النقود المصرية فن متكامل استفاد من حضارات عريقة وصور والمستشرقين
موسوعة ترصد تطور العملات في مصر منذ قرنين إلى اليوم.
الأحد 2022/12/11
انشرWhatsAppTwitterFacebook
جميع العملات تحمل عراقة الحضارة المصرية
العملات النقدية في كل بلد ليست مجرد أوراق تداول قيمة مالية، بل هي أعمال فنية أيضا، إذ تحتوي هذه العملات عادة على تصميمات فنانين يستفيدون من الرموز الوطنية من أشخاص وحتى منشآت ورموز تاريخية وغيرها مما يميز بلد العملة المنجزة، علاوة على الأرقام والتخطيطات وفنون الطباعة، ما يجعل العملة عملا فنيا متكاملا، وهو ما يبرزه الباحث المصري مجدي حنفي في كتاب موسوعي حول العملات المصرية.
يحمل تاريخ النقود في مصر الكثير من الأسرار التي يجهلها المتعاملون بها، منها المصممون والخطاطون، حيث أن ما يميز العملة خاصة الورقية هو التصميم والرسومات الموجودة على الوجه أو الظهر، وهذه الرسومات دون توقيع، فمن المصمم والرسام؟ وكذلك بدايات طباعة البنكنوت والعلامات المائية وأشكالها وظهور البنكنوت وتطورات طباعته، وقبل هذا وذلك متى كان إطلاق الجنيه كوحدة عملات مصرية وغير ذلك.
هذه الأسرار تكشفها بشكل موثق “موسوعة النقود المصرية” لمؤلفها المهندس مجدي حنفي، والتي صدرت باللغتين العربية والإنجليزية، عبر سلسلة متكاملة من الكتب التي توثق العملات المصرية المعدنية والورقية، من خلال تسلسل تاريخي دقيق لكل ما يتعلق بها.
انطلاق العملات المصرية
يشير حنفي إلى أن تطور العملة المصرية انطلق من عهد حكم محمد علي سنة 1805 حيث كانت النقود المتداولة وقتئذ معظمها تركية وإنجليزية وفرنسية وقليلا من النقود المصرية “ضرب في مصر”؛ حيث كانت النقود المصرية يتم سكها دون نقش الفئة عليها، والتي كانت تُعرف من الوزن والحجم ونوع المعدن، وكانت أسعار هذه العملات تختلف بين الحين والآخر (صعودا وهبوطا)؛ حيث أن سعر معدن الذهب والفضة متذبذبٌ بصفة مستمرة.
وأخذ علي إصلاح النظام النقدي المصري على عاتقه، فأصدر ديكريتو سنة 1808 بتسعير رسمي للنقود، وقدر البندقلي الذهب بثمانية قروش والمحبوب الإسلامبولي بستة قروش والمحبوب المصري بخمسة قروش والقرش الواحد بأربعين بارة أو أربعين فضة وفي سنة 1821 أصدر فرمانا لإعادة تحديد قيمة جميع العملات الأجنبية الموجودة في مصر، كما أصدر ديكريتو سنة 1834 باتباع مصر نظام المعدنين رسميا وجعل العلاقة بين الذهب والفضة 15.52:1، وكانت وحدة النقود المصرية قطعة ذهب قيمتها عشرون قرشا وأخرى فضة قيمتها عشرون قرشا أيضا وزنها أكثر من الذهب بمقدار 15.52 مرة. وبدأ في نقش الفئة على النقود المصرية لأول مرة سنة 1835، ثم تلاها سك أول جنيه مصري من الذهب سنة 1836.
مؤلف الموسوعة مجدي حنفي يبين التاريخ المفصل لكافة إصدارات مصر من العملات الورقية مع رصد لكافة الرموز
التطور التالي الأهم كان في عهد الخديوي محمد توفيق حيث صدر ديكريتو في الرابع عشر من نوفمبر سنة 1885 بشأن العملة، أهم ما فيه أن تكون وحدة العملات المصرية هي الجنيه المصري وينقسم إلى مئة قرش وينقسم القرش إلى عشرة أعشار (عشرة أجزاء)، وهذا النظام العشري سهل في الحسابات وأفضل من السابق حيث كان القرش يساوي أربعين بارة.
