استعادة التراث المنهوب مطلب مصري يتجدد بعد قرن على اكتشافه

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • استعادة التراث المنهوب مطلب مصري يتجدد بعد قرن على اكتشافه

    استعادة التراث المنهوب مطلب مصري يتجدد بعد قرن على اكتشافه


    الاستعمار غيّب المصريين عن كتابة تاريخهم وسهّل نهب الآثار.
    الجمعة 2022/09/16
    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    التاريخ لنا والاكتشافات تنسب إلى غيرنا

    تنتشر الآثار المصرية النادرة والمذهلة داخل المتاحف والقصور الخاصة في العالم، بينما تغيب سيرة الرواد المصريين الأوائل المساهمين في اكتشاف أكبر المقابر والمقتنيات الفرعونية، وهو ما تحاول مصر الآن وضع حد له، عبر انتزاع اعتراف دولي بأول المنقبين عن الآثار واسترداد المخطوطات التاريخية والآثار “المنهوبة”.

    القاهرة - تجسّد الصورة التاريخية للبريطاني هوارد كارتر وهو يتفقد تابوت توت عنخ آمون بينما يقف مصري في الظل قربه، والعائدة إلى مطلع القرن العشرين، مئتي عام من علم المصريات: من ناحية أولى العالِم الغربي الذي يكتشف كنوز مصر، ومن ناحية أخرى أيادٍ مصرية تجاهلها تاريخ الكشوفات الفرعونية.

    وتقول أستاذة المصريات في جامعة دورهام البريطانية كريستينا ريغز إن علم المصريات الذي نشأ في الحقبة الاستعمارية “خلق تفاوتات هيكلية” لا تزال “أصداؤها موجودة حتى اليوم”.

    وفيما يحتفل العالم بمرور قرنين على اكتشاف حجر رشيد على يد الفرنسي جان فرانسوا شامبوليون ومئة عام على الكشف عن مقبرة الملك الطفل توت عنخ آمون، ترتفع الأصوات المطالبة بخروج مساهمات المصريين في هذه الإنجازات إلى العلن. وتعكس المطالب رغبة المصريين في استعادة تراث بلدهم واسترجاع كنوز من آثارهم يعتبرون أن الغرب “سرقها”.

    ويؤكد رئيس بعثة التنقيب المصرية في القرنة (جنوب) عبدالحميد درملي أن المصريين “تحمّلوا عبء الشغل كلّه، لم يكن هناك أجنبي يعمل بيده”.

    مونيكا حنا: الاستعمار الثقافي دفع إلى تجاهل المصريين في كتابة تاريخهم

    وبتابع “لولانا (نحن المصريين) لما حصلت اكتشافات. العامل المصري الذي نقّب له اسم كان ينبغي كتابته ولكنه نسي على الفور”.

    في الاتجاه نفسه تقول الباحثة المتخصصة في التراث المصري هبة عبدالجواد “كأن أحدا لم يحاول فهم مصر القديمة” قبل شامبوليون في عام 1822.

    وتوضح ريغز أن المصري الواقف في الظل إلى جوار كارتر في الصورة الشهيرة قد يكون “حسين أبوعوض أو حسين أحمد سعيد”، وهما رجلان كانا على مدى عقود من أعمدة فريق كارتر إلى جانب أحمد جريجر وجاد حسن. لكنها تضيف أنه لا يمكن لأي خبير أن يتعرف اليوم على الأشخاص الموجودين في الصور.

    وتقول أستاذة التاريخ “قبع المصريون في الظل مجهولين وغير مرئيين في رواية تاريخهم”.

    اسم واحد ظهر، هو اسم آل عبدالرسول. وفي البداية تم تداول اسم حسين عبدالرسول الذي يُعتقد أنه اكتشف بالصدفة، بينما كان لا يزال طفلا، مقبرة توت عنخ آمون على الضفة الغربية لنهر النيل في الرابع من نوفمبر 1922 داخل مقبرة أصبحت اليوم الأقصر، في منطقة القرنة.

    وتتعدّد الروايات حول هذا الاكتشاف حيث يقال إن قدميه تعثّرتا فوق المقبرة أو تعثّرت معزته عندها أو انقلبت منه قلة (إناء من الفخار كان يستخدم لتبريد المياه) فكشف الماء وجود حجر.

    وبحسب الأسطورة المحلية اكتشف اثنان من أجداده أحمد ومحمد في عام 1871 الموميات الخمسين التي عثر عليها في الدير البحري ومن بينها مومياء رمسيس الثاني.

