صور من الماضي
بقلم الرفيق نعمان علي ديب
عضو مجلس الشعب
الرفيق الأستاذ محمد شاكر عضيمة المحترم مدير ثانوية جول جمال باللاذقية
تحية عربية : أشكركم لما بذلتم من جهود لاحياء ذكرى مرور خمسين عاما على تأسيس هذه الثانوية التي خرجت منها أجيالا متعاقبة عديدة كان لها الفضل في تقدم قطرنا العربي السوري ورفع مستواه على الصعيدين التربوي والسياسي ولقد كان من أبرز الرجالات ، الذين أنبتهم هذا المعهد التربوي الرفيق المناضل حافظ الأسد .
وأعرب لكم عن خالص شكري لأنكم اتحتم لي الفرصة بتسجيل ذكريات غالية أعادت لي صور الماضي الحبيب بكل أبعاده وجزئياته ، ذلك الماضي الذي ملأنا ونحن في شرخ الشباب بالنضال في سبيل بعث الأمـة العربية وتحقيق رسالتها في الوحدة والحرية والاشتراكية .
سأتحدث عن ذكرياتي في ثانوية جول جمال التي كانت تدعى سابقاً ثانوية تجهيز البنين عن السنوات الست منذ عام 1945 حتى 1951 وهي الفترة التي قضيتها مع أعز وأصدق الرفاق . . . رفاق الصف كانت اللاذقيـة تسودها العائلية والاقليمية والطائفية حتى أحياؤها كانت تمثلها فئة من القبضايات التي تعتمد على الاتاوات كمصدر رزق لها . يوم كـان لايجرؤ أي مواطن أن يطالب بجزء من حقه خوفاً من لقاء مصرعه أو أن ينال جزاءه ضرباً مبرحاً أو قطع الرزق عن عائلته . كنا لفيفا من الرفاق . . . رفاق الصف في مرحلتي التعليم الاعدادي والثانوي في خلق عهد النضال والكنماح لثانوية البنين آنذاك عهداً قطعناه بأن نكون معاً في السراء والضراء في الظروف الحالكة وفي المناسبات كافة ، كانت سنوات صعبة وقاسية إذ أنها تمثل جزءاً من تاريخ سورية يوم خرج الاستعمار الفرنسي عام 1945 دون رجعة وتلت ذلك الحركات الوطنية واستلام السلطات الرجعية التي تربعت على الحكم تلهو بمقدرات الشعب وتعبث بمصير الجماهير كانت زمرة الصف من خيرة طلاب الثانوية طيلة السنوات الست قدرة على الحركة والوعي إذ لا تمر مناسبة إلا وكانت تؤدي واجبها وتأخذ دورها كان عددنا يتراوح بين خمسة وعشرين طالباً إلى أربعين طالباً وكنا كلمة واحدة وقلبا واحداً وكانت الحركات الطلابية وهي الانطلاقة الوحيدة في سورية تنبه السلطة إلى أخطائها وما أكثرها في كل المجالات .