وأصبحت لمصر عملة موحدة هي الجنيه المصري الذهبي وبذلك انتهى رسميا العمل بقاعدة المعدنين (الذهب والفضة). وأصبحت مصر تتبع قاعدة الذهب أساسا للنظام النقدي. وكان الجنيه الذهبي المصري يُسك بكميات قليلة؛ لذلك سُمح باستمرار التعامل ببعض العملات الذهبية الأجنبية وكان أهمها الجنيه الإسترليني، وبينما ظلت للجنيه المصري الذهبي قوة إبراء قانونية كاملة، أصبح الجنيه الإسترليني الذهبي الذي كان سعره أعلى من قيمة ما يحتوي عليه من ذهب بالنسبة للعملات الأجنبية الأخرى وسيلة المبادلة الرئيسية وتحولت قاعدة النظام النقدي بمصر من قاعدة ذهب عادية إلى قاعدة ذهبية إسترلينية، وقد حددت الحكومة المصرية سعر الصرف القانوني للجنيه الإنجليزي 97.5 قرش والجنيه العثماني 87.75 قرش.
ويرى حنفي أن تصميمات العملة مرت بمرحلتين الأولى وهي تصميم العملة قديماً، وكان التصميم والتنفيذ والطباعة في إنجلترا، حيث أن المصمم الأجنبي كان يستعين بالصور التي التقطها المستشرقون الذين حضروا إلى مصر منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر في تصميم وجه أو ظهر العملة. والثانية: وهي تصميم العملة حديثا، وكان التصميم والتنفيذ والطباعة في مصر، وكان للمصمم المصري النصيب الأكبر في تصميم العملات بعد تشغيل مطابع البنك المركزي سنة 1967. كل الكتابات والأرقام الموجودة على العملات الورقية (وجه وظهر) باللغة العربية أو الأجنبية منذ طباعة البنكنوت المصري سنة 1899 كانت من إبداع خطاطين مصريين.
كتابات وأرقام عربية
تاريخ مصر خالد في أوراقه المالية
يلفت حنفي إلى أنه صدر القانون رقم 57 لسنة 1951 بشأن إنشاء بنك مركزي للدولة، وإن كان في واقع الأمر لم ينشئ مؤسسة جديدة بهذه الصفة، بل أضفى الصفة على مؤسسة قائمة بالفعل وهي البنك الأهلي المصري، وكان من أهم ما استهدفه القانون 57 لسنة 1951 تمصير البنك على أن يكون المحافظ ونائبه وجميع أعضاء مجلس الإدارة من المصريين.
ومع صدور القانون عُين أول محافظ مصري للبنك وهو الدكتور أحمد زكي سعد في الثاني عشر من مايو 1951، وعند التفكير في إنشاء بنك مركزي في مصر كانت الحكومة مخيرة بين إيجاد منشأة جديدة من أساسها وبين خلع اختصاص البنك المركزي على منشأة قائمة بالفعل، وقد اختارت الحكومة ثاني الأمرين لأنه أفضلهما من كل وجه، أما اختيارها للبنك الأهلي المصري بالذات فكان الباعث عليه أن البنك المذكور هو البنك الذي كان في الواقع بنكا مركزيا للبلاد، والذي كان يقوم بأغلب الخدمات التي تقوم بها البنوك المركزية عادة.
وحول إنشاء دار طباعة البنكنوت في مصر، يقول حنفي “بدأ مشروع إنشاء دار طباعة البنكنوت في مصر بتوقيع عقد بتاريخ الثامن عشر من يوليو 1960 مع شركة جيسيك وديفرينت بألمانيا الغربية لتزويد الدار بما يلزمها من أحدث الآلات والأجهزة والمواد والخبرة الفنية لطباعة البنكنوت، وقد بدأ إنتاج الدار من الفئات المختلفة لأوراق البنكنوت تباعا اعتبارا من السادس من فبراير 1967، وقد شارك الخبراء الألمان العاملين المصريين في تلك البداية وحتى منتصف عام 1969، حيث عاد الألمان إلى بلادهم، وقد تمكن الفنيون المصريون وحدهم من مواصلة الإنتاج والتشغيل بكفاءة عالية”.
