ليس من المستغرب أن يكون "#كيوبيد" رمز #الحب في الأساطير الرومانية ابن الإلهة #فينوس (إلهة الجمال) والإله مارس (إله الحرب) جامعاً لخصال الحب والحرب معاً، فنادراً ما تنجو قصص الحب الجميل الصافي من صراعات وحروب ومواجهات تنتهي في أحايين كثيرة بانفصال الحبيبين وعيشهما في شقاء يومي أو ربما بموت أحدهما أو موتهما معاً.
أما الأزمة الكبرى في قصص الحب فتكمن في أن "كيوبيد" المتمثل في ملاك صغير يمسك قوساً ونشاباً يملك أن يوقع شخصين اثنين في الحب بغض النظر عن ظروفهما ومسؤولياتهما ومجتمعيهما.
إن لسهام "كيوبيد" تأثير سحري لا مفر منه، فبمجرد أن يصيب السهم القلب لا بد من أن يدخل المرء دوامة الحب الشديد المجنون، فيظهر "كيوبيد" في التمثيلات القديمة وهو يسحب قوسه لزرع الحب وصبه في قلب إنسان فان أو إله خالد من دون تمييز وعلى حد سواء، فما هي تأثيرات إله الحب اللعوب هذا على أبطال الأعمال الأدبية العالمية وما هي أبرز قصص الحب التي وسمت تاريخ الأدب؟
"روميو وجولييت" (1597)
يعتبر هذا العمل المسرحي من أعظم أعمال الكاتب الإنجليزي وليم شكسبير (1564-1616) ومن أشهر الأعمال الأدبية عموماً وأكثرها شهرة في العالم على رغم مرور قرون على ظهوره، وتدور أحداث هذه المسرحية التراجيدية في فيرونا بإيطاليا لتروي قصة عاشقين يافعين لم يجتمعا لعداوة بين عائلتيهما، فعلى عكس قصص الحب المتعارف عليها والتي تفشل بسبب الفوارق الاجتماعية والطبقية بين العاشقين، يتجلى الحاجز بين روميو وجولييت مختلفاً عن ذلك هذه المرة، فجولييت تنتمي إلى "عائلة كابوليه" المعادية لـ "عائلة مونتاغ" التي ينتمي إليها روميو، وليست هذه العداوة بسيطة أو سهلة أو حديثة العهد بل هي عداوة مستشرية أوقعت قتلى من الطرفين وحولت قصة الحب هذه إلى مأساة تناولها الأدب والفن التشكيلي والسينما، واستوحي منها لسنوات طويلة وصولاً إلى يومنا هذا، وقد تكون قصة الحب هذه من أشهر قصص الحب الكلاسيكية التي لا تزال تدرس في المدارس على رغم مرور الزمن عليها.
"كبرياء وتحامل" (1813)
تعتبر هذه الرواية من أشهر روايات جين أوستن (1775-1817) الكاتبة البريطانية الغنية عن التعريف والمشهورة برواياتها الرومانسية وبقدرتها على سبر أغوار النفس البشرية، وتتناول هذه الرواية التي تم تحويلها إلى المسرح والسينما مراراً وتكراراً "عائلة بينيت" المكونة من أب وأم وخمس فتيات، وتنتمي إلى الطبقة المتوسطة من المجتمع البريطاني الريفي.
وبينما الابنة الأولى وهي فتاة بارعة الجمال، تظهر الابنة الثانية إليزابيث على أنها هي البطلة القوية المتماسكة التي يدور السرد حولها ويرافقها، فتلتقي إليزابيث في إحدى سهرات المنطقة بالسيد دارسي نموذج الرجل الأرستقراطي البارد الصامت المتكبر الآتي من لندن لإمضاء وقت قصير مع صديق له ينتمي هو الآخر إلى طبقة أثرى أثرياء لندن، وبعد لقاءات غير ودودة بين إليزابيث والسيد دارسي تبدأ ملامح قصة الحب بالتكون، بخاصة وأن إليزابيث تكتشف أنها ظلمت السيد دارسي الطيب الكريم الذي يبدو متكبراً فقط لكونه رجلاً خجولاً لا يحبذ إقامة أحاديث بسيطة مع الناس.