اتفقنا على تأليف لجنة تمثل جميع الطلاب في اللاذقية وحصلت اصطدامات ما بين القوى التقدمية والقوى الرجعية تدعمها السلطة آنذاك من رجال الأمن والتحري وأذكر أنه لم تمض سنة من تلك السنوات إلا وكانت أكثرية لجنة الطلاب في المدينة من زمرة الصف ، وكان من ألمعهم وأقدرهم على تحمل المسؤولية وأكثرهم جرأة الطالب حافظ الأسد .. كان مرجعنا من ناحية التنظيم والاستشارة والرأي الصائب وعلى سبيل المثال أذكر حادثة جرت معنا في الصف الأول الثانوي على ما أعتقد وكان درساً في مادة الرياضيات حيث أخذ الأستاذ يشرح نظرية هندسية ومسألة تطبيقاً عليها وانتهى الأستاذ من الشرح وبدأ يسألنا عما إذا كنا قد فهمنا أم لا ؟
ولم نكد ننتهي من السؤال حتى سمعنا رفيقنا حافظ الأسد يقول :
عفواً أستاذ أعتقد ان شرحك للمسألة فيه خطأ ولكن الأستاذ غضب وقال :
ان المسألة صحيحة غير أن الطالب حافظ الأسد أصر على موقفه وطلب من الأستاذ أن يسمح له ببيان الخطأ فاضطر الأستاذ إلى قبول ذلك فبدأ المسألة موضحاً ناحية الخطأ والصواب عندئذ نظر الأستاذ إليه وقال أهنئك ان شرحك هو الصحيح . شعرنا عندها بالاعتزاز والفخر لهذه السوية التعليمية التي أبداها رفيقنا وزميلنا الطالب حافظ . . كان رفيقاً عزيزاً على قلب كل طالب كان شهماً مخلصاً ووطنيا غيوراً ولا أنسى يوم كنا نقضي ساعات الفراغ نلهو ونمرح وننشد كان دوماً يطلب منا أن نردد أنشودة يسر بها ومطلعها :
على الجهادية على الجهادية
رمز الخلاص . . . والوطنية
يلي بتهربوا من الجندية
فين الهمة والرجولية
لو كنتم عرفتم ايه هية
ما كنتم دفعتم البسولية
على الجهادية على الجهادية
ولئن دلت هذه الكلمات البسيطة إنما تدل على إيمانه الراسخ وإيمان الرفاق بالجنادية وبالروح الوطنية يوم " كان أكبر الرفاق لايزيد عمره على الأربعة عشر عاما . . كان شهر نيسان من عام 1946 وكنا على مقاعدنا في الصف نتاني درسا في اللغة الافرنسية عندما علمنا بخروج العدو من ثكناته دون رجعة فخرجنا مندفعين كالبنيان المرصوص نشد بعضنا إلى الثكنات لنشاهد جلاء آخر جندي استعماري عن بلدنا الحبيب مرددين بأصواتنا التي تملأ أجواء السماء ، لمن الحياة يا أبناء الحياة ؟ ويأتي الجواب بصوت قوي لامثيل له . . . . لنا .ونتابع لمن نحيا ، ويأتي الجواب للعروبة . تحيا العروبة ونجاب نحيا ـ نحيا - نحيا هذه الكلمات وإن دلت على شيء في ذلك الوقت فإنما تدل على إيمان الرفاق بالعروبة وبالأمة العربية ولكرهنا للاستعمار أعلمنا ادارة المدرسة بأننا لن نتلق أي درس باللغة الإفرنسية . . وبقينا سنة كاملة مصممين على ذلك ولكن بعد أن زالت عن أعيننا لغشاوة الفرحة ووعينا الأمر وعلمنا بأننا إذا أردنا أن نتغلب على هادونا لابد من تعلم لغته رجعنـا نتلقى الدروس وكانت قورة عاطفية وطنية . ست سنوات ثلاث 1945 و 1946 و 1947