الموسوعة تنطلق من شرح لكل الاختصارات والمفاهيم والمصطلحات التي تهم الهاوي والباحث في العملات وتاريخها وفن صناعتها
ويكشف عن أن “أول من خط الكتابات والأرقام العربية والإنجليزية الموجودة على العملات الورقية المصرية (البنك الأهلي) من سنة 1899 وحتى سنة 1916 هو الخطاط محمد بك جعفر. وأول من خط الكتابات والأرقام العربية والإنجليزية الموجودة على العملات الورقية المصرية (البنك المركزي) من سنة 1967 وحتى سنة 2005 هو الخطاط عبدالمتعال محمد إبراهيم. وأول إصدارللعملات الورقية بمطبعة البنك المركزي المصري سنة 1967 تصميم الفنان أحمد يوسف بالتعاون مع فريق عمل ألماني. وأول إصدار لفئة عشرين جنيها مصريا سنة 1976 بتصميم الفنان عباس الشيخ، وتم الحفر على الصلب في ألمانيا. وأول من حفر على الصلب تصميمات العملات الورقية في البنك المركزي هو الفنان صابر سعيدة سنة 1993”.
ويؤكد حنفي أن أول إصدار لفئة خمسين جنيها بعد إلغاء التعامل بها سنة 1959 كان سنة 1993، ويعتبر أول إنتاج مصري متكامل (تصميم وحفر على الصلب وطباعة)، وكانت تصميم الفنان مصطفى أبوالوفا وحفر على الصلب الفنان صابر سعيدة وطباعة في مطابع البنك المركزي المصري.
ويذكر أن أول إنتاج مصري متكامل لفئة المئة جنيه كان سنة 1994 تصميم وحفر على الصلب الفنان صابر سعيدة. وأول إصدار لفئة مئتي جنيه مصري كان سنة 2007 تصميم الفنان مجدي أحمد وحفر على الصلب الفنان سعيدة. وأول تصميم لفئة 500 جنيه مصري سنة 2007 تصميم الفنان مجدي أحمد وحفر على الصلب الفنان سعيدة (لم تصدر) للتدوال، وقد أُسند للفنان سعيدة تعديل تصميم الورقة النقدية فئة خمسين قرشا المصدرة سنة 1981، والتي أصدرت بالتصميم الجديد سنة 1985. كما أُسند للفنان عمر فتح الله دياب تعديل تصميم الورقة النقدية فئة عشرة جنيهات المصدرة سنة 1987، والتي أصدرت بالتصميم الجديد سنة 2003.
ويوضح حنفي أن العلامة المائية على أوراق البنكنوت تتكون أثناء تصنيع الورق، ونتيجة لكثافات مختلفة لترسيب ألياف الورق، فإنه يعطي ظلالا متدرجة على شـكل العلامة المائية ثلاثية الأبعاد، وقد استخدمت العلامة المائية أبوالهول على أوراق البنكوت المصري لأول مـرة في الأل من يوليو من سنة 1926، وذلك على جنيه الفلاح.
العلامات فرعونية وإسلامية
يتابع الباحث كاشفا عن العلامات المائية التي استخدمت في البنكنوت المصري، وبعض هذه العلامات استخدمت مرتين A فترة أولى وB فترة ثانية، وجميعها يحمل عراقة الحضارة المصرية، ومنها: أبوالهول الذي يمثل الإله “رع – حور – آختي” رمز إله الشمس، ويعبر عن قوة الأسد وحكمة الإنسان، وأمن أم حات رع – ني ماعت رع (1841 - 1797 ق.م.) هو “أمن أم حات” الثالث أحد ملوك الأسرة الثانية عشرة، ويعتبر من أهم ملوكها، وحكم لمدة 44 سنة، وله هرمان أحدهما في الفيوم والآخر في دهشور.
كما استخدمت العملات رموز الجعران الذي يعتبر من أشهر التمائم المصرية القديمة. وزهرة اللوتس التي اتخذها المصريون القدماء رمزا لهم، فرسموها داخل المقابر وعلى أعمدة المعابد. والنسر هو شعار الدولة من سنة 1958 وحتى سنة 1971، وعاد استخدامه كشعار للدولة مرة أخرى من سنة 1984 حتى الآن، واستخدم كعلامة مائية من سنة 1958 حتى سنة 1971. كما نجد تمثال الكاتب المصري الذي يصور الكاتب وهو يجلس متربعا على قاعدة سوداء يرتدي الشعر المستعار، وفوق قدميه توجد مخطوطة من البردي تستخدم للكتابة، ومن المفترض أن تكون في يده اليمنى ريشة للكتابة ولكنها مفقودة.
