افترض هنا عزيزي القارئ، أن لديك مهمتين عليك القيام بهما؛ واحدة منهم ليست بتلك الأهمية ولكن يجب القيام بها بسرعة، والأُخرى مهمة ولكنها ليست طارئة.
أظهرت دراسة حديثًا، أن غالبية الناس قد تختار ما يُعاكس مصالحهم الشخصية لإنجاز المهمة المُستعجلة والأقل أهمية. علاوةً على ذلك، أنك كلما كنت مشغولًا وتشعر أكثر بالإجهاد، على الأرجح ستختار المهمّة المُستعجلة.
تؤكد الدراسة التي نُشرت مؤخرًا في مجلة “بحث المستهلك” بعضًا من أسوأ مخاوفنا؛ إننا غالبًا سيئون في وضع وترتيب أولوياتنا، إضافًة إلى أن العالم الحديث يجعل هذه المشكلة أسوأ.
قالت “مينغ زو”؛ وهي باحثة في سلوك المستهلكين من جامعة هوبكينز والمشرفة الرئيسية للبحث: «أحيانًا ننشغل جدًا بالإطار الزمني للأشياء وضرورتها المُلحّة بحيث ننسى النتائج وتغيب عن اذهاننا؛ إننا لا نسأل لماذا أو هل نحتاج لفعل هذه الأشياء أم لا».
حقيقًة، نتج ذلك البحث من جراء الإحباطات التي واجهتها “زو” إزاء قراراتها في الحياة؛ فقد وجدت نفسها تؤجل أمور شخصية مهمة موجودة على قائمة مهامها –مثل الذهاب لرؤية طبيبها– وحشو أيامها بمهام ضاغطة مثل الرد على بريدها الإلكتروني، والذي غالبًا ما يكون قليلًا.
قالت “زو” أنها تلّقّت منذ عدة سنوات نداءً للتيّقظ والانتباه، عندما اكتشف عدّة أصدقاء مقرّبين لها بأن لديهم مرض السرطان بمراحله الأخيرة – حالات كانت من الممكن أن تتشخص أبكر من ذلك، ما جعلها تنظر بجديّة إلى كيفيّة تحديد أولويات المهام في حياتها.
قالت “زو”: «إذا فكرتم بالأمر، فإن فحصًا سنويًا عامًّا من الممكن أن ينقذ حياتكم، ولكن نحن –أو بالأخص أنا- دائمًا ما أؤجل ذلك لأنه لا يوجد موعد محدد له، هناك دائمًا تقارير وأوراق مطلوبة ليوم غد».
قامت “زو” ومشرفون مشتركون معها في هذا البحث من جامعتين أُخرتين بتصميم التجارب في محاولة لفهم الآلية النفسية وراء ذلك السلوك.
على مدى عدة جلسات في المختبر، قاموا بعرض مهمتين على 124 شخصًا؛ كلتاهما تتضمن كتابة انتقادات لمنتٍج ما، وقيل للمشاركين في التجربة أن الفرق الوحيد بين هاتين المهمتين هو أن المكافأة قد خُصّصت بشكل عشوائي لكل مهمة، وهي ثلاث قطع شوكولاتة لإكمال واحدة، وخمس قطع شوكولاتة لإكمال المهمة الأخرى.
تقريبًا، اختار الكل المهمة التي تقدم كمية الشوكولاتة الأكبر. لكن بعد ذلك، قام الباحثون بإضافة عنصر الاستعجال.
فقد أخبروا مجموعة أخرى من المشتركين أن إحدى المهمتين يجب أن تنتهي خلال العشر دقائق القادمة، والأخرى خلال الأربع والعشرين ساعة القادمة.
وقد حرص الباحثون على أن ما يفكر به المتطوعون هو أنه هناك برنامجًا على الحاسوب يقوم دائمًا بربط المهمة المُستعجلة بقطع الشوكولاتة الأقل. ورغم ذلك، 31٪ من المشتركين اختاروا العمل على المهمة المُستعجلة أكثر ولكن ذات المكافأة الأقل!
في التجارب اللاحقة، استخدم الباحثون المال بدلًا من قطع الشوكولاتة. وأيضًا حالما دخل عامل الاستعجال، بدأ العديد باختيار المهمة الأكثر إلحاحًا حتى لو كان المكسب منها أقل.
أثناء الاستطلاعات، وجد واضعوا البحث أن الأشخاص الذين هم أساسًا مشغولون في حياتهم كانوا أكثر ميلًا لاختيار المهمة المستعجلة.
قالت “زو”: «من المُعتقد أن الأشخاص الذين يكونون مشغولين، دائمًا ما يتأثرون بضغط الوقت. يبدو الأمر وكأنه تغيب عن أذهانهم الغاية الأساسية للمهمة ويتابعونها ببساطة فقط من أجل إنهائها».