وما زالت الحركة الطلابية هي الحركة الوطنية الوحيدة التي تقود نضال الجماهير وكانت تظهر في كل مناسبة لتقول كلمتها ولتنبه الحكام والمسؤولين إلى الأخطاء التي ترتكب بحق الشعب وكانت مؤتمرات الطلاب التي تمثل لجان الطلاب في كل المحافظات تعقد في كـل سنة كلما دعا الأمر إلى ذلك في محافظة حلب أو في اللاذقية إذ كان الانسجام والوفاء واضحاً ما بين لجنة طلاب اللاذقية ولجنة طلاب حلب لقربهما من بعض وكانت تعقد تلك المؤتمرات لتنظيم أمور الطلاب في سورية وتأمين مطاليبهم ولتعطي رأيها في الحكم والسلطة والأمور التي تتعلق بالمواطنين و ما أكثر ماكان تحاك لتلك المؤتمرات من مكائد ومصائـد إذ لم يكد يخلو موتمر من وقوع اصطدامات ما بين الطلبـة ورجال الأمن والتحري وخاصـة يوم توزيع المناشير لدغوة الشعب إلى القيام بالمظاهرات تعبيراً عن اشمئزاز هم من تصرفات الحكام ... وكم من مرة سدت السلطـة السبل لتمنعنا من طبع المناشير في مطابع أمامنا اللاذقية وكان الفقر حليفنا كطلاب إذ ليس لدينا مايسد مصاريف الطبع في مدينة طرابلس اللبنانية ولا أنسى ذلك أمامنـا اليوم يوم صودرت المناشير بعد أن عملنا المستحيل لجمع مصاريف الطبع في طرابلس ول م يبق الوقت لتعلم الجماهير عن موعد المظاهرة وأسرعنا في شراء الورق لنكتب بأيدينا المناشير المكتوبة حتى أصبح عددها 300 منشوراً وزعت في الوقت المحدد . . . . كان لا يربو عددنا عن الخمسين طالباً وماذا بإمكان هذا العدد القليل أن يعمل وعدد طلاب الثانوية يربو على الخمسمائة طالباً يمثل أكثرهم السلطة ومنهم الخائفين من الطرد لأنه دوما تصدر السلطة التوجيهات بمنع الطلاب من القيام بالاضرابات تحت طائلة المسؤولية والتوجيهات . وأشد ما يتضرر الطالب عندما يقف معنا متعاوناً ومشاركاً في القضايا الوطنية واجتمع الرفاق ليقرروا ما نعمل في اليوم الثاني ولقلة عـددنا قررنا شراء قفلين لمنع خروج المدرسين وقفل آخر لمنع خروج طلاب المدرسة من الطرف الآخر إلا بعد أن نلقي الكلمة المقررة وتخرج إلى الشارع لتلقي كلمة أخرى وكان يوماً عظيماً وكانت معركة حامية ما بين رفاقنا والآخر بن من اتباع السلطة استعمل بها السلاح والديناميت ومع ذلك ألقيت الكلمة ونقلت الجرائد المحلية ما جرى بالثانوية والمناسبة التي من أجلها قمنا بهذا الاضراب وسمعت دمشق بذلك وكان أملنا في ذلك الوقت أن تعلم دمشق بأن في ثانوية تجهيز البنين باللاذقية مظاهرة طلابية ضد تعديل الدستور . . وفي عام 1948 وكان عمرنا لا يزيد عن ستة عشر عاما و سوی ا وبمجموعتنا تحول أكثرنا إلى المحاكم بتهم كثيرة وعديدة منها اسقاط الحكومة والإخلال بالنظام وبقدح وذم المسؤولين في الدولة وكم كانت الفوضى تعم المدينة لقد حولوا أكثر الرفاق إلى المحاكم وعلى رأسهم رفيقنا حافظ وبدل أن يحولوني مع رفاقي إلى المحكمة حولوا أخي الكبير بدلا " عني ولا ذنب له أنه أخي المعيل لنا ولتحريض أوليائنا علينا ونحن مندفعين حماساً وعلى رأس مجموعتنا الرفيق حافظ نفسه ولا أنسى ذلك اليوم يوم كنا في قاعة المحكمة حيث واجهونا بالتهم المنسوبة إلينا فاقتربت من القاضي وقلت له بصوت جرىء . ان المطلوب يا سيادة القاضي هو أنا أما أخي فلا علاقة له وهو المعيل الوحيد لنا عندئذ صرخ بصوت عال اطلع لبره – اطلع لبره » يريد إخراجي من الغرفة وفي عام 1948 كان حزب البعث العربي حديث النشوء فاجتمعت زمرة الصف وقررت بعد دراسة ونقاش أن ننتسب إلى الحزب وتم قبولنا وكنا نجتمع بخليتنا كل اسبوع لنتلقى تعليمات القيادة ونناقش