ولجأ الفنانون مصممو العملات المصرية كذلك إلى استخدام صورة توت عنخ آمون (1335 - 1326 ق.م.) الذي حكم في أواخر الأسرة الثامنة عشرة بعد إخناتون، ويعني اسمه “صورة آمون الحي”، وترجع شهرته لا لإنجازاته السياسية أو الحربية، ولكن لاكتشاف مقبرته كاملة على يد هوارد كارتر عام 1922، دون أن تمس من اللصوص. وتعتبر محتويات هذه المقبرة من أهم الآثار الموجودة بالمتحف المصري، وخاصة القناع الذهبي للملك.
العملات الورقية المصرية استخدمت رموزا تاريخية ومناظر طبيعية وأخرى من الآثار الإسلامية مأخوذة من الصور الأصلية للمستشرقين
ونجد في العملات كذلك رأس تمثال تحتمس الثالث (1478 - 1426 ق.م) وكان تحتمس الثالث محاربا مقداما قام بنحو 15 حملة عسكرية، ومن أشهر ألقابه التي أطلقها عليه العلماء المعاصرون هو نابليون مصر القديمة. ونجد أيضا رأس تمثال الملك خفرع (خع اف رع) (2520 - 2494 ق.م) وهو صاحب الهرم الأوسط بالجيزة (هرم خفرع). ورأس تمثال الأميرة نفرت وهي زوجة الأمير (رع حتب) أحد أبناء الملك سنفرو. ورأس تمثال الملك أخناتون (نفر خبرو رع) (1353 - 1336 ق.م) والذي تزوج من الملكة نفرتيتي، وبعد أن استقرت حياته سلك مسلك الأنبياء، فنبذ جميع الآلهة وأعلن إيمانه بإله واحد أحد سماه آتون، وفي العام الرابع من حكمه غير اسمه من أمنحوتب الرابع إلى أخناتون بمعنى (النافع لآتون).
أيضا استخدمت على العملات الورقية مناظر مصرية طبيعية وأخرى من الآثار الإسلامية مأخوذة من الصور الفوتوغرافية الأصلية للمستشرقين الأجانب مثل: منظر ريفي على ضفاف النيل، القاهرة القديمة وجامع السلطان الأشرف قايتباي، وقافلة من الجمال تمر أمام مجموعة من الآثار الإسلامية بمنطقة مقابر المماليك، ومجموعة من الآثار الإسلامية بمنطقة السيدة عائشة وفي خلفيتها مقابر المماليك وجامع محمد علي، وغير ذلك.
ويذكر أن الموسوعة تنطلق من شرح لكل الاختصارات والمفاهيم والمصطلحات التي تهم الهاوي والباحث في العملات والتعريفات مثل أوراق الاحلال وأرقام التداخل والاشتراك ورمز المجموعة والرقم المسلسل والحروف المستخدمة كرموز في العملات ومعلومات كاملة عن كل المحافظين الذين وقعوا على أوراق النقد المصري وشرح لكل العلامات المائية عليها.
ثم تذهب الموسوعة إلى توضيح المعلومات الكاملة عن كل إصدارات البنك الأهلي ومن ثم البنك المركزي المصري من فئه 25 قرشا حتى الـ100 جنيه. لتتناول بعد ذلك التاريخ المفصل باليوم والشهر والسنة لكافة إصدارات مصر من العملات الورقية وصورا لكافة التواقيع أيضا والرموز والإحلالات.
كما توقف حنفي عند تقييم حالة العملة بالتفصيل واختصارات التقييم العالمية، والإصدارات الخاصة مثل أوراق غوردن باشا وعملات صندوق البحر المتوسط وإصدارات كوم امبو (مارس 1919)، كما تعرض لحكام مصر المعاصرين لإصدارات البنكنوت المصري منذ الخديوي عباس حلمي الثاني حتى أيام الرئيس المصري محمد حسني مبارك، وفي الختام هناك شرح كامل لمراحل طباعة البنكنوت منذ مرحلة التصميم ثم فصل الألوان والنماذج وعناصر الطباعة.