من هنا عنوان الرواية القائم على صفتين تعود كل منهما إلى أحد العاشقين، فالكبرياء صفة السيد دارسي والتحامل أو الظلم على أساس أحكام مسبقة هو صفة إليزابيث.
"أوجين أونيغن" (1823-1831)
ظهرت هذه الرواية الشعرية على دفعات وقد كتبها الشاعر الروسي ألكسندر بوشكين (1799- 1837) الذي يعتبر تاريخياً أعظم شعراء روسيا، وتدور أحداث هذه الرواية حول أوجين أونيغن، شاب ثري يعيش في سانت بطرسبورغ وينعم بحياة رخاء وبذخ ورفاهية، ويجد أونيغن نفسه ذات يوم مضطراً إلى الانتقال إلى الريف بعد وفاة عمه ليرث ممتلكاته وثروته الطائلة، فيتعرف أوجين في الريف على شقيقتين مختلفتين اختلاف الليل والنهار، فالأولى تاتيانا فتاة رومانسية حالمة صامتة منعزلة، بينما الشقيقة الثانية أولغا فتاة مفعمة بالحياة والبهجة والحركة.
وبينما تغرم تاتيانا بأوجين يغرم هو بشقيقتها التي تشبهه بطبعها وشخصيتها ما يحثه على رفض القبول بتاتيانا حبيبة له عندما تصارحه هذه الأخيرة بحبها له، وتمر الأعوام وتختفي الشقيقتان ويعود أوجين للعاصمة سانت بطرسبورغ ليلتقي بتاتيانا من جديد، ويكتشف أنها أصبحت سيدة مجتمع راقية جميلة مشعة وقبلة أنظار الرجال، فيغرم بها أوجين ويندم على رفضه السابق لها ويروح يتلوى بنيران العشق المستحيل لكون تاتيانا قد تزوجت من جنرال في الجيش.
ومع تتالي الرسائل التي يرسلها أوجين لتاتيانا يكتشف أنها لا تزال على حبها له، وعلى رغم مرور السنوات إلا أنها ترفض أن تنصاع لمشاعرها أو أن تخون زوجها حاكمة بذلك عليه وعلى نفسها بالحزن الأبدي.
"مرتفعات ويذرينغ" (1847)
عرفت الروائية البريطانية إميلي برونتي (1818-1848) بروايتها الوحيدة "مرتفعات ويذرنغ" التي تعتبر من كلاسيكيات الأدب الإنجليزي، وإميلي التي لقبت بـ "أبو هول الأدب البريطاني" عرف عنها أنها انطوائية وانعزالية وخجولة، وإميلي التي لم تعرف في أوساط مجتمعها الأدبية هي الأخت الثانية من الأخوات برونتي، فهي أصغر من شارلوت صاحبة "جين أير" وأكبر من آن صاحبة "نزيل قاعة ويلدفيل".
نشرت إميلي برونتي عملها هذا باسم إيليس بيل ولم تنل رضى مجتمعها لما في نصها من مشاعر سوداء قاتمة على عكس رواية شقيقتها شارلوت برونتي "جين أير"، فدينت رواية إميلي باعتبارها قصة حب وشغف وانتقام مدمر، وشكلت صدمة لأبناء عصرها لما فيها من جرأة وشحنات عواطف غير مألوفة.
ويذكر أن نص إميلي يكاد يخلو من شخصية واحدة متماسكة يمكن أن يتعاطف معها القارئ، وتدور أحداث الرواية حول هيثكليف الصبي المتبنى الذي يغرم بكاثرين ابنة والده بالتبني، وبينما يغرق الجزء الأول من هذه الرواية في مشاعر الحب الجارف التي يكنها هيثكليف لكاثرين، تطغى على الجزء الثاني رغبة هيثكليف بالانتقام من محبوبته التي لم تتزوجه بل تزوجت إدغر لينتون المنتمي إلى عائلة أرستقراطية مرموقة، ليكون الحب في هذه الرواية وقود الانتقام والمحرك الأول والوحيد للأحداث والشخصيات كلها.