الأمور التي تتعلق بالوضع الداخلي والخارجي كانت أياماً عظيمة ناضلنا فيها نضالا ً شريفاً كما كنا على استعداد لبذل أرواحنا في سبيل خدمة الوطن والمواطنين نتدخل في كل شاردة وواردة . كنا نقوم بالمهمات الحزبية المطلوبة منا في ليالي الشتاء القاسية ملاحقين من قبل عناصر الأمن العام والتحري والمكتب الثاني الخ . . من وسائط السلطة وأدوات القمع . في عام 1948 بدأت قضية فلسطين وزحفت الجيوش العربية إلى الحدود لتحررها من الصهاينة الأنذال وكانت المفاجآت من خيانات في الجيوش الزاحفة إلى شراء الأسلحة الفاسدة و كانت الانتكاسات والخزي والعـار وقام الطلاب بالمظاهرات يدعون للتطوع في الجيش والذهاب إلى فلسطين وفي ذلك العام لم يبلغ الدوام في الثانوية أكثر من خمسة وأربعين يوماً وحدثت النكبة السوداء وبدأت حياة الخيام والتشرد ويا لها من مأساة عنيفة هزتنا ولا زالت تهزنا إلى الآن وعقد مؤتمر للطلبة في اللاذقية يدعو السلطة لتطبيق النظام النصفي في المدارس ليتسنى تطبيـق نظام الفتوة بعد الظهر لدعوة القادرين على حمـل السلاح للالتحاق بالجيوش الزاحفة إلى فلسطين وكان على رأس هذا المؤتمر رفيقنا حافظ الأسـد وبعد انتهائه قررنا ارسال من ممثلنا إلى دمشق وفعلا ذهبنا إلى دمشق وطلبنا من رئيس الجمهورية آنذاك تطبيق نظام الفتوة وبيتنا رأينا وقلنا كلمتنا في الوضع السائد في ذلك الوقت والمسؤولية الملقاة على عاتق السلطة ولم نلق أية اذن صاغية لطلباتنا وقررنا الاضراب ودعونا إلى عقد مؤتمر في مدينة حلب فقررنا السفر بصفتنا لجنة طلاب وعلى رأس الوفد رفيقنا حافظ وبوصولنا إلى الق سطل توقفت السيارة بسبب تراكم الثلوج وبقينا ساعات الطريق لا نستطيع المتابعة بسبب تراكم الثلوج وعملنا المستحيل ورجعنا إلى اللاذقية مساء ولكن ما العمل والمؤتمر سيعقد في اليوم الثاني قررنا الذهاب إلى طرابلس لنأخذ القطار ووصلنا إلى حلب مساء اليوم الثاني عن هذا الطريق والتحقنا بزملائنا أعضاء المؤتمر وعلت الهتافات بوصولنا وحضرنا المؤتمر وقررنا مطاليبنا ومن جملتها اصرارنا على تطبيق الدوام النصفي من أجل التدريب العسكري وبقينا مصرين على موقفنا إلى أن تم لنا ذلك .
ولنا كثير من المواقف الأخرى الصريحة والجريئة لا يمكن سردها لكثرتها .
ذكريات حبيبة وسعيدة بين رفاق أعزاء أوفياء
مثلوا حركة الطلاب في مدينة اللاذقية أصدق تمثيل وقضوا على المفاهيم المتخلفة والقيم البالية بجرأتهم وصدقهم وكان على رأسنا الرفيق العزيز والقائد الرائد الموجه منذ ذلك الوقت حافظ الأسد ذو المواقف الحريثة كان أمل الرفاق يوم كان طالباً وأصبح أمل الجماهير عندما دعته لتحمل المسؤولية كرئيس للجمهورية في هذا القطر وأمل الأمة العربية بعد انتصاراته في حرب تشرين التحريرية وفقه الله وسدد خطاه في مسيرته الظافرة نحو تحقيق أهداف الأمة العربية .