أثر خالد
انشرWhatsAppTwitterFacebook
محمد الحمامصي
كاتب مصري
موسوعة ترصد تطور العملات في مصر منذ قرنين إلى اليوم.
الأحد 2022/12/11
انشرWhatsAppTwitterFacebook
جميع العملات تحمل عراقة الحضارة المصرية
العملات النقدية في كل بلد ليست مجرد أوراق تداول قيمة مالية، بل هي أعمال فنية أيضا، إذ تحتوي هذه العملات عادة على تصميمات فنانين يستفيدون من الرموز الوطنية من أشخاص وحتى منشآت ورموز تاريخية وغيرها مما يميز بلد العملة المنجزة، علاوة على الأرقام والتخطيطات وفنون الطباعة، ما يجعل العملة عملا فنيا متكاملا، وهو ما يبرزه الباحث المصري مجدي حنفي في كتاب موسوعي حول العملات المصرية.
يحمل تاريخ النقود في مصر الكثير من الأسرار التي يجهلها المتعاملون بها، منها المصممون والخطاطون، حيث أن ما يميز العملة خاصة الورقية هو التصميم والرسومات الموجودة على الوجه أو الظهر، وهذه الرسومات دون توقيع، فمن المصمم والرسام؟ وكذلك بدايات طباعة البنكنوت والعلامات المائية وأشكالها وظهور البنكنوت وتطورات طباعته، وقبل هذا وذلك متى كان إطلاق الجنيه كوحدة عملات مصرية وغير ذلك.
هذه الأسرار تكشفها بشكل موثق “موسوعة النقود المصرية” لمؤلفها المهندس مجدي حنفي، والتي صدرت باللغتين العربية والإنجليزية، عبر سلسلة متكاملة من الكتب التي توثق العملات المصرية المعدنية والورقية، من خلال تسلسل تاريخي دقيق لكل ما يتعلق بها.
انطلاق العملات المصرية
يشير حنفي إلى أن تطور العملة المصرية انطلق من عهد حكم محمد علي سنة 1805 حيث كانت النقود المتداولة وقتئذ معظمها تركية وإنجليزية وفرنسية وقليلا من النقود المصرية “ضرب في مصر”؛ حيث كانت النقود المصرية يتم سكها دون نقش الفئة عليها، والتي كانت تُعرف من الوزن والحجم ونوع المعدن، وكانت أسعار هذه العملات تختلف بين الحين والآخر (صعودا وهبوطا)؛ حيث أن سعر معدن الذهب والفضة متذبذبٌ بصفة مستمرة.
وأخذ علي إصلاح النظام النقدي المصري على عاتقه، فأصدر ديكريتو سنة 1808 بتسعير رسمي للنقود، وقدر البندقلي الذهب بثمانية قروش والمحبوب الإسلامبولي بستة قروش والمحبوب المصري بخمسة قروش والقرش الواحد بأربعين بارة أو أربعين فضة وفي سنة 1821 أصدر فرمانا لإعادة تحديد قيمة جميع العملات الأجنبية الموجودة في مصر، كما أصدر ديكريتو سنة 1834 باتباع مصر نظام المعدنين رسميا وجعل العلاقة بين الذهب والفضة 15.52:1، وكانت وحدة النقود المصرية قطعة ذهب قيمتها عشرون قرشا وأخرى فضة قيمتها عشرون قرشا أيضا وزنها أكثر من الذهب بمقدار 15.52 مرة. وبدأ في نقش الفئة على النقود المصرية لأول مرة سنة 1835، ثم تلاها سك أول جنيه مصري من الذهب سنة 1836.
مؤلف الموسوعة مجدي حنفي يبين التاريخ المفصل لكافة إصدارات مصر من العملات الورقية مع رصد لكافة الرموز
التطور التالي الأهم كان في عهد الخديوي محمد توفيق حيث صدر ديكريتو في الرابع عشر من نوفمبر سنة 1885 بشأن العملة، أهم ما فيه أن تكون وحدة العملات المصرية هي الجنيه المصري وينقسم إلى مئة قرش وينقسم القرش إلى عشرة أعشار (عشرة أجزاء)، وهذا النظام العشري سهل في الحسابات وأفضل من السابق حيث كان القرش يساوي أربعين بارة.
