى في تلك السلسلة الجبلية السورية المصاقبة للبحر المتوسط وهي تنبسط على ربوة فسيحة تشكل قوساً ينفتح غربا . وتتكيء بدلال على سفوح جبال أبية عامرة بالسكان ومكسوة بالغابات ، تسكنها قبيلة و الكلبية » وهي من أعز القبائل العربية ، وأصلبها عوداً ، وأكثرها عدداً ، وقد ظلت القرية في قديمها وحديثها قمة في المنعة والنجدة والدين والايمان بالقومية العربية ، ولذا كان أبناؤها حرباً على كل دخيل أجنبي وإلبا لكل حكم عربي ، فكانوا ضد الجيوش الصليبية ، يترصدونها في شعاف الجبال وبطونها ويغيرون عليها ، ويمزقون كتائبها ، وكانو حرباً على الحكم التركي مدة وجوده ، وملجأ لكل خائف منه يجد فيها أمناً وقرى ، وقد تهيب الأتراك صلابة أبنائها فتجنبوا الإغارة عليهم ، وتغاضوا عن الأسلحة المكدسة في بيوتهم ، وعن مئات الهاربين من الجندية اللاجئين اليهم ، وعن جمع الضرائب منهم .
ولكن أبناء و قرداحة » سرعان ما انضموا إلى ابراهيم باشا وهو يلاحق الجيوش التركية مستجيبين لنداء الدم العربي ، وشاطروا إخوانهم المصريين ضريبة الدم في التحرر وتحرير الوطن العربي من الطغيان التركي ، وقدموا لهم أكبر المساعدات لأنهم أخبر بطرق الجبال ، واجتاحوا معهم سهوب الأناضول ، وهذا ما حمـل ابراهيم باشا على الاناخة في اللاذقية قريباً من تلك الجبال ،
التي وجد في أبنائها القوة والاخلاص ، وأقام فيها ثكنة عسكرية وثوقاً أقوياء أوفياء ، وقد استغلها الفرنسيون مركزاً لقواتهم ، وحولها الحكم الوطني منذ أول عهده إلى معهد علمي لايزال يشرق نوراً بعد أن كان لدى الأجنبي قلعة تنفث ناراً .
وحينما انسحب الجيش المصري ، ضحية التآمر وفي أبناء و قرداحة ، بما تفرضه الأخوة العربية الأجنبي ' من حماية ونجدة ومساعدة في السلاح والطعام وكأنما قد تأصلت أخوة السلاح بين المصريين واخوانهم بالدم المراق على دروب الأناضول إلى جانب الأخوة في القومية .
و كان أبناء القرداحة ، من أخلص المهللين لدولة الوحدة عام 1958 مستجيبين لنداء نجيع أجدادهم | اختلط قبيل أكثر من قرن في مناطق عديدة بالدم المصري دفاعاً عن الحرية والوحدة وبعد ما انهارت دولة الوحدة بدسائس الاستعمار وأطماع الانتهازيين ، جددتها الحركة التصحيحية بقيادة ابن القرداحة » الرجل الانسان و حافظ الأسد . و كان قطافها حرب تشرين 1973 وحروب الاستنزاف أعادت للعرب ذاتيتهم وكرامتهم ، وقد دفع أبناء و قرداحـة ، ثمن إخلاصهم لإخوانهم المصريين بعد انسحابهم ، اذ أصلاهم الاتراك غارات رهيبة ، وأمعنوا في قراهم تقتيلا وتحريقاً ، ولا يزال السلف يروي للخلف قصص تلك الاشتباكات وطرفا عن البطولات .
والسيد الرئيس حافظ الأسد يرقى إلى أسرة عريقة من القبيلة التي استقرت في أكثر حارات القرية ارتفاعاً ووعورة , حارة العيلة ، عرف أبناؤها بالصلابة فكأنهم قدوا من صخور حيهم ، فلم يكن أحد يستطيع الصمود أمامهم ، في غزو خارجي وإذا ماوقع عليهم أي اعتداء تنادي الرجال يرقلون إلى الساح ، وشمرت النساء الفساتين الطويلة بملأنها حجارة ، وجرين وراء الرجال برسان " الزغاريد ويقذفن القنابل بأيديهن المفتولة فلا يعود مجال للتراجع فإما السقوط في الساح وإما النصر ، وإن إحدى قريبات السيد الرئيس جاءها أن إحدى قراها تعرضت للاعتداء وكان الزوج غائباً ، فإذا بها تتقلد السلاح وتركب جوادها ويتلاحق بها شباب القرية ونساؤها إلى مناطق المعتدين الذين فروا لماسمعوا بالزحف ، وأمعنت في التحريق حتى أوغلت في مناطقهم وتوقفت بعد أن أيقنت أنهم لن يفكروا باعتداء آخر .
وكان جد السيد الرئيس نموذجاً لأبناء قريته بجسمه القوي ، وصوته الرهيب ، وذراعيه المفتولتين إلى وداعة في الوجه ، وصفاء في النفس ، وسهولة في المخالفة ، إنه ه سليمان » الذي كانت تخشاه المنطقة كلها وتتحاشى إغضابه ، وقد أخذه الاتراك بحيلة ما . . إلى الجندية وساقوه فوراً إلى الأناضول ، فشم في هضابها روائح دماء قومه يوم جاؤوها مغير بن مـع ابراهيم باشا ولا أخاله إلا وقد ردد قول الشاعر العربي :
ان جئت خرشنـة أسيرا
فلقد نزلت بها مغيرا
وعرف أثناء جنديته بعزة نفسه فكان يبطش بأي جندي أو ضابط تركي يمس كرامته فيعاقب بتجديد الخدمة حتى بلغت سبعة عشر عاماً ، وبلغ من قوته أن رئيسه أوكل إليه مهمة اقتياد ( حصانه الشكس الذي أعيا الجنود ) إلى ( البيطار ) فوقف الحصان يومها على ساقيه ورفع يديه ، فاحتضنه و سليمان الأسد ، بذراعيه وضرب به الأرض ورفسه برجله وأتم البيطار مهمته بسهولة ، ورجع سليمان به ممتطيا صهوته وكأنه حمل وديع .