بقلم الرفيق نعمان علي ديب
عضو مجلس الشعب
الرفيق الأستاذ محمد شاكر عضيمة المحترم مدير ثانوية جول جمال باللاذقية
تحية عربية : أشكركم لما بذلتم من جهود لاحياء ذكرى مرور خمسين عاما على تأسيس هذه الثانوية التي خرجت منها أجيالا متعاقبة عديدة كان لها الفضل في تقدم قطرنا العربي السوري ورفع مستواه على الصعيدين التربوي والسياسي ولقد كان من أبرز الرجالات ، الذين أنبتهم هذا المعهد التربوي الرفيق المناضل حافظ الأسد .
وأعرب لكم عن خالص شكري لأنكم اتحتم لي الفرصة بتسجيل ذكريات غالية أعادت لي صور الماضي الحبيب بكل أبعاده وجزئياته ، ذلك الماضي الذي ملأنا ونحن في شرخ الشباب بالنضال في سبيل بعث الأمـة العربية وتحقيق رسالتها في الوحدة والحرية والاشتراكية .
سأتحدث عن ذكرياتي في ثانوية جول جمال التي كانت تدعى سابقاً ثانوية تجهيز البنين عن السنوات الست منذ عام 1945 حتى 1951 وهي الفترة التي قضيتها مع أعز وأصدق الرفاق . . . رفاق الصف كانت اللاذقيـة تسودها العائلية والاقليمية والطائفية حتى أحياؤها كانت تمثلها فئة من القبضايات التي تعتمد على الاتاوات كمصدر رزق لها . يوم كـان لايجرؤ أي مواطن أن يطالب بجزء من حقه خوفاً من لقاء مصرعه أو أن ينال جزاءه ضرباً مبرحاً أو قطع الرزق عن عائلته . كنا لفيفا من الرفاق . . . رفاق الصف في مرحلتي التعليم الاعدادي والثانوي في خلق عهد النضال والكنماح لثانوية البنين آنذاك عهداً قطعناه بأن نكون معاً في السراء والضراء في الظروف الحالكة وفي المناسبات كافة ، كانت سنوات صعبة وقاسية إذ أنها تمثل جزءاً من تاريخ سورية يوم خرج الاستعمار الفرنسي عام 1945 دون رجعة وتلت ذلك الحركات الوطنية واستلام السلطات الرجعية التي تربعت على الحكم تلهو بمقدرات الشعب وتعبث بمصير الجماهير كانت زمرة الصف من خيرة طلاب الثانوية طيلة السنوات الست قدرة على الحركة والوعي إذ لا تمر مناسبة إلا وكانت تؤدي واجبها وتأخذ دورها كان عددنا يتراوح بين خمسة وعشرين طالباً إلى أربعين طالباً وكنا كلمة واحدة وقلبا واحداً وكانت الحركات الطلابية وهي الانطلاقة الوحيدة في سورية تنبه السلطة إلى أخطائها وما أكثرها في كل المجالات .