وأصبحت لمصر عملة موحدة هي الجنيه المصري الذهبي وبذلك انتهى رسميا العمل بقاعدة المعدنين (الذهب والفضة). وأصبحت مصر تتبع قاعدة الذهب أساسا للنظام النقدي. وكان الجنيه الذهبي المصري يُسك بكميات قليلة؛ لذلك سُمح باستمرار التعامل ببعض العملات الذهبية الأجنبية وكان أهمها الجنيه الإسترليني، وبينما ظلت للجنيه المصري الذهبي قوة إبراء قانونية كاملة، أصبح الجنيه الإسترليني الذهبي الذي كان سعره أعلى من قيمة ما يحتوي عليه من ذهب بالنسبة للعملات الأجنبية الأخرى وسيلة المبادلة الرئيسية وتحولت قاعدة النظام النقدي بمصر من قاعدة ذهب عادية إلى قاعدة ذهبية إسترلينية، وقد حددت الحكومة المصرية سعر الصرف القانوني للجنيه الإنجليزي 97.5 قرش والجنيه العثماني 87.75 قرش.
ويرى حنفي أن تصميمات العملة مرت بمرحلتين الأولى وهي تصميم العملة قديماً، وكان التصميم والتنفيذ والطباعة في إنجلترا، حيث أن المصمم الأجنبي كان يستعين بالصور التي التقطها المستشرقون الذين حضروا إلى مصر منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر في تصميم وجه أو ظهر العملة. والثانية: وهي تصميم العملة حديثا، وكان التصميم والتنفيذ والطباعة في مصر، وكان للمصمم المصري النصيب الأكبر في تصميم العملات بعد تشغيل مطابع البنك المركزي سنة 1967. كل الكتابات والأرقام الموجودة على العملات الورقية (وجه وظهر) باللغة العربية أو الأجنبية منذ طباعة البنكنوت المصري سنة 1899 كانت من إبداع خطاطين مصريين.
كتابات وأرقام عربية
تاريخ مصر خالد في أوراقه المالية
يلفت حنفي إلى أنه صدر القانون رقم 57 لسنة 1951 بشأن إنشاء بنك مركزي للدولة، وإن كان في واقع الأمر لم ينشئ مؤسسة جديدة بهذه الصفة، بل أضفى الصفة على مؤسسة قائمة بالفعل وهي البنك الأهلي المصري، وكان من أهم ما استهدفه القانون 57 لسنة 1951 تمصير البنك على أن يكون المحافظ ونائبه وجميع أعضاء مجلس الإدارة من المصريين.
ومع صدور القانون عُين أول محافظ مصري للبنك وهو الدكتور أحمد زكي سعد في الثاني عشر من مايو 1951، وعند التفكير في إنشاء بنك مركزي في مصر كانت الحكومة مخيرة بين إيجاد منشأة جديدة من أساسها وبين خلع اختصاص البنك المركزي على منشأة قائمة بالفعل، وقد اختارت الحكومة ثاني الأمرين لأنه أفضلهما من كل وجه، أما اختيارها للبنك الأهلي المصري بالذات فكان الباعث عليه أن البنك المذكور هو البنك الذي كان في الواقع بنكا مركزيا للبلاد، والذي كان يقوم بأغلب الخدمات التي تقوم بها البنوك المركزية عادة.
وحول إنشاء دار طباعة البنكنوت في مصر، يقول حنفي “بدأ مشروع إنشاء دار طباعة البنكنوت في مصر بتوقيع عقد بتاريخ الثامن عشر من يوليو 1960 مع شركة جيسيك وديفرينت بألمانيا الغربية لتزويد الدار بما يلزمها من أحدث الآلات والأجهزة والمواد والخبرة الفنية لطباعة البنكنوت، وقد بدأ إنتاج الدار من الفئات المختلفة لأوراق البنكنوت تباعا اعتبارا من السادس من فبراير 1967، وقد شارك الخبراء الألمان العاملين المصريين في تلك البداية وحتى منتصف عام 1969، حيث عاد الألمان إلى بلادهم، وقد تمكن الفنيون المصريون وحدهم من مواصلة الإنتاج والتشغيل بكفاءة عالية”.