بالطبع، لم تكن تلك الفكرة “التحيّز نحو الأمور المُستعجلة” جديدة بالنسبة للمستهلك وللأبحاث المتعلقة بالسلوك، إنها على سبيل المثال لا الحصر.
وعلى هذا الصدد، نجد المتاجر قد توفّر عروضًا لمدة محدودة، وكذلك المقدّمون في شبكة التسوّق المنزلية يقولون: «اتصلوا الآن، قبل نفاذ الكميّة».
قال “أشواني مونغا”؛ الذي لم يكن مشاركًا في هذه الدراسة الجديدة، ولكنه باحث في شؤون المستهلكين منذ وقت طويل في جامعة راتجرز: «الاكتشاف المهم هنا ليس فقط أن المدة الزمنية هي عامل في صنع القرار، ولكنها تستطيع التغيير في حساباتك بشأن اتخاذ القرار».
نحن غالبًا ما نفكر في وقتنا كوسيلة لتحقيق غاياتنا. لكن، ذلك يظهر أنه ببساطة إعطاء الأشياء مدة زمنية أقصر، يصرف انتباه الناس من العائد والذي هو العامل الرئيسي- إلى الانتباه للوقت.
بعبارةٍ أُخرى، يتوقف الوقت عن كونه وسيلة لتحقيق غاية ويصبح هو الغاية!
المشكلة هي أننا نركز على الأمور الخاطئة في الحياة والتي تعاني منها البشرية منذ قديم الأزل. يقول “الكتاب المقدس”: «استفد إلى أقصى حد من كل فرصة في هذه الأيام المظلمة». رسالة إلى أهل أفسس
في الآونة الأخيرة، استُخدم بشكل شائع ما يسمى بـ “مصفوفة القرارات”؛ والتي تم إنشاؤها اعتمادًا على مبادئ الرئيس “دوايت د.ايزنهاور” لمساعدة الناس في ترتيب مهامهم إلى مهمات ضرورية “سواءً المُستعجلة أو المهمة” ومهمات يجب تجنبها “الغير مُستعجلة والغير مهمة”
تستند المصفوفة على مقولة منسوبة إلى “أيزنهاور”: «أنا لدي نوعين من المشاكل، المُستعجلة والمهمة؛ المُستعجلة ليست مهمة، والمهمة ليست بمُستعجلة أبدًا».
خلال العقد المنصرم، كانت هناك مجموعة من الأبحاث العلمية المتزايدة التي تركز على اتخاذ القرارات، التوجيهات والتحكُم بالنفس. جزء كبير من العمل يبيّن أنه طالما يقع وقتنا وانتباهنا تحت ضغط متزايد باستمرار، فإنه يُغيرُنا كمجموعة وكأفراد.
أصبحت “زو” تدرك تمامًا الحاجة لوضع الأمور الهامة في حياتها أولًا، وخاصًة بعد ولادة طفلها الثالث الشهر الماضي. لكن حتى بالنسبة لها، فإن وضع ما تعرفه و يجب أن تفعله موضع التنفيذ يستمر في كونه معضلة.
فقد ذكرت في مقابلة هاتفية لها: «لقد وعدت نفسي مع هذا الطفل الجديد، أنّي سأضع الأمور الأكثر أهمية أولًا».
واستمرت “زو” قائلًة: «إن السبيل للتصدي لنزعتنا الفطرية تجاه الأمور المُستعجلة، هو أن نفكر بالنتائج قبل الاندفاع نحو اتخاذ القرار».
توصي “زو” وباحثون آخرون بعادات أخرى، وهي أن نتخذ خيارات مدروسةً في الوقت الحالي لتمنع نفسك مستقبلًا باللاوعي من اختيار الأمور المُستعجلة وليس المهمة؛ على سبيل المثال، وفّر الوقت لتعمل على أشياء مهمة، اضبط وقتك أو ضع حدودًا زمنية لاستخدام بريدك الالكتروني أو هاتفك الذكي.
ذلك يساعدنا أيضًا على الانخراط بشكل اعتيادي في التفكير طويل المدى و الرؤية الأشمل للأمور. قال “مونغا” هذا، والذي يركز بحثه على كيفية اختيار الناس للعيوب والميزات المرتبطة بالسلوك.
قال “مونغا” في أبحاثه المتعلقة بضبط النفس: «نواجه ذلك الاختيار معظم الوقت، كأنك تختار بين أكل شطيرة من البرغر الآن مقابل ممارسة التمارين على مر الوقت. أيّ شيء يُدخل دماغك بالتفكير طويل الأمد غالبًا ما يساعدك بإعطاء القدرة على اتخاذ قرارات أفضل في الوقت الحالي».
المصدر:ibelieveinsci