"جين إير" (1847)
نشرت شارلوت برونتي (1816-1855) شقيقة إميلي برونتي روايتها "جين أير" في العام نفسه الذي ظهرت فيه "مرتفعات ويذرينغ" وصدرت الرواية باسم مستعار وهو كورير بيل. وتعتبر هذه الرواية من كلاسيكيات الأدب الإنجليزي، كما وينظر إلى البطلة جين على أنها نموذج المرأة المعذبة التي لم تهنأ بطفولتها ولا بعملها ولا بقصة حبها وهي التي أغرمت بالسيد روشيستر صاحب البيت الذي تعمل فيه، فتدور القصة حول جين التي تقع في حب رب عملها السيد روشيستر وتروح تتعذب ظناً منها أنه مغرم بسيدة من المجتمع المخملي الذي ينتمي إليه، لكن السيد روشيستر يعود ليعترف لجين بأنه يبادلها الحب لتبدأ تحضيرات الزواج السعيد.
لكن القصة لا تنتهي هنا وبهذه البساطة، فتلاحق المآسي جين لتكتشف أن السيد روشيستر كان متزوجاً مسبقاً وأن زوجته الأولى لا تزال حية وبالتالي فزواجهما لا يزال سائراً، فتتطور الأحداث وتمتد ليالي الحزن والألم بجين التي تقرر الرحيل عن بيت السيد روشيستر على رغم ما سيخلفه ذلك من حزن في قلبها، وقد تكون هذه الرواية من روايات الحب القليلة التي تنتهي نهاية سعيدة، فبعد سلسلة أحداث متشابكة وبعد مرور أشهر سوداء يعود الحبيبان ليجتمعا بسبب توالي ظروف غير متوقعة.
"غادة الكاميليا" (1848)
نشرت هذه الرواية أول مرة سنة 1848 وهي إحدى روايات ألكسندر دوما الابن (1824-1895) ثم حولت إلى مسرحية، وتدور أحداث هذه الرواية حول المحظية المشهورة مارغريت غوتييه الباهرة الجمال الذائعة الصيت والتي عرفت رجالاً كثراً في حياتها وعاشت سنوات شبابها محاطة بالحرير والشامبانيا وأثرى رجال الطبقة المخملية، وتغرم هذه الغادة التي كانت تتزين دوماً بالكاميليا بالشاب أرمان دوفال المتحدر من عائلة عريقة، وبسبب تاريخ مارغريت وسمعتها يرفض الوالد تزويج أرمان منها ويطلب منها الابتعاد من ابنه حماية لسمعة العائلة ومنعاً من التأثير على فرص شقيقة أرمان بإيجاد زوج مناسب من الطبقة المخملية من المجتمع، فتنتهي قصة الحب بابتعاد مارغريت من أرمان لحمايته وحماية عائلته على حساب حبها ومشاعرها، بينما يظن أرمان أن مارغريت تركته بسبب رجل آخر أثرى منه، ولا يكتشف أرمان خطأه إلا بعد فوات الأوان ووفاة مارغريت التي ظلت وفية له حتى آخر يوم في حياتها.
"مدام بوفاري" (1857)
قد تكون رواية "مدام بوفاري" للكاتب الفرنسي غوستاف فلوبير (1821-1880) من أشهر روايات العشق الجامح المتعارض مع الملل الزوجي، فتتناول هذه الرواية التي تمتاز بواقعيتها وجمالية كتابتها قضية تأثير الأدب والروايات على الحياة وعلى دواخل البشر، فإيما بوفاري الفتاة الحالمة القارئة النهمة تتزوج من طبيب المنطقة شارل بوفاري، وهو رجل له مكانته في المجتمع وينتمي إلى الطبقة المتوسطة منه ظناً منها أنها ستعيش برفقته حياة مليئة بالمغامرة والسهرات والبهجة، لكن شارل يتجلى رجلاً جدياً مملاً صامتاً يميل بطبعه وبتربيته إلى العزلة والاقتصاد والهدوء لدرجة تحبط الفتاة الشابة المفعمة بحب الحياة والبذخ والمغامرة، وعندها تقع إيما في فخ الحب وتروح تتنقل بين عشاقها بحثاً عن وهم الحب والسعادة لتكون نهايتها أبعد ما يكون من ذلك.
وعلى رغم العلاقات التي تقيمها مدام بوفاري مع عشاق كانت على استعداد للهرب من بيتها الزوجي لتكون معهم، لا يظهر في نص فلوبير أي لفظ خادش للحياء أو أي مشهد إباحي في تعارض بارز ولافت لقصص حب أخرى تم تصنيفها أحياناً بالإباحية من قبل الذين رفضوها أخلاقياً.