الموسوعة تنطلق من شرح لكل الاختصارات والمفاهيم والمصطلحات التي تهم الهاوي والباحث في العملات وتاريخها وفن صناعتها
ويكشف عن أن “أول من خط الكتابات والأرقام العربية والإنجليزية الموجودة على العملات الورقية المصرية (البنك الأهلي) من سنة 1899 وحتى سنة 1916 هو الخطاط محمد بك جعفر. وأول من خط الكتابات والأرقام العربية والإنجليزية الموجودة على العملات الورقية المصرية (البنك المركزي) من سنة 1967 وحتى سنة 2005 هو الخطاط عبدالمتعال محمد إبراهيم. وأول إصدارللعملات الورقية بمطبعة البنك المركزي المصري سنة 1967 تصميم الفنان أحمد يوسف بالتعاون مع فريق عمل ألماني. وأول إصدار لفئة عشرين جنيها مصريا سنة 1976 بتصميم الفنان عباس الشيخ، وتم الحفر على الصلب في ألمانيا. وأول من حفر على الصلب تصميمات العملات الورقية في البنك المركزي هو الفنان صابر سعيدة سنة 1993”.
ويؤكد حنفي أن أول إصدار لفئة خمسين جنيها بعد إلغاء التعامل بها سنة 1959 كان سنة 1993، ويعتبر أول إنتاج مصري متكامل (تصميم وحفر على الصلب وطباعة)، وكانت تصميم الفنان مصطفى أبوالوفا وحفر على الصلب الفنان صابر سعيدة وطباعة في مطابع البنك المركزي المصري.
ويذكر أن أول إنتاج مصري متكامل لفئة المئة جنيه كان سنة 1994 تصميم وحفر على الصلب الفنان صابر سعيدة. وأول إصدار لفئة مئتي جنيه مصري كان سنة 2007 تصميم الفنان مجدي أحمد وحفر على الصلب الفنان سعيدة. وأول تصميم لفئة 500 جنيه مصري سنة 2007 تصميم الفنان مجدي أحمد وحفر على الصلب الفنان سعيدة (لم تصدر) للتدوال، وقد أُسند للفنان سعيدة تعديل تصميم الورقة النقدية فئة خمسين قرشا المصدرة سنة 1981، والتي أصدرت بالتصميم الجديد سنة 1985. كما أُسند للفنان عمر فتح الله دياب تعديل تصميم الورقة النقدية فئة عشرة جنيهات المصدرة سنة 1987، والتي أصدرت بالتصميم الجديد سنة 2003.
ويوضح حنفي أن العلامة المائية على أوراق البنكنوت تتكون أثناء تصنيع الورق، ونتيجة لكثافات مختلفة لترسيب ألياف الورق، فإنه يعطي ظلالا متدرجة على شـكل العلامة المائية ثلاثية الأبعاد، وقد استخدمت العلامة المائية أبوالهول على أوراق البنكوت المصري لأول مـرة في الأل من يوليو من سنة 1926، وذلك على جنيه الفلاح.
العلامات فرعونية وإسلامية
يتابع الباحث كاشفا عن العلامات المائية التي استخدمت في البنكنوت المصري، وبعض هذه العلامات استخدمت مرتين A فترة أولى وB فترة ثانية، وجميعها يحمل عراقة الحضارة المصرية، ومنها: أبوالهول الذي يمثل الإله “رع – حور – آختي” رمز إله الشمس، ويعبر عن قوة الأسد وحكمة الإنسان، وأمن أم حات رع – ني ماعت رع (1841 - 1797 ق.م.) هو “أمن أم حات” الثالث أحد ملوك الأسرة الثانية عشرة، ويعتبر من أهم ملوكها، وحكم لمدة 44 سنة، وله هرمان أحدهما في الفيوم والآخر في دهشور.
كما استخدمت العملات رموز الجعران الذي يعتبر من أشهر التمائم المصرية القديمة. وزهرة اللوتس التي اتخذها المصريون القدماء رمزا لهم، فرسموها داخل المقابر وعلى أعمدة المعابد. والنسر هو شعار الدولة من سنة 1958 وحتى سنة 1971، وعاد استخدامه كشعار للدولة مرة أخرى من سنة 1984 حتى الآن، واستخدم كعلامة مائية من سنة 1958 حتى سنة 1971. كما نجد تمثال الكاتب المصري الذي يصور الكاتب وهو يجلس متربعا على قاعدة سوداء يرتدي الشعر المستعار، وفوق قدميه توجد مخطوطة من البردي تستخدم للكتابة، ومن المفترض أن تكون في يده اليمنى ريشة للكتابة ولكنها مفقودة.