اتفقنا على تأليف لجنة تمثل جميع الطلاب في اللاذقية وحصلت اصطدامات ما بين القوى التقدمية والقوى الرجعية تدعمها السلطة آنذاك من رجال الأمن والتحري وأذكر أنه لم تمض سنة من تلك السنوات إلا وكانت أكثرية لجنة الطلاب في المدينة من زمرة الصف ، وكان من ألمعهم وأقدرهم على تحمل المسؤولية وأكثرهم جرأة الطالب حافظ الأسد .. كان مرجعنا من ناحية التنظيم والاستشارة والرأي الصائب وعلى سبيل المثال أذكر حادثة جرت معنا في الصف الأول الثانوي على ما أعتقد وكان درساً في مادة الرياضيات حيث أخذ الأستاذ يشرح نظرية هندسية ومسألة تطبيقاً عليها وانتهى الأستاذ من الشرح وبدأ يسألنا عما إذا كنا قد فهمنا أم لا ؟
ولم نكد ننتهي من السؤال حتى سمعنا رفيقنا حافظ الأسد يقول :
عفواً أستاذ أعتقد ان شرحك للمسألة فيه خطأ ولكن الأستاذ غضب وقال :
ان المسألة صحيحة غير أن الطالب حافظ الأسد أصر على موقفه وطلب من الأستاذ أن يسمح له ببيان الخطأ فاضطر الأستاذ إلى قبول ذلك فبدأ المسألة موضحاً ناحية الخطأ والصواب عندئذ نظر الأستاذ إليه وقال أهنئك ان شرحك هو الصحيح . شعرنا عندها بالاعتزاز والفخر لهذه السوية التعليمية التي أبداها رفيقنا وزميلنا الطالب حافظ . . كان رفيقاً عزيزاً على قلب كل طالب كان شهماً مخلصاً ووطنيا غيوراً ولا أنسى يوم كنا نقضي ساعات الفراغ نلهو ونمرح وننشد كان دوماً يطلب منا أن نردد أنشودة يسر بها ومطلعها :
على الجهادية على الجهادية
رمز الخلاص . . . والوطنية
يلي بتهربوا من الجندية
فين الهمة والرجولية
لو كنتم عرفتم ايه هية
ما كنتم دفعتم البسولية
على الجهادية على الجهادية
ولئن دلت هذه الكلمات البسيطة إنما تدل على إيمانه الراسخ وإيمان الرفاق بالجنادية وبالروح الوطنية يوم " كان أكبر الرفاق لايزيد عمره على الأربعة عشر عاما . . كان شهر نيسان من عام 1946 وكنا على مقاعدنا في الصف نتاني درسا في اللغة الافرنسية عندما علمنا بخروج العدو من ثكناته دون رجعة فخرجنا مندفعين كالبنيان المرصوص نشد بعضنا إلى الثكنات لنشاهد جلاء آخر جندي استعماري عن بلدنا الحبيب مرددين بأصواتنا التي تملأ أجواء السماء ، لمن الحياة يا أبناء الحياة ؟ ويأتي الجواب بصوت قوي لامثيل له . . . . لنا .ونتابع لمن نحيا ، ويأتي الجواب للعروبة . تحيا العروبة ونجاب نحيا ـ نحيا - نحيا هذه الكلمات وإن دلت على شيء في ذلك الوقت فإنما تدل على إيمان الرفاق بالعروبة وبالأمة العربية ولكرهنا للاستعمار أعلمنا ادارة المدرسة بأننا لن نتلق أي درس باللغة الإفرنسية . . وبقينا سنة كاملة مصممين على ذلك ولكن بعد أن زالت عن أعيننا لغشاوة الفرحة ووعينا الأمر وعلمنا بأننا إذا أردنا أن نتغلب على هادونا لابد من تعلم لغته رجعنـا نتلقى الدروس وكانت قورة عاطفية وطنية . ست سنوات ثلاث 1945 و 1946 و 1947