وألحق أبو علي سليمان الأسد » بالجيوش المحاربة في اليونان ، فتميز بالحرأة والشجاعة والاستهانة بالموت ، ومر به أحد الضباط يوماً وهو يحرس رفاقه الذين أضنتهم الحرب وكان مستنداً إلى بندقيته شارد الذهن إلى مراتع طفولته ومرابض فتوته يرسل الزفرات حرى كأنه يردد قول الشاعر :
أحقاً عباد الله أن لسـت راجعـا
إلى قريتي يومـاً وأرباضها الغبر ؟
فزجره الضابط قائلا : وماذا يمكن أن يصدر عنك ؟ فأجابه بخشونة سترى . وهب واقفا ونادى أمها العربي : بصوت جهوري قلقل هدوء الليل و الله أكبر .. الله أكبر ، . . ونهض رفاقه إلى السلاح الأبيض يحملونه وينطلقون وراء الأسد الهادر منقضين على خنادق الجيش اليوناني الذي استولى عليه الذعر فخرج الناجون منه هاربين وكان النصر . .
وقد أنهيت خدمته بعد هذه المعركة .
وظلت و قرداحة ، متمسكة باتجاهها القومي أحد من أبنائها الجيش الفرنسي الذي استولى على اللاذقية ، وبقية مدن الساحل واستجابت لدعوة الملك فيصل فانتخبت ممثلا لها في المؤتمر السوري صديقاً لعلي و أبي أحمد ، وهو أحد أبنائها وكان لهذا المندوب موقف مشرف وصوت مسموع في المؤتمر .
وتأييدها لكل حركة وطنية فلم يستقبل .. وعلي أبو أحمد » هذا . . والد السيد الرئيس ، كان يتميز العشيرة بالذكاء وسداد الرأي وسعة المطالعة وحسن الخط في مرحلة زمنية قل فيها من يلم بالقراءة والكتابة ، ولذا كان دائماً هو الذي يكتب الاتفاقات بين العشائر والعائلات المختلفة و كان إلى ذلك شجاعاً . . . وراميا لايجاري . ولا يزال السكان يتذاكرون مهاجمته ببضعة رجال ، سرية تركية تجاوباً مع دعوة الملك فيصل وقد نحصنوا في مكان مسور يطل على الدروب المجاورة ويسردون بإعجاب ما أبداه من ضروب الحرأة والحيلة حتى أجبرهم على الاستسلام وهنا تظهر المروءة العربية ويظهر النبل العربي ، فقدم لهم الطعام وزودهم وترك لهم بعض أسلحتهم ليمتنعوا بها وحملهم كتاباً يشير فيه إلى أنهم في خفارته إلى بلادهم .
وثمة طرق كثيرة تشير إلى جرأته ومروءته منها : أن الفرنسيين عينوا « بديع بك » قائداً عاماً للدرك في حكومة اللاذقية وفوضوه بجمع الضرائب المتراكمة رجاء و قرداحة » فكان في عمله فيها عادياً لأنه عرف عنها الكثير وذهب إلى جبال النواصرة التابعة لها فأسفر عن خمسة طبعه وأظهر من الشدة ما يتناقله السكان إلى الآن . وسمع بذلك , أبو أحمد » وكان الفرنسيون قد عينوه عضواً في المجلس التمثيلي أملا في ضمه إلى جانبهم فثارت ثائرته وحميته ، وتعقبه إلى الجبل ووجه إلى القائد التهديد الشديد وطرده من المنطقة كلها وقد امتدت المحاكمات العسكرية في بيروت طويلا كانت نهاية للقائد و بديع بلك » .
ولما كشف الفرنسيون عن نواياهم الاستعمارية في حكومة اللاذقية خاصة ألف أول جبهة معارضة في الريف وسرعان ما تلاقت مع المعارضين في مدينة اللاذقية قضت على أحلام المستعمر في إثارة الخلافات الطائفية واستغلالها ومشى الريف والمدينة صفاً واحداً حتى الجلاء الفرنسي .
وبعد الجلاء وقع الحكم الوطني في ورطة قاسية بخروج ، سليمان مرشد » عليه وكاد يسيطر سيطرة كاملة على مناطق واسعة من محافظة اللاذقية ولم يكن محافظ الاذقية ولا قائد الشرطة و محمد علي عزمت » ولا حكومة دمشق بقادرين على الصمود أمامه لولا ان و قرداحة » وعشائرها وقفت كعادتها بجانب الحكم الوطني وعلى رأسها « أبو أحمد ، الذي أبدى استهانة غريبة بقوة و المرشد » وتكفل بالقضاء عليها في يوم واحد . فقلق و المرشد » من نتائج هذا الموقف وهو يعرف أن قوة قرداحة ، لا يمكن مقاومتها ولذلك بادر إلى الاتصال بالمسؤولين في اللاذقية واتفق معهم على الانضواء في ظل الحكم الجديـد ولكن الاتفاق قد نقض واعتقل « المرشد » .
تعليق