يا رايحين الغورية
القاهرة عبارة عن مجموعة متقاطعة من الملاذات الجمالية التي حين يزورها المرء يشعر أنه لا يزال يتخيلها.
السبت 2022/04/23
انشرWhatsAppTwitterFacebook
مصر اكتسبت عن طريق الفن وجودا خياليا
ما من متر في القاهرة غير مسكون بالبشر وضجيج حركتهم. لن يتمكن الزائر من رؤية الجزء التاريخي منها بمعزل عن سكانه المقيمين فيه بطريقة عشوائية.
ذلك متحف فريد من نوعه. سيُكتب لك أن تلتقي بأحفاد الناس الذين بنوا المكان يوم كان نوعا من اللقى المعمارية التي لا مثيل لها.
"هل هم أحفادهم حقا؟". لا يلتفت أولئك الأحفاد إلى ما تراه من المكان. فهو بيتهم الذي حفظوا كل جزء منه في ذاكرتهم أو هكذا يظنون. لا حاجة بهم إلى أن يرفعوا رؤوسهم مثلما تفعل.
الحياة تجري بهم بسرعة وهم لا يملكون الوقت الذي تملكه. أنت ترى الآثار بعيونهم مضطرا وإن كنت أكثر حذرا فإنك تراها من خلالهم.
كانت هناك أغنية، كنت أمشي على إيقاعها حين ألقيت أولى خطواتي في سوق الغورية بالقاهرة.
أنا في الغورية ألبي نداء المطرب محمد قنديل في رائعته "يا رايحين الغورية/ هاتو الحبيب أليا". هذه الغورية إذن التي لطالما ظهرت في الأفلام التي سجلت حياة المصريين العاديين مستعينة بخيال يتوقع الكثيرون من رواد السينما أن تفاصيله ستكون ماثلة أمامهم ما أن تطأ أقدامهم دروب الأحياء الشعبية في مصر.
لذلك فإن غورية الأغنية هي ليست بالضرورة غورية الواقع. لكن خيال الأغنية يظل يزيّف الواقع ويقف حائلا بيننا وبين رؤية الغورية على حقيقتها.
تلك وظيفة الفن التي لا غنى عنها. إنه يضفي على الواقع شيئا من رقته وعذوبته وجماله وسحره بحيث يبدو الساكن متحركا والصلب سائلا والنائم محلقا.
بسبب روايات نجيب محفوظ وأفلام ستينات القرن الماضي صارت القاهرة عبارة عن مجموعة متقاطعة من الملاذات الجمالية التي حين يزورها المرء يشعر أنه لا يزال يتخيلها.
يمكن أن يسير المرء من المسكي إلى الحسين كما لو أنه يسير في حديقة مزهرة مع أن الواقع يقول العكس "ربما كانت كذلك في الماضي فالفن لا يكذب حين يجمل الأشياء والوقائع والشخصيات". محمولا على إيقاع "يا رايحين الغورية" كنت ألقي بخطواتي على درب السوق الشعبية من غير أن تصل تلك الخطوات إلى الأرض. كان هواء الفن يقف بيني وبين الواقع.
عن طريق الفن اكتسبت مصر وجودا خياليا مستلهما من وجودها الواقعي غير أنه يفوقه تأثيرا. فمَن يمشي في الغورية محمولا على أجنحة الأغنية ليس كمَن يمشي فيها مصدوما بضجيج الأصوات وأبواق السيارات.
سيكون علينا دائما أن نحنّ إلى ذلك الزمن الجميل الذي قد لا يكون في حقيقته موجودا إلا في الفن ومن خلاله.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
فاروق يوسف
كاتب عراقي
القاهرة عبارة عن مجموعة متقاطعة من الملاذات الجمالية التي حين يزورها المرء يشعر أنه لا يزال يتخيلها.
السبت 2022/04/23
انشرWhatsAppTwitterFacebook
مصر اكتسبت عن طريق الفن وجودا خياليا
ما من متر في القاهرة غير مسكون بالبشر وضجيج حركتهم. لن يتمكن الزائر من رؤية الجزء التاريخي منها بمعزل عن سكانه المقيمين فيه بطريقة عشوائية.
ذلك متحف فريد من نوعه. سيُكتب لك أن تلتقي بأحفاد الناس الذين بنوا المكان يوم كان نوعا من اللقى المعمارية التي لا مثيل لها.
"هل هم أحفادهم حقا؟". لا يلتفت أولئك الأحفاد إلى ما تراه من المكان. فهو بيتهم الذي حفظوا كل جزء منه في ذاكرتهم أو هكذا يظنون. لا حاجة بهم إلى أن يرفعوا رؤوسهم مثلما تفعل.
الحياة تجري بهم بسرعة وهم لا يملكون الوقت الذي تملكه. أنت ترى الآثار بعيونهم مضطرا وإن كنت أكثر حذرا فإنك تراها من خلالهم.
كانت هناك أغنية، كنت أمشي على إيقاعها حين ألقيت أولى خطواتي في سوق الغورية بالقاهرة.
أنا في الغورية ألبي نداء المطرب محمد قنديل في رائعته "يا رايحين الغورية/ هاتو الحبيب أليا". هذه الغورية إذن التي لطالما ظهرت في الأفلام التي سجلت حياة المصريين العاديين مستعينة بخيال يتوقع الكثيرون من رواد السينما أن تفاصيله ستكون ماثلة أمامهم ما أن تطأ أقدامهم دروب الأحياء الشعبية في مصر.
لذلك فإن غورية الأغنية هي ليست بالضرورة غورية الواقع. لكن خيال الأغنية يظل يزيّف الواقع ويقف حائلا بيننا وبين رؤية الغورية على حقيقتها.
تلك وظيفة الفن التي لا غنى عنها. إنه يضفي على الواقع شيئا من رقته وعذوبته وجماله وسحره بحيث يبدو الساكن متحركا والصلب سائلا والنائم محلقا.
بسبب روايات نجيب محفوظ وأفلام ستينات القرن الماضي صارت القاهرة عبارة عن مجموعة متقاطعة من الملاذات الجمالية التي حين يزورها المرء يشعر أنه لا يزال يتخيلها.
يمكن أن يسير المرء من المسكي إلى الحسين كما لو أنه يسير في حديقة مزهرة مع أن الواقع يقول العكس "ربما كانت كذلك في الماضي فالفن لا يكذب حين يجمل الأشياء والوقائع والشخصيات". محمولا على إيقاع "يا رايحين الغورية" كنت ألقي بخطواتي على درب السوق الشعبية من غير أن تصل تلك الخطوات إلى الأرض. كان هواء الفن يقف بيني وبين الواقع.
عن طريق الفن اكتسبت مصر وجودا خياليا مستلهما من وجودها الواقعي غير أنه يفوقه تأثيرا. فمَن يمشي في الغورية محمولا على أجنحة الأغنية ليس كمَن يمشي فيها مصدوما بضجيج الأصوات وأبواق السيارات.
سيكون علينا دائما أن نحنّ إلى ذلك الزمن الجميل الذي قد لا يكون في حقيقته موجودا إلا في الفن ومن خلاله.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
فاروق يوسف
كاتب عراقي