وما زالت الحركة الطلابية هي الحركة الوطنية الوحيدة التي تقود نضال الجماهير وكانت تظهر في كل مناسبة لتقول كلمتها ولتنبه الحكام والمسؤولين إلى الأخطاء التي ترتكب بحق الشعب وكانت مؤتمرات الطلاب التي تمثل لجان الطلاب في كل المحافظات تعقد في كـل سنة كلما دعا الأمر إلى ذلك في محافظة حلب أو في اللاذقية إذ كان الانسجام والوفاء واضحاً ما بين لجنة طلاب اللاذقية ولجنة طلاب حلب لقربهما من بعض وكانت تعقد تلك المؤتمرات لتنظيم أمور الطلاب في سورية وتأمين مطاليبهم ولتعطي رأيها في الحكم والسلطة والأمور التي تتعلق بالمواطنين و ما أكثر ماكان تحاك لتلك المؤتمرات من مكائد ومصائـد إذ لم يكد يخلو موتمر من وقوع اصطدامات ما بين الطلبـة ورجال الأمن والتحري وخاصـة يوم توزيع المناشير لدغوة الشعب إلى القيام بالمظاهرات تعبيراً عن اشمئزاز هم من تصرفات الحكام ... وكم من مرة سدت السلطـة السبل لتمنعنا من طبع المناشير في مطابع أمامنا اللاذقية وكان الفقر حليفنا كطلاب إذ ليس لدينا مايسد مصاريف الطبع في مدينة طرابلس اللبنانية ولا أنسى ذلك أمامنـا اليوم يوم صودرت المناشير بعد أن عملنا المستحيل لجمع مصاريف الطبع في طرابلس ول م يبق الوقت لتعلم الجماهير عن موعد المظاهرة وأسرعنا في شراء الورق لنكتب بأيدينا المناشير المكتوبة حتى أصبح عددها 300 منشوراً وزعت في الوقت المحدد . . . . كان لا يربو عددنا عن الخمسين طالباً وماذا بإمكان هذا العدد القليل أن يعمل وعدد طلاب الثانوية يربو على الخمسمائة طالباً يمثل أكثرهم السلطة ومنهم الخائفين من الطرد لأنه دوما تصدر السلطة التوجيهات بمنع الطلاب من القيام بالاضرابات تحت طائلة المسؤولية والتوجيهات . وأشد ما يتضرر الطالب عندما يقف معنا متعاوناً ومشاركاً في القضايا الوطنية واجتمع الرفاق ليقرروا ما نعمل في اليوم الثاني ولقلة عـددنا قررنا شراء قفلين لمنع خروج المدرسين وقفل آخر لمنع خروج طلاب المدرسة من الطرف الآخر إلا بعد أن نلقي الكلمة المقررة وتخرج إلى الشارع لتلقي كلمة أخرى وكان يوماً عظيماً وكانت معركة حامية ما بين رفاقنا والآخر بن من اتباع السلطة استعمل بها السلاح والديناميت ومع ذلك ألقيت الكلمة ونقلت الجرائد المحلية ما جرى بالثانوية والمناسبة التي من أجلها قمنا بهذا الاضراب وسمعت دمشق بذلك وكان أملنا في ذلك الوقت أن تعلم دمشق بأن في ثانوية تجهيز البنين باللاذقية مظاهرة طلابية ضد تعديل الدستور . . وفي عام 1948 وكان عمرنا لا يزيد عن ستة عشر عاما و سوی ا وبمجموعتنا تحول أكثرنا إلى المحاكم بتهم كثيرة وعديدة منها اسقاط الحكومة والإخلال بالنظام وبقدح وذم المسؤولين في الدولة وكم كانت الفوضى تعم المدينة لقد حولوا أكثر الرفاق إلى المحاكم وعلى رأسهم رفيقنا حافظ وبدل أن يحولوني مع رفاقي إلى المحكمة حولوا أخي الكبير بدلا " عني ولا ذنب له أنه أخي المعيل لنا ولتحريض أوليائنا علينا ونحن مندفعين حماساً وعلى رأس مجموعتنا الرفيق حافظ نفسه ولا أنسى ذلك اليوم يوم كنا في قاعة المحكمة حيث واجهونا بالتهم المنسوبة إلينا فاقتربت من القاضي وقلت له بصوت جرىء . ان المطلوب يا سيادة القاضي هو أنا أما أخي فلا علاقة له وهو المعيل الوحيد لنا عندئذ صرخ بصوت عال اطلع لبره – اطلع لبره » يريد إخراجي من الغرفة وفي عام 1948 كان حزب البعث العربي حديث النشوء فاجتمعت زمرة الصف وقررت بعد دراسة ونقاش أن ننتسب إلى الحزب وتم قبولنا وكنا نجتمع بخليتنا كل اسبوع لنتلقى تعليمات القيادة ونناقش