ولجأ الفنانون مصممو العملات المصرية كذلك إلى استخدام صورة توت عنخ آمون (1335 - 1326 ق.م.) الذي حكم في أواخر الأسرة الثامنة عشرة بعد إخناتون، ويعني اسمه “صورة آمون الحي”، وترجع شهرته لا لإنجازاته السياسية أو الحربية، ولكن لاكتشاف مقبرته كاملة على يد هوارد كارتر عام 1922، دون أن تمس من اللصوص. وتعتبر محتويات هذه المقبرة من أهم الآثار الموجودة بالمتحف المصري، وخاصة القناع الذهبي للملك.
العملات الورقية المصرية استخدمت رموزا تاريخية ومناظر طبيعية وأخرى من الآثار الإسلامية مأخوذة من الصور الأصلية للمستشرقين
ونجد في العملات كذلك رأس تمثال تحتمس الثالث (1478 - 1426 ق.م) وكان تحتمس الثالث محاربا مقداما قام بنحو 15 حملة عسكرية، ومن أشهر ألقابه التي أطلقها عليه العلماء المعاصرون هو نابليون مصر القديمة. ونجد أيضا رأس تمثال الملك خفرع (خع اف رع) (2520 - 2494 ق.م) وهو صاحب الهرم الأوسط بالجيزة (هرم خفرع). ورأس تمثال الأميرة نفرت وهي زوجة الأمير (رع حتب) أحد أبناء الملك سنفرو. ورأس تمثال الملك أخناتون (نفر خبرو رع) (1353 - 1336 ق.م) والذي تزوج من الملكة نفرتيتي، وبعد أن استقرت حياته سلك مسلك الأنبياء، فنبذ جميع الآلهة وأعلن إيمانه بإله واحد أحد سماه آتون، وفي العام الرابع من حكمه غير اسمه من أمنحوتب الرابع إلى أخناتون بمعنى (النافع لآتون).
أيضا استخدمت على العملات الورقية مناظر مصرية طبيعية وأخرى من الآثار الإسلامية مأخوذة من الصور الفوتوغرافية الأصلية للمستشرقين الأجانب مثل: منظر ريفي على ضفاف النيل، القاهرة القديمة وجامع السلطان الأشرف قايتباي، وقافلة من الجمال تمر أمام مجموعة من الآثار الإسلامية بمنطقة مقابر المماليك، ومجموعة من الآثار الإسلامية بمنطقة السيدة عائشة وفي خلفيتها مقابر المماليك وجامع محمد علي، وغير ذلك.
ويذكر أن الموسوعة تنطلق من شرح لكل الاختصارات والمفاهيم والمصطلحات التي تهم الهاوي والباحث في العملات والتعريفات مثل أوراق الاحلال وأرقام التداخل والاشتراك ورمز المجموعة والرقم المسلسل والحروف المستخدمة كرموز في العملات ومعلومات كاملة عن كل المحافظين الذين وقعوا على أوراق النقد المصري وشرح لكل العلامات المائية عليها.
ثم تذهب الموسوعة إلى توضيح المعلومات الكاملة عن كل إصدارات البنك الأهلي ومن ثم البنك المركزي المصري من فئه 25 قرشا حتى الـ100 جنيه. لتتناول بعد ذلك التاريخ المفصل باليوم والشهر والسنة لكافة إصدارات مصر من العملات الورقية وصورا لكافة التواقيع أيضا والرموز والإحلالات.
كما توقف حنفي عند تقييم حالة العملة بالتفصيل واختصارات التقييم العالمية، والإصدارات الخاصة مثل أوراق غوردن باشا وعملات صندوق البحر المتوسط وإصدارات كوم امبو (مارس 1919)، كما تعرض لحكام مصر المعاصرين لإصدارات البنكنوت المصري منذ الخديوي عباس حلمي الثاني حتى أيام الرئيس المصري محمد حسني مبارك، وفي الختام هناك شرح كامل لمراحل طباعة البنكنوت منذ مرحلة التصميم ثم فصل الألوان والنماذج وعناصر الطباعة.
أثر خالد
انشرWhatsAppTwitterFacebook
محمد الحمامصي
كاتب مصري