    والتقت وكالة فرانس برس حفيد أحد أقرباء حسين عبدالرسول ويدعي سيد، وقد انفجر ضاحكا عندما سمع هذه الروايات. وقال مازحا “أقوى اثنتين عندنا ينبغي تسليط الضوء عليهما هما المعزة والقلة”، ثم تساءل “هل هذا منطقي؟”.


    زاهي حواس يريد أن يطلق حملة من أجل استعادة حجر رشيد وتمثال نفرتيتي وزودياك دندرة، وهي ثلاث قطع تثير جدلا


    واعتبر أن المشكلة تكمن في أن “أناسا آخرين كتبوا التاريخ، ونحن لم نكتبه”.

    وتشير كريستينا ريغز إلى أنه كلما نُسب اكتشاف إلى المصريين عاد الفضل إلى “أطفال أو لصوص مقابر”، إن لم تكن “حيواناتهم”.

    أما هبة عبدالجواد فتشير إلى أن “علم الحفريات وعلم الآثار في الأساس يقومان على علم الجغرافيا وخصوصا معرفة طبقات الأرض المختلفة التي يمكن من خلالها تحليل ما إذا كان هناك شيء ما، وهذا ما يعرفه المزارع المصري كونه يحتك يوميا بالتربة والأرض”.

    لهذا انتقلت عمليات التنقيب من جيل إلى جيل في القرنة حيث يعيش آل عبدالرسول، وإلى قفط في شمال الأقصر التي تم تدريب سكانها على البحث عن الآثار في عام 1880 على يد البريطاني وليام فلندرز بيتري.

    وكان الجدّ الأكبر لمصطفى عبده صادق من بين هؤلاء. وفي مطلع القرن العشرين استقرّ الرجل على بعد 600 كيلومتر شمال قفط للتنقيب في جبانة سقارة بالقرب من أهرامات الجيزة.

    وساعد مع أولاده وأحفاده على مدى قرن من الزمن في الكشف عن العشرات من المقابر، بحسب ما روى لفرانس برس الحفيد وهو نفسه عالم آثار معروف.

    وقال إن أسرته لم تأخذ حقها، رافعا صور أجداده الذين لا يظهر اسم أي منهم في كتب التاريخ اليوم.

    وترى عميدة كلية الآثار في أسوان مونيكا حنا أنه “تم تجاهل المصريين في كتابة تاريخهم بسبب الاستعمار الثقافي لمصر منذ 200 سنة”.


    وتقول المحاضرة في معهد الآثار الشرقية في القاهرة فاطمة كشك إنه ينبغي أن نأخذ في الاعتبار “السياق التاريخي لمصر خلال الاستعمار” البريطاني.

    وفي مطلع القرن العشرين، وعلى خلفية الروح الوطنية المتصاعدة، أصبح التراث الفرعوني أداة لتقوية الحس الوطني. وتحولت الحرب الثقافية إلى معركة سياسية.

    وفي عام 1922 الذي شهد اكتشاف مقبرة الملك الطفل في وادي الملوك، غنّت المطربة الأشهر آنذاك منيرة المهدية “إحنا ولاد توت عنخ آمون”.

    وفي العام نفسه، وبعد حملات متكررة نددت بهيمنة الأجانب على التراث الوطني، تمكنت القاهرة من وضع حد لنظام التقسيم الذي كان ساريا خلال الحقبة الاستعمارية ويقضي بأن يحصل الغربيون على نصف ما يتم اكتشافه من آثار مقابل تمويلهم عمليات التنقيب.

    غير أن مصر القديمة فُصِلت نتيجة ذلك عن مصر الحديثة، وبات يُنظر إلى “الحضارة المصرية القديمة على أنها حضارة ملك العالم بأسره، ولكن هذا العالم كان متمركزا في الغرب”، بحسب قول هبة عبدالجواد.

    وبقي توت عنخ آمون في مصر، ولكن “أرشيف عملية التنقيب” الضروري لأي نشر أكاديمي وعلمي ذهب إلى كارتر واعتبر من مقتنياته الخاصة، وفق حنا.

    وأضافت “كنا لا نزال مستعمَرين، ولذلك تركوا لنا القطع ولكن أخذوا منّا القدرة على إنتاج المعرفة عن مقبرة توت عنخ آمون”.


    وعندما قررت ابنة شقيق هوارد كارتر أن تتبرّع بهذا الأرشيف بعد وفاته في عام 1939، اختارت أن تهبه لجامعة أكسفورد وليس لمصر.

    وتنظم جامعة أكسفورد في الوقت الراهن معرضا باسم “توت عنخ آمون: تنقيب في الأرشيف” لكي تسلط الضوء على “المصريين المنسيين غالبا من الفرق الأثرية”.

    وفي القرنة يتذكر أحمد عبدالراضي (73 عاما) أنه عثر عندما كان طفلا على رأس مومياء قرب أساسات المنزل الذي كبر فيه والذي شُيّد فوق واحدة من مقابر جبانة طيبة حيث كبر.

    ويقول إن أمه انفجرت باكية وهي تتوسل إليه أن يعامل “هذه الملكة” باحترام. ولكنها كانت في الوقت ذاته، بحسب عبد الراضي، تخزّن البصل والثوم في تابوت من الغرانيت.

    اليوم لا توجد في قرية القرنة إلا الأنقاض التي تنتصب بينها، بين المقابر والمعابد، أعمدة ممنون التي بنيت قبل 3400 عام وكأنها تسهر على رعاية الأحياء والموتى.

    وفي عام 1998 بدأت جرافات تابعة للحكومة بتدمير المنازل الصغيرة المشيدة بالطين والحجر والتي تؤوي 10 آلاف ساكن من سكان القرنة وتوجد أسفلها مقابر تعود أغلبيتها الى الحقبة الممتدة بين العامين 1200 و1500 قبل الميلاد.

    وفي اشتباكات مع الشرطة، قتل أربعة من السكان الذين رفضوا إخلاء منازلهم.

    ويقول عبدالحميد درملي إن سكان القرنة احتجوا على إزالة بيوتهم بسبب ارتباطهم الكبير بالتراث الفرعوني. وتمّت المعركة من أجل كشف التاريخ القديم على حساب المصريين، ما أثار انتقادات من اليونسكو.

    ودافع وزير الآثار آنذاك زاهي حواس عن قرار إزالة المنازل قائلا “كان ينبغي القيام بذلك للحفاظ على التراث”.


    وبحلول عام 2008 كانت معظم المنازل قد أزيلت ونُقل السكان بعيدا عن مصادر رزقهم حول الآثار الفرعونية والأراضي التي يرعون فيها ماشيتهم.

    ووفق مونيكا حنا أرادت السلطات إجلاء “الناس لتجعل من الأقصر متحفا مفتوحا، فيأتي السائح ويرى الآثار كما كانت منذ مئات السنين”، مشيرة إلى أن سمعة أهالي القرية آنذاك كانت أنهم لصوص آثار.

    وعلى مدى قرون خرجت من مصر أعداد لا تحصى من الآثار. بعضها، مثل مسلة الأقصر في باريس أو معبد ديبود في مدريد، منحتها الحكومة المصرية هدايا لدول صديقة. ولكن قطعا أخرى أرسلت إلى المتاحف الأوروبية في إطار نظام التقاسم الاستعماري. وصارت مئات الآلاف من القطع “مقتنيات خاصة في جميع أنحاء العالم”، وفق هبة عبدالجواد.

    ويريد زاهي حواس أن يطلق حملة في أكتوبر من أجل استعادة حجر رشيد وتمثال نفرتيتي وزودياك دندرة، وهي ثلاث قطع تثير جدلا منذ سنوات.

    ويعرض حجر رشيد، الذي حفرت عليه في عام 196 قبل ميلاد المسيح كلمات باللغات اليونانية القديمة والمصرية القديمة والهيروغليفية، في المتحف البريطاني بلندن ومكتوب الى جواره “أخذه الجيش البريطاني من مصر في عام 1801”.

    وقال متحدث باسم الجيش البريطاني لفرانس برس إن الحجر “هدية دبلوماسية”، ولكن هبة عبدالجواد تقول إنه “غنيمة حرب”.

    وقد حط تمثال نفرتيتي في متحف في برلين بموجب نظام التقاسم الاستعماري، وفق السلطات الألمانية. ويؤكد حواس أن نفرتيتي التي رسمت في عام 1340 قبل الميلاد وجلبها علماء آثار ألمان في عام 1912 “خرجت من مصر بشكل غير مشروع”.

    أما زودياك دندرة فوصل إلى باريس عام 1820 عندما أرسل عمدة المدينة سيباستيان لوي سولنييه فريقا لنزعه بالمتفجرات من أحد المعابد في جنوب مصر. والزودياك البالغ طوله 2.5 متر وكذلك عرضه، معلّق في أحد أسقف متحف اللوفر منذ عام 1922، في حين توجد منه نسخة من الجص في دندرة.

    وتعتبر مونيكا حنا أن نقل الزودياك إلى اللوفر “جريمة”. وتضيف “ما كان مقبولا آنذاك” لم يعد كذلك “بالموازين الأخلاقية للقرن الحادي والعشرين”.
يعمل...
X