الأمور التي تتعلق بالوضع الداخلي والخارجي كانت أياماً عظيمة ناضلنا فيها نضالا ً شريفاً كما كنا على استعداد لبذل أرواحنا في سبيل خدمة الوطن والمواطنين نتدخل في كل شاردة وواردة . كنا نقوم بالمهمات الحزبية المطلوبة منا في ليالي الشتاء القاسية ملاحقين من قبل عناصر الأمن العام والتحري والمكتب الثاني الخ . . من وسائط السلطة وأدوات القمع . في عام 1948 بدأت قضية فلسطين وزحفت الجيوش العربية إلى الحدود لتحررها من الصهاينة الأنذال وكانت المفاجآت من خيانات في الجيوش الزاحفة إلى شراء الأسلحة الفاسدة و كانت الانتكاسات والخزي والعـار وقام الطلاب بالمظاهرات يدعون للتطوع في الجيش والذهاب إلى فلسطين وفي ذلك العام لم يبلغ الدوام في الثانوية أكثر من خمسة وأربعين يوماً وحدثت النكبة السوداء وبدأت حياة الخيام والتشرد ويا لها من مأساة عنيفة هزتنا ولا زالت تهزنا إلى الآن وعقد مؤتمر للطلبة في اللاذقية يدعو السلطة لتطبيق النظام النصفي في المدارس ليتسنى تطبيـق نظام الفتوة بعد الظهر لدعوة القادرين على حمـل السلاح للالتحاق بالجيوش الزاحفة إلى فلسطين وكان على رأس هذا المؤتمر رفيقنا حافظ الأسـد وبعد انتهائه قررنا ارسال من ممثلنا إلى دمشق وفعلا ذهبنا إلى دمشق وطلبنا من رئيس الجمهورية آنذاك تطبيق نظام الفتوة وبيتنا رأينا وقلنا كلمتنا في الوضع السائد في ذلك الوقت والمسؤولية الملقاة على عاتق السلطة ولم نلق أية اذن صاغية لطلباتنا وقررنا الاضراب ودعونا إلى عقد مؤتمر في مدينة حلب فقررنا السفر بصفتنا لجنة طلاب وعلى رأس الوفد رفيقنا حافظ وبوصولنا إلى الق سطل توقفت السيارة بسبب تراكم الثلوج وبقينا ساعات الطريق لا نستطيع المتابعة بسبب تراكم الثلوج وعملنا المستحيل ورجعنا إلى اللاذقية مساء ولكن ما العمل والمؤتمر سيعقد في اليوم الثاني قررنا الذهاب إلى طرابلس لنأخذ القطار ووصلنا إلى حلب مساء اليوم الثاني عن هذا الطريق والتحقنا بزملائنا أعضاء المؤتمر وعلت الهتافات بوصولنا وحضرنا المؤتمر وقررنا مطاليبنا ومن جملتها اصرارنا على تطبيق الدوام النصفي من أجل التدريب العسكري وبقينا مصرين على موقفنا إلى أن تم لنا ذلك .
ولنا كثير من المواقف الأخرى الصريحة والجريئة لا يمكن سردها لكثرتها .
ذكريات حبيبة وسعيدة بين رفاق أعزاء أوفياء
مثلوا حركة الطلاب في مدينة اللاذقية أصدق تمثيل وقضوا على المفاهيم المتخلفة والقيم البالية بجرأتهم وصدقهم وكان على رأسنا الرفيق العزيز والقائد الرائد الموجه منذ ذلك الوقت حافظ الأسد ذو المواقف الحريثة كان أمل الرفاق يوم كان طالباً وأصبح أمل الجماهير عندما دعته لتحمل المسؤولية كرئيس للجمهورية في هذا القطر وأمل الأمة العربية بعد انتصاراته في حرب تشرين التحريرية وفقه الله وسدد خطاه في مسيرته الظافرة نحو تحقيق أهداف الأمة العربية .